أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - أنتصار الإنسان















المزيد.....


أنتصار الإنسان


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6892 - 2021 / 5 / 8 - 14:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الدين الذي جاء ليبني جزء مهم وأساسي من الحياة وخاصة في الجانب الروحي الأكثر إلتصاقا بالإنسان وواقعه كفرد معرفي وكائن وظيفته أن يكتشف ويعرف ويبني ويخطط، هو الحامل لروح الحياة وديموميتها وفق معادلات قانون البقاء الشمولي المطلق الذي بموجبه وجدت وأستمرت حركة الوجود، وما عدا ذلك تبقى بعض العقائد مجرد قراءة بشرية معرفية ترتبط بالإنسان كإنعكاس لرؤيته وتفسيراته الخاصة لحركة الوجود، وقد لا تتماهى مع القانون الوجودي الأول ولا تعبر عنه مهما أمتلكت من أنتشار وأعتقاد واسعين، لأنها في النهاية ستتأكل كلما أكتشف الإنسان بتجربة الوعي عدم قدرتها على الإجابة على السؤلات والإشكاليات المصيرية التي تفرض بتحديها عليه ضرورة الإجابة المنطقية عنها.
وبالنهاية يبقى الدين والعلم والمعرفة كلها أدوات خادمة للإنسان ومسيرة ومسخرة لأن تكون جزء من المنهج الذي يوصله إلى النهايات التي تقترب من حدي الخير والأحسن، وأيضا هذه المكونات الفكرية تبقى جزء من المنظومة الأخلاقية السلوكية الكبرى التي تفرض واقعها ووجودها على الواقع دون أن نتدخل في قضية الدور أو الوظيفة الخاصة بها، الوظيفة الوجودية الأخلاقية بمعناها الشمولي والتي تنتهج ذات المنحنى الذي في نهايته شيء من الكمال الطبيعي النسبي، هو ما يمنحها قوة البقاء ويقربها من قانون الوجود الكامل والمطلق، الخلل إذا ليس في هذه المسميات أبدا ولكن إشكالية فهم الإنسان لها ولدورها وكيف يرى نفسه وذاته من خلالها وبها، هو سر التدهور الذي أصاب الواقع الإنساني والذي دفع الكثير من البشر التمرد عليها، وأحيانا يتهمها بالبربرية اللا أخلاقية والعبث العدمي، الإنسان هو بيده من يجعل الحياة جنة بما يشاء وأيضا هو الإنسان يتحول لشيطان مدمر حين يركب الأنا وتركبه .
عندما نبحث في أديان الإنسان وعقائده لا نبحث عن الفكرة أساسا ومن أين أتت ولماذا أتت وكيف أتت بمقدار ما نبحث فيها عن الإنسان المفكر المعرفي الذي يؤمن بأن وجوده جزء من وجود أكبر وأعظم منتظم ومتوافق ومساير لهذا الأنتظام والتوافق بدرجة ما، وكما العلم التجريدي يبحث في تركيبة الكون ونظامه المادي ليوصلنا إلى منطقة العلم بها ومحاولة تسخير المنتج العلمي لحياة أفضل، فالدين من جانبه يبحث في العلائق الروحية والارتباطات المثالية التي تنتظم تحت نفس القانون ونفس الإطار الوجودي الذي يجمعنا بالوجود معلومه ومخفيه، فلا الدين يمكن أن يكون بديلا عن العلم ولا العلم يحل محل الدين حتى نصل إلى درجة التكامل والتوافق بينهما على أنهما وجهان لقضية واحدة فيها ما هو مثالي يفهم علميا، وفيها مادي مقبول من الجانب المثالي لأنهما من مصدر واحد ولأجل مفهوم ورؤية واحدة.
إن أنتصار الدين لا يعني هزيمة للعلم وقوانينه ومعادلاته ونتاجه الكلي، كما أن إثبات العلم لقوانينه ومعادلاته لا تعني أبدا نهاية الدين وهزيمة المثالية الكمالية في حياتنا نحن البشر، فكلا الموضوعين هما قضية الإنسان الأولى ومحل تجربته الوجودية التي يثبت فيها قدرته على فهم ذاته وفهم قوانين الوجود التي يعيش كجزء منها، وفي الأخر هو المنتصر الذب سيكون أكثر قدرة على البقاء معرفيا، وهو من يكسب السباق ضد الجهل والخرافة والتفكير السطحي واللا منطقي الذي يزيد من حيرته ويرمي به في مهاوى الضياع والتيه، فعملية دراسة ونقد الدين لا تعني أبدا محاولة إسقاطه لنبحث عن بديل، بقدر ما هي محاولة للتصحيح والأكتشاف وتغيير مسارات الفكر نحو الطرق الأكثر توافقا مع الحقيقة في وجهها المطلق التي يعبر عنها قانون الوجود بشكل حدي وقطعي.
من هذا المبدأ ستكون بداية البحث والتقصي في واحدة من الديانات الكبرى الخمس في العالم، والتي يؤمن بها الإنسان على أنها طريق خلاصه الروحي والإجابة عن جزء من سؤال الوجود، لكن يبقى الهدف العلمي المجرد والحيادية في الرؤيا منهجنا نحو الحقيقة، لا نريد أن نقول أن هذا الدين أو ذاك هو دين كامل وصالح ومستقيم بقدر ما تقوله نتائج البحث نقدا ومقارنة ومقاربة وواقع يفرض نفسه عقلا ومنطقا، الحقيقة التي تبني نفسها بأدوات المنطق والعقل هي من تجيب وهي من تفرض رأيها بالنهاية، قد نجد ضالتنا أو أحيانا تغيب بعض أجزائها عنا، لكن هذا لا يعني أننا نؤمن بأننا وصلنا مشارف الحقيقية ولو نسبيا، فالحقيقة لا تحتكر ولا تؤطر في حدود فهمنا ولا في حدود رؤيتنا، إنها أكبر من أن توضع في سلة لتقدم للناس ويحتفل بها، أو نضع حقيقة الأخرين كما يرونها في سلة الإهمال والترك لأنها لا تتوافق مع قياساتنا وتقديراتنا لها.
أستطيع الآن الجزم بأن الأخلاق كواجهة معرفية بشرية والدين كذلك هما منجز معرفي بشري خالص بالنتيجة يعود فيه الفضل للعقل السليم، وليس العقل الذي ينشغل في البحث بالزوايا الميتة من الحياة والتي ينشغل العقل فيها أولا دون أن يدرك أن الحياة تعني الحركة والنمو والتطور والتجديد على أعتبار أن الثابت الوحيد الذي أؤمن به هو حتمية التغيير والتجديد، وما دام الدين هو كما وصفنا عنصر متجدد ويتجدد على الدوام ويتطور مع التجربة الإنسانية المحضة حتى مع أرتباطه بالفوقي اللا مباشر، هنا وجب على الإنسان أن يراجع مفاهيم التأسيس في كل مرة ويلاحظ مقدار الحاجة للتغير نقدا وتمحيصا وأكتشافا، وعليه أن يقارن في النتائج التحصيلية في كل مرة مع مقدماتها الضرورية، لأن الله تعالى عندما تدخل في هذا الموضوع تدخل على أساس نفس النتائج الفحص والمعايرة بمعناها الحاجة للتجديد والتطور، بمعنى أن تكرار إرسال الرسل بين الفينة والفينة وتغير بعض المفاهيم التي تطورت ونضجت في الفهم الإنساني، إنما يؤكد للبشر أن طريق النضج العقلي لابد أن يكون مفتوحا إلى أقصى مدى حتى تتجدد به الحياة وتكبر الصورة في العقل المؤمن نحو نسبية الكمال البشري .
إذا من صنع وحرك التناقض والتضاد والصراع بين الإيمان والكفر وبين الإيمان الديني وحقيقة العلم ليس النص الديني بمحموله الأخلاقي، ولا رغبة الديان في فرض نظام الإيمان الإجباري بما يريد ويتحكم بالوجود من خلاله، بقدر ما صنعه الإنسان بفكرة تبدو في ظاهرها عامة وحقيقة وجودها وتبلورها قضية ذاتية، أصحاب الأديان بشر من بقية الناس يحاول كل منهم أن يدافع عن فكرته ودينه ومعتقده مبتدأ أولا بالعقل ومنطق المعرفة، اللحظة التي ينهزم فيها العقل أو يتضعضع هذا المنطق تتحرك النفس الإنسانية وفقا للكيفية التي تكون عليها من علاقة بالعقل لتفرض واقع أخر، واقع المزاحمة والشد والأقصاء والتغرب ومحاولة أستثمار أنانية لمصلحة ضيقة محصورة في الذات المتضخمة التي لا تسمح بالفهم الحقيقي كما لا تسمح بالحوار والتطور ورؤية الأخر بلا غطاء، البعض يجذبه المعيار العقلي وينحاز له ولا يعتد بالفكرة السابقة إلا بالقدر التي ترضي معاييره العقلية المحدودة، وآخرون سرعان ما تنهزم أمامهم قوة الحجة العقلية ويختفي خلف ستار الأنا ليرفض كل منطق مواز، حتى منطق العقل الذي كان قبل قليل مستحكم لديه وحاكم له بما أرتضاه وزعم به، هنا يبدأ تحول الصراع إلى صراع أضداد وتناقض بدل أن يكون تنازع فكري على يقينيات وبراهين ممكنة الإثبات والنفي .
إذا الإصلاح الديني له محركات وضروريا وحتميات علمية لأنها تخضع في جميع الأحوال لمنطق قانون الوجود شئنا أم أبينا، حرصنا أن ندافع عن عقائدنا أو تركنا الأمر للظروف، إنها الحقيقة الثانية التي يجب أن تحترم كما هي وما تستوجب، الإصلاح الديني يبدأ من فكرة أن الخطاب الديني العام الراهن في كل الأديان والمعتقدات لم يعد مناسبا لحركة الإنسان والمجتمع، ولا مع أخلاقيات وأفكار المعرفة الإنسانية التي تبني نسارعها وزيادة تعجيل السرعة فيها خضوعا لمنطق الزمن وحركته، وبدون هذه الممارسة النقدية الواعية سنبقى ندور في خانة التحجر والنكوص والعودة للوراء بدل أن نتخطى المسافات لنصل إلى منطقة مدار الحقيقة المجردة من الرغبة الذاتية، ودون أن ننتج فكر إنساني حر يرتقي بالإنسان وبالدين كرافعة فكرية، وليس مجرد عبادات وطقوس جوفاء تؤدى بالتقليد واللا وعي بجوهرها ومضمونها القصدي الإصلاحي.
إن ما يطلق عليه اليوم أصطلاحا بعصرنة الفهم الديني أو محاولة نقل الدين بمنظومته الفكرية كاملا إلى أجواء العصر الحديث ومتطلبات التحول الكوني في العالم، وإن كان مشروعا خلاقا وحلا جذريا لإشكاليات انقطاع الزمنية فيه ومراوحته في حيز التاريخية وأحكامها، يبقى هذا الحلم البشري مجرد شعارات تبحث عن ترجمات واقعية ومحاولات علمية وعملية تحقيقها مرتبط بالزمن، حتى تجد المفتاح الأساسي وهو العنصر الناقل الذي يقدم المشروع برؤيته التي تكلمنا عنها، إذا العصرنة المطلوبة لا تتعلق بالدين حصرا وإجباره بالقوة أن يكون عصريا من خلال الإخلال بجزء من منظومته الفكرية، أو محاولة تجزئتها التي نعدها وحدة متكاملة ومترابطة وبنسق واحد موحد، بقدر ما تتعلق بعصرنة فهم الإنسان لذاته فهما وإدراكا ورغبة وسلوكيات تحاول أن تتقرب من متطلبات العصر وقوانينه، دون أن يتقاطع مع أساسيات الجزء الروحي فيه الذي لا يمكن إلا أن يشغله طبيعيا إلا الدين وأجواءه.
قد يتهمنا البعض أننا نربك في بعض أساسيات الفكر الديني المتأصل في وعي الإنسان ونحاول الأعتداء على الإيمان بالدين، هذا الإرباك في الحقيقة ليس من جانبنا ولا نتبرأ منه، ولكن ما نمارسه من نقد فكري إنما نمس به التابو التقليدي الذي يتمسك به الكثيرون دون فهم لحقيقته، ولا تنتمي لجوهر الفكرة بذاتها بعيدا عن كونها جزء من الإيمان بالدين أو هي نتاج أفكار بشرية عن نتائج قراءة ما، التدين التقليدي ليس حلا ولا يمكن أن تكون حلا إلا إذا أمنا وأقول مخاطبا المؤمنين بكل دياناتهم، أن مشاريع السماء بالنتيجة كانت كلها فاشلة ولم تنتج حلا حقيقيا للإنسان، وإلا ما معنى أن تكون لنا أديان ورسل وكتب وعبادات نؤمن بها ولن تستطيع أن ترسي للحلم الإنساني بالعدل في الواقع، فهل هذا أن التخلي عن الإيمان لصالح المجهول الذي سوف يملكنا قدرات أعظم وأكبر مما سبق من أنبياء أو رسل؟ ولماذا تأخرت السماء بالحل أصلا وهي ترى أن الإنسان عبث وأفسد وأظلم ولا بد جواب وحل؟.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فكرة الفادي وعلاقتها بالخطيئة الأولى _ ح3
- فكرة الفادي وعلاقتها بالخطيئة الأولى _ ح2
- فكرة الفادي وعلاقتها بالخطيئة الأولى _ ح1
- محبة الجميع
- النداء الأخير
- عيسى عبد الله ورسوله
- صورة الله في سفر أيوب، الرب الذي يستكرهه الشيطان
- ذاتيات فردية
- عيسى أبن الله ح2
- عيسى أبن الله ح1
- وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ
- بين رائحة النرجس والطين
- إلى الشهيدة الشاعرة سميرة الأشقر
- إنها الحرب يا أمي.....
- الحساب والمحاسبة كمفهوم ودلالات في النص القرآني
- إشكالية الخمس والمخمس في الفقه الإسلامي بعد الرسول
- وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ
- فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
- نداء من فوق
- نحن والملح والموت


المزيد.....




- أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام ...
- اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع ...
- شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه ...
- تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال ...
- مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
- تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
- بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
- الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي ...
- القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - أنتصار الإنسان