|
النضال من أجل إحباط صيغة -التعليم عن بعد- مهمة في صلب معركة التصدي -لمخطط الرؤية الاستراتيجية 2015/2030-
مروان الاحمر
الحوار المتمدن-العدد: 6891 - 2021 / 5 / 7 - 20:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعتبر التعليم أداة لتحقيق السيطرة الإيديولوجية للطبقات المسيطرة من داخل كل مجتمع وبالتالي تعزيز سيطرتها الاقتصادية والسياسية على بقية الطبقات. ولهذه السيطرة أهمية بالغة من أجل تطور الانتاج الاجتماعي في خدمة مصالح الطبقات الحاكمة، بمعنى أن تحقيق السيطرة الإيديولوجية أمر ضروري لإعادة إنتاج نفس علاقات الإنتاج القائمة، وزوال هذه السيطرة يهدد بالضرورة استمرار سيطرتها الاقتصادية والسياسية.
وانطلاقا من هذا التحديد النظري الموجز، تتبين أهمية إخضاع قطاع التعليم لمصالح الطبقات الحاكمة، وذلك عبر العمل على تنزيل جملة من المخططات الطبقية التي تكرس نخبوية وطبقية التعليم. وفي علاقة بالمجتمع المغربي، فإن تبعيته البنيوية لدواليب الإمبريالية العالمية (في إطار التقسيم الدولي اللامتكافئ للعمل) تحول دون قيام اقتصاد وطني حقيقي، الشيء الذي ينعكس على باقي المستويات ويفسر الواقع المتردي الذي تعيشه جميع القطاعات الحيوية بالنسبة للشعب المغربي(التعليم- الصحة- الشغل...). إذا فالأزمة التي تعيشها هذه القطاعات الحيوية هي انعكاس موضوعي للأزمة البنيوية التي تعيشها البلاد ككل.
وفي ما يخص قطاع التعليم بالمغرب، فإن وضع التردي المزمن الذي يعيشه هذا القطاع والذي يتفاقم يوما بعد يوم نتيجة "الاصلاحات" التي شهدها منذ الإستقلال الشكلي إلى حدود الآن والتي كان أبرزها "الإصلاح الجامعي" و"الميثاق الوطني للتربية والتكوين" والذي لايزال (رغم اعتراف الدولة رسميا بفشله) يعتبر إطارا مرجعيا لكل الاصلاحات اللاحقة (المخطط الاستعجالي 2009/2012 - الرؤية الاستراتيجية 2015/2030 وقانون الإطار 51.17- نظام الباكالوريوس). ومايهمنا في هذا المقال هو تسليط الضوء أكثر على "مخطط الرؤية الاستراتيجية" الذي تضمن "صيغة التعليم عن بعد" والتي تحاول الدولة فرضها في المرحلة الراهنة مستغلة المأساة الصحية العالمية أو ما تسمى ب "جائحة كورونا".
إن كل المخططات الذي يفرضها النظام السياسي القائم على قطاع التعليم هي من أجل ضمان استمراريته وسيطرته على هذا الأخير، وهذا ما جعله في المرحلة الراهنة يستغل الشروط التي يوفرها الوضع الوبائي ويسارع الزمن من أجل استكمال تنزيل مضامين مخطط "الرؤية الاستراتيجية 2015/2030".
ومن أهم مضامين هذه الرؤية: - تقليص الميزانية الموجهة لقطاع التعليم والاتجاه الحثيث نحو الخوصصة تحت ذريعة تنويع مصادر التمويل. - ملاءمة المدرسة والجامعة مع متطلبات السوق وربطهما بمحيطهما الاقتصادي (المأزوم أصلا). -اعتماد التعليم عن بعد بشكل اساسي في نظام الباكالوريوس. - فرض رسوم التسجيل والاجهاز على الجامعة ذات الاستقطاب المفتوح. - فتح المجال للشركات الخاصة لتدبير المرافق المدرسية والجامعية. ومنه يتضح لنا جليا الهدف من وراء هذه الرؤية وهو القضاء على مجانية التعليم وتقزيم محتواه العلمي والمعرفي لأقصى درجة.
فالخوصصة تعني تحويل التعليم الى سلعة وبيعه كباقي السلع وبالتالي اخضاعه لمنطق السوق والمنافسة، لأن المؤسسة التعليمية الخاصة تبقى في نهاية المطاف مقاولة مهما غلفت بالشعارات الديماغوجية. بتعبير آخر، فإن خوصصة التعليم العمومي تحت يافطة "جعل التعليم الخصوصي شريك رئيسي للتعليم العمومي" والتشجيع عليه في أفق تعميمه، يعني انقسام التعليم إلى تعليم خاص بأبناء الفقراء (تغيب فيه أبسط شروط التعلم والتدريس) وتعليم خاص بأبناء الأغنياء (يستفيد من كل الامكانات البيداغوجية والمادية واللوجيستيكية...). وفي غالب الأحيان تضطر الطبقات الشعبية رغم قلة إمكانياتها إلى طلب خدمات التعليم الخصوصي ولو على حساب احتيجاتها المعيشية اليومية. من جهة أخرى، فإن تشجيع ودعم التعليم الخصوصي على حساب التعليم العمومي يضرب في الصميم مبادئ الجودة والإنصاف وتكافؤ الفرص كأهداف أساسية تنادي بها "الرؤية الاستراتيجية" وتزعم تحقيقها. كما أنه يكرس عدم المساواة وعدم تكافؤ الفرص في الرقي الاجتماعي والولوج إلى الوظائف، فخريجي الجامعات الدولية والخاصة التي أصبحت تنبت كالفطر في كل مكان لا يمكن مقارنتهم بخريج الجامعة العمومية. كما أن أصحاب الإمكانيات في ولوج مختلف المعاهد العليا الخاصة، لا يمكن مقارنتهم بأبناء الشعب المغربي الذين لا يجدون أمامهم غير الجامعية العمومية ذات الاستقطاب المفتوح كمكتسب تاريخي لأبناء الشعب المغربي.
لطالما حاول الحكم الرجعي في البلاد تمرير مخططاته وتنزيلها مستغلا الشروط والظروف المرحلية عندما تكون موازين القوى لصالحه، حيث أنه استغل الظروف التي خلقتها جائحة كورونا بغية تمرير مجموعة من البنود التخريبية على قطاع التعليم وعلى رأسها "صيغة التعليم عن بعد". حيث عمد إلى إغلاق جميع المدارس والجامعات والمرافق التابعة لهما و"تعويض" الحصص الحضورية بالحصص عن بعد ابتداء من 16 مارس 2020، وبعد أشهر من البروباغاندا الإعلامية والتزوير في الأرقام والمعطيات كمحاولة لإضفاء المشروعية المفقودة من الأساس لهذه الصيغة مع اقتراب الامتحانات، سيتم رفع شعار "إنقاذ الموسم الدراسي والجامعي!!!.
ومع بداية الموسم الحالي استمرت الوزارة الوصية على القطاع في التشبت "بصيغة التعليم عن بعد" رغم النتائج الهزيلة التي حققتها خلال السنة الفارطة، هذه النتائج التي تبرهن بما لا يقبل الشك عن الفشل الذريع لهذه الصيغة على جميع المستويات (البيداغوجية والاكاديمية والتربوية والمعرفية والعلمية...) وعن أهدافها التخريبية للجامعة والمدرسة العموميتين. في الوقت الذي اعتمدت فيه جل الجامعات والمدارس والمعاهد الخاصة التعليم الحضوري.!!! كأن الفيروس التاجي يميز بين تعليم أبناء الفقراء وتعليم أبناء الاغنياء؟؟!!! فكيف يمكن تفسير هذه الانتقائية في ظل نفس الوضعية الوبائية؟؟!!!
إن الهدف الحقيقي من "التعليم عن بعد" ليس حماية صحة التلاميذ والطلبة وأبناء الشعب بل هو الإجهاز على التعليم العمومي وكل المكتسبات التي حققها الشعب المغربي لأبنائه في حقل التعليم، ومنه الإجهاز على الجامعة العمومية وكل المكتسبات التي حققتها الحركة الطلابية المغربية وطنيا ( الأحياء والمطاعم الجامعية، منح الطلبة، والنقل الجامعي ...).
إن رفضنا القاطع لصيغة "التعليم عن بعد" سواء كمخطط مرحلي أو استراتيجي ينبع من فهمنا العلمي لمشكل التعليم بالمغرب وعلاقته بمصالح البرجوازية الكمبرادورية الحاكمة، فالسياسات والمخططات الممنهجة في قطاع التعليم لا تخرج (ولا يمكن أن تخرج) عن التوصيات والإملائات التي تقترحها المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية على البلدان التبعية من أجل تسديد ديونها ذات الفوائد الثقيلة على كاهل الشعوب، عبر الخوصصة الشاملة لكل القطاعات العمومية الحيوية.
أما رفض هذه الصيغة من منطلق عدم توفر الإمكانات المادية (حواسيب، هواتف ذكية، أنترنيت...) هو إقرار ضمني بقبول هذا الشكل التخريبي من التعليم شريطة توفير الدولة للإمكانات التقنية واللوجستيكية والتي لن تتحقق هي الأخرى مادام الهدف من الاساس هو حرمان أبناء الشعب المغربي من حقهم الطبيعي والمقدس في التعليم وليس العكس. وفي هذا القول كذلك تقزيم لدور الجامعة في التكوين والتأطير المعرفي والسياسي وفي بناء شخصية الطالب (ة)، وحصر هذا الدور في جانبه التقني الضيق وهو الحصول على الشواهد.
واذا كانت الدولة عبر وزارتها الوصية تحاول خلق المبررات والأعذار لشرعنة هذا النوع من التعليم، فيجب فضح هذه المبررات الواهية لأن الشروط الصحية والوبائية لا تقف سدا منيعا في المرحلة لإقرار التعليم الحضوري، ومن جهة أخرى يجب فضح الفشل الذريع الذي منيت به هذه الصيغة في ضمان الاستمرارية التعليمية على جميع المستويات والنتائج الكارثية التي حققتها. وبالتالى فإن معركة إحباط "صيغة التعليم عن بعد" لها أبعاد استراتيجية متعلقة ومرتبط بالنضال من أجل التصدي لمخطط الرؤية الاستراتيجية 2015/2030.
مروان الأحمر بتاريخ: 06/05/2021
#مروان_الاحمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب
...
-
منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي
...
-
إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي
...
-
ألمانيا تكشف هوية منفذ هجوم سوق الميلاد في ماغديبورغ، وتتوعد
...
-
إصابات في إسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ حوثي
-
شولتس يتفقد مكان اعتداء الدهس في ماغديبورغ (فيديو+ صور)
-
السفارة السورية في الأردن تمنح السوريين تذكرة عودة مجانية إل
...
-
الدفاع المدني بغزة: القوات الإسرائيلية تعمد إلى قتل المدنيين
...
-
الجيش الروسي يدمر مدرعة عربية الصنع
-
-حماس- و-الجهاد- و-الشعبية- تبحث في القاهرة الحرب على غزة وت
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|