طارق حربي
الحوار المتمدن-العدد: 1632 - 2006 / 8 / 4 - 10:32
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
كلمات
-137-
يُهرع الأب إلى الصليب الأحمر باحثا عن ابنه المفقود منذ ثلاثة أشهر، دون أن يعثر له على أثر، يطمئنه أحد الموظفين قائلا : إترك اسمه وأوصافه.. ورقم تليفونك، لكينه ابنك لكَيناه..مالكَيناه خللي عينك بعين الله!!، ولم أجد توصيفا ل(خللي عينك بعين الله!!) إلا بأن حياة المواطن العراقي، أصبحت رخيصة بحيث لايمكن مقايضتها باي ثمن بخس، هل أقارنها بحياة فقراء الهند من مفترشي الأرصفة والساحات العامة!؟ كل صباح يوقظ عمال البلدية هؤلاء الفقراء بوخزهم بآلة حادة، فإذا أفاق أحد منهم يطردونه وينهرونه بعدم العودة إلى النوم في تلك الشوارع، ومن لم توقظه الوخزة تحمله العربات باعتباره ميتا ليلقى مصيره!؟
قتلا وخطفا وتغييبا لم أجد فارقا بين حياة المواطن العراقي في العهد الجديد، عنها في زمن النظام الساقط، المشهور بكثرة الأجهزة الأمنية وزوار الفجر والمطامير، ولاأبلغ من دلالة تخمة عزرائيل من الأرواح في وطننا، إلا بأن المؤسسات الصحية أصبحت غير قادرة على دفن الضحايا (1000 ضحية شهريا)، فراحت مكاتب الصدر والجمعيات الإنسانية تتعاون مع تلك المؤسسات، بتصوير الجثث وترقيم القبور وتسهيل إجراءات الدفن الأخرى.
هل من شك بعدُ أن العراق أصبح غابة حقيقية تحت ظلال - ولاأقسى منها- لغياب الأمن والقانون!؟، وهذه الأحداث تجري على الشاشات أولا بأول، وهل يشكُّ ذو عقل على أن هجرة الأكاديميين وحملة الشهادات، والعوائل المسيحية والصابئة إلى خارج الوطن، أصبح جزءا من مخطط إجرامي لسحق العراق وتدميره نهائيا!؟
هل أنا يائس إلى هذا الحد حينما أكتب : إذن فهو إنهيار يتلوه انهيار!؟
هل هو القنوط من مرحلة سياسية عاصفة حينما أندب السقوط المريع لأحلامنا البسيطة بعد سقوط الصنم!؟
لشدما يؤلمني، بعد نحو أربعة سنوات من السقوط المدوّي، عجز الحكومة حتى عن إدارة بغداد!، فقد حملت إلينا الأخبار يوم أمس، أنها فقدت السيطرة على أجزاء واسعة من العاصمة، لاسيما منطقة المنصور، حيث ينشط الإرهابيون وبقايا البعث ومخابرات الدول الأجنبية!
وتغرورق عينا الأب بالدموع بباب الصليب الأحمر ببغداد، ويعود القهقرى إلى بيته وعياله، وأتسمر أنا أمام شاشة الفضائية البغدادية مصعوقا، متفكرا بما قد تؤول إليه أحوال العراق، بينما شفا حفرة الحرب الأهلية، أقرب إلى أقدامنا منها إلى ماتلوكه وسائل الإعلام يوميا، وهي بين : محذر ومتشفي!
بدت لي الغرائبية في قصة الرجل الباحث عن ابنه بين ركام الوطن، وكأنها واحدة من قصص الكاتبة الفرنسية ناتالي ساروت : حيث الحقيقة عارية ، عفوية وصادقة، والفرد يبدو مثل قطعة خشبية من شدة الهول الإنساني، ورأيت بأن هذه القصة ومثيلاتها ومايحدث في العراق يوميا، ماهي إلا امتداد لحروب العراق طويلة الأمد، وعدوانية النظام الساقط وتمزيقه للوحدة الوطنية، وصولا إلى العهد الجديد حيث ضعف الأداء السياسي، وعدم قدرة الأحزاب والقوى السياسية على الخروج من قوقعة الإيديولوجيات، إلى المدى الأرحب أي إدارة الدولة بعقيدة عراقية موحدة.
#طارق_حربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟