|
لماذا لا أومن بالسحر (6) تفسيرات معاصرة للسحر
بلحسن سيد علي
كاتب ومفكر
(Bellahsene Sid Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6884 - 2021 / 4 / 30 - 00:51
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في هذه المقالة عزيزي القارئ سنكمل ما قد تكلمنا عنه في رسالتنا السابقة التي خصصناها لبعض التفسيرات العلمية للظواهر السحرية، وإذا كنا قد عرضنا لتفسيرات قديمة نوعا ما فلنعرج في هذه الرسالة على بعض التفسيرات المعاصرة، التي تحاول المتماشي مع تقدم العلوم وآخر ما اكتشفه البشر من نظريات علمية، لكن الذي نود أن نقوله قبل أن نبدأ حديثنا عن هذه التفسيرات، هو أنها مجرد فرضيات وليست حقائق علمية نهائية، وما عرضناها هنا إلا لنقول بأنه لو صحت إحدى التفسيرات فإن ذلك يعني أن الظواهر السحرية قد فقدت سحريتها وأصبحت علمية معلومة المبادئ مثلها مثل بعض المعجزات، لأن كثير من معجزات الأنبياء يمكن لنا أن نجد لها تفسيرات علمية معاصرة وهذا هو مصداق المعجزة في حد ذاتها، وهو أن تعجز أهل عصرها ولكنها قد تكون مفهومة عند أهل عصر لاحق، حتى يفهم البشر عظمة الخالق من خلال قوانينه ونواميسه، وكما قال القديس أوغسطينوس: "إن حدوث المعجزة ليس نقيضا للطبيعة وإنما هو نقيض لما نعلمه من الطبيعة .." ولنعد الآن لبعض التفسيرات المعاصرة للسحر، اعتقد فريق من العلماء بأن للسحر علاقة بقوى الطبيعة التي اكتشفها الإنسان أو لم يكتشفها، فهم يقولون بما أنه قد اكتشفنا لحد الآن أربع قوى تتحكم في الكون وهي قوة الجاذبية، القوة الكهرومغناطيسية، التفاعلات النووية القوية وهي الخاصة بالتفاعل بين الكواركات وهو أصغر جسيم قد اكتشفه الإنسان داخل الذرة وبين بقية أجزاء الذرة، والتفاعلات النووية الضعيفة التي تعد المسئولة عن تماسك مكونات نواة الذرة، وكل هذه القوى يمكن الكشف عنها وتحليلها بمناهج فيزياء الجسيمات أو ما يسمى بميكانيكا الكم، فقالوا لماذا لا تكون هناك قوى أخرى لم نكتشفها بعد تعد المسئولة عن الظواهر السحرية، خاصة وأن قوانين فيزياء الجسيمات لا تصلح إلا على المستوى الذري، في حين أن الفيزياء التي نفسر بها الكون وظواهره الكبيرة هي قوانين أنشتاين ونيوتن، والغريب أن القوانين الأولى والثانية غير قابلة للعمل بالتوازي أو جنبا إلى جنب وهذه هي أكبر معضلة فيزيائية في عصرنا هذا، ألا وهي الجمع بين ميكانيك الكم التي تفسر لنا الظواهر الفيزيائية التي تحدث على المستوى الذري، والفيزياء الكلاسيكية التي تفسر لنا المستوى فوق الذري إلى غاية فيزياء الكون، وبالتالي فحتما هناك قوى أخرى لم نكتشفها وقد تكون تلك القوى هي المسئولة عن السحر، وهناك حتى نظرية تسمى بالأوتار الفائقة والتي يعتبرها البعض قد نجحت نجاحا كبيرا في هذا التوفيق بين قوانين الفيزياء وقد سماها البعض بالنظرية السحرية مجازا، لكنها في الحقيقة أبعد ما تكون عن السحر الذي نشاهده في مجتمعاتنا فلا داعي لشرحها وإرهاقك عزيزي القارئ بتفاصيلها. هناك فريق من العلماء قد اختص في دراسة الذكاء البشري وفوق البشري، وقد اعتبروا بأن الكون الذي نعيش فيه يعيش فيه بنسبة كبيرة مخلوقات أخرى أقوى ذكاء منا أو ربما أقل، لكن لهذه الكائنات قوى روحية يختلف عن تلك التي عند البشر وهذه القوى هي المسئولة عن الظواهر السحرية، وكأنهم يريدون من حيث لا يعلمون أن يتكلموا عن عالم الجن بأسماء علمية مختلفة، أو بقدرات عالية عن التي نعرفها عنهم، وهذه الفرضية لا نملك الكثير عنها حتى نتكلم فيها وما كانت لتفسر لنا واقعنا، فلنذهب لأهم تلك الفرضيات وهي تلك التي تعتمد على حقل جديد من العلوم وهو الباراسايكولوجي أو ظواهر ظواهر البارا para phenomén أو ظواهر البساي psi، والذي يتناول أحداثا مازال العلم حتى اليوم يرفضها بشدة لأنها غير قابلة للرصد بمناهجه التجريبية الصارمة، ولكن المؤيدين لهذه الظواهر يقابلون هذا الرفض بمناهج علمية موازية محترمة لدراستها، خاصة وأن ميكانيك الكم مثلا قد تطلبت مناهج رصدية جديدة مناقضة للمناهج المعروفة، إلا أنهم لم يلقوا اتفاقا كليا على مناهجهم في الكشف عن هذه الظواهر الخارقة، بالرغم من أن لهذه الظواهر مصداق كبير نوعا ما في جميع المجتمعات، وعلى سبيل المثال ظاهرة التخاطر عن بعد أو تبادل معلومات أو أحاسيس بين شخصين أو بالأخص عقلين، دون الاعتماد على إحدى الحواس الخمس المعروفة، وهذه الظواهر تعتبر أحد ثلاثة فروع أساسية لهذا الحقل العلمي الجديد، بالإضافة إلى الاستشراف أو معرفة أشياء تحدث في مكان بعيد أو حتى من وراء جدار، وفي بعض الأحيان تتخطى هذه المعرفة حتى حدود الزمن مثل التنبؤ الكامل بأحداث معينة، والفرع الثالث والأخير وهو القدرة على التأثير في الطبيعة بواسطة استخدام قوى العقل الغامضة لتحريك أشياء أو بالأحرى التأثير على الطبيعة، هذه القوى العقلية التي يسميها البعض بقوى العقل الباطن، ويعتبرها البعض الآخر طاقة غير معروفة الملامح، في حين اعتبرها البعض قوى عقلية لها علاقة باللاوعي البشري المسئول عن تصرفاتنا وانفعالاتنا اللاإرادية، هناك من اعتبرها المسئولة عن الظواهر السحرية أو الخوارق التي تحدث مع بعض البشر، وفي الحقيقة أن نتائجهم تقول بأن هذه القوى هي موجودة لدى كل البشر كقوى طبيعية فيه، لكنها تكون عند غالب الناس شبه مخفية أو قليلة الظهور أو الاستخدام، في حين أنها تقوى عند البعض الآخر وتظهر للعيان وهم قلة، إلا أنهم يشتهرون بأنهم أصحاب قدرات خارقة قد تصل حتى التحكم في عقول الآخرين، وهناك علماء أكاديميون معروفون في التحقيق والبحث عن صحة هذه الظواهر وزيفها مثل داريل بيم المتخصص بعلم النفس الاجتماعي، وروبرت شلدريك ولهما عدة تجارب في الميدان يعتبرونها كأدلة لما ذهبوا إليه، كما أن هناك المشككون والمعارضون والمعركة بين الفريقين لم تزل قائمة ومن أشهرهم جيمس راندي، وهو ساحر مسرحي سابق وقد اشتهر خلال القرن العشرين بعروضه المسرحية الخارقة، إلا أنه في يوم من الأيام قرر أن يتحول إلى الجهة المقابلة ويفضح كل ما كان يدعيه هو وأمثاله من قوى خارقة، ووضع تحديه العالمي المشهور وهو عبارة عن جائزة مالية بقيمة مليون دولار لكل من يستطيع إثبات قدراته الخارقة بإتباع مناهجه العلمية للكشف عليها، وبالرغم من أنه لم يستطع أحد أن يتجاوز هذا التحدي إلا أننا قد بينا بأن هذه المناهج العلمية المغلقة قد لا تتفق مع المناهج الجديدة لهذا الحقل من العلوم. وخلاصة القول هو أن هذا الحقل الجديد من العلوم لا يمكن إنكاره كلية كما لا يجب رد كل الأعمال الخارقة إليه، فحتى هو له مناهج قد أثبتت بأن هذه القوى ليست كما يعتقد البعض بأنها قادرة على الاستعمال بإرادة البشر، وإنما تظهر أحيانا وتختفي ويصعب على البشر التحكم فيها حتى عند هؤلاء الذي يدعون بأنهم كذلك، وإن كان كثير من اللذين يريدون إيجاد إثباتات عن السحر من العلم اليوم يذهبون إلى هذه الفرضية، إلا أننا نرد عليهم بالقول بأنه إذا كانت هذه النظرية صحيحة وما جاءت به صحيح، فإن هذا سيكون أكبر دليل على إبطال السحر وجعله علما يدرس ويكتشف بالأدلة، وليس خرافة وغموض قائم بلا دليل، وسيأتي كلامنا عن بعض التفسيرات التي سنستغلها لتفسير بعض الظواهر السحرية على ضوء هذا الحقل من العلوم فلتنتظر ما هو آت في مقالاتنا القادمة.
#بلحسن_سيد_علي (هاشتاغ)
Bellahsene_Sid_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لا أومن بالسحر (6) بعض المحاولات لتفسير السحر
-
محاكم تفتيش الجزائر الجديدة
-
لماذا لا أومن بالسحر (5) طقوس السحرة
-
لماذا لا أومن بالسحر (4) علاقة السحر بالدين والعلم واللغة
-
لماذا لا أومن بالسحر (3) علاقة السحر بالطب عبر التاريخ
-
لماذا لا أومن بالسحر (2) أصل السحر ونشأته من القرآن
-
لماذا لا أومن بالسحر (1) تاريخ السحر وكيفية تطوره عبر العصور
-
شبابيك الدين تعود من جديد
-
بربر أم عرب
-
الثقافة في الجزائر ودوامة الحزبية والتفاهة والاستحمار.
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|