موفق مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 1631 - 2006 / 8 / 3 - 03:37
المحور:
الادب والفن
قلت لها :
ـ أريد أن أرى الأخبار يا بابا ..
لوت لسانها وقالت بدلع مشوب بالخبث الأبيض
ـ لا ...لن أسمح لك ...أريد أن أرى أفلام الكرتون .
فكرت طويلاً بطريقة ما لتجاوز هذا الموقف العصيب , خاصة وأنها تعودت أن تجلس أمام التلفاز لساعات طويلة , بينما كنا نرتاح أنا وأمها لذلك , لأنها تتيح لنا أن ندخن سجائرنا بهدوء في المطبخ دون أن يكون لدى أيٌ منا رغبة بالكلام أو بالحياة , فقط كنا ندخن بصمت , مستمتعين بهدوء حذر لأنها تجلس في الصالون وحيدة تراقب ما يدور من مشاعر وأحداث بين شخصيات إفتراضية من الصور المتحركة .
قلت لها مجدداً :
ـ يا بابا ...أرجوك .. أريد فقط أن أرى آخر الأخبار ..!!
لم تعبأ بي ...بل رمقتني بنظرة متشفية , ثم دون أن أدري كيف ..نهضتُ عن الصوفا وانتزعت منها الريمونت كونترول بوحشية ..وحين سألتني باكية بعفوية سؤالاً لم أسمعه ...صفعتها بعنف لم أعرف مصدره ..وانهلت عليها ضرباً حتى همدت .. !! ثم تركتها ..واستلقيت ظافراً على الصوفا .. ونقلت القناة حتى استقرت على الأخبار...
بدأت روحي تهدأ ..مع صور الدمار والجثث المتفسخة والأطفال اللذين حرقوا تحت وابل القنابل في بغداد وجنوب لبنان .. كنت مسترخياً ومستمتعاً بهدوء لا مثيل له ... وكنت أشعر بأنني سيد هذا العالم أمام هذا الجهاز الصغير ..وقدرت للحظة ...بأن العالم ينتظر رأيي وموقفي مما يدور حولي .. فإستغرقت في تفكير هادئ باحثاً عن صياغات لغوية تعبر عن تحليلي الشخصي للأحداث ...وكأنني أقف أمام عدسات الكاميرات ولواقط الصوت ..
لا أعرف كيف التف رأسي إلى الوراء لأراها ...كانت طفلتي ذات الأربع أعوام تتكور على نفسها على الصوفا الثانية في الصالون وقد انساب الدم من أنفها وفتحت عينيها على مصراعيهما برعب .. حيث لم يعد بإمكانها أبداً ..أن تتنفس .
#موفق_مسعود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟