أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - أندريه منتشوك - قانا هي “غرنيكا” اليوم















المزيد.....


قانا هي “غرنيكا” اليوم


أندريه منتشوك

الحوار المتمدن-العدد: 1631 - 2006 / 8 / 3 - 11:12
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


26 نيسان/أبريل عام 1937. في صباح ذلك اليوم لم يكن أحد في العالم يعرف بمدينة “غرنيكا” النائية تلك. كانت عاصمة شعب الباسك العريقة مثابة قرية كبيرة يلعب فيها الأطفال بين الغبار وتتيه الأحصنة الهزيلة متعبة. وقد نقل الرسام الشهير بابلو بيكاسو إلينا لاحقاً هذه المشاهد عبر لوحته الشهيرة التي سماها “غرنيكا”. فالطيران الحربي الهتلري، أفضل طيران حربي في ذلك الزمان، محا من على وجه الأرض أبنية “غرنيكا” تلك. وقد رأى جورج ستير، مراسل التايمز العسكري الذي جاء إلى مكان الأحداث، مشهد الخراب والجثث التي عجت بها البرّادات. وحدثه شهود عيان كيف أن طائرات "الهنكل" راحت تقصف بنيرانها الصِبية الذين حاولوا الفرار من المدينة التي اكتنفتها النيران.
لم تكن لـ"“غرنيكا”" تلك أية أهمية عسكرية. فليست فيها لا دشم ولا مستودعات عسكرية ولا فصائل ضخمة للجيش الجمهوري. وعندما نشرت الصحافة العالمية جميعها لاحقا ريبورتاج ستير ذاك حاول النازيون أن يصوروا المدينة وكأنها كانت قاعدة عسكرية للجمهوريين. غير أن أحداً في شهر نيسان/أبريل من العام 1937 لم يكن لتخفى عليه الأهمية الحقيقية لذلك القصف الشرير. كان تدمير “غرنيكا” المسالمة فعل تخويف وترهيب للخصم. لا لجيشه وحسب، بل لكل شعبه. كان مفترضا فيه أن يحطم روح المقاومة للعدوان الفاشي.
إن قصف المدن اللبنانية المسالمة يرمي إلى الهدف نفسه اليوم. فهيئة أركان الجيش الإسرائيلي وضعت نصب عينيها منذ البداية مهمة تدمير هذا البلد الصغير. فرجال "حزب الله" لم تكن لديهم منشآت عسكرية ذات شأن، ولذا استهدفت الهجمات الإسرائيلية البنية التحتية المدنية للبنان من طرق وجسور ومحطات توليد للكهرباء ومؤسسات ودور سكن. وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الطيار الحربي دان هالوتس، في هذا المجال خير مكمل لقضية فرقة "كوندور" الألمانية الهتلرية وخير خلف لرئيسها المارشال الهتلري لاحقا فون ريختهوفن، هذا الذي كان بالذات القاتل الرئيسي لعاصمة الباسك العريقة. فهالوتس هذا لم يعِد وحسب بتدمير عشرات البنايات في لبنان ثأراً لكل إطلاق صاروخ يقصف مدينة حيفا الإسرائيلية. ولقد عمل بهذا القسَم الهمجي، وعلى مرأى العالم كله، على مرأى كل منا.
هذا الرجل الذي يترأس قوات الجو الإسرائيلية كان وراء القضاء من خلال "قصف مركز" على 14 فلسطينياً بينهم 9 أطفال. وإثر ذلك صرح قائلا: "أتريدون أن تعرفوا ما الذي أشعر به عندما أرمي قنبلة؟ إني أشعر بنَقرة صغيرة ناحية الجناح، عندما تنفصل القنبلة عن الطائرة. وبعد لحظة لا تعود موجودة، هذا كل ما أشعره".
ما الذي يمكن انتظاره من جيش على رأسه مثل هذا الرجل المعتوه غير أمر واحد: تكرار مجزرة “غرنيكا”؟
ليل الثلاثين من تموز/يوليو 2006 وجهت القوات الجوية الإسرائيلية ضربات إلى بيوت آهلة بالسكان وملجإ في بلدة قانا فقضت على أكثر من ستين شخصاً. وكان بين من قضوا 34 طفلاً. هذا الملجأ في قانا كان ملاذا للناس هناك منذ الأيام الأولى للقصف الجوي. وكان مكانه معروفاً للأمم المتحدة والصليب الأحمر. وما كان يمكن لقيادة الجيش الإسرائيلي إلا أن تعرفه أيضاً. ولم يتمكن المسعفون من بدء العمل على رفع المصابين والجثث من تحت الأنقاض إلا مع طلوع الفجر. وكان عليهم أن يزيحوا هؤلاء المفعمين أسى وحسرة من ذوي الأطفال المدفونين تحت الأنقاض حين راحوا يحاولون رفع الألواح الخرسانية الثقيلة بأيديهم لانتشال فلذات أكبادهم.
تقول حكايات الإنجيل أن السيد المسيح أتى بأولى أعاجيبه في قانا الجليل إذ حول الماء إلى خمر ليسقي منه تلاميذه. أما القوات الإسرائيلية فسقت الناس دماً حتى الثمالة. غير أن جريمتها هذه كان لها هي الأخرى فعل الأعجوبة. فكوفي أنان، الأمين العام للأمم المتحدة، هذا الـ"خيال صحراء" و"الرابوق" الذي صبر وسكت على مقتل أربعة عسكريين من عداد قوات الـ"يونيفيل" في جنوب لبنان (هم أيضا قتِلوا بصاروخ من صواريخ الجيش الإسرائيلي)، لأم جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي مطالباً بإدانة إسرائيل "بأشد ما تمكن الإدانة" على قصفها قانا. ورفض فؤاد السنيورة، رئيس الوزراء اللبناني الذي لا سلطة له، رفضاً استعراضياً زيارة كوندوليزا رايس للبنان بعد أن حلت ضيفة على قادة تل أبيب. لم يكن عند السنيورة من خيار آخر لأن مقره الوزاري كان سيصيبه ما أصاب مكتب الأمم المتحدة في مبنى "الإسكوا" الذي تلقى ضربات من أهالي بيروت صباح 30 تموز/يوليو. حتى اللجنة الأوروبية التي سكتت على الكارثة البيئية في الشاطئ اللبناني الناجمة عن تدمير الإسرائيليين لخزانات محطة توليد الكهرباء الحرارية في منطقة الجيّة وانسياب 15 ألف طن نفطاً منها إلى البحر، وصفت القصف الإسرائيلي بـ"الفعل الشنيع".
لقد تردد صدى عملية القتل الجماعي المتعمدة في قانا في العالم كله خلال ساعات معدودة. ولئن لم تصبح هذه البلدة "غرنيكا" زماننا ففقط لأن الإمبرياليين قادرون كلياً على تجاوز مفاعيل جريمتهم. فصور الأطفال المنتشلين من تحت الركام روّعت الجميع إلا السادة أولمرت وبلير وبوش. فهم لا يرون ضروريا طلب وقف القصف "عطفاً وشفقة" على القتلى. وقد كتبت الصحافة الأميركية اليوم إن الذين قتلوا في قانا هم "أقارب إرهابيي حزب الله". وهي ليست تجافي الحقيقة إذا ما اعتبرنا أن الغزو الإسرائيلي يجابهه كل السكان المدنيين في جنوب لبنان.
أنا أذكر جيداً هذه الأراضي الصخرية التي تبدأ جنوبي مدينة صور من يافطة كبيرة كتب عليها "الأرض المحررة" وترفرف فوقها الأعلام الصفراء لحزب الله. وقد رأيت هناك بأم العين كيف تبنى هناك لا الخنادق وحسب، بل أيضا المدارس التي كانت قد دمرتها الضربات السابقة للجيش الإسرائيلي. وحين كنت جالساً في أحد البيوت الشيعية القريبة من الحدود مع إسرائيل (مع فلسطين كما صحح لي كلامي بحق السكان المحليون)، سمعت الكثير من السكان المحليين عن احتلال هذه الأراضي. وليس لدي أي شك في ما يمثله فعلا من يزعم الإسرائيليون أنهم "إرهابيون". إنهم فلاحون بسطاء نهضوا للنضال من أجل تحرير وطنهم. لقد كان بوسع الجيش الإسرائيلي أن يسحق "حزب الله" منذ زمن بعيد لو لم يكن يخوض حرباً ضد كل الشعب اللبناني، ولذا تقهقرت أمس دباباته عن بنت جبيل ومارون الراس. أفلم يكن ثأراً لهذه الهزيمة القصف الليلي لأطفال بلدة قانا؟
إن كاتب هذه المقالة كان دائما من المكافحين ضد الشر الأسود والهمجي لمعاداة السامية. وهو سوف يواصل كفاحه هذا. وليس ثمة أي تجنٍّ على الشعب اليهودي في قول الحقيقة عن جرائم سلاح الجو الإسرائيلي. غير أن يهود إسرائيل باتوا منذ زمن بعيد أسرى برجوازيتهم ودوائرهم الدينية المتعصبة قومياً تعصباً أعمى. وهم بذلك يجلبون الهلاك ليس فقط للعرب، بل لكل الشعوب القاطنة في أرض الشرق الأوسط. وإننا إذ نناضل من أجل الحرية للبنان وفلسطين نساعد في الوقت نفسه على تحرير الإسرائيليين الذين يقف كثيرون منهم اليوم أيضا ضد الحرب.
لا بد من اختتام مقالتي عن قانا و”غرنيكا” ببعض الأفكار لتكون مرشداً للعمل. فبالأمس، قبل بدء المأساة (حين كان أطفال قانا الذين باتوا اليوم في عداد الأموات لا يزالون يلعبون في شوارعها)، عرض أحد النُشاطى اليساريين في كييف مبادرة للقيام باعتصام ضد الحرب. لتأخذوا معكم ألعاب الأطفال المطاطية. ولتصبوا عليها الصباغ الأحمر وتضعوها على الأرض بحذاء السفارة الإسرائيلية وعند مكتبٍ لشركة أميركية أو إسرائيلية. أضيئوا الشموع أو قفوا بقربها على الأقل. وبصمت، فلا داعي هذه المرة للهتاف بشعارات. ويمكنكم أيضا استنساخ لوحة "“غرنيكا”" لبيكاسو والخروج بها إلى ممثلية الأمم المتحدة في بلدكم. وإنكم لتستطيعون أن تفعلوا كل ما من شأنه أن يساعد على وقف هذه الحرب، من دون إهانة الشعب اليهودي، ولكن أيضا من دون السماح بتجاهل أي من جرائم من يدير اليوم دفة السياسة في "الدولة العبرية".
هي “غرنيكا”. بعد مضي بضع سنوات على تدميرها فوق أهلها راح طيارو سلاح الجو الألماني المتدربون على هذا التدمير يقصفون باريس ولندن وكييف وموسكو ووارصو. وإننا إذ نقاوم هذه الحرب نسد الطريق على مجيئها إلى بيتنا نحن. فيمكن أن تضحي في مكان قانا أية مدينة على سطح كوكبنا ما لم نتمكن من جعل الحرب أمراً منكَراً. من جعلها تحذيراً لكل البشرية التي، كما يقال، آفة علمها النسيان.



#أندريه_منتشوك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وسترن يونيون تبني أمجادها على عرق ودماء العمال المهاجرين


المزيد.....




- اكتشاف جمجمة فيل ضخمة مدفونة بحديقة منزل.. إلى أي عصر تعود؟ ...
- ماذا نعرف عن التعيينات الجديدة في الحكومة السورية الانتقالية ...
- البشر وحيوانات الكسلان العملاقة عاشوا معا لآلاف السنين.. اكت ...
- تركيا تخطط لاستئناف عمل قنصليتها في حلب السورية قريبا
- السعودية.. تنفيذ حكم القتل في مواطنين أدينا بالخيانة والإرها ...
- قائد الإدارة السورية أحمد الشرع يستقبل وزير الخارجية التركي ...
- خبير: الشعور بالوحدة الشكوى الأكثر شيوعا في ألمانيا
- بوتين: لو لم نطلق العملية العسكرية في أوكرانيا لأجرمنا بحق ر ...
- مشاهد تكدس الجرحى بممرات مستشفى كمال عدوان جراء قصف الاحتلال ...
- قاضية أميركية: مجموعة -إن إس أو- الإسرائيلية مسؤولة عن اخترا ...


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - أندريه منتشوك - قانا هي “غرنيكا” اليوم