|
القدس بين برامجنا الفعلية والدعاوية
نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)
الحوار المتمدن-العدد: 6879 - 2021 / 4 / 25 - 13:33
المحور:
القضية الفلسطينية
ليس من الإنصاف توظيف هبّة القدس الحالية، في خدمة المواقف السياسية والحزبية ذات الطبيعة المتحركة، وبخاصة في الموقف من انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني. فما يجري في المدينة المقدسة أكبر من أية حسابات عابرة، وهو ذو طبيعة استراتيجية جامعة لكل أطياف الشعب الفلسطيني، وتعبير أمين وعميق عن هوية المدينة وعن انتماء مواطنيها، وعن استعدادهم لبذل كل ما يلزم من تضحيات دفاعا عن وجودهم وعن حقوقهم ومقدساتهم وكرامتهم وهويتهم الوطنية، وهكذا فإن الحسابات بشأن هبات القدس المتلاحقة هي حسابات وطنية ومصيرية، تتصل بحاضر المدينة ومستقبلها، بينما الموقف من الانتخابات هو موقف إجرائي يتصل بموازين القوى وحسابات اللحظة الراهنة بما فيها الخلاف أو الاتفاق مع الخصوم والتنافس مع شركاء المصير الوطني . هبة المقدسيين بكل فيها من بسالة وعنفوان، وما يمكن أن يترتب عليها، ليست مجرد ظاهرة عابرة ولّدتها تداعيات الأسابيع والأيام الأخيرة، بل هي ظاهرة أصيلة ومتجذرة ميّزت القدس والمقدسيين على امتداد سنوات الاحتلال. ولعل حجم الاستهداف للقدس منذ بداية الاحتلال، ثم استثناءها ومواطنيها من ترتيبات المرحلة الانتقالية وفق اتفاق أوسلو وملحقاته، ثم ما استجد من اعتراف الرئيس الأميركي السابق بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وما رافق كل ذلك من سعار إسرائيلي محموم لحسم مصير المدينة بالقوة بحيث باتت سلطات الاحتلال تضيق بأي نشاط فلسطيني مهما كان سياسيا أو اجتماعيا أو ثقافيا، وهذه العوامل مجتمعة حمّلت المقدسيين هذه الأمانة الثقيلة، وجعلتهم في البؤرة الملتهبة للمواجهات، بحيث باتوا يخوضون معركة القدس نيابة عن الفلسطينيين جميعا بل نيابة عن العرب وكل المؤمنين بقداسة هذه المدينة وقيمتها الروحية والثقافية للبشرية جمعاء، وكثيرا ما كانت القدس هي القاطرة التي تقود مراحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وموجاته المتتالية من انتفاضات وهبّات وحراكات. من البديهي أن هذه الهبة مرتبطة بمجريات الصراع اليومي في القدس وعليها، والذي يمكن تلخيصه بأنه مخطط لتهويد المدينة وتغيير طابعها التاريخي والتطهير العرقي لمواطنيها الأصليين، وبالتالي فإن هذه الهبة مستقلة عن نقاشات النخب والقوى السياسية الفلسطينية بشأن الانتخابات، ولكنها وثيقة الصلة طبعا بالقضية الجوهرية التي يدور حولها الجدل في الحالتين وهي كون القدس جزءا لا يتجزا من الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان حزيران 1967، وانتماء مواطنيها للشعب الفلسطيني ومؤسساته السياسية، مثلما أكدت كل قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، حتى الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي كرست انتماء المواطنين المقدسيين للشعب الفلسطيني مع أنها أبقت مصير المدينة معلقا بانتظار مفاوضات الوضع النهائي، وهو خطأ استراتيجي تاريخي وقع فيه المفاوض الفلسطيني مدفوعا بالتفاؤل والأوهام عن استعدادات إسرائيل وجاهزيتها للسلام، وقد دفعنا وما زلنا ندفع نتائج هذا الخطا الكارثي. وحتى لا يقتصر الحديث على عبارات الإنشاء والتمجيد والثناء على شبابنا وشتم المحتلين وإدانة أعمالهم، ينبغي التوقف أمام مجموعة من الحقائق، وأداء الاستحقاقات العملية والبرنامجية التي تمليها هذه الحقائق، وأبرز هذه الحقائق هي أن مصير القدس لم تحسمه قرارات الضم والإجراءات الإسرائيلية المتواصلة منذ 54 عاما، ولا قرارات ترامب ومواقفه العدوانية، ولا باستثناء المدينة ومواطنيها من تطبيقات اتفاق أوسلو بما في ذلك طريقة مشاركة المقدسيين في الانتخابات. في هذه المعركة تبدو إسرائيل موحدة وعلى أعلى درجات التنظيم والتنسيق والتكامل بين مختلف أذرع الاحتلال، بينما نحن الفلسطينيين منقسمون ومشتتون. إسرائيل تسخر أجهزتها الحكومية والأمنية، والبلدية والمؤسسات والجمعيات غير الحكومية وعصابات المستوطنين وغلاة المتطرفين، وحتى النظام التشريعي يفصل القوانين على مقاس عمليات التطهير العرقي، كما تجند دولة الاحتلال واصدقاؤها مئات ملايين الدولارات سنويا، في مواجهة المقدسيين المحرومين من أي غطاء سلطوي والذين يتصدون بصدورهم العارية وبما تيسر لهم من وحدة وتضامن وحماسة وإيمان ومشاعر الانتماء والروح المعنوية العالية، ولكنهم محرومون من الموازنات واشكال الدعم، الفلسطينية والعربية، التي هم في أمس الحاجة لها في مختلف ميادين حياتهم بدءا من الصحة والتعليم والإسكان وسائر الخدمات، وصولا لمتطلبات البقاء واستمرار الحياة الاقتصادية والتجارية بمعايير الحد الأدنى الذي يبقي المواطنين في مدينتهم ولا يدفع بهم للهجرة طلبا للرزق. والحقيقة المؤسفة هي استمرار غياب العنوان الوطني الفلسطيني الجامع والموحّد لمعارك المقدسيين في صمودهم وبقائهم، مع تعدد المرجعيات السياسية والدينية والأهلية، وأحيانا تضارب صلاحيات هذه المؤسسات وتنافرها وتنافسها، واتساع الفجوة بينها وبين المواطنين. فمنذ رحيل المرحوم فيصل الحسيني ثم إغلاق بيت الشرق والمؤسسات الفلسطينية، ظلت القدس بلا عنوان جامع، وبالتالي غاب التكامل بين الحراكات والهبات الشعبية وبين ما تقوم به الهيئات والمؤسسات الأهلية والجهات الفلسطينية التمثيلية والمرجعيات الدينية المتعددة، كل طرف يعمل وفق أجنداته الخاصة، والهبات الشعبية ظلت عفوية وموسمية ومرتبطة بالأحداث الاستفزازية من قبل جيش الاحتلال والمستوطنين. صحيح أن هبة القدس الحالية هي استفتاء حقيقي على هوية المدينة وانتمائها، لكن ذلك لا يمكن أن يعطي ثماره السياسية بشكل عفوي وتلقائي، فلكي ينجح الشعب الفلسطيني في مراكمة إنجازاته، وما دامت القدس هي قضية الفلسطينيين جميعا أينما كانوا، فإن على قيادته وهيئاته المسؤولة ومؤسساته على اختلاف مستوياتها ومسؤولياتها أن تبادر فورا إلى توحيد المرجعيات المقدسية، وعليها تنفيذ القرارات الكثيرة التي اتخذت بهذا الشأن وصولا إلى إيجاد مرجعية تمثيلية شاملة تحظى بثقة الناس، واعتماد خطة طوارىء وطنية لتعزيز صمود المقدسيين ومؤسساتهم، فما دام هذا الشعب نجح حتى الآن في تعطيل صفقة ترامب نتنياهو، فإنه يمكن أن يكسر القيود الإسرائيلية على نشاطات السلطة من خلال العمل الأهلي والمجتمع المدني، والأهم من خلال الإرادة الجماعية والمقررة بأن القدس هي في صلب اهتماماتنا الواقعية والعملية، وليست مجرد فقرة في دعايتنا.
#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)
Nihad_Abughosh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول القدس والمخاطر المتزايدة على هويتها الفلسطينية
-
نتنياهو يكافح الفساد بالفساد ...دولة الرشوة والهداي
-
اجترار الكلام
-
تنويعات على مقام الابارتهايد
-
المؤتمر الوطني الشعبي للقدس... ورؤية فيصل الحسيني؟
-
عن القدس وذريعة تأجيل الانتخابات بسببها
-
العلاقات الأردنية الإسرائيلية وربع قرن من التوتر
-
زحمة القوائم الانتخابية والطريق الى التجديد الشامل
-
صعود اليمين الفاشي ودعاة الترانسفير في إسرائيل
-
القوائم الانتخابية بين محاسن التعددية ومخاطر التشظي
-
غوايات مازن وشياطينه
-
الانتخابات الإسرائيلية: مكانك سر ..وإعادة إنتاج نفس الأزمة
-
قلنديا: مطار القدس الفلسطيني المنسي!
-
عودة الكهانية للكنيست بدعم ورعاية نتنياهو
-
القدس والانتخابات
-
تلامذة كهانا وغولدشتاين في الكنيست
-
أرضنا مكب لنفايات الاحتلال
-
الفلسطيني غائبا حاضرا في الانتخابات الإسرائيلية
-
إسرائيل تنتخب الاحتلال والتطرف والعنصرية
-
حول يسارية اليسار الصهيوني: ميريتس نموذجا
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|