|
تقنيات لص عند الشاعر العراقي علي إبراهيم الياسري , عن مجموعته الحائزة على جائزة الرافدين للكتاب الأول – 2019
رسل ق الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 6877 - 2021 / 4 / 23 - 08:58
المحور:
الادب والفن
لا يمكن للكلماتِ بمفردها ان تجسّد الذات الشعرية وتُظهر تغطية متكاملة للمشهد الشعري وموضوعهُ بل لابدَّ من حضورللذاكرة التي تحفلُ بالتجربة ، فبدورها الأهم لصنع قالبٍ شعريٍّ حي كونها تعمل لعكس ما ورائيات التجسيد الأدبي صانعة من الورقةِ اولاً مادة حية , الكتابة او الفن بالمجمل ينبغي أن يكون بصلحٍ دائمٍ مع الواقع ومضمارِ التجارب و إن كان من لب الخيال فحياتُنا كلنا تصلحُ أن تكون عمل أدبي لكن ثقلها يكون بكيفية أن يضيء الكاتب إستئصالات من تجاربهِ كإستثناءات ، فأختلفُ مع "كوهين" وهو يقول أن الشاعر بقولهِ لا بفكرته و إحساسه ، قد يكون "كوهين" أرادَ بذكرهِ هذا تركيز القيمة لما بعد الصنعةِ لا لما قبلها مُركزاً على شاعريةِ الشعر النهائية ، بل أرى أنه مارس صنعته وهو يطوّع و يسّخر كلاهما بلا إقصاء مع إنتقاء للمشهد وهذا الإنتقاء أيضا ينطوي عنده أغراضاً اخرى ، فاللغة و الفكرة لا وجود لأحدهما بغياب الآخر .
فمساسه ذائقة القارئ بصدقٍ يُوضح أن عملية توصيل المشهد الشعري مَعبَر وعر يتطلب صانعاً – فاعل لا شخصاً تزوى كينونة شعريته عند القول !
على الرغم من ان العنوان يُوحي الى تصوير للّقطةٍ تبدو من شدةِ دقتها خارج الشِباك الا إنها تنطلق من حقيقةٍ لرؤية مُستبعدة الالتفات لها .
لصٌ في بيته ! قد توحي ببساطة لغُربةٍ مُصغرة داخل وطن أصغر ، لربما كان يعني العائلة او الوطن عينه او الذات الداخلية مع الذات الخارجية للشاعر ، أجدهُ تارة اخرى تمرين سرّي يُحاول من خلاله الإشارة لضرورةِ هذا النوع من التلصلص على جزءٍ او جزيئات أصغر او سرقة البيت من مفهوم الزمن و وشّاية المكان .
ف"علي الياسري" يُمارس التخفي بصورةٍ لا يمكن للمرءِ ان يضّم ماهيتها داخل مفهوم التخفي المعروف ، لأن التخفي بطبيعتهِ المتعارف عليها ينطوي فيه الهروب لكن هنا الشاعر يُسلط الضوء عليه بإنزياح مائز مثلُ جانٍ مُصرحاً بجنايتهِ او مظلوميتهِ في آنٍ واحد بلغة الخشوع ، فيعقد تلصلصه بحميميةِ المكان مُشيرا الى رقةِ و عبثيةِ السلطة المرتبطة به لإنها في مملكتهِ (بيته ) فهو يرسم الإغتراب الأقرب و الدائم في الذات البشرية عاكساً تراجيديا لا يجرؤ الكثير على بوحها . فتأثير الهيكلة التي يتقولب فيها عملٍ أدبي ما لا ينطوي فحواهُ بعددِ الكلمات و ماهيتها من حيث السرد و الإيجاز بل كل شكلٍ كتابي يوضح اسرار ومسالك من خلالها نلتمس آثار حقيقة مُعينة و المناطق التي تقع عليها بالتأثير لذاتِ الكاتب و المنطقة الموضوعية المُركز عليها لديه .
• علي و الورقة . يتضح أن الشاعر هنا يتعامل مع الورقة بلغةٍ على أنها المحطة الختامية لهبوط الفكرة ، فالورقة ليست المسقط الأول لفكرته فأسلوب وسياق عرضها يترائَ لي بأنه كان يَمر بمراحل ولادة بطرق آخرى قبل أن يصل لها لربما كان الشاعر يُراقص النص ، يرسمه في الهواء، على جسد ما ، بتجليات عاطفية بارزة , لعلي أستطيع أن أُشبه التحرك في النص وهو يُقاس بتناغمٍ مدروس كما في رقصةِ التانغو من حيث ذوبان الأجساد وظلّها أثناء الأداء ، أعني " اللغة و الفكرة " . فإنعكاس طبيعة مفردات الشاعر مُهندَسة بأسلوب غنائي عالٍ . كأنه يُغني النص قبل أن يكتبه . يتعامل معها برّقةٍ كمن يلمسُ جسد طفل .. إيقاعات بياضُها غاوية تخلق شعور يستدرج القارئ الى النهاية بلا إدراك لقرب الختام . تُداهم فكرة نصوصه في بُنية نمطها الحواري و الوصفي شعور الفقدان او توهم أنه كان يملك شيء ، فالجمود الذي يُنهي فيه نصوصه يجهر كما قال : "الحياة مَشهداً صادماً في الختام " لذا تتلاعب بعاطفةِ المتلقي وهذا دليل على الإشتغالات الدقيقة في الإيقاعات الغنائية للمُفردة رغم فضاءات البياض المُلّحة ، كأنه يبوح بصمتٍ وسط الكلام بذاتِ التقنية التي عنوَّن بها كتابه ، تُعطي هذه الإيقاعات صدمة تُوعز بالخيبةِ كمَن يمسكُ مجموعة مفاتيح ثم يُصدَم أن يديهِ فارغةٌ ولا وجود للقفصِ حتى .. هذا ما نجده في قصيدة " عائلة لا يراها أحد " وهو يفتتحها بحرفيَّ التمني ، مُستمر بتكرارهِ بإيقاع صوتي كأنه يُؤكد على ضرورةِ ضوء الإدراك ان ثمة شيء يُمارس الوشاية رغم عنه، في حين أنه أقرب لرؤيةٍ يسقط عليها الشمس و لا تغشيها غاشية .
" كان مُنّاي أن تسمعين أُحبكِ من كلبٍ عرف أهلهُ و ما عرفوه . لكنك الهواء ماراً بالكلاب هكذا .. هواء ليس حتى في شبَك . "
"علي ابراهيم" يبدو انه يَعدُّ الشعر كدرسٍ بلا سلطةِ المعلم . فهو يجمع في نصوصهِ من مَقولة " اسأل مجرب و لا تسأل حكيم " الحكمة و التجربة رافعاً أداة النفي بجنونيةِ القصيدة ، فلا يخرج القارئ من نصٍ بلا إشارة عقلانية تجمعُ الحكيم و المُجرب معاً .
في قصيدة " أمرٌ جلل " السكين التي أقنعتْ يد أمي
سَتُقنعُ يوماً رَقَبتي . ماذا فعل الشاعر بفعلِ الإقناع و إنزياحاته ؟! وهو يُمرّره بين الماضي و المسقبل يحشو هيبةَ الحاضر بتنبؤٍ مصيري ! وهو يعمل علاقة بين مصير الشيء و تاريخاً من القناعات التي تستمد نفسها من الزمن .
قصيدة " في الخمسين "
لن أقول للزمن شيئاً .. سأقف حيثما يجري .... ينهي جريان المقطع
مَن جعل البدايات صغيرة و النهايات كبيرة مَن كذب علينا ؟
يعودُ الشاعر علي إبراهيم الى الزمن ، الزمن مجدداً . كنت أنتظر علامة التعجب بعد هذا التساؤل ليقتلَ الإستفهام الذي يذهبُ بيَّ الى شعورٍ غير إستفهامي و كأنه يريد أن يحصر الزمن في زاويتهِ ، كأنهُ يبحث عن جانٍ او عن الذنب ، واقفاً بجوارِ شيءٍ قد يكون هو الأقرب للّغةِ المكر ، لدى شيء لا يمكن التعامل معه حسياً أعني " الزمن " ، فجملة "سأقف حيثما يجري " تُوحي الى رفقةٍ مُسبقة ،او مُحاولة يُضيع معها هيبة حضورهُ ، فالمدلول الذي يلعبه فعليّ " وقف مع جرى " معاً يُوحيان الى موعدٍ مُتفق عليهِ مُمتلأ بالإعترافات لحظة لقاء المعنى وليس الهيكلية .
• الشاعر و المرأة .
" لا لستُ أنظر للنساء منتبهاً؛ كي أسرق القصائد من نهدٍ ما عرف أن أيادي الرجال، تمسكُ الأشياء كبندقية . "
الياسري شاعر ابنُ لغة الشعر ، لكنه لا يتقاطع في شعره و حضور المرأة مع سمةِ الشعر التلميحية وهو يستخدم التصريح غير التحبيذ لإستطرادٍ
ما رمزيةَ حضوراً غزير كهذا في ذاتهِ الشاعرة ؟ بمنطق التلويح لا الإمساك قد يعني السخرية من حضور اطلال التابوهات ، حركة يرى أنها لا تتطلب التوشية، فيُضيف بهاء لحضور موضوع المرأة بغزارته وهو ينقل مفردة " امرأة " بمكرِ إلهٍ توّرط بخلقهِ ، يَرفعها ثم يَضمها فيغرقها . يُذكرني بشخصيةِ "زوربا " في رواية "نيكوس " وفلسفتهِ هو الأقرب بهذا الفعل ، فلغة الجندر واضحة في النصِ أعلاه محاولاً أن يمنحها كينونتها ما أستطاع ، فيجعل هذه المفردة مرنة جدا تتسع الإحتواء و الإنتقالات كما ماهية المرأة و بقدرةِ يد آلهيه ، محاولاً تارةً أن يتجنب إقتحامِ الجندر ان كانت بملاحظة منه او لا في معانيه لكنه في الختام شاعر يحترف نوعاً يلعب به الإيجاز و السرد ، أقول ولا أقول المعنى و اللامعنى، أي التضاد و النقيض فيحاول "علي " نفي وجودهُ قائلا في مطلع النص " لا لا شيء نقيض شيء أبدا ؛ الأزرق نهر و إن رآه الخواف سماء . "
لكن كل الخطابات المبنية على المفارقات حينما تدرس من حيث النوع تشير أن لا شيء يتوّق لنفسهِ كتوّقٍ يُعزز وجود ذاتهُ كما بحضور النقيض . هل من نجدة ، خيبة او رمزية الإحتواء ؟! -هل المنادى ماتت معه ياء النداء ؟! كما " فقط قال أرجوك .. ما معنى امرأةٍ جميلة ؟ قلتُ : رجل ُ حزين . "
لا أستطيع أن اقول أن الشاعر كان يَفصلُ المرأة و الحب عن بعضهما ، فأغلب مايبوحُ به يصلنا لنقطة ان لا حضور للحبَ بسِواها . أن ملعوب الشعر قد يأخذ هذه اللوحة التي يكثر في ملامحها ترميز يحوي الإنتباه ، تستريح طويلاً معها المسافات ، تغوصُ ببطئٍ وهو يحبس أنفاسها ليس لأنها تقنية تمنع الغرق بل لأنه تأثر بشخصية اللص . ! الى اللوحة التي شكلها الشاعر كما يقول : " و لا تعرف أصل اللوحةِ ماء يتوسط غابة غابةُ تتوسط الماء " .
فأختم أمازال هذا اللص يُفضل الخشية ؟ مع تقنية تمتد سطوتها الى فضائات خارج بيته وظلَ بداخله ؟!
#رسل_ق_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح
...
-
مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع
...
-
أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق
...
-
محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
-
الجليلة وأنّتها الشعرية!
-
نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024
...
-
الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد
...
-
رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة
...
-
ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟
-
77 دار نشر ونحو 600 ضيف في معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب
المزيد.....
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
المزيد.....
|