|
مناورات ايران مع امريكا والسعودية
فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي
(Fuad Alsalahi)
الحوار المتمدن-العدد: 6874 - 2021 / 4 / 20 - 16:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
في اكثر من مقال سابق عن ايران قلت انها تعتمد سياسة براجماتية عكس منظورها السياسي تجاه الداخل ..لان مشروعها القومي الذي يؤطر سلوكها السياسي هو بعث واحياء دولة بنهج امبراطوري وهو ما نلحظة في الخطاب السياسي الرسمي وفي كتب عدد غير قليل من رموز السياسة منها كتابات الرئيس الاسبق خاتمي والمرشد الحالي وقيادات عسكرية كبيرة عبرت صراحة عن هذا الامر ايران ونخبتها السياسية الراهنة رغم الكثير من الملاحظات عليها الا انها استوعبت مفاعيل جغرافيتها من المنظور السياسي والاستراتيجي عكس جيرانها العرب خصوصا السعودية .. ومن ثم فطموح ايران لان تكون دولة اقليمية كبيرة - فاعلة ومقررة - ستحققه بالاتكاء على منصة القنبلة النووية التي قاربت على انتاجها بدعم مباشر وغير مباشر من امريكا واوربا ثم الصين وروسيا ..ناهيك عن تلقيها خدمات من اماكن شتى سبقتها في ذات المشروع .. اذا .. هذا الطموح لا تستطيع ايران ان تلعب به ليضيع في نزق سياسي بل مرونة وبراجماتية لا تقطع خيوط الحوار – اللعبة - مع اطرافها الاساسيين .. مع استمرار ادواتها الإعلامية ووكلائها بالحديث انها دولة ذات نهج ثابت لاتغير سياساتها ولا تتراجع تجاه الضغوط الخارجية ..ومن هنا ايران تحاول جاهدة التوسط عبر الاطراف الاوربية نحو تقارب ولو محدود مع امريكا للعودة نحو الاتفاق النووي السابق لتخرج من دائرة الغضب الامريكي الذي قد يتحول الى عاصفة .. في هذا السياق تتحرك السعودية بطريقة تحاول ان تسبق نحو خلق تفاهمات مع ايران من اجل حلول بعض الاشكالات التي تعانيها من وكلاء ايران في حدودها من اكثر من مكان ..فالكثير من المصالح وبؤر النزاع في المنطقة طرفاها ايران والسعودية .. وكثير من مشكلات عدم الاستقرار داخل المملكة مصدره جماعات تابعة لإيران .. ومن هنا فالسعودية تحاول جاهدة جذب دول الجوار لإيران نحو الصف السعودي (او بتعبير اعلامي نحو الصف العروبي ) مثل العراق والحوار مع الحوثي .. لكن الواقع يقول ان ايران سبقت السعودية في التغلغل داخل اكثر من مدينة عربية وبعضها كانت محل نفوذ تقليدي للسعودية .. هذه الاخيرة تحاول الدخول في حوارات سرية مباشرة مع ايران كما حصل هذا الشهر بوساطة عراقية واحيانا عمانية ، واحيانا تسعى جاهدة مع الامريكان لاتخاذ موقف صارم لعقاب ايران .. الجديد هو طلب امريكا من السعودية ضرورة التطبيع مع اسرائيل بغية خلق حزام سياسي عربي مع اسرائيل التي توكل اليها مهمة استفزاز ايران وصولا لضربة عسكرية خاطفة او حملة عسكرية كبيرة او بالقليل محاصرة ايران والتضييق عليها في اكثر من جانب مع استمرار العقوبات الامريكية .. الجدير بالذكر ان التطبيع لا يمنح السعودية اي اضافة لأوراقها السياسية لان المواجهة العسكرية مع ايران ستكون كلفتها عالية جدا داخل الخليج والسعودية خصوصا ، اضافة الى عموم المنطقة .. السعودية في مرحلة سابقة ومع جيرانها احكموا حصارهم على بغداد ومنحو شرعية لأمريكا عسكريا لكنها لم تنجح في خلق حصار من كل دول الجوار ضد ايران .. بل ايران تتواجد بقوة اقتصادية وديموجرافية داخل الخليج نفسه وداخل الامارات شريك السعودية في التحالف العربي ..ومجموعات ايران داخل الخليج ناشطة اقتصاديا ومتحفزة مذهبيا .. ايران منذ عدة سنوات وهي طرف رئيسي في جولات مكوكية حوارات مخابراتية مع امريكا ، وسياسية مع اطراف اوربية بهدف عودة امريكا الى الاتفاق وهو ما تظهره بعض المؤشرات الاعلامية وربما تكون عودتها مشروطة ببعض التعديلات التي توافق الاطراف الاوربية عليها ومن ثم ستوافق ايران بالتتابع ..هنا تتجنب ايران ضربة اسرائيلية استباقية ..لكن ستستمر المناوشات بينهما في اكثر من مكان .. التفوق الديموجرافي والعسكري والتغلغل الايراني في اكثر من مدينة عربية ناهيك عن قوتها التحشيدية مذهبيا تجعل السعودية في موقف حرج جدا ، ومن هنا على السعودية ان تتبنى رؤية استراتيجية تعتمد المصالح الاقتصادية والسياسية ، والمصالحة مع جيرانها وخلق توافق مع محيطها العربي مع استقطاب دول اخرى غير عربية نحو نقطة الحياد لأنها لن تكون مع السعودية ضد ايران لقوة مصالحها الاقتصادية مع ايران مثل باكستان والهند وتركيا . ولان المنطقة العربية مشتعلة ببؤر نزاع لها مخاطر كبيرة تغلغلت ايران في جميعها دون استثاء ومع استمرار تدني حضور الدور السعودي فيها .. ومع ان السعودية تحاول ان تظهر كدولة اقليمية مقررة لكنها تعاني من مشكلات داخلية في بنية النظام وداخل المجتمع مع تبعات بعض الممارسات السابقة التي شكلت مأخذ كبير عليها في الدوائر الامريكية والغربية ... الجدير بالذكر ان اي دولة عربية تريد ان تكون فاعلة في الاقليم ومقررة لابد اولا ان تكون على علاقة جيدة مع كل الدول ضمن توافقات ومصالح حقيقية ، ومن هنا نفهم الازمات التي تعانيها مصر والسعودية مع جيرانها من الاشقاء ومع غير العرب من دول الجوار ، وهذا يرجع الى غياب المنظور الاستراتيجي في العمل السياسي وانشغال انظمة الحكم بالأمور القصيرة الاجل دونما تفكير بعيد الامد مسنود بإجراءات عملانية تؤسس لاستدامة المصالح والتوافقات . خطيئة السعودية سابقا كانت في تدمير العراق تكررها اليوم في تدمير اليمن وزرع خصومات مع اقرب جيرانها ومع كثير من دول المنطقة ..وعلاقاتها مع امريكا ليست شيكا على بياض رغم ان امريكا تضع اولوية مصالحها التي تكسب معها الكثير دونما تقدم في المقابل ما يوازي تلك المكاسب ممن تقول انهم حلفاء واصدقاء .. قد لا تستطيع السعودية خلق تفاهمات كبيرة مع ايران لكنها تحاول جاهدة لجذب الحكومة العراقية نحوها بعيدا عن السياسة الإيرانية ..الا .. ان .. هذه الاخيرة احكمت قبضتها على النظام السياسي العراقي ، كما لا تستطيع السعودية ان تعود لدورها الكبير في لبنان الا من خلال التوافق مع الامريكان او ايران ، كما تضائل دورها في سوريا وليبيا .. لكن الأكيد ان استدامة حماية حدود السعودية الجنوبية يتطلب بالضرورة انهاء الازمة في اليمن ودعم بناء الدولة وبسط نفوذها في عموم الجغرافيا اليمنية وبدون هذه الدولة لن تعرف السعودية استقرار في حدودها البحرية والبرية وغيرها خاصة مع التقدم النوعي في وسائل التكنولوجيا العسكرية ورخص قيمتها أيضا .. وبالأخير لا يمكن لعاقل ان يطمئن الى القول بان التطبيع السعودي مع اسرائيل سيوفر لها سندا امنيا وعسكريا الذي لم توفره امريكا ذاتها كقوة عظمى وبتاريخ طويل من التحالف معها علما ان امريكا هي التي توفر ذات السند لإسرائيل .. والاصل ان تؤسس السعودية لذاتها قوة عسكرية مدعومة بنظام اقتصادي تتزايد معدلات نموه ونظام سياسي يحظى بثقة المجتمع ويحقق توافقات كبيرة مع محيطه العربي وغير العربي ..خلاصة القول ..ايران الدولة والمذهب والتكنولوجيا العسكرية تشكل لكل دول الخليج وبشكل خاص قلق للسعودية ..فهل تستطيع هذه الاخيرة ان تشكل معادل موضوعي للتوازن مع ايران ..كيف ومتى .؟
#فؤاد_الصلاحي (هاشتاغ)
Fuad__Alsalahi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاتجاه شرقا ...-مقدمة قصيرة -
-
مسار متجدد لحرب باردة لم تنتهي
-
السعودية في عين العاصفة الامريكية -2-
-
نحو صناعة ايدولوجيا حداثية
-
في بلادنا أزمات متراكمة تدفع ثمنها الطبقة الوسطى
-
كورونا بين السياسة والعلم والدين ..!
-
ملاحظة في مفهوم المثقف ..!
-
ايران والخليج ..(مواجهة ام تخفيف التوتر ) :
-
ظاهرة العنف بين السياسي والديني
-
سيناريوهات المشهد الانتخابي الأمريكي ونتائجه
-
السودان بين مطرقة الخارج وسندان الداخل
-
كلمة عن القضية الفلسطينية
-
اعادة بناء النظام الدولي وهيكلته -الضرورة والحاجة -
-
انفجار بيروت ..المعنى والدلالات
-
بؤس النخب السياسية والحزبية في دول الربيع العربي
-
كلمة قصيرة عن الجامعة العربية
-
نظرية الصدمة وازمات المنطقة العربية
-
كورونا ووعي المشتغلين بالعلوم الاجتماعية
-
فشل السياسي والحزبي والمثقف
-
رئيس من العالم الثالث في البيت الأبيض
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|