|
الأمراض العضال في المشروعات الإسلامية المعاصرة
منعثر كريم قاسم
الحوار المتمدن-العدد: 1629 - 2006 / 8 / 1 - 11:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كثرت في الآونة الاخيرة مفاهيم المشروع الحضاري القومي العربي او المشروع الحضاري الإسلامي, وربما سيطرح بعد حين المشروع الحضاري الديمقراطي لمنطقة الشرق الاوسط كما تحاول الولا يات المتحدة ذلك أيضا. ولكننا في هذا المبحث المتواضع سوف نحاول دراسة المشروع الإسلامي تحديدا لأنه المشروع الاكثر وقوعا في الوقت الحاضر بعد الإعلان شبه الرسمي على فشل المشروع الحضاري العربي الذي شغل الفكر العربي حقبة من الزمن ناهزت القرن منذ بزوغ النهضة العربية في بدايات القرن العشرين. وإذا كانت مصر هي الحاضنة للمشروع الإسلامي فإن العراق من وجهة نظرنا سوف يكون المحك العملي لهذا المشروع بعد أن أثبتت التجارب ان أفغانستان ( القاعدة) وحركة طالبان كانتا أسوأ ما يمكن ان يعرض من حضارة للمشروع الإسلامي. ومن هنا يمكننا ان نجد جميع نماذج المشروع الإسلامي مطروحة على الساحة العراقية الآن مما يجعل من العراق مؤشرا حقيقيا ومستقبليا على مدى صدقية هذا المشروع وملائمته للواقع في عموم بلدان الشرق الأوسط الإسلامية. لم يكن لدى العراقيين كما لدى المصريين ثمة حركات إسلامية كالإخوان المسلمين التي أسسها الشيخ حسن البنا الذي أغتيل عام 1949. ومن يتصفح تاريخ العراق السياسي لن يجد ثمة حركات إسلامية واضحة المعالم حتى قيام الحكم الوطني في العراق عام 1958, حيث تأسس حزب الدعوة الإسلامية، وكذلك ما يعرف بالحزب الإسلامي العراقي عام 1960, وكلا الحزبين لم يكن لهما أي اثر واضح طوال عقد الستينات من القرن الماضي.. بل ان الحزب الإسلامي العراقي لم يكن له أي نشاط حتى سقوط النظام عام 2003, وكلا الحزبين - ومن تبعهما من الحركات الإسلامية- أتخذ أسم (الإسلام) شعارا فحسب، لكنهما في الواقع هما حزبان طائفيان بالدرجة الأساس، ويؤكد ذلك واقع تنظيمهما، ولا يمكن أعتبارهما إسلاميين قطعا. كما ان الأحزاب الإسلامية التي تأسست بعدهما بقيت على النهج نفسه من الطائفية وعدم فهم طبيعة الإسلام كدين يدعو إلى الوحدة دائما. فقياداتهما طائفية ولا يوجد عضو واحد من الطائفة المغايرة يعمل في صفوفهما. ويكفي هذا الوضع وحده لرفضها جميعا باعتبارهم أحزاب طائفية فحسب ولا تفهم طبيعة الإسلام التوحيدية . اما الحركات السلفية التكفيرية وما عرف بالسلفية ( العلمية) - والعلم منها براء!- فهي من الوضوح في رفض الآخر بما لا يدع مجالا للشكّ في مدى استيعابها لروح الإسلام السمحة ودعواته المتتالية للوحدة بين البشر وليس بين المسلمين وحدهم. قال تعالى : كلكم من آدم وآدم من تراب ... إن اكرمكم عند الله أتقاكم.. ومئات من الآيات البينات الأخر التي لا تحتاج إلى دليل كبير على إنسانية الإسلام وروحه السمحة .. وآلاف من الاحاديث الصحيحة في المجال نفسه. فإذا كان الإسلام يحمل كلّ هذه المعاني الإنسانية السامية فلم نشاهد كلّ هذا العنف والتكفيروالألغاء بين المسلمين انفسهم؟ ورسول الله (ص) يقول: من كفر مسلما فقد كفر. لا شك بان خللا كبيرا في فهم تلك القيادات الطائفية لطبيعة الإسلام وتكوينه قد حال دون وضعه في موضعه الصحيح. ويمكننا أن نوجز الامراض التي تتعلق بالمشروع الإسلامي بما يأتي: - ربط الإسلام بالسياسة مما أفقده كثيرا من هيبته في نظر كثير من المسلمين بعد أن اتخذه الإسلاميون مطية لتحقيق أهدافهم السياسية التي لا تصبّ غالبا في خدمة قيام مشروع إسلامي موحد. - أمراض على مستوى الخلافات في التشريع والفقه وتحويلها إلى خلافات سياسية واجتماعية وثقافية. - صراعات مذهبية اتخذت طابع العنف والتكفير بين المسلمين. ولم تستطع جميع الدعوات إلى إلغائها والحيلولة دون تمترسها الدائم خلف ما يعرف بامتلاك حقيقة الإسلام الكاملة او ما يعرف بالفرقة الناجية. - عدم فهم الأسلاميين على نطاق واسع لطبيعة الفكر الغربي واتخاذ مواقف متشنجة وغير عقلانية إزاءه. - اتخاذ فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية طابعا شكليا إلى حدّ بعيد وعدم وجود فاعلية في هذا المجال على مستوى التشريع والعمل الإسلامي. - اضمحلال دور المؤتمر الإسلامي الذي يعدّ من أهم المؤسسات التي تعمل في إطار وحدة المسلمين وخضوع المؤتمر إلى سياسات الدول الإسلامية غالبا مما أفقده الإستقلالية وعدم تمكنه من طرح فكرة المشروع الإسلامي على نحو كبير. - لم تستطع الجماعات الإسلامية أن تتخذ موقفا صريحا وواضحا بإزاء المواقف المشينة التي يعمل التطرف الإسلامي على إذكائها مما اوجد صورة مشوهة للإسلام ليس في أذهان الغربيين بل في أذهان المسلمين أنفسهم. - تحول معظم المشروعات الإسلامية إلى ميليشيات او خلايا نائمة تعتمد العنف بالدرجة الأساس. ويكاد العراق في هذه المدة من تاريخ المسلمين ان يكون المحك للمشروع الإلامي بنماذجه السني والشيعي والتكفيري التي لن تلبث ان تتحول إلى عبء على المسلمين أنفسهم مما يولد فكرة عدم جدوى الإسلام في معالجة مشكلات العصر. وإذ نركز بحثنا على العراق الآن لأنه الفيصل الحاسم بين مرحلتين كاملتين تقريبا. ولذلك فإن المشروع الإسلامي سيجد أبوابا مغلقة امام نموه المضطرد بنماذجه المشوهة في الربع الاخير من القرن العشرين. ومن هنا فإن المعيار هو ما يجري في العراق تحديدا بعد ان أصبح مركزا لجميع النماذج الإسلامية تقريبا.
اما ما يتعلق بالأعدامات التي طالت الشيعة من النظام العراقي السابق بحجة الانتماء لحزب الدعوة، فهي واحدة من اكثر مهازل التاريخ العراقي والعربي في آن واحد، حيث كان النظام يعدم المواطنين لأنهم يصلون او يصومون أو يمتلكون كتبا أو كاسيتات فيها خطب للشيخ الوائلي فقط، وليس لأنتماءات حزبية ابدا؛ وهذا ما روج لهذه الأحزاب بعد سقوط النظام.. وكانت الجماهير المتدينة بطبيعة الحال أبعد ما تكون عن المشروع السياسي الإسلامي. والحال نفسه بما يتعلق بالحركات والأحزاب ذات الصبغة الإسلامية الاخرى، فعلى الرغم من ان الإسلام في معظم ادبياته وتعاليمه الدينية السمحة المعروفة يدعو إلى الوحدة ونبذ الفرقة بكل أشكالها سواء في منظور القرآن الكريم او السنة الشريفة او احاديث الأئمة من اهل البيت بالنسبة إلى الشيعة. فلماذا لم تلتزم الأحزاب والحركات الإسلامية بالمنهج الإسلامي التوحيدي المعلن منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام؟ بل ان المسألة طالت الأحزاب الشيعية المنتمية إلى المذهب اتلواحد أيضا! لا شك بان تفسير التاريخ الإسلامي والحوادث التي وقعت فيه يحول دائما دون ظهور حزب إسلامي موحد على مستوى العالم الإسلامي كله. كما ان أسلوب رفض الآخر هو من أهم معالم هذا التيار الديني الذي يتصف غالبا بالتقوقع ومعرفة منتهى الحقائق عن الدين وما يدعيه كلّ طرف.. وإذا كان ثمة محاولات متواضعة في هذا المجال فإنها ستؤول إلى الفشل غالبا؛ وذلك لعمق الخلافات المذهبية والفكرية والفقهية حتى يبدو وكأننا امام نماذج مختلفة من الإسلام وليس دينا واحدا؟! ولعل هذا الوضع هو الذي جعل من بعض المفكرين ينظرون إلى الإسلام بمنظار مختلف. ووقف التيار الإسلامي منذ البداية ضد كل ما هو إنساني من افكار أنتجها الغرب او الشرق وشنّ حربا دعائية لا هوادة فيها ضد الشيوعية والاشتراكية والقومية والديمقراطية وغيرها من الأفكار باعتبارها من البدع التي يروج لها (الغرب الكافر الصليبي) في العالم الإسلامي. إن مشكلات وامراض المشروع الإسلامي من الكبر والأتساع والتناقض الذي يجعل من الإسلام مشروعا حضاريا لا يقلّ شأنه في الفشل الذريع من المشروع الحضاري القومي الذي انهار حديثا يجرّ اذيال الهزيمة دون ان تنفعه تطبيبات المطببين وتنويعات المعنيين بالشأن القومي. وإذا كانت المشاريع تموت بموت دعاتها وادعيائها فإن القومية العربية والإسلام لن يموتا بفعل تجديف المجدفين وتلويح الملوحين ككيانين إنسانيين بالدرجة الأساس.
#منعثر_كريم_قاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قوى اليسار العراقي والعنف الديني
المزيد.....
-
-الجماعة الإسلامية- بلبنان تدعو لإطلاق سراح القرضاوي
-
ماما جابت بيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 لمشاهدة أفضل
...
-
ماذا نعرف عن منفذ هجوم نيو أورليانز المشتبه بتبنّيه لأفكار ا
...
-
من -البعثية- إلى -الإسلاموية-...كيف تفاعل رواد مواقع التواصل
...
-
السيد الحكيم: الأمة الإسلامية تمر بمنعطف حساس
-
شرطة الاحتلال تقتحم حي سويح ببلدة سلوان جنوب المسجد الاقصى ا
...
-
“ضحك طفلك وابسطه الان” تردد قناة طيور الجنة الجديد على الأقم
...
-
الإدارة السورية المؤقتة تلغي مواد تعليمية لا تناسب -الشريعة-
...
-
الاحتلال يداهم مدنا بالضفة ويؤمن اقتحام المستوطنين شمال سلفي
...
-
السعودية تدين -الاعتداءات الغاشمة- على حرمة المسجد الأقصى
المزيد.....
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
المزيد.....
|