* بماذا يفكر سعدي يوسف في الأيام القادمة00 هل ستعود إلى العراق؟ ماذا لو كان حقيقة أن اسمك وضع على رأس قائمة أخرى تضمّ 2000 من المثقفين العراقيين لن يسمح لهم بالعودة؟
+ هل أعود ؟ طبعاً . لكن قائمة المنع قائمةٌ . والعملاءُ العراقيون هم الذين يقدّمون المشورة في هذا الشأن إلى ضباط الإحتلال . أعتقدُ أن ضغط الرأي العام سوف يرغم الأميركيين على إلغاء القائمة ، غير أن هذا لن يتمّ إلاّ بعد استتباب الأمور لصالح المحتلين .
* هل ترى دكتاتورية صدام وبشاعة نظامه مبرراً لبعض قيادات المعارضة العراقية أو بعض مثقفيها لتأييد الولايات المتحدة الأميركية في غزوها للعراق ؟
+ الجسم الحقيقيّ للمثقفين العراقيين هو ضدّ الإحتلال . هناك أسماء محدودة العدد ومعروفة السيرة كانت تشتغل مع الأجهزة الأميركية منذ زمن طويل حتى فقدت قيمتها الثقافية ، مستبدلةً بها رهاناً سياسياً رديئاً ، بعض هؤلاء هبط على الأرض العراقية مؤخراً ، من مروحياتٍ أميركية ، وهم يشكِّـلون جزءاً أساساً من معارضةٍ وُلِـدتْ في الخارج عميلةً .
أريد أن أقول إن هذه المعارضة التي ولدت عميلةً في الخارج ، ليست المعارضةَ الوطنية المعروفة تاريخياً ، والتي لها تمثيلٌ في الخارج .
* وما هو الحل في تقديرك لحفظ طرف المعادلة الصعبة : لا للحرب .. لا للدكتاتورية ؟
+ شعار " لا للحرب ، لا للدكتاتورية " الذي أطلقه الحزب الشيوعي العراقي ، مستنفَـدٌ الآن . لقد قامت الحرب وقعدت ، ونحن إزاء دكتاتورية جديدة نوعيّـاً .
*استند بعض المثقفين إلى أن الوطن قيمة مطلقة والحاكم متغير ، وعندما يُهدّد المطلق فعلى الجميع أن يتحد حتى مع المتغير ولو كان دكتاتوراً .. كيف ترى هذه الإشكالية المربكة ؟
+ أنت تقول من منطلقِ صدقٍ إن الوطن قيمةٌ مطلقةٌ ، والحاكم متغيرٌ . هكذا ينبغي أن توضَع الأشياءُ موضعَـها ،
لكن التطبيق لدينا مختلفٌ : الوطن قيمةٌ متغيرةٌ ، والحاكمُ مطلقٌ .
هكذا تكون معارضةُ الحاكم معانقةَ الوطن . ولا خلافَ في هذا بين عموم المثقفين العراقيين .
• هذه الإشكالية هل ستخلق ما يشبه الحرب الأهلية بين المثقفين العراقيين ، بين رافضٍ للتدخل الأميركي ومؤيد؟
•
+ حربٌ أهليةٌ بين المثقفين العراقيين ؟ التعبير مبالَـغٌ فيه . الخلاف هو بين عموم الجسم الثقافي ، وذلك العدد المحدود المفضوح الذي كان يعمل مع الأجهزة الإستعمارية منذ أمدٍ بعيدٍ نسبياً ( أكثر من عشر سنين ) .
* ما توقعاتك لأشكال المقاومة في الفترة القادمة؟
+ أعتقدُ أن عملية استعادة استقلال البلد ، ستكون معقّـدةً ، بطيئةً ، ذات وسائلَ في النضال غيرِ عنيفةٍ فـي الغالب ، بسببٍ من عدم التناسب في القوى : جيش احتلالٍ مدجّـج مقابل مدنيين .
* ما الإيجابيّ والسلبيّ في ما يحدث الآن ؟
+ لا إيجابية لأيّ احتلالٍ .
* وهل كنت تتوقع انهيار المقاومة بمثل هذه السرعة ؟
+ كنتُ أتوقّـعُ الإنهيار حتى بوتيرةٍ أسرعَ ممّـا حدث . فالقوى العسكرية والأمنية كانتْ مدرّبةً ومُـعَدّةً لقمع الشعب العراقي ، لا لمجابهة خطرٍ خارجيّ . مثلاً : كيف يحارب جيشٌ في حربٍ حديثةٍ بلا غطاءٍ جويّ ؟
* هل تعتقد أن الإطاحة بدكتاتور مثل صدام حسين تعدّ من إيجابيات الغزو الأميركي ؟
+ إطاحة الدكتاتور كانت من النتائج الجانبية للإحتلال فقط . وكما أسلفتُ : لا إيجابية لأي احتلالٍ .
* ما هي في تقديرك التغيرات التي أحدثها المنفى في المعارضة العراقية ؟
+ المعارضة الحقيقية الفاعلة هي في العراق ، لا في المنفى . وأنا لا أعتبرُ العملاءَ الذين يساعدون المحتلين الآن إلاّ عملاءَ ، غرباءَ عن أي معنىً للمعارضة .
* قلتَ في السبعينيات إن العراق وحده ابتُـلي بنظام حكم دكتاتوريّ ، وعلى الشعر أن ينقذ الناس من فاشيّة مقبلة ..
+ في السبعينيات كنت أقول إن الفاشيّــة قادمةٌ . وقد أسهمتُ عبر النصّ الشعريّ ، في إيضاح ما سيحلّ بنا ،
كانت السحبُ السود غير الماطرة تتجمّـع ، وكانت النُّـذُرُ واضحةً لكل ذي عينين . وقد غادرتُ وطني في أواخر السبعينيات ، كما تعرف .
* هل تشعر بالحنين إلى بغداد ؟ هل وجدتَـها في مدينةٍ ما ؟
+ الحنين إلى بغداد ؟ إنها عاصمتي . مدينتي هي البصرة التي أحنُّ إليها أكثرَ . لو كان في لندن نخلٌ لكانت أقربَ مدن الهجرة إلى البصرة : النهر والقنوات والجداول والريف المتاح دوماً …
* ما تصوراتك لعراق المستقبل ؟
+ مستقبل العراق البعيد ، يكاد يكون غائماً لديّ ، بل مثقلاً بالسُّـجُـفِ ، لكنه مفعَـمٌ بالإحتمالات .
أمّـا الحاضرُ ، والمستشَـفُّ القريبُ ، فإنهما كالحانِ حدّ اللعنةِ .
• * *
* ماذا تصنف نفسك ؟ منفيّ – مهاجر – مغترب ؟
التصنيف : منفيّ .
* كيف ترى المنفى ؟
أنا امرؤٌ شكّـلَ المنفى أرضه الفعليةَ ( فنّـاً ومستقَـرّاً ) لثلاثة عقود عجيبة . أنا أحاولُ ألاّ أنظر إلى المنفى من خارجه . هو أرضي المتاحة الوحيدة . إنه وطني الخاصّ والشخصيّ .
* ما هي الأسباب التي دفعتك إليه؟
+ الأسباب : بعد محاولاتٍ مستديمةٍ استمرّتْ عاماً لإرغامي على الإنتماء إلى حزب البعث ، تلقيتُ إنذاراً مدته أسبوعٌ واحدٌ للإنضمام إلى الحزب الحاكم ، وإلاّ فإنني سوف أُسَــلَّـمُ إلى الأجهزة الأمنية لتتولّـى شـأني بطُرقها المعروفة . أجريتُ اتصالاتٍ غيرَ مُـجْـديةٍ … هكذا قررت الرحيل مرغَـماً .
* هل اختيار المثقف ، الخروج ، تعبير عن مثقف منسحب ؟
+ لم أنسحبْ من الحياة العامة ، مطلقاً .
* هل اختيار المنفى هروبٌ من المواجهة الحقيقية ؟
+ المواجهة الحقيقية متعددة الأشكال والساحات .
* كيف تنظر إلى الثقافة في بلادك من بعيد ؟
+ الثقافة داخل العراق هي ثقافتي الوطنية ، مميِّـزاً بين ما هو رسميّ ، وما هو حرٌّ .
* كيف تتعامل مع ثقافة بلد المنفى في المنفى ؟
+ أتعامل مع ثقافة بلد المنفى مثل ما كنت أتعامل معها قبل أن أكون في المنفى . إنه تعاملٌ جادٌّ دوماً ، إضافةً إلى أن بمقدورك إقامة علائق مع منتجي الثقافة في بلد المنفى حين تمتلك اللغة ، الإنجليزية والفرنسية بالنسبة لي .
* ما هي الأجواء التي توفرها ثقافة المنفى لصالحك ؟
+ أجواء الحرية المطْـلقة أوّلاً ، والإطلاع على ما هو جديدٌ متجددٌ .
* هل هي ثقافة خاصة ؟
+ أنا أرى أن الثقافة تتضمن قيمتها العامة حتى في أشد خصوصيّـتها .
* ما الذي تضيفه ثقافة المنفى الى الثقافة العربية ؟
+ المفترض أن ثقافة المنفى تضيف نسائمَ حرّةً إلى الثقافة العربية ، وقد حدث هذا إلى حدٍّ معيّـنٍ ، لكن هذه الإضافة لم تأخذ المدى المرجوّ ، بسبب ارتباط عددٍ غير قليلٍ من المثقفين العرب في المنفى ، بالأجهزة الرجعية العربية ، ومنابرها الثقافية ، حتى صار الواحدُ منهم يكتب وفقَ الضوابط التي تمليها هذه الأجهزة .
* هل يعيش المنفيّ العربي العربي الإغتراب المزدوج ؟
+ حول المنفيّ العربي العربي ، أتمثلُ بهذا البيت :
والمستجيرُ بعمروٍ عند كُـربتهِ كالمستجيرِ من الرمضاءِ بالنارِ
• هل هناك متغيرات أساسية في حياة المنفى بعد 11 سبتمبر ؟
+ هنا ، في المملكة المتحدة ، لم أجد فرقاً ، بالنسبة لي ، بين ما قبل 11 سبتمبر وما بعده . ربما وجد آخرون فرقاً . لست أدري .
* كيف تعيش في المنفى ؟
+ أنا أعيشُ في قريةٍ إنجليزية ، ضمن لندن الكبرى . حولي ريفٌ حقيقيّ . بحيرات وغابات . زارتني منى أنيس
مرةً . كان الأمر مفاجأةً بالنسبة لها ، هي التي تعيش وسط القاهرة الضاجّـة المفعمة بأنفاس الليل .
حياتي اليومية في منتهى الهدوء . وقد زاد إنتاجي غزارةً . لقاءاتي مع المعارف والأصدقاء نادرةٌ ، غير متواترة .
أصحو مبكراً " مثل آدمَ في الصباح الباكر " بتعبير والت ويتمان ، وأنام مبكراً جدّاً . أقرأ كثيراً ، وأُحَـسِّنُ علاقتي مع الكومبيوتر . صرتُ أكتب قصائدي مباشرةً على شاشة الجهاز . وجدت الأمر ممتعاً . طبيعة العمل على الشاشة تجعلك تكمل القصيدة ، ولا تؤجِّــلها إلى الغد .
* هل تحلم بالعودة ؟
+ أنا أحلم بالعودة منذ ثلاثين عاماً ، لكني أقاومُ الحنين الـمُـمْـرِض ( النوستالجيا ) فهو يعرقل التوازن العصبي
المفترض توافرُهُ لدى المبدع في أوقات العملية الإبداعية .
• ما هي شروط العودة ؟
+ الحرية ، هي شَــرطي الوحيد . لكنها الشرط الصعب …
لندن 28 / 4 / 2003