|
حرب لبنان .. العودة إلى حقائق الصراع العربي الإسرائيلي .. 2
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 1629 - 2006 / 8 / 1 - 11:55
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
منذ أن تكرس وجود الكيان الصهيوني " إسرائيل " عام 1948 بفعل صهيوني عالمي ودعم ا ستعماري دولي ، نشأت في محيط العالم العربي حالة انحراف شديدة الخطورة بالنسبة لمصائر ونمو وأمن شعوب المنطقة . إذ شكل هذا الوجود منذ سنواته الأولى ، بؤرة التوتر الدائم ، ومصدر إعاقة النمو الاجتماعي الطبيعي ، ومحور التهديد المستمر للسلام ، وغدا بعد نصف قرن مصدر خطر لايستهان به على الأمن والسلم الدوليين . فبعد ثماني سنوات فقط من وجوده قام هذا الكيان عام 1956 بالتحالف مع فرنسا وبريطانيا بالهجوم على مصر ، واحتل سيناء حتى الشاطئ الشرقي لقناة السويس . ثم قام في الخامس من حزيران 1967 بالعدوان على سوريا ومصر والأردن . ثم أثار حرباً في 6 تشرين أول عام 1973 مع سوريا ومصر ، لتمنعه عن تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 القاضي بانسحابه من الأراضي العربية التي احتلها عام1967 . وهو الآن عام 2006 يقوم بحربه المجرمة السادسة في لبنان . يضاف إلى ذلك مئات الإعتداءات والمعارك الحدودية وجرائم الاغتيالات وحروب الاستنزاف
وقد ا ستنزف وجود هذا الكيان الاستيطاني الشاذ قدرات وطاقات اقتصادية ومالية وبشرية عربية هائلة في مصر وسوريا خاصة ، وفي الأردن ولبنان بنسبة أقل ، وانسحب ذلك بمستويات مختلفة على بلدان عربية اخرى يشملها قوس التهديد الاستعماري الصهيوني والمطامع الصهيونية مثل العراق والسودان وليبيا . فمن أجل أن تؤمن الدول المجاورة مباشرة لهذا الكيان ، وخاصة سوريا ومصر ، حماية أراضيها من إعتداءاته ومطامعه التوسعية ، ا ستهلكت على مدار ستين عاماً 70 % من ميزانياتها في حقل الانفاق العسكري . وهذا ما لعب دوراً معوقاً لمجالات التنمية على كل الأصعدة
غير أن الدور الأكثر خطورة لهذا الكيان ، يكمن في تأثيره غير المباشر ، على بنية الدولة ، وعلى المفاهيم الساسية ، وعلى التكوين النفسي الشخصي والجمعي في البلدان الأكثر تعرضاً لإعتداءاته ومطامعه ، ذلك أنه شكل المبرر " الذرائعي " للطبقة السياسية ، على اختلاف أطيافها ، للتعاطي بصورة شاذة مع حالة التهديد الدائم بالحرب ، ما أدى ، إلى ظهور مفاضلات سيساسية بالغة الضرر بين الأولويات الملحة لملاقاة المصير في الحاضر والمستقبل ، وإلى صراعات دموية مؤسفة بين تيارات وقوى سياسية واجتماعية كان من المفروض أن تشكل تحالفاً وطنياً شاملاً ، وأفسح المجال لظهور أنظمة ديكتاتورية ، ونشوء حالة طوارئ وقوانين عرفية دائمة لمواجهة " خطر إسرائيل " . ولتحيد مدى مصداقية هذه المقاربة ، يكفي السؤال ، لولم يكن هذا الكيان الصهيوني بنوعيته الاستيطانية العدوانية التوسعية موجوداً في قلب الوطن العربي ، هل كانت سوريا ومصر وغيرها من البلدان العربية بحاجة إلى كل هذا الانفاق العسكري ، وهي تقع وسط جوار صديق من كل أطراف حدودها ، وهل كانت هناك ذريعة أخرى بثقل ذريعة " التحرير " ومواجهة المخاطر العدوانية الصهيونية ، يمكن لها أن " تبرر " حالة الطوارئ والأحكام العرفية والنظام الاستدادي " القوي " ، وأن تغطي للأنظمة الديكتاتورية حملات القمع والاعتقالات والتصفيات للآخر .. ؟
ومن أ سف ، أن المنظومة السياسية العربية ، أنظمة وأحزاباً ، بعد سلسلة الحروب والدمار والخسائر ، التي مني بها إنساننا بفعل الكيان الصهيوني ، ورغم تأثيراته الشاذة المدمرة على تطورنا الطبيعي أسوة بالشعوب الأخرى ، لم تنجز سياسة مقاومة مطابقة .. لم تستخدم ما بحوزتها من إمكانيات وآليات عسكرية واقتصادية وبترولية في الصراع مع هذا الكيان . فبالنسبة للأنظمة العربية شهد المسرح السياسي حركة معاكسة للمصالح الوطنية ، وأحياناً معاكسة لمصالح هذه الأنظمة بالذات . فبدلاً من بناء الدولة والمجتمع على أسس د ستورية ديمقراطية ، والتكامل مع بعضها البعض بشكل تدرجي اقتصادي وسياسي ، يؤمن في زمن قياسي مناسب ، قيام هيكلية نظام عربي ديمقراطي قوي ، يكون أساس مواجهة حقيقية مع هذا الكيان وما يمثله من مخاطر جدية مفتوحة ، قامت هذه الأنظمة بحرف بوصلة مسار جيوشها عن طريق تحرير فلسطين ، فتوجه الجيش المصري إلى اليمن ، والجيش السوري إلى لبنان ، والجيش الليبي إلى تشاد ، والجيش المغربي إلى الصحراء ، والجيش الجزائري الى الغرب لدعم البوليساريو ، والجيش اليمني إلى الجنوب والجيش السوداني إلى جنوبه ، والجيش العراقي إلى إيران ثم إلى الكويت ، والجيش الأردني اختار التوجه إلى المخيمات الفلسطينية ، ما أفقد المؤسسة العسكرية العربية الكثير من احترامها وشوه عقيدتها القتالية ، وبعد أن تحولت هذه الجيوش إلى آليات أساس في حماية الأنظمة المفوتة والديكتاتورية فقدت شعبيتها ومصداقيتها . وبالنسبة للمؤسسة الحزبية ، فبعدما إرتهنت طويلاً إلى نمطية ايديولوجية شمولية وبنية تنظيمية قبلية ، أي لم تنجح إلاّ نادراً بالتعبير عن الحراك الاجتماعي والاندماج بالقوى الاجتماعية ، وبعدما خاضت مواجهات فاشلة مع أنظمة قمعية للاستحواز على السلطة ، تحولت إلى أطر نخبوية أكثر محدودية وإرادوية ، وتلاقت غالبيتها في مسارها السمتي " المعاكس " مع ذات الأنظمة عند تقاطع الإفلاس والضياع
وفي الوقت الذي كانت فيه المنظومة السياسية العربية تتفكك سياسياً وعسكرياً وا ستراتيجياً حتى وصلت حد الاستسلام لسيطرة الكيان الصهيوني على فلسطين ولنفوذه في المحيط العربي ، وعقد الصفقات السرية والعلنية معه مثل معاهدة كامب ديفيد ومعاهدة وادي عربة ، وتستقيل من مهام تحرير فلسطين ، وإعلانها " السلام كخيار ا ستراتيجي " في إيجاد الحلول لمخلفات التداعيات المتبقية للصراع " العربي الإسرائيلي " . وتلتحق بهذا الإنحدار قطاعات سياسية وثقافية خارج السلطات ، لتعمم وتعمق التفكك والاستسلام ، في هذا الوقت ، كان الكيان الصهيوني يزداد تماسكاً سياسياً ، ويكثف ثرواته وقدراته ، ويعزز ويوسع إتصالاته وتحالفاته ، بنى إقتصاداً تكاملياً مع الرأسمال العالمي وخاصة الأميركي ، بنى جيشاً مجهزاً بأقوى وأحدث الأسلحة ، بنى صناعة حربية تكنولوجية متطورة ، والأهم من كل ذلك رسخ عقيدته العسكرية القائمة على الحرب لقهر الإنسان العربي وا ستعباده ، بدلالة أن ما يصدره من صناعة الأسلحة 15 مليار دولار سنوياً ، ويمتلك أكثر من مئتي قنبلة نويية
الأمر الذي أحدث شرخاً هائلاً بين المنظومة السياسية وبين الشعوب العربية ، وأحدث تبدلاً مقلوباً للأدوار التاريخية للقوى والزعامات السياسية . لم تعد الأيديولوجيا تكفي لإكتساب هذا الدور ، وإنما لابد من توفر شرط الاستجابة الفعلية لمهام اللحظة التاريخية إن على الوطني أو الاجتماعي . فالشيوعي خالد بكداش كان في الخمسينات عندما كان الحزب الشيوعي ، السوري يخوض نضالاته الوطنية الشجاعة مع الشعب ضد الديكتاتوريات وضد الأحلاف الاستعمارية ، كان بطلاً شعبياً .. كان سيد المنابر .. وانتخب بجدارة نائباً في البرلمان عن دمشق .. أما عندما فرط بتاريخ الحزب النضالي وآثر السلامة وانضوى تحت قيادة النظام الديكتاتوري ، أصبح منزوياً قابعاً في هوامش النسيان . والشيخ حسن نصر الله ، القادم من اليمين حسب الأعراف السياسية الدارجة ، الذي قد يختلف معه هذا الفريق أو ذاك حول القضايا المذهبية مع كامل الاحترام لهذه القضايا ، طالما تمثل قناعات إنسانية ، أصبح الآن بسبب ا ستجابته لاستحقاق اللحظة التاريخية لبنانياً وعربياً وإنسانياً .. أصبح بطلاً وطنياً ورمزاً نضالياً . بمعنى أنه عندما تستقيل أو تنسحب قوى أو شخصيات نضالية من دورها التاريخي لابد وأن تحل محلها قوى نضالية اخرى ، وتكتسب بجدارة ، إذا ا ستجابت بشكل مطابق لمهام اللحظة التاريخية ، حق الاعتراف بها واحترامها ، وتدل سيرورة الحراك الوطني اللبناني ، أن هناك في رحم الصراع من أجل الوجود الوطني شخصيات وقوى لبنانية عديدة أخرى سوف تبرز وتكتسب شرف الريادة
بكلام آخر ، إن مرحلة تعيسة ورديئة في التاريخ العربي المعاش ، مرحلة الأنظمة المفوتة والديكتاتورية المتواطئة مع مشاريع الخارج الاستعماري الصهيوني قد انتهت .. ينبغي أن تنسحب أو تسقط فعلياً بعد أن تم سقوطها الافتراضي . إن مرحلة الشعوب وقواها المقاتلة قد دقت ، وهي قوى مليونية عريضة هائلة القوة ، وذلك بسبب إندماج المهام الوطنية ضد الكيان الصهيوني الأميركي وضد عصابة الثماني الدولية مع المهام الديمقراطية ضد الاستبداد و المهام الاجتماعية ضد التخلف والفقر
كل حرب يشنها الكيان الصهيوني على بلد عربي تذكرنا بما أحدثته حروبه السابقة ببلادنا وإنساننا من دمار وقتل ، وتذكرنا بإفلاس أنظمتنا وأسلحتنا وآلياتنا .. وبهزائمنا .. وما بين حربين ومجزرتين نترهل .. نتناسى إحتقاره لإنسانيتنا .. نتناسى مطامعه وتحفزه الدائم لمواصلة العدوان علينا .. ننسى التمسك بعقيدة الصراع الوجودي معه .. بينما هو لاينسى
وإذا كان المعطى التاريخي يؤكد أن حرب الكيان الصهيوني الآن ضد لبنان ليست هي الأولى وليست هي الأخيرة ، فإنه من الخطأ المريع الاعتقاد أن حرب الكيان الصهيوني الآن في لبنان هي ضد لبنان وحده ، وأن هذا الكيان يخوض حربه لوحده في لبنان . إن ما يجري الآن في لبنان من دمار وما يجري ضده من تواطؤ أميركي دولي ما هو إلاّ عرض قوة .. عرض أنموذج لمصائر بلدان عربية أخرى وفي مقدمتها سوريا ، وقد تكون الأردن ضمن مخططات تصفية القضية الفلسطينية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وا ستعباد شعوبه قاطبة
إن نتائج معركة لبنان .. معركة الشرق الأوسط بما يملك هذا الشرق من عناصر الثروة البترولية ، والمكانة الجيو- سياسية ، والسوق الكبير ، ومآلات الصراع الوجودي مع الكيان الصهيوني ، سوف تحدد لفترة طويلة مصائر معارك شعوب أخرى في قارات العالم المختلفة . وهذا يستدعي التحالف السريع والواسع مع القوى الثورية المناضلة في مختلف القارات
ربما نحن نشهد في هذه الأيام تكرار التاريخ الهزلي لنفسه .. بعودة عصبة الأمم لفرض الوصاية على الشعوب .. لكننا ربما نشهد في نفس الوقت ثورات وانتفاضات تهز العام وتعيد صياغته من جديد
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرب لبنان .. العودة إلى حقائق الصراع العربي الإسرائيلي
-
حرب لبنان .. والمسؤوليات التاريخية
-
حرب غزة .. والسؤال الآن .. !! ؟
-
وقفة إجلال وتضامن مع حرية الصحافة في مصر
-
بؤس السياسة السورية الراهنة
-
اختراق عابر أم إنذار حرب .. ؟
-
النظام في دائرة النار .. أي مؤتمر تحتاجه سوريا .. ؟
-
مائة شكر وامتنان للحوار المتمدن
-
من القمع السياسي إلى القمع الاقتصادي .. تحولات بالاتجاه المع
...
-
الكواكبي يصارع الأفعى مرتين
-
من هو قاتل الطفلة حنان المحمد ؟
-
الطبقة العاملة تدق أبواب دمشق
-
احتفاء ب - حفيد امريْ القيس
-
إعادة إنتاج الاستبداد .. من قمع عرفي إلى قمع - قانوني
-
المعارضة السورية ومفترق الطرق
-
أول أيار .. نضالات ورؤى وأمنيات
-
رحل كمال دون وداع ..
-
انتصار اليسار الفرنسي .. تجربة وآفاق
-
جنرالات الأرصفة
-
من أجل الحرية .. والرغيف معاً
المزيد.....
-
موزة ملصقة على حائط.. تُحقّق 6.24 مليون دولار في مزاد
-
تقارير عن معارك عنيفة بجنوب لبنان.. ومصدر أمني ينفي وجود قاد
...
-
قوات كييف تعترف بخسارة أكثر من 40% من الأراضي التي احتلتها ف
...
-
إسرائيل تهاجم يوتيوبر مصري شهير وتوجه له اتهامات خطيرة.. وال
...
-
بوليتيكو: الصين تتجاوز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في
...
-
وسائل إعلام عبرية: اختفاء إسرائيلي في الإمارات والموساد يشار
...
-
غرابة الزمن وتآكل الذاكرة في أعمال عبد الله السعدي
-
فوائده كثيرة .. ابدأ يومك بشرب الماء الدافئ!
-
الناطق باسم -القسام- أبو عبيدة يعلن مقتل إحدى الأسيرات الإسر
...
-
-تحليق مسيرة ولحظة سقوط صواريخ-.. حزب الله يعرض مشاهد استهدا
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|