أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غانم عمران المعموري - الوجع العراقيّ في قصيدة - جرس الدرس الأخير - للشاعر العراقي الحِلّي موفق أبو خمرة .















المزيد.....


الوجع العراقيّ في قصيدة - جرس الدرس الأخير - للشاعر العراقي الحِلّي موفق أبو خمرة .


غانم عمران المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 6870 - 2021 / 4 / 16 - 09:39
المحور: الادب والفن
    


تَكحَلت عينيه من طيّنِ نهر الحِلَّة الحُرّي وكَبْرت بأٌذنيّه طيور النوارس وعَمّدت جَسَده ميّاه الفرات فنَهَل من عَذبِها أجمل الألحان, أبصر الحياة بعينيّ صقر, يجول بقدميّه أزقة الأحياء وفروعها الضيقة, فكانت الشناشيل وشبابيكها المزججة بألوانها الزاهيّة تَطل عليه بشعاعِ الشمس الساقطة عليها فتزيده بهاءً ورونقاً, يقف طويلاً يتأمل صفي الدين الحِلّي وهو ينتصبُ شامخاً في وسط الحِلّة الفيحاء ويجلس على الأرض يكتب عليها شخصياتها العالقة في أذهان المبدعين ك طه باقر ومحمد مهدي البصير وعبد الجبار عباس وعلي جواد الطاهر وغيرهم يرسم حروف أسمائهم بدموع عينيه, ويرفع قُبعته للأمير صدقة بن مزيد الأسدي ويقول له : أرسل لنا جواريّك لتسقيّنا خمرةَ الشعر فلا نظمأ بعدها أبدا..
تمخضت ذّات الشاعر من موهبة جيّاشة تنامت نتيجة ارهاصات وتمظهرات اجتماعية ونفسية خاصة وعامة بالإضافة إلى تأثره بالشعر العربي والعالمي وامتلاكه قدرة اقتناص الأمثال الشعبية والنكتة واستثمار اللغة العامية ومزواجتها مع اللغة الفصحى لينتج لنا قطعة موسيقية ذات إيقاعٍ موسيقي متنامٍ وحركية كأمواج النهر المتلاطمة واستنطاقها بصورٍ شعرية منفتحة الدلالات ومتساميّة المعنى بأسلوب تهكمي رافضاً لكل مظاهر الفساد ومُعريّاً للواقع المُظلم الذي يحيط به وبالمجتمع الذي هو فردٌ مسؤولٌ فيه, لذا كانت عنونة قصيدته " جرس الدرس الأخير " تُمثل صرخة لكل عراقي موجوع وانتفاضة ألم وحسرة مظلوم فهو ينطلق من الذّات االفردية إلى الذّات الجمعية لما يمتلك من قدرة التأثير بمجسات أدبية شعرية تتضمن اليومي والمتغير في الحياة الاجتماعية فأينما يسير يكون الشعر رحالة ومؤونته بصوته الشجيّ الحزين الذي يبعث شحنات شعورية أثيرية تخترق القلب مباشرة فتتلقاها أذن المتلقي حتى تسقط الدموع من العَبْرات ..
..
على شاهدةٍ سوداء كالليل
لم يبقَ من مُوفق محمد
شيءٌ لم تأكلهُ المقطات
تميزت قصيدته بالخروج على المألوف بلغة جمالية خالية من التَكَلّف وخرق للتقاليد والإعتياد حيث " إن الانزياح هو انحراف الكلام عن نسقه المألوف ؛ وهو حدث لغوي يظهر في تشكيل الكلام, وصياغته ويمكن بواسطته التعرف على طبيعة الأسلوب الأدبي, بل يمكن اعتبار الانزياح هو الأسلوب الأدبي ذاته " 1.
استطاع الناص بتقنية فنية تحريك مشهدية القصيدة عن طريق بلاغة الانزياح وحنكته الشعرية في رفع وتيرة الإيقاع الداخلي الموسيقي كما في " لم يبقَ من مُوفق محمد شيءٌ لم تأكلهُ المقطات " بحيث نَسبَ صفة الأكل للمقطات بأسلوب غير مألوف ولكن بدلالة ومعنى عميق يتعلق بسيرة حياته الطويلة التي قضاها بين الأمواج العاتية لدكتاتورية تسفك الدماء دون رحمة وديمقراطية زائفة وحروب طائفية طاحنة وهرج ومرج فكان هو الشاهد الواعي لكل الأحداث ضمن بيئته الجفرافية التي استمد منها طاقته الشعورية الفنية والابداعية باعتبارها المنبع الزاخر بالمعارف والعلوم..
استثمر الكلمات العامية ومزاوجتها مع الفصحى لدفع تدفقات الصور الشعرية وتحويلها عن طريق تنامي الحدث في المقطع الصوري إلى مشهدية محسوسة مؤثرة ومحفزة لمخيلة المتلقي للتأمل والتفكير حتى يُكمل الشاعر نصه :
لم يبقَ من قلم الرصاص
سوى الممحاة البيضاء التي في راسِه
أهذا ماتبقى لي ؟
أضفى تكرار " الفعل يبقى المسبوق بحرف جزمٍ لَمْ لنفي المضارع وقلْبِه ماضيًا حيث " أن التكرار يبعث على التفكير والتأمل كونه يتضمن دلالات حسيّة نفسية تشير إلى التوتر والانفعال الايجابي والتمرد على كل مظاهر الفساد فهو يمثل حالة الشاعر أثناء كتابة النص وصدق مشاعره وأحاسيسه فتُشّكل هالة نورانية تُأجج وتدغدغ كل شعور المتلقي كونها ضمن نسق شعري مُنظم حيث أنه “يحدث نغمة موسيقية لافتة للنظر لكن وقعها في النفس لا يكون كوقع تكرار الكلمات،وأنصاف الأبيات، أو الأبيات عامة،وعلى الرغم من ذلك فإن تكرار الصوت يسهم في تهيئة السامع للدخول في أعماق الكلمة الشعرية”2.
ليضع مُقارنة رائعة بين قلم الرصاص الذي يستعمل فترة طويلة في الكتابة بحيث ينتهي وتبقى الممحاة في رأسه وبين حياته التي افناها بالتعب والسهر والضغط النفسي وما يُحيط به من ويلات وما تعرض له من ظلم وجور من السلطات القمعية في ظل النظام المقبور وفَقْده أعز ما يملك حتى احترق رأسه شيباً, جاءت تلك المقارنة بنسيج شعري مُترابط بين مقطع وآخر حتى لو تَمَّ رفع أحد المقاطع فإنها لا تفقد المعنى المقصود منه كما أنها تُشّكل قطعة شعرية موسيقية متكاملة المعنى حيث لو كانت " لم يبقَ من مُوفق محمد
سوى الممحاة البيضاء التي في راسِه "
فإنها تَعقد معنى موحد لدلالة شعرية واحدة وبتوازي صوتيّ بين " لم يبقَ " ونهاية المقطع " أهذا ماتبقى لي ؟ " مما حقق قيمة جمالية من خلال ربط الأنساق المتوازية بالدلالة والمعنى الذي يقصده بانسجام وتنوع فني له الأثر الفعال في إثارة المتلقي ليتذوق جمالية المُنتج حيث " يعد التوازي من أعمق أسس الفاعلية الفكرية في الشعر؛ فهو شكل من التنظيم النحوي, ويتمثل في تقسيم البنية اللغوية للجمل الشعرية إلى عناصر متشابهة في الطول والنغمة فالنص- بكليته – يتوزع في عناصر وأجزاء تربط فيما بينها من خلال التناسب بين المقاطع الشعرية, التي تتضمن جملاً متوازية وهاهنا تحقق التماثلات النحوية أنساق التوازي في الشعر, ومن ثم توجه حركة الإيقاع في النص الشعري" 3.
كان صوّته المدْوي ضد طغاة الظلم حاضراً منذ تنامى الشعر في كل كيانه فتميز عن شعراء جيله من خلال بصمة خاصة معروفة لدى أبناء بلده بأسلوبه الذي تطغيّ عليه النكتة السوداء والسخرية موظِفاً الأمثال الشعبية والكنايات والحكايات ..
أهذا ماتبقى لي ؟ أيتها الحكومة
( بالكبر وادعي عليج )
يتحدث الشاعر بضمير الأنا المتمردة لكن أَناه متشظية إلى صور شعرية تمس أوجاع العراقيين وآلامهم بأسلوب شعبي ولغة عاميّة تثير إحساس كل مظلوم وهو يُعاتب الحكومة بدعوة الأباء والشيوخ والأمهات والأيتام والأرامل بلسانه الذي يلهج ضد الطغاة حيث أنه " شاعر يوظف وجع الكلمات بوخزاتها الدامية في الجسد وهذه الوخزات هي النكتة السوداء التي تستند إلى فكرة التندر القاسية المريرة في ظروف واقع قاسٍ ومرير, لهذا بدت قصائده مشحونة بالموت والتدمير والنهايات القاسية, فهو يقف عند تخوم نهايات الحياة المعفّرة بالعذابات والتحديات, إذ تنشطر الأشياء وتتحول إلى جذاذات عبر عملية تدمير واضحة " 4.
فحين أبصرُ في المرآة, أرى شخصاً لا اعرفه !
أتُرى يعرفني ؟ حين يصير العمر
برتبة نايب ضابط موس
يقطع حُنجرة المدرس
لتموت الاغاني كُلها ..
ربط الشاعر بتقنية فنية بين العُمر الذي أفناه في الخدمة بالتعليم وضياع حقوقه التي يستحقها لقاء الخدمة الطويلة وهو يُمثل شريحة كبيرة في المجتمع العراقي عند وصولهم إلى سِنّ التقاعد براتب لا يسد المستلزمات الضرورية لحياة كريمة وشبه ذلك بالعسكري برتبة نائب ضابط في الجيش العراقي الذي يقضي فترة خدمته العسكرية ويُحال على التقاعد دون أن تتغير تلك الرتبة بالإضافة إلى راتبه القليل جداً الذي لا يكفي أجرة سيارة من باب الحسين إلى باب المشهد في الحلة وبالتفاته رائعة بأسلوب انزياحي شعري امتاز بحركيةٍ وتنامٍ حدثيّ من قلب الصورة الشعرية إلى صورة حسيّة ذات إيقاع نغمي متتالي حيث جعل من الموس في الرتبة العسكرية التي يحملها النائب ضابط أداة لقطع حنجرة المُدرس لوجود التشابه في المُعاناة وطول الخدمة في خدمة التعليم وخدمة العلم في الجيش واحالة الإثنين على التقاعد براتب رمزي بسيط مُقارنة مع الدول الأخرى التي تعطي كل الاهتمام والرعاية إلى المعلّم هو المُربيّ الأول حتى قال عنه أحمد شوقي في شعره : قُمْ للمعلّمِ وَفِّه التبجيلا .. كادَ المعلّمُ أن يَكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي .. يبني وينشىءُ أَنفساً وعقولا.
لينهي لنا قصيدته : لتموت الاغاني كُلها .
أراد أن يبين لنا بأنه بموت المعلّم ينطفىء النور وتَحلُّ الظُلمة ويمسك الجُهلاء برقابِ المثقفين والطاهرين ..
لم تتضمن هذه الدراسة إلا اليسير جداً مما تتضمنه من مضامين إنسانية وأهداف ساميّة نابعة من شاعرٍ واعٍ عاصر الأحداث وتحمل الآلام وتحسس الظلم والطغيان على مدى فترة طويلة من عُمره ولا زال يُمسك بقلَمِه الذي ينزف دماً وقهراً على بلده وهو بمثابة النار المُلتهبة بوجهة الطُغاة ..



جرس الدرس الأخير
على شاهدةٍ سوداء كاللّيل
لم يبقَ من مُوفق محمد
شيءٌ لم تأكلهُ المقطات
لم يبقَ من قلم الرصاص
سوى الممحاة البيضاء التي في راسِه
أهذا ماتبقى لي ؟ أيتها الحكومة
( بالكبر وادعي عليج )
فحين أبصرُ في المرآة, أرى شخصاً لا أعرفه !
أتُرى يعرفني ؟ حين يصير العمر
برتبة نايب ضابط موس
يقطع حُنجرة المدرس
لتموت الأغاني كُلها ..



#غانم_عمران_المعموري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البُعد الإنساني في قصيدة - نعم أنا شاعرة - للشاعرة العراقية ...
- رسم الشخصية الشعرية في قصيدة - غيمة ايلول - للشاعر العراقي ع ...
- الكبْت الجنسي والصورة الحسيّة في قصيدة - محروم - للشاعر العر ...
- الذاكرة الشعريّة في نصوص - يا لَهذا - للشاعر العراقي البابلي ...
- التَّمحور حول الذَّات والانبعاث في القصيدة - احتاج لدبوس - ل ...
- إنطاق المسكوت عنه في رواية - عندما أعيد خلقنا - للكاتبة السو ...
- جدلية التأثير والتأثر في رواية - ساعة عدل - للدكتور المصري م ...
- وحدة الهَّم الشعري في قصيدة - أوراق وخنادق - للشاعر العراقي ...
- المبنى السَّردي وتجليّ الذات في المجموعة القصصية - سواسية من ...
- المبنى السَّردي وتجليّ الذات في المجموعة القصصية - سوايسة من ...
- التَّمرد على المألوف في - كلّما قلتُ قالت إلى أين ؟ - للشاعر ...
- تجليات الصورة الشعرية في قصيدة - محاولة لإكمال صورتي الفوتغر ...
- حِبكة التكرار الإبداعي في ( مثل نبيٍّ يتوسلُ معجزة ) للشاعر ...
- ما يُخبأهُ النص في - فوانيس في مدن الضباب - للشاعر العراقي ا ...
- المُتخيّل الابداعي في قصيدة - حروف تصرخ في زنزانة البوح - لل ...
- المُتخيّل الابداعي في قصيدة - حروف تصرخ في زنزانة البوح
- سحر البلاغة وعذب الكلام في قصيدة - خرف- للشاعر كامل حسن الدل ...
- لمحة بسيطة من كتاب الباحث سعد الساعدي - نظرية التحليل والارت ...
- مقاربة نقدية وفق رؤيا تجديدية لنص - مثلبة- للكاتب عبد المجيد ...
- انعكاسية الألم ونقاء الكلمات في ( حين الخطوات) للشاعرة حسينة ...


المزيد.....




- دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في ...
- مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غانم عمران المعموري - الوجع العراقيّ في قصيدة - جرس الدرس الأخير - للشاعر العراقي الحِلّي موفق أبو خمرة .