أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيل الزهاوي - تركت صَمْتها هذا أعمق الأثر في نفسه















المزيد.....


تركت صَمْتها هذا أعمق الأثر في نفسه


سهيل الزهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6864 - 2021 / 4 / 9 - 15:28
المحور: الادب والفن
    


في هذا المساء، عندما تغَرَبَت الشمس، راحت شعلة من النيران الحمراء على حافات الفضاء تلقي بضيائها الخافت على نوافذ البيوت. رغم أن البيت كان غارقا في الظلام، الا ان غرفة المكتب اضيئت قليلا بأشعة الشمس الحمراء المنسلة من النافذة المفتوحة.
بعد نصف ساعة اختفى الشفق كليا، جلس شوان في عتمة الغسق، يلتمس احلامه الحزينة التي ترسخت في داخله، مشدودة بالأمل، ولا تَشُوبُها شَائِبَةٌ، لعله يجد خيطا رفيعا من التفاؤل ينبع من خبايا أعماقه، يستنير حنينه. فبدلا من ذلك طفت الكآبة على الذاكرة وأخذ الحزن يستبد به، وتزداد وطأة ثقله عليه كلما تذكر أَيَّامَهَ الْخَالِيَةَ. اختلط عنده الحنين والدمع وتوهج العينين.
طوال السنين الماضية لم ينقطع يوما في بحثه عن الأحاسيس المفعمة بالأمل، كان صوته يرتعش من الانفعال، رغم أنه كان في تمام القدرة والصبر. كانت غرفة المكتب تبدو كأنها زنزانة رهبان، في هذا الصمت الشامل النزق وتلك الوحدة الغريبة.
كان يمشي في الغرفة بانفعال شديد وهو يتطلع الى سقف الغرفة. وبين آونة وأخرى كان يحدق الى الخارج عبر النافذة، وهو يترقب مسارات النجوم في السماء، ويصغي لحفيف الأشجار.
في لحظة معينة توقف في مكانه وقتاً قصيراً، لا يبدي حراكاً، متأملا فيما هو فيه من القلق والحزن. وفجأة دلف الى غرفة المعيشة، حيث تهاوى على الكنبة الكبيرة، وأغمض عينيه، ناشد الراحة والدفء وكأنه مُخَدَّراً على هذه الحافة بين اليقظة والحلم، بين التأمل والواقع في هذا الصمت المطبق.
كانت امارات الذهول الممزوج بالألم تتدفق من وجه شوان، وكأنه في صراع مع الذات في انتظار لحظة التلاشي والخلاص من هذا الكابوس الثقيل.
بدأ يهدأ رويدا رويدا ويفكر بصمت:
بعد عشرين عاما، شاب شعره، وتقدم في السن، تذكر شوان تلك الأمسية الربيعية مع نازك، كانت ليلة جميلة من ليالي مارس هواؤها عليل منعش، وقمرها ساطع. ظلت هذه الحكاية محفورة في ذاكرته، التي أخفاها بين حنايا الروح، وكبُرت أسوار شوقه لها. كان يحبها حُبًّا جَمًّاَ أقرب إلى العبادة.
كانت نازك امرأة حسناء، لديها عينان في غاية الغرابة، لكنهما هادئتان، شعرها أسود مسدول على كتفيها، ريانة كزهرة الربيع، خفيفة كالفراشة. كانت ملامحها توحي بالكبرياء والهدوء، لطيفة المعشر وخفيفة الظل.
كانت لا تعير الاهتمام بالأشياء الصغيرة والاشاعات التافهة، فهي تصغر شوان بسنتين، ثم أنها صاحبة قرار بشكل لا يمكن رؤيته في أي امرأة أخرى.
كانت رسائلها ما تزال على صفحات من ورق، تنساب عليها كلماتها الانيقة وقد تحدث شوان معها مرارا حول مواضيع حتى أنها يمكن أن تكون سياسية وأدبية، وقد أعارت الانتباه له.
كان شوان يعشقها ويعتبرها المعنى الوحيد في حياته. استمرت حياتهما بصَّمْتِ، استمرا متحابين.
في تلك الامسية الربيعية، والغسق أكثر زرقة والنسيم يمر بهدوء، دخلت نازك غرفة المعيشة، بملابسها الحريرية، وعيناها البارقتان تشعان بوميض المحبة والثقة بالنفس، تحمل في يدها مجلة قديمة، وانتحت في زاوية، بعد أن أسدلت ستائر النوافذ، شرعت بالقراءة، والمصباح الكهربائي مركون على الطاولة الخشبية بالقرب منها. كان شوان يتطلع الى عينيها الجميلتين بهدوء. وكانت ابتسامتها انصبت في كل عرق من جسدها. كانت ناسك منكبة على المجلة، ترد بين اللحظة واللحظة، شعرها الذي ينهمر على جبينها.

لقد كانت ترفع راسها، وتترك مجلتها جانبا، وكانت في عينيها بسمة صافية، حدق شوان النَّظَرَ إِلَيَّها، لمعرفة ما يدور في خلدها، في حين بصره ينزلق بمحبة نحوها، عندما عادت ناسك الى القراءة، مزهوة، كان هو يعود الى عمله، دون أن ينبس ببنت شفة.
مضت عشرون دقيقة بعد منتصف الليل، فجأة اشرقت وجهها بنشوة غريبة، ابتسمت، كأنها قد تذكرت ذكرى ممتعة.
نهضت نازك من وراء الطاولة حيث كان شوان يراقبها بانتباه واقتربت منه وعادت بسرعة إلى طاولتها لتقلب صفحات المجلة وركزت على إحدى المقالات. بعد لحظة رفعت رأسها ونظرت اليه نظرة ساحرة وعميقة، عادت الى القراءة وهي تنظر بطرف عينيها الى المكان هناك حيث كان يجلس شوان، ولكن شوان كان منهمكاً في قراءة أوراقه الكثيرة.
قالت لشوان وهي ترمقها بنظرة مشرقة مرحة، تشع وجهها بسرور، ولكن بصوت خفيض ناعم:
الان انتهيت من قراءة قصة تشبه قصة حبنا، وهي تمسك بالمجلة بطرف يدها والابتسامة متواصلة والانفعال بَادٍ على ملامحها لفرط الغبطة ولكن في البداية لم يبد شوان اية دهشة وكان منهمكا في قضية اخرى.
ارتسمت ملامح الدهشة على وجه نازك، التزمت الصمت لدقائق ريثما تعيد انفاسها، وهي تلتفت الى شوان، كانت وجهها يبدو صارما، ونَظَرَت إِلَيْهِ، وحزن روحي عميق كان يشع من عينيها العسليتين الواسعتين، وتفحصت نازك وجهه العريض البرونزي اللون ذا الشعر الأسود، والعينين الصغيرتين السوداويتين، وضعت نازك بحركة سريعة المجلة على الطاولة، ورفعت رأسها الى الاعلى كإحدى حركاتها المعتادة لم تكن غريبا لشوان: تلك الحركة العصبية التي تقوم بها، كرد فعل للمسائل التي تضايقها.
أَجَالَت نازك بصرها فيما حولها، ومال نحو شوان، وهي تسند يديها الى الطاولة، بعد لحظات قليلة سألته بحزن، وبلهجة صارمة، قالت له:
لم تخبرني برأيك في الموضوع. ؟
كانت عيناها تترقبان المكان الذي يَجْلِسُ فيه شوان على الكرسي الهزاز في الجهة المقابلة لمكان جلوسها، بعد فترة قصيرة ساد الغرفة صمت مطبق، فجأة سلط شوان نظرة ثاقبة في عينيها بعمق، وارتسمت على شفتيه بسمة مختزلة، ثم قال:
عن اي موضوع تتحدثين،
وكانت كلماته تنساب بهدوء واتزان، محاولا تلطيف جو الغرفة، وأدراك ما اشْتَدَّتْ بِهِا من الْهَوَاجِسُ، القى الرجل نظرة عليها لمعرفة ما في قلبها.
اشْتَدَّت بِهِا القَلَقُ، يصاحبها بعضُ الألم، حاولت نازك استرداد هدوئها، التي فقدتها فجأة اثناء صمت شوان، حيال طرحها موضوع حبهما، القت نظرة خاطفة على وجهه، ثم أَسْبَلَتْ عَيْنَيْهَا مُتَأَوَّهة، تتركزان على شوان، محاولا كشف السر الغامض الذي يخفيه شوان.
شوان راودته رغبة في أن تسمع منها مرة اخرى ما تحدثت قبل قليل، ارتعشت اجفان نازك وانكمشت ملامحها الا انها لزمت الصمت وكانت صمتها حازما هذه المرة.
شعر بالقلق لتعابير الألم التي ظهرت على وجه ناسك، اخفت ناسك وجها بيديها، وبكت قليلا ولكنها غاضبة الى حد ان دموعها لم تذرف.
احتضنها شوان بحرارة وعانقها ولكنها لم تسعدها ولم تؤثر فيها.
قد اثارت بِصَمْتها قلبه المعذب، حيث تركت صَمْتها هذا أعمق الأثر في نفسه.



#سهيل_الزهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المناضلة الجسورة جیران شیخ محمود
- الشهيد البطل حامد الخطيب المكنى ابو ماجد
- ثورة أكتوبر الاشتراكية وحركة التحرر الوطني في العراق
- نشوء الاقطاع ونضال الفلاحين في العراق*
- في ذكرى إعدام الشهيد ماهر الزهاوي
- الشاعر سيجبيورن اوبستفلدر (1866- 1900) رائد الحداثة في النرو ...
- أقصوصة قصيرة ستكتب شيئاً مدهشاً
- قراءة في رواية الآن .. هنا، أو شرق المتوسط مرة أخرى
- في اربعينية المناضل والصحفي والاديب دانا جلال
- صفحات من نضال الشيوعيين في السليمانية معركة ازمر الدفاعية في ...
- قصيدة من الادب العالمي للشاعر النرويجي سيكبيورن اوبستفالد (1 ...
- صفحات من نضال الشيوعيين في السليمانية بعد مرور سبعة وعشرين ع ...
- أمّي الجنينة والنجمة
- قصيدة من الادب العالمي للشاعر النرويجي سيجبيورن اوبستفالد (1 ...
- الالفية الاولى لريكاي كردستان اعادت بي الذكريات الى الماضي ...
- استفيق على حلم
- في رحيل المناضل مام قادر
- الشاعر سيجبيورن اوبستفلدر (01866-190) رائد الحداثة في النروي ...
- يا ربيعاً لا يغيب
- هذه الكلمات من دفتر مفقود


المزيد.....




- -الناقد الأكثر عدوانية للإسلام في التاريخ-.. من هو السعودي ا ...
- الفنان جمال سليمان يوجه دعوة للسوريين ويعلق على أنباء نيته ا ...
- الأمم المتحدة: نطالب الدول بعدم التعاطي مع الروايات الإسرائي ...
- -تسجيلات- بولص آدم.. تاريخ جيل عراقي بين مدينتين
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- السكك الحديدية الأوكرانية تزيل اللغة الروسية من تذاكر القطار ...
- مهرجان -بين ثقافتين- .. انعكاس لجلسة محمد بن سلمان والسوداني ...
- تردد قناة عمو يزيد الجديد 2025 بعد اخر تحديث من ادارة القناة ...
- “Siyah Kalp“ مسلسل قلب اسود الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة ...
- اللسان والإنسان.. دعوة لتيسير تعلم العربية عبر الذكاء الاصطن ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيل الزهاوي - تركت صَمْتها هذا أعمق الأثر في نفسه