|
الأدباء في مجالسهم
مهدي شاكر العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 6859 - 2021 / 4 / 4 - 09:52
المحور:
الادب والفن
قال مارون عبود في كتاب الزوابع مصوراً حاله يوم أدركته حرفة الأدب ، “هي محنة ليس مثلها محنة ، يعيش صاحبها في اقلال و كأنه صاحب حور وقصور”. و نضيف أنه مهما انتوى الافلات من هذه المحنة والخروج من شراكها ، فسرعان ما يجد نفسه ميالة للوقوع في أسرها ، و التهافت عليها ، بزعم من عدم قدرته على المغالبة ، و انه يشق عليه أن يعين حساده و منافسيه و معهم كل الشانئين و المدلين بالمخاصمة و العداوة ، لغير ما سبب داع أو مسوغ موجب ، على أن تتحقق رغباتهم الخسيسة في نفيه و نبذه خارج هذه الحلبة ، حلبة الأدب ، و كذا يستنفر طاقته معاوداً نشاطه و حيويته مجدداً ، بأفضل مما كانت عليه حاله و أكمل و أحسن ، و لكن من غير تطفيف من شقائه و عنائه و ما اعتاده و جرى عليه من حرمان و تنكيد و بوار ، متعللاً أن ذلك شأن الأديب الحقيقي و قدره ابداً ، لا المدعي و لا المدخول. و قد شهدت الحياة الأدبية في عموم الوطن العربي ازماع غير واحد من أعلامها و أقطابها على اعتزالها و التلهي بغيرها من شؤون و أحوال. إما تدللاً ليروا بأعينهم مدى ما يتركونه من فراغ ، و إما نتيجة يأسهم و يقينهم من عبثية ما يشغلون أنفسهم به من هذا العمل غير النافع و لا المفيد ، أو الكفيل بضمان العيش المرفه الكريم لهم و لمن يعيلونهم من زوجات و بنين. حتى إذا انصرفوا إلى الحياة العملية و انسابوا في غمار الناس ، وجدوا أنفسهم قليلي الخبرة بأوضاعها و ما تحوج له من التجهز بقدر يسير أو موف من الختل و الكيد و المكر و النفاق و التعامل بوجهين ، و بالتدريج يتيسر لهم وصل ما انقطع و استئناف صلتهم بما أعفوا ذواتهم منه ، على فرط علمهم بقلة عدد القراء و شيوع أمية المتعلمين و غلبة نسبتهم في الجمهور العام ، و ما يلحظونه بأعينهم من استغراق الناس في دنيا الكدح و العمل المضني و تفننهم في انتزاع اللقمة من أفواه شتى لكل منها وسائلها و أحابيلها ، و يلتفتون فيلفون نسبتهم القلة التي يشيع بينها التنابذ و الاحتراب ، و أنهم أحوج إلى التصافي و الائتلاف و الاستجابة لنصح ذوي الرأي و الحكمة في مفارقة الزهو ، و التباعد عن الإغترار ، و مجانبة الادعاء بغير ما فيهم و لهم من قابليات و مواهب. و مثلما يحتشد أصحاب الحرفة الواحدة في مجلس أو ندي و يلتئم شملهم و تدور بينهم أحاديث و شجون بشأن مستقبل حرفتهم و ما ينتظرها من انتعاش و ازدهار ، أو يتهددها من كساد و تدن ، كذلك يجد الأديب نفسه مسوقاً لغشيان مقاه يؤمها لداته و قرناؤه ، و ما أدري بعد كيف تنعقد الأواصر و الصلات بين أرباب الكلمة و تبدو الأمور أولاً قائمة على التآزر و الوفاق إلى أن تنكشف بمرور الأيام انها لا تستقر إلا على التحاسد و البغضاء و التراشق ، كأن هناك ضياعاً يشتجرون حولها ، أو عقاراً يعتركون بشأن توزيعه أو اقتسامه بينهم ، على انهم يعيشون في تقتير و اقلال و ليسوا من اصحاب الأطيان و القصور ، فلأمر ما ورد في الحديث الشريف: لا تعلموا أولاد السفلة العلم ، كما كان يكثر من ترديده و الاستشهاد به زكي مبارك ، و ذلك خشية أن يتيهوا و يتطاولوا إلى أبعد من المدى الذي يحتويهم. و تسنى لي في ما مضى من أيام بله سنوات أن اتسامع ما يتردد على افواه بعض الأدباء و المتأدبين من رمي هذا المصنف الثبت أو هذا الكاتب المتمرس الذي قتل العمر خبرة و اجتهاداً ، انه محدود الفهم ، ضئيل الامكان ، قصير النظر ، و كذا شاع تعبير “ ما يفتهم “ خصوصاً في ستينيات القرن الماضي ، بل اشرأب غير واحد إلى اعلان رأيه بخصوص كتابات طه حسين التي بات يلفيها ، مشفقاً ، بحاجة إلى اعادة الاعتبار قبل أن يطويها النسيان و يعفي عليها الزمن ، كما انست بالحوار الدائر بين عبد الرحمن طهمازي و خالد علي مصطفى في أحد مقاهي شارع الخيام ذات مساء ، دون أن يضيرا أحداً أو يستلا منه ، على أساس الافادة و الاستفادة من قراءاتهما في كتب الصوفية ، و كانت ظروف المرحلة تحتم هذا التوجه و تغري به و تستوجبه ، و كل منهما يخاطب الاخر: “ شلونك مولانا “ فيرد عليه بالعبارة نفسها و بأحسن منها ، و غادرتهما و كلي ظن أن هذه هي الصوفية بعينها من شيخنا و مولانا. هناك زمر من الأدباء لابد من التنويه بوسائلهم الجهنمية القبيحة في الازراء بقيمة غيرهم ممن يوما لهم بالأصالة و الابداع و يصح الاجماع على مثابرتهم و انصرافهم عن اللغو و المكابرة ، لكن يغيظهم أن تلمع أسماؤهم و تستثير اعجاب القراء و تستدعي ثناءهم لما تنماز به نتاجاتهم من جدة في التناول و عمق في التحليل و طراوة في الأسلوب ، و يخالون أن ذلك ما تم إلا على حساب انحسارهم و انكماشهم ، فحين يستعر غيظهم و يستشري حنقهم و لا يقوون على مواجهتك ، مفندين اراءك و منازعك ، بصدد مسائل الرأي و الفكر والاجتماع ، يكلون إلى واحد من طلبة الاعدادية من المتسللين في بدواتهم إلى الصفحات الثقافية في الجرائد ، بأن يتولى هذه المهمة عنهم ، و بأن يجترئ عليك و يسفه منطقك ، كونه ممتثلاً بمشيئة الأدباء الكبار الذين لا يرد لهم طلباً و يأنس إلى حديثهم الشائق و توجيههم السديد ، إلى أن يفطن اولئك المخدوعون و يتنبهوا على ما وقعوا فيه من شقاق و منازعة بشأن قضية لا تنفعهم و لا تضرهم أصلاً ، و ذلك بعد أن تستقيم سرائرهم و تستوي طبائعهم و يستقلوا بأنفسهم و يتيسر لوجدانهم من الآراء و النوازع الراسخة السليمة ما تجانب الغرض و لا تنطق عن الهوى.
أهذه هي المجالس الأدبية التي يتربى فيها الذوق ، و يزدهر الفكر ، و ينطلق العقل إلى رحاب و آفاق بعيدة من الخلق و الابتكار و الاستنباط ، و تراض النفس على الفطرة السليمة و الطبيعة السمحة ، أبهذا وصى عبد الحميد الكاتب قديماً و نصح لرفقة القلم بإطراح التنابذ و التخرص و إقامة علائقهم و صلاتهم على الوفاق و التعاضد. ؟ فما أدنى إلى الصحة و أقرب إلى الصواب ما قرأته في عدد قديم من مجلة المعرفة السورية عبر مقال ترجمه د. إبراهيم الكيلاني ، يلصق الذام و العيب و السوء بسلائق الأدباء و طوياتهم ، فبينهم كل مكابر و مغتاب و حاد الطبع بينا ينصب من نفسه داعياً للبساطة و التواضع و حفظ الذمام و حسن المعاشرة و اللياقة في المواجهة و التعامل ، و كل هذا قد يهون على فرط بشاعته و قبحه و مدعاته إلى الاستهجان ، بجانب ما يهرفون به و يطلقونه من دعوى أنهم من الصفوة أو النخبة و الأدباء الذين يشار إليهم بالبنان.
#مهدي_شاكر_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاعر إبراهيم الشيخ حسون في مرثيته للمحامي علي القزويني
-
(الاقتباس من القرآن الكريم في الشعر العربي) كتاب للأستاذ عبد
...
-
مع إسماعيل مظهر حول قصيدة لديك الجن
-
ثروة أباظة يدون بإجمال لسيرة طه حسين
-
كيف سَلِم الدكتور إحسان عباس من لسان العقاد ؟
-
من تعليقات القراء في هوامش الكتب
-
(وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)
-
مؤسسو مصر الحديثة
-
تعريف روفائيل بطِّي بعبد القادر البرَّاك
-
عن الآداب العربية في شبه القارة الهندية
-
مجموعتان شعريتان لخالد الحلي: لا أحد يعرف أسمي – مدن غائمة
-
المدرسون والشعر والخطابة والتأليف
-
عن الشعر العربي الفصيح الذي قيل في مدح الانكليز
-
حارة كل من إيدو إلو
-
مختارات سياسية من مجلة المنار
-
استحضار المجتمع المدني في عمل روائي( غابة الحق)
-
أشجان النخيل
-
لويس عوض في الثقافة العربية
-
أسرار فتاة قاعة التشريح رواية من تأليف الدكتور جاسم محمد عبو
...
-
علي جواد الطاهر القلم والقلب والوجدان
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|