|
تنظيم الفكرة في قصيدة -في الظلّ نسوني- كميل أبو حنيش
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6859 - 2021 / 4 / 4 - 09:15
المحور:
الادب والفن
تنظيم الفكرة في قصيدة "في الظلّ نسوني" كميل أبو حنيش "أقبع في صمت العزلةِ والظلِّ وحيدًا لا تشرقُ شمس الصبحِ على نافذتي... لا العصفورُ يغرّد على أغصاني... والجدران تحاصرني... وتضيق عليّ إذا اتّسع خَواء القلب.. الأبواب تسدُّ طريقي وأحبّائي... تركوني في الظلّ طويلًا ونسوني..." العنوان يأخذنا إلى حالة الظلم التي وقعت على الشاعر، فهناك من نسوه، أو من وضعوه في (النسيان) وهذا ما جعل فاتحة القصيدة مؤلمة، "أقبع، العزلة، وحيدا" فأنا التعبة التي تعاني حاضرة، بعدها يأخذنا إلى حرمانه من مسائل/أشياء عادية/طبيعية: "لا شمس/صباح/نافذتي/عصفور/اغصان/ي" ثم ينتقل إلى سبب هذا الحرمان: "الجدران، الأبواب" فهناك ماديات تعيق حصوله على حاجته العادية/الطبيعية، وليت الأمر توقف عند "الجدران والأبواب" بل هناك ألم أضافي يمكن البشر/الناس: "أحبتي تركوني، نسوني" وهذا ما يجعل معناة الشاعر مضاعفة، متعلقة المادة وأثرها السلبي عليه، وأيضا بالروحية/العاطفية/الإنسانية، واللافت في هذه المقطع (هدوء) الشاعر الذي بدا فيه أقرب إلى حالة العتاب منها إلى حالة اليأس، فما زالت هناك (روح) الكامنة في المقطع، لهذا لم نسمع صرخة أو صوت مرفع، بل عب بهدوء واتزان. وهذا ما وجدناه في المقطع الثاني، الذي تناول فيه الشاعر كيفية مواجهته لواقع الجدران ولنسيان أحبته: ☆☆☆☆ "أتنفس من رئة الأرقِ التكوني ساعاتي وتطيلُ أنيني... أقرأ خطّ الحظّ المتعرّج في كفّ الزّمن احدّق في ماضي الأيام واستكشف أيّام الآتي فأتوه بخارطتي... ويساور قلبي ألقٌ ونداءٌ سريٌّ يخلط شكّي بيقيني..." الأفعال: "أتنفس، أقرأ، أحدق، استكشف" كلها متعلقة بأنا الشاعر، وهي أفعال حياة ومعرفة، تعطي معنى إيجابي، يركز على العلم والمعرفة المستندة على التحليل والتفكير، فأنا عند الشاعر قوية وصلبة، لكن هناك أشياء فيه تعبة "يساور قلبي/يخلط شكي بيقيني" نلاحظ أن حالة الاضطراب ليست متعلقة بالشاعر مباشرة، بل متعلق بشيء/عضو فيه، بمعنى أن المشكلة ليست في الشاعر نفسه، بل بالعضو الذي لم ينسجم/يستجيب/يقوم بما يجب أن يقوم به، فهو لا يتماثل مع (صاحبه) في القوة والصلابة والقدرة على التحمل، لهذا يخذله ويقوم بإعاقته ومنعه من مواصلة: "أقرأ، أحدق، أستكشف". من هنا نجد حالته تتجه ننحو (اليأس): ☆☆☆☆ "والظلُّ الدّاكن يمتّص رحيقي... يخلط ألواني يغرقني في لجّة صمتي... أستسلم للعبث... وأدنو من هاوية العدم ولا ألبث أن أنأى... وأعود لهاجس تكويني... وأحوك رداءً يحميني من برد الليل... وأفرد أجنحتي.. وأطيرُ لعلّي في لحظة حلمٍ أغدو كسحابة عشقٍ بيضاء تسافر في الآفاق... وتهطُلني فوق سهوب الآمال... فتحيا الأحلام وتحييني" مجموعة الأفعال هنا تتناقض مع تلك التي جاءت/كانت في المقطع السابق، فهنا افعال التراجع وعدم اليقين: "يمتص، يخلط، يغرقني" لكن الشاعر ما أن يصل إلى الغرق، حتى يستعيد توازنه، ويبدأ في التقدم من جديد، فيبتعد/"أنأي" عن الغرق، ويعود/"عود"، ثم يأخذ في الارتفاع والتألق: "أحوك، أفرد، أطير، أغدو، تهطلني" وهذا المقطع يتماثل مع حالة السوري/الفلسطيني الذي ما أن يتقهقر حتى يعود إلى الحياة وبعين القوة التي كان عليها، "فالبعل" الذي يغيبه "الموت/يم" ويندبه الناس، يعود في نيسان بولادة جديدة وقوية، وهذا ما وجدناه في حالة "كميل أبو حنيش"، فعندما استخدم "تهطلني"، وأتبعها "فوق سهوب" كان ـ دون وعي منه ـ يؤكد على استمرار حضور الحياة فيه، فها هو يستعرض نظرته للحياة معتمدا على فكرة تعود إلى آلاف السنين، وهذا يؤكد على استمراريته وحضوره رغم ما تعرض له من تراجع/تقهقر. "أترقبُ شمسًا... غير الشمس التّأتي من سقف السّاحة في السّجنِ... أترقب بدرًا يتكوّر في اللّيل... نجومًا تتلألأ بسماء العشق... فقد ينساني العالم... لكنّي لن أنسى شكلَ أحبّائي وطقوس صلاة حنيني... لن أقطعَ حبلي السُّرّي مع الشّوق... يعود وينتعش الشّغف... ويألفني الحبُّ ويحميني..." الفكر الديني عند السوري/الفلسطيني متعلق بالطبيعة/بالكون، من هنا كانت الآلهة لها صفات/تتماثل مع الطبيعة، الشمس، القمر، البحر، الندى، المطر، الريح، في هذا المقطع نجد حضور للحياة الدينية من خلال: "اترقب شمسا، بدرا، طقوس صلاة"، ولكن الشاعر لا يمارس "طقوس دينية" بشكلها المجرد، بل يريدها لتكون معينا/سندا له في مواصلة الحياة، وتجاوز الصعاب والشدائد التي يواجهها، وهذا ما أفصح عنه من خلال: "لن أقطع، ينتعش الشغف، ويألفني الحب ويحميني" اللافت في هذا الأفعال، أنها متعلقة بما هو روحي/عاطفي/جمالي: "الشغف، الحب" وليس بما هوة مادي، ونلاحظ أن الشاعر استخدم مساعد مذكر "الشغف، الحب" وليس مؤنث، وهذا الأمر يستدعي السؤال والتوقف عنده، فمن المفترض أن يلجأ الشاعر إلى عناصر التخفيف "المرأة، الطبيعة، الكتابة" وكلها مؤنثة. اعتقد أن هذا الواقع الذكوري ناتج عن واقع الشاعر داخل الاسر، فهو واقع خالا من العناصر المؤنثة، لهذا ـ ودون وعي ـ جاء المقطع ذكوريا، لكنه يحمل البياض والجمال. "أتكاثف في صمتي... أفتح نافذة في سرداب العزلةِ... وأطلُّ لعلّ الأقدار ستعرفني... فيخيّل لي أنّ العالم ينكرني... فأنادي أُمّي... قائمة الأحباب بقلبي يبتسم الكونُ... يمدُّ يديَهِ فيدنيني... فأعود لطينة تكويني..." في الخاتمة يستعيد الشاعر توازنه الطبيعي (ضرورة وجود الأنثى) ودورها في الحياة، فيفتح نافذة، فأنادي أمي" ومن ثم يأتي الفرح الشامل "يبتسم الكون" ونلاحظ أن الفرح/يبتسم جاء بفضل المؤنث/"أمي" والاستعانة بها، وهذا يتماثل مع حالة البعل الذي استعان "بعناة/عشتروت" للتخلص من الموت والعودة للحياة، بهذا يكون واقع الشاعر في الأسر كحال "البعل" الذي عانا من الغياب/الموت، لكنه سرعان ما يجد طريقه للحياة من جديد، بهذا تكتمل الرحلة التي ستبدأ من جديد/"فأعود"، لتوصل فكرة الألم العابر/المؤقت الذي ينتهي مع الزمن، هكذا هي الطبيعة، وهكذا هي الحياة في سورية/فلسطين. القصيدة منشورة على صفحة شقيق الشاعر كمال أبو حنيش.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الروح الأدبية في كتاب -الإصحاح الأول لحرف الفاء-
-
وجية مسعود رمل وطريق الحرير
-
رواية يس أحمد أبو سليم
-
تركيب الألفاظ والمعنى في قصيدة -حائكة من طراز خاص- علاء حامد
-
مجموعة الجرح الشمالي محمود الريماوي
-
أحمد كركوتلي والحزن
-
مفلح أسعد قصيدة يا أيها الإنسان
-
وجيه مسعود اربعة تموزيات
-
مجموعة -وما زال القطار يسير- عبد السلام العابد
-
سعادة ابو عراق قصة (معركة الكرامة)
-
من أدب الرسائل رسالة الفرح رسالة -أسامة الأشقر-
-
الأم والبياض عند عبد السلام عطاري
-
صالح حمدوني في نصوصه (زر في وسط القميص)
-
ديمومة الحزن في ديوان -البلبل الغريب- محمد هشام المغربي
-
أدب الرسائل -أسامة الأشقر، منار حلاوي، سامي كلب-
-
صلاح حمدوني ونضوج النص
-
المكان في مجموعة -أساطير الأولين- عبد الغني سلامه
-
المكتبة الشعبية، نابلس، فلسطين
-
صوتها قصة: جواد العقاد
-
صراع الأمكنة في قصيدة -ماتزال اصباعي- يونس عطاري
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|