|
فلسفة الدين عند محمد اقبال
عامر عبد زيد
الحوار المتمدن-العدد: 6858 - 2021 / 4 / 3 - 13:19
المحور:
الادب والفن
من اجل تكثيف المقدمات الى جاءت في مقاربة اقبال الجدلية "من الاخر الى الذات " ، من الاخر من خلال محاجة أفكار الفلاسفة الأوروبي ومقولاتهم ، وهو يدافع عن مكانة الدين في العالم الحديث، من ناحية الذات فانه أخذ ينتقـل بتساؤلاته ومناقشاته إلى داخل الفكر الديني الإسلامي نفسه، باحثا ومحللا العوامل والأسئلة الفكرية والتاريخية التي أوصلت العالم الإسلامي إلى حالة الركود والجمود، مما دفعة الى اجتراح موقف حول فلسفة الدين . ومن اجل تحليل تلك الجدلية التي عالجها في تجديد المنهج الذي قوامه الحضور في العالم ، أمَّا الهروب إلى الماضي فهو غياب لا حضور ؛ فليس التجديد استئنافًا لما كان كما كان ، بل هو بداية جديدة . إذ تأتي هذه الورقة لتكون عبارة عن استعادة لحظة إقبال الإصلاحية ، ذا نجدها مهمَّة بل ضرورية في ظل الجمود وانتشار التطرف والإرهاب الذي نعيشه حاليا . إذ نسمع صوت إقبال المتحمِّس والصادق، إنَّه صوت إنسان تجاوز كلَّ تقوقُّع على الهوية . و" حطَّم كلَّ أصنام القبيلة والطبقة " من أجل مخاطبة كلِّ البشر) (1).اذ نظر للدين بوصفه نظام حياة يعبِّر بعمق عن متطلَّبات الوجود والكينونة الذاتية للشخص البشري .اذ جاءت قراءته بمثابة تأمَّل في حال المسلمين بالمقارنة مع الحداثة الغربية ؛ لهذا نجده يؤكِّد أنَّ المهمة المطروحة على المسلم المعاصر ذات حجم لامتناه ، و عليه أن يعيد التفكير في مجمل النظام الإسلامي من دون أن ينقطع كليا عن الماضي". (2) لهذا استوعب إقبال لمفهوم الإنسان الأعلى في سياق مقولة "الإنسان الكامل" المعروفة في التقليد الصوفي. (3) فجاءت مقاربة إقبال الاصلاحية. قوامها الاحتفاظ بالدين وثوابته من ناحية ولكن في الوقت نفسه يحرص على المستجدات العلمية ، والجمع بين الأمرين يتطلَّب جهدًا كبيرًا .فهذه الرؤية الشجاعة التي اعتمدها إقبال تحرِّض على الانفتاح على الآخر و تزيل حالة التوجس وشيطنة الآخر ، وهي تبيِّن أنَّ هناك حاجة متبادلة بين الذات الإسلامية والآخر الغربي ضمن خطاب كوني تداولي . " يتجاوز حالة الحذر جزئيًّا عن ما يعترينا من قلق هوية يجرنا غالبا إلى الإحساس بعدم الأمان في مقابل نظرة الآخر، فهذا الشعور هو الذي يمكن أن ينتج نمطًا من المغالاة في الثقة بالنفس ,ويفضي إلى التقوقع على الهوية الجامدة " . (4) فكان مشروعه يشبه كانط من ناحيتين: الاولى كونه اجاب عن سؤال الكانطي إذ كان قد تساءل هل من الممكن العلم بالميتافيزيقا ؟ وقد رأي عدم إمكانية العلم منطلقا من حجج تنطبق على الحقائق التي يعنى بها الدين أيضا، الأمر الذي يرفضه إقبال، وبالتالي لا يبطل الميتافيزيقا أو الحقائق الدينية ولا يرجعها إلى مجرد التسلي--------م أو الإيمان، بل هي تدخل في صميم وحدود التجربة ) (5) وكانه يركز على نقد النهج الفلسفي الذي يهدف الى اقصاء الدين ويقدم عليه العلم لغايات فلسفية وايديولوجية .ومن ناحية ثانية يقدم اقبال نقد العقل الاسلامي وما اصابه من جمود . فلسفة الدين عند اقبال وليدة هذه الجدلية فهو ينزع نزعة جوانة في نشر نظرته إلى المعرفة والرياضة الدينية ، فيقول ما خلاصته: إن هنالك فرقا بين المعارف المستقاة من مصادر مختلفة . وقد سوى القرآن بين ضروب الإدراك الإنسان في الاستعداد منها لمعرفة الحقيقة القصوى . فلابد ، من أجل إدراك هذه الحقيقة ، أن يصحب الإدراك الحسي هذا الإدراك الحدسي ، الجواني ، الذي يسميه القرآن "القلب ". ومن ثم فالعقل والحدس، أو الفكر والإلهام ليسا متنافرين كما توهم المتوهمون . و يمضي إقبال في نظراته الجوانية فيقول : إن الذين لا يقنع بالتصور المجرد، بل يطلب اتصالا بمقصودة . ووسيلة هذا الاتصال العبادة أو الصلاة . الصلاة وسيلة استنارة روحية تعرف بها الذات الإنسانية أنها موصولة بحياة أوسع . (6) وكانت هذه الرؤية النقدية تطلبت منه امرين: الاول نقد رؤية التصوف للذات ودفاعة عن الذات فرغم انه قد ظهر في ظل بيئة تقدر التصوف وتمنحه مكانة مميزة حتى انه اكمل الدكتوراه في دراسة التصوف بل انه ترك منتج شعري يعتد من ابرز الادب الصوف وانه كان يتخذ مسارا مختلفا عما كان عليه التصوف في تاريخه . والامر الاخر تأكيده على ضرورة تغير الذات من السكون الى الحركة ، فالاعتراف بقيمة الذات بكل معانيه الحديثة يتجاوز الرؤية الصوفية التي تحاول محو الذات وفي نفس الوقت تعبر عن تجربة باطنية حيث (تشابك جوانبه، وتكامل ظواهره ، وخضوع موضوعاته للفكر الإنساني ـ تعتبر بحق نوعا مثمرا من حيث إفساحها المجال للعقل البشري لكي يقوم بـأداء وظيفته على النحو الأكمل). (7) ومن ثم فان نظرته الى فلسفة الدين قوامها : 1. إطاعة القانون الإلهي :الطاعة هنا إلى الله وليس إلى إنسان بل هي تقوم على الانقياد لأوامر الله ونواهيه . 2. ضبط النفس : تبدو رؤية إقبال الجامعة بين البعد الخارجي ممثلًا بالطبيعة والبعد الداخلي ممثلًا بالتجربة الذاتية ، وهو مبدأ الانطلاق الخلَّاق الموجود في الطبيعة وفي الكون كله، وهو مبدأ قريب من المبدأ الكوني في عقيدة جلال الدين الرومي الذي يطلق عليه " العشق الخلَّاق" . 1- النيابة الإلهية (خلافة الإنسان لله): إنَّ هذه النقطة مرتبطة جدليا بالنقاط السابقة لها وكأنَّها الخاتمة التي عندها يكتمل المراد في مدونة إقبال الإصلاحية التي تنطلق من الذات في رحلتها المعنوية صوب كمالها في سفرها باتجاه الله ، التي يشترط بها تغيير الذات عبر جدلية الظاهر والباطن ما لم يتغير الباطن لا يتغير الظاهر عبر المحبَّة التي هي أصل الموجودات كما قال بها ابن عربي من قبل . الخلاصة : كانت التجربة الدينية تجلب عمومًا فهمًا جزئيًا أو كليًا للأمور الشخصية الأساسية التي قد تكون سببًا (سواء أكانت مُعترفًا بها بوعي أم لا) للكرب أو الاغتراب للموضوع لمدةٍ ممتدة من الوقت. ويمكن تجربة هذا كشكلٍ من أشكال الإبراء أو التنوير أو التحول. كانت له تجربة دينية مميزة ،وجد فيها ، ومن خلالها، سبيلاً للتواصل مع الذات الإلهية ، التي أثبت إقبال وجودها وجوداً فطرياً في الذات البشرية، مثلما أثبت صفات الذات الإلهية من : ( الخلق والعلم والقدرة ) وكشف ايضا عن حقيقتها من خلال آثارها في الوجود. المصادر : 1- تقديم (بقلم الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور ( ، لكتاب ، سليمان بشير ديان ، الإسلام والمجتمع المفتوح ، ترجمة السيد ولد اباه ، دار جداول ،ط1، بيروت ،2015. 2- انظر : عثمان أمين ، رواد الوعي الإنساني في الشرق الاسلامي ، ص 120. 3- تقديم (بقلم الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور ( المصدر السابق . 4- نفس المصدر. 5- محمد اقبال ، تجديد التفكير الديني ،ص215. 6- عثمان أمين ، رواد الوعي الإنساني في الشرق الاسلامي ، ،ص 124. 7- محمد كمال جعفر: النبض والحيوية في الفلسفة الدينية لإقبال ، مرجع مذكور، ص: 44، 45.
#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقدمة في الهوية القاتلة (1)
-
زيارة البابا التاريخية للعراق
-
اليوم العالمي للفلسفة اين نحن منه ؟
-
مرض كورونا وتجربتي معه
-
التاويل و سلطة القارئ
-
انصهار آفاق التراث والمعاصرة - بمناسبة احتفال الجامعة الكوفة
...
-
الحب الالهي والأنوثة بين الاسطورة والتصوف
-
- نقد الخطاب الاعلامي الغربي عند محمود حيدر -
-
- الحادث الإجرامي ضد يونس قنديل -
-
مؤتمر الفلسفة بين الرهان السياسي وآفاق المستقبل
-
عمارة ما بعد الحداثة (زُها حديد أنموذجاً)
-
يوليانا واستعادة الذات
-
الخطاب التربوي النبوي
-
الهوية واليات التلفيق
-
هوامه الهوية واليات الصراع على الاصول
-
انفتاح المعرفة ضرورة اليوم
-
الارهاب والقوة الناعمة في الفن في أعمال صفاء السعدون
-
مكارمُ الأخلاقِ - قيمةٌ العدلِ أُنموذجًا -
-
الشك المنهجي لدى فلاسفة اليونان
-
المعرفة عند افلاطون
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|