تأديب الموظفين في الاسلام

احمد طلال عبد الحميد
باحث قانوني
(Ahmed Talal Albadri)

الحوار المتمدن-العدد: 6851 - 2021 / 3 / 27 - 23:11
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    

من المعروف ان الشريعه الاسلامية الغراء قد جاءت بالاحكام العامة التي تصلح لكل زمان ومكان بما يضمن تحقيق مقاصدها ، ومنذ عهد الرسول (ص) ومن بعده الخلفاء الراشدين استعملوا الكثير من الصحابه وعامة المسلمين ممن يتوسم فيهم الصدق والاخلاص والنزاهة والامانه والقوة للحفاظ على مصالح الدولة الاسلامية ومصالح الرعية والاموال العامة ، وكان الرسول (ص) يتحرى اخبار عماله ويتأكد من عدم انحرافهم عن الطريق القويم الذي رسمه الاسلام لهم ، كما كان يجري التفتيش على اعمالهم ، ويتخذ اجراءات حازمه بشأن من ترد بحقهم شكوى ، حيث يروى عن الرسول (ص) انه عزل عامله على البحرين لورود شكوى بحقه ، كما عزل بعض العمال لقبولهم الهدايا والرشى والمنافع ، حيث جاء في الحديث الشريف ( من استعملناه على عمل ورزقنا رزقاً فما اخذ بعد ذلك فهو غلول ) ، كما كان الرسول الاعظم (ص) يتحرى القوة والامانه في اختيار عماله وموظفيه ، حيث يروى ان الرسول (ص) رفض توليه الصحابي ابي ذر الغفاري احد الوظائف رغم طلبها بنفسه ورغم ورعه وامانته حيث قال له الرسول (ص) : ( يا ابا ذر انك ضعيف ، واني احب لك ما احب لنفسي ، وانها امانه ، وانها يوم القيامه خزى وندامه الا من اخذها بحقها وادى الذي عليه فيها ) ، ويروى ان الخليفه العادل عمر بن الخطاب (رض) منع ولاته ان يضربوا احداً الا ان يكون بحكم قضائي عادل ، كما يروى عنه مصادرة اموال القائد سعد بن ابي وقاص صاحب القادسيه ، وعمروبن العاص واليه على مصر ، وابي هريرة واليه على البحرين بعد ان وجد تضاعف في اموالهم بعد تولي مناصبهم ، فترك ما كانوا يملكونه قبل توليهم المنصب وصادر القدر الزائد عنه واحاله الى بيت المال .
وارسى الخليفه الرابع الامام علي (ع) قواعد تعامل العمال مع موظفيهم والرعية ، اذ يقول لاحد عماله ( فالبس لهم جلباباً من اللين تشوبه بطرف من الشدة ، وداول لهم بين القسوة والرأفه ، وافرج لهم بين التقريب والادناء ، والابعاد والاقصاء ....) ، كما يروى عنه عدم المجامله لود او قرابه في منحه او منعه ، فقد رفض محاباة اخيه عقيل بن ابي طالب ، ومنع منحه العطاء من بيت المال لانه يراه لايستحقه ، كما افرزت التطبيقات العمليه في الدولة الاسلامية الى ظهور مخالفات وظيفية تستمد جذورها من احاديث الرسول (ص) منها عدم جواز افشاء اسرار الوظيفه لقوله (ص) ( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ) وضرورة حفظ مايطلع عليه الموظف من اسرار الرعيه بحكم وظيفته لقوله الرسول (ص) ( اذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهو امانه ) ولقوله ايضاً ( المجالس بالامانه الا ثلاث مجالس : سفك دم حرام ، او فرج حرام ، او اقتطاع مال بغير حق ) فهذا الحديث يحث عمال المسلمين على حفظ اسرار الرعية من جانب ، ووجوب الاخبار وعدم الاحجام عن تبليغ السلطات في حالات وقوع جرائم تخص حياة الرعية واعراضهم واموالهم ،
والعقوبات التاديبية في الاسلام من صنف التعازير ، والتعزير شرع في الزواجر غير المقدرة لدفع الفساد ، وهو تأديب دون الحد ، واصله من العزر بمعنى الردع ، والردع هو مشروع في القران والسنه واجماع الامه ، وقد تنوعت العقوبات التاديبية التي كان يفرضها الخلفاء وولاة الامور على عمالهم وموظفيهم وتتفاوت من حيث الشدة حسب اخطاء الموظفين واخلالهم بواجباتهم الوظيفية ومنها : القصاص ، الوقف عن العمل ، والخصم من المرتب عندما يتجاوز العامل على على اموال المسلمين لاغراضه الشخصية ، وهنالك عقوبة التوبيخ والزجر ، والضرب دون قطع او جرح ، والحبس ، مصادرة الاموال ، النفي والابعاد ، احراق وضرب متاع الغال والغال هو السارق لاموال الغنيمه او للمال العام عموما ، لقول الرسول (ص) : ( اذا وجدتم الغال فاحرقوا متاعه واضربوه ) ، والعزل من الوظيفه ، اذ يعد العزل من الوظيفة من اقسى أنواع العقوبات التاديبية التى كانت توقع على موظفي الدولة الاسلامية ويترتب عليها انهاء خدمة العامل نهائيا وعزله من مهامه وحرمانه من مستحقاته واجوره ، والعزل عقوبة تاديبية قاسية لايتم الركون اليها الا في حالة ثبوت ارتكاب عامل الدولة الاسلامية فعلا خطيرا يستوجب عدم بقائه في منصبه كالفرار من الزحف ، خيانه بيت المال ، تقليد الوظائف المهمه للعاجز او الضعيف او غير الامين ، قبول الهدايا والمنافع والرشى ، او ارتكاب افعال مخله بكرامه الوظيفه ، ومن التطبيقات عزل عمر بن الخطاب (رض) واليه على البصره المغيرة بن شعبه بسبب اختلاءه بأمرأة من بني هلال متوفى عنها زوجها ، واخيراً لابد من الاشارة الى ان ان السنه النبوية نهت عن التاديب باستخدام النار او الحرق او التعذيب بها كون النار لا يعذِّب بها إلا الله حيث روي عن الرسول (ص) قوله ( لا تعذِّبوا بعذاب الله) وقوله في رواية اخرى ( إنّه لا ينبغي أن يعذّب بالنّار إلا ربّ النار) .

#احمد_طلال_عبد_الحميد (هاشتاغ)       Ahmed_Talal_Albadri#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات