أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زاهر رفاعية - رواية: سالم من الجنوب (2)















المزيد.....

رواية: سالم من الجنوب (2)


زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)


الحوار المتمدن-العدد: 6848 - 2021 / 3 / 22 - 16:33
المحور: الادب والفن
    


كان سالم في تلك القرية يعيش مثل ملِك تنكّر منذ ميلاده بزيّ كسير، إذ يهابه الجميع ويحبّونه، ولن تعدم إيجاد من يكرهه، لاسيما درويش القرية الّذي يشغل منصب المتسوّل، حيث يقف كلّ صبيحة أمام مخبز "سالم" منذ ظهور هذا الأخير في مخبز القرية بعد وفاة أبيه، إلّا أنّ الدّرويش لم يتحصّل يوماً من "سالم" على رغيف واحد دون دفع ثمنه. أمّا "سالم" فكان يدافع عن حقه في أموال المتسوّل، ذلك أنّ التسوّل عملاً له أجر وإن كان غير معترف به بعدُ، ربما لأنّ المتسولين لا يصرّحون عن مدخلاتهم الماليّة خشية دفعهم الأتاوات للحاكم كغيرهم، إلّا أنّ العمل في النّهاية ليس سوى وقتٌ وجهدٌ مقابل المال، لا بل إنّ المتسوّل لا غنى عنه في قريتنا، حاله كحال الخبّاز والنّجار بحسب تعبير "سالم", (تخيلوا معي يا سادة قرانا في الجنوب، وقد صارت خلواً من المتسوّلين، كيف سنمتاز حينها عن مدن الشمال الماجنة بفحش ثرائها؟!) يقول "سالم" ثم يقهقه بضحكٍ يتعمّد طغيانه، متسوّلاً بذلك موافقة الزبائن لمقولته تلك.
هذا وأحاديث أخرى، كان "سالم" يعيدها كل صباح على مسامع الزبائن المتزاحمين عند كوّة المخبز بينما المتسوّل يقف بصمتٍ موجّهاً نظراته المشوبة بالحقد للكوّة، ويبقى درويشنا واقفاً على هذه الحال ريثما يجود عليه أحد الواقفين برغيف او بثمنه، فيأخذه الدّرويش شاكراً ثم يرجع به إلى خربة مسكنه، يجرجر برجلٍ كرامته، وبالأخرى كرامة كل من ضحك لدعابة "سالم".
أنا من مقامي هذا لا أتسوّلك أن تحبّ سالماً ولا أن تكرهه, فهو بالفعل كان لديه إحساس مرهف للألم, في غالب الأحيان حين لا يكون هو المتسبب به, ولكنه لم يُعدَم يوماً حرصه على قريته و أهلها, فهو الحفيد الخامس من عائلة خبّازيّ القرية, التحق للعمل مع أبيه أول مرّة حين كان في العاشرة من عمره, كما التحقت أختاه بأمهما في المطبخ حتى قبل ذلك السنّ, ووجد الصغير "سالم" نفسه آنذاك وبعد عامٍ واحدٍ, المعيل لهنّ ولمّا يبلغ الحلم بعد, حين غدرت بأبيه رصاصة قنّاص على يد مرتزق من الشمال, كان يحرس مزرعة سيّده في الجنوب, وزعمت حكومات الشّمال آنذاك أنّ القتل كان بغير قصد, فلم يصدّقهم أهالي الجنوب, حينها أشاعت حكومة الشمال بينهم أنه قد تمّت إدانة الجاني و أعدموه هناك حيث موطنه, فأصرّ أخوة الفقيد على الذهاب شمالاً بصحبه ابن "أبي سالم" لمعاينة القصاص, ولكنّ سلطات الشّمال أعلنت أن الوقت قد فات وأنّه قد تمّ دفن الجثّة, فأبت شهامة الرّجال أن يكشف السّتر عن ميّت, حتى لو كان الجاني هو قاتل أخيهم, وهكذا طويت القصّة و ماتت الأحقاد, حتى أنّ ابن "سالم" قد اتخذ لنفسه صديقاً شماليّاً, أصفر الشّعر عريض الفكّين, إلّا أنّك تحسبه جنوبيّاً من فرط استهتاره, ولم يكُ يمتاز عن ابن سالم سوى بملامح أهل الشّمال الّتي تزيّن طلعته.
كان "سالم" على قناعة كما جميع الآباء في القرية، أنّ ابن الشماليّ هذا، هو من دلّ أولادهم على لعبة "قنّاص البول" كما كانوا يسمّونها، ذلك أنّ أحداً من جيل "سالم" لم يلعب مثل تلك اللعبة حين كانوا في عمر اللعب، على الرّغم من أنّ "أم سالم" وقد جاوزت التّسعين لا تفتأ تذكّر سالم ورفاقه بطفولتهم، حين كانوا جميعهم يبولون، ولكن دون أن يسدّدوا رميهم كما يفعل أبناء اليوم.
ابن الشّمالي هذا هو الابن الأوحد لمستثمر كبير، جاء إلى قرية سالم منذ بضعة أعوام بمعدّات استخراج الأسفلت من باطن الأرض، وعبّد المعابر والأزقّة في القرية، كي يتسنّى له وحده أن يتجوّل بعربته، والّتي كانت –بالمناسبة- العربة الآليّة الوحيدة في القرية، في مقابل أن يحصل المستثمر على شوائب الاسفلت المصفّى ليبعث به شمالاً حيث يشتريه النّاس هناك لتسيير عرباتهم.
الخلاصة هي في أنّ سالم كان يكره الدرويش كرهه للرّجل الّذي يعيش عالة على الآخرين، ربّما لغيظ سالم الدّفين، أنّ العالم لم يتِح له العيش عالة لبعض الوقت، كما كان أقرانه في السنّ آنذاك يعيشون.
كان المتسوّل يزدري شحّ "سالم" ازدراء "سالم" كرامة المتسوّل، وقد اختبأ صاحب الكرامة المزدردة هذا بجانب ساحة الرّقص، وأخذ يصيح بصوت شامت (قرى الجنوب، مسرح العبث وخرائب القدر، قرى الجنوب، "سالم" سينهب ذهبكم من خزائن صهره) كررها مرتين ونصف، قبل أن يجد ياقته تنجذب للخلف، يمسك به "سالم" وصهره، ويأخذانه حيث مستنقع الماء الآسن، والذي شاع أنّ مياهه كانت أطهر ماء، بل إنّ جدوله انبثق بمولد "كبير الكبار" وهو لقب الحاكم في حضور أعوانه، و "أبي أربع" كان اسمه فيما بين أهل القرية. في هذا المستنقع الّذي يتوسّط الغابة رمى أهل القرية درويشهم متضاحكين، بينما تحدّى شبّان القرية صديقهم " الشمالي" إن كان بمقدوره إصابة رأس "الدّرويش" بالبول.
هناك في الغرفة الّتي تسمع صوت تكسّر إرادة العروس، أخذت زوجة "سالم" تصفف شعر العروس وتحاول يائسة أن تفهم ابنتها أنه: (لا مستقبل يا ابنتي لمن لم يحسن التّصالح مع ماضيه) وكم كانت تودّ الابنة أن تخبر أمّها، بأنّ تصالح المرء مع ماضيه أهون بكثير من مغفرته عدم تصالح الآخرين مع ماضيهم، ولكنها ابتلعت ذلك بغصّة، لعلمها أنّ السؤال عن الغفران أسهل من اتيانه، كما أن رؤية الدّموع أهون من ذرفها.
أشد آلام العروس كان يكمن في عجزها عن الاعتراف بالهزيمة، وأنّ مفاتيح قلب رجلها ليست بيدها، فالرجال لا يسلمون مفاتيح قلوبهم إلّا بأيدهم. وبالرّغم من عدم درايتها بدافع المصرفيّ الشّاب من وراء عزمه الزّواج بها، وبالرّغم من قيام هذا الأخير بأداء دور الخاطب السّعيد طوال العام المنصرم، وها هو يرقص مع أبيها في ساحة الزّفاف الآن، إلّا أنّ قلبها كان على دراية لا تضاهيه دراية النّاظر العارف، أنّ من يولد في قلبك غريباً، لن تزده الأيام الّتي ستجمعكما إلّا غربة.
أمّا الأم فكانت تدري أنّ ابنتها على حقّ فيما لم تقله، إلّا أنّها عدّت صمت ابنتها تواطؤاً على السرّ الذي تتشاركه نساء قرى الجنوب، والذي ما تزال "أم سالم" تردده بدهشة عدم الاقتناع، ورغم أنّ واحدة من الجنوبيات لم تتثبت بعدُ من يقين العجائز هذا، ولا زلن بانتظار لحظة الاعتياد ليفتحن قلوبهنّ للحبّ القادم، إلّا أنّ كثرة ترداد تلك التّميمة على ألسنتهنّ ومسامعهنّ، أنساهنّ أنّ الأنثى لا تعتاد رجلاً، وأنّها مهما ألِفت الرّجل الذي بجانبها، فالحب يبقى أبداً للمختار عندها.
نهضت الأمّ وابنتها تلتحفان الصمت الذي أغناهنّ عن كل قول، والّذي لم يقطعه سوى صوت صرخة ودوّي ارتطام أخذ بخطواتهنّ فألفتا نفسيهما تنظران تحتيهما من نافذة الشّرفة، حيث رأتا "سالم" يفترش الأرض بجانب هراوته، وخيط دم ينساب من يافوخه فيلثم شعر فوديه.
.
رابط الحلقة الأولى:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=712551



#زاهر_رفاعية (هاشتاغ)       Zaher_Refai#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية: سالم من الجنوب (1)
- هل سنشهد قريباً انطلاقة -سَلَفي بوك- و-ملالي تيوب-؟
- هل تعاني سويسرا من البرقعوفوبيا
- حول لقاء -رغد صدّام حسين- على قناة العربيّة.
- بين الشيخ الإخواني -علي قره داغي- وكبير أساقفة اليونان
- هل تجوز رحمة رب المسلمين على غيرهم؟
- ردّاً على إيّاد الشامي
- هو الدّين بيقول ايه؟
- عفواً سيّد مكرون! الإسلام لا يعيش أزمة
- كيف تخلق الحريّةُ أعداءَها؟
- البيدوفيليا المقدّسة في الإسلام
- حريّة التعبير تشمل حرق الكتب أيضاً
- وفاة النّاشطة التركيّة -ايبرو تيمتيك- بعد 238 يوم من الإضراب ...
- دعوة لقراءة كتاب (قلق السعي إلى المكانة)
- دولة الإمارات العربيّة البراغماتيّة المتّحدة
- دعوة لقراءة العدميّة في زمن الكورونا
- تعليق الكاتب التركي (أورهان باموق) على قرار تحويل متحف (آيا ...
- البعد السياسي والاجتماعي لأحكام الإعدام
- مرّ عامٌ على ترك التدخين!
- حريّة التعبير لا تشمل تبرير الجريمة


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زاهر رفاعية - رواية: سالم من الجنوب (2)