|
حرب لبنان: سقوط الذرائع الواهية
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1626 - 2006 / 7 / 29 - 09:09
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
عبّر أكثر من مسؤول دولي، عن دهشته، لرد الفعل الإسرائيلي العنيف، الذي أعقب العملية البطولية النوعية لأسر الجنديين الإسرائيليين، من قلب الأراضي العربية المحتلة، والتي قام بها حزب الله في وقت مبكر من هذا الشهر. ووصفه أكثر من ديبلوماسي رفيع المستوى، بأنه رد غير مناسب، أو متكافئ، وكما جاء بالحرف: "disproportionate response". إلا أن الحقائق الفاقعة بدأت تتوالى الواحدة بعد الأخرى، عن حقيقة، وأبعاد هذا الاعتداء الغاشم. وكل تلك التحليلات، والدراسات، والمعلومات تقاطعت، حول محور واحد، بأن الأمر، ليس كما هو ظاهر على السطح، وأن وراء الأكمة ما وراءها. ولا بدمن الإشارة هنا، إلى ما تناقلته صحف، ومواقع كثيرة، من تقرير صحيفة سان فرنسيسكو كرونيكل، الذي أكد وبالدليل القاطع، أن العملية العسكرية كانت مبيّتة، ومعداً لها سلفاً، ولم تكن بحاجة إلى أية ذريعة، لشن هذا العدوان الأرعن، الآثم، الذي أثبتت الوقائع الميدانية أنه تم تجريب أسلحة جديدة فيه. إلا أن بعض المحللين المريبين، وشبّيحة الإعلام الهجين، أنحوا باللائمة، فوراً، على حزب الله، وحمّلوه مسؤولية كل ما يحصل من دمار، وغاضين الطرف، بآن، عن حجم الجريمة والدمار. علماً بأن آلات الدمار الوحشية، لم تكن في يوم من الأيام، بحاجة لأية ذريعة على الإطلاق للانطلاق. وفظائع، ومجازر الاحتلال المستمرة، وجرائمها شبه يومية، منذ اغتصاب فلسطين وحتى هذه اللحظة بالذات.
وتورد الصحيفة تفاصيل مذهلة، عن عملية الإعداد لهذه الحرب الأخيرة، وكيفية قيام ضباط إسرائيليين، وعلى مستوى عال، بزيارة إلى واشنطون، للاطلاع، عن كثب، على الخطة، وتفاصيلها، وتوقيتها، الذي يجب أن يكون في فصل الصيف. وقالت الصحيفة، بهذا الصدد، إن إسرائيل، تتعمد شن حروبها، في الصيف (حرب الخامس من حزيران 1967، إلى اجتياح 1982)، لأنها تتحسب لردود فعل طلاب الجامعات في أمريكا، وأوروبا، لذلك تستغل وجود هؤلاء الطلاب في العطلة، خلال الصيف لشن حروبها. والغاية من العملية كلها خلق واقع جديد، بعد تقليم أظافر حزب الله، وقصقصة أجنحته، إثر النجاحات السياسية، والعسكرية الباهرة، التي حققها في لبنان مؤخراً، لاسيما إجباره إسرائيل على سحب قواتها من لبنان في مايو/أيار عام 2000، وشعور إسرائيل بالمهانة، والإذلال جراء ذلك، واستحالة المضي قدماً، في ترتيب أمورها، على الجبهة الشمالية الهشة، في ظل وجود قوة إقليمية متميزة ومنضبطة كحزب الله. كما أن تعاظم نفوذه الإقليمي ، وقوته قد يشكل عامل "فرملة"، لأية مشاريع أمريكية جديدة في المنطقة. وأعتقد جازماً، أن الولايات المتحدة، وعلى لسان وزيرة خارجيتها الآنسة رايس، تعجلت في الإفصاح عن نواياها الحقيقية، حين قالت، بأن شرقاً أوسطاً جديداً، يتخلق من رحم هذه المواجهة العسكرية الحالية. والتسرع يأتي لجهة غموض الموقف العسكري، وربما استحالة أي حسم في ساحة المعركة، في المدى المنظور، برغم التفوق النوعي، والجوي الإسرائيلي، حيث أن المبدأ العسكري الأهم يعطي القوة لأي مفاوض، لفرض شروطه، من حيث تقف الدبابات، والجنود، لا حيث تربض الطائرات. ويعتقد أن التسرع الأمريكي على لسان رايس يعد خطأ سياسياً، واستراتيجياً فادحاً، يفضح حقيقة، ومرامي هذا الحرب الشريرة. إذ كان حرياً بالآنسة كوندي، وكما تقتضي الحكمة، أن تنتظر، ريثما ينجلي غمام المعركة، ويتبين لها، بالضبط، أين تقف دبابات حليفتها الاستراتيجية، ومن ثم، كان من الممكن لها، تتحفنا برؤاها البعيدة التي لم تعد خافية، لا على كبير، ولا صغير، أو "مقمط بالسرير". ومن هنا فإن التركيز على قضية خطف الجنديين، وبعد افتضاح المواقف، وتبيان الحقائق على الملأ، قد أصبح من الماضي، وغير ذي معنى، بل أضحى "لهاية" لهواة المحللين الصغار، وتفسير اجتراري نمطي، حين تنعدم البصيرة، ويستحيل الإفهام.
القضية الحالية إذن، هي أبعد مما هو ظاهر للعيان، وليست قضية ذريعة، أو اختلاق أي سبب، لاحتلال هذا البلد أو ذاك، القضية هي مبدأ اعتماد العدوان كنهج وسياسة، والستراتيجية رسمية، وليس مهماً، هنا، من هو ضحية هذا العدوان. ومن هنا يصبح رفض العدوان والاحتلال، وإدانة القوى التي تقوم به، ومن أي طريق أتت، وأي شعار رفعت، واجباُ وطنياً وأخلاقياً قبل أي شيء آخر. فهل كان هناك ذرائع مقبولة، ومبررة، ومنطقية يوماً ما، لشن أي عدوان؟ وحتى لو كانت الذريعة مقبولة فهل نشرّع للموت، والقتل، والدمار، ونصمت على الجريمة؟ هذه هي الأسئلة المطروحة، والأكثر إلحاًحاً الآن؟ في اجتياح 1982 هل كان اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن فقط، هو السبب، أم أن أجندة أخرى، كانت في طريقها للتنفيذ، وتجلت، لاحقاً، بما رأيناه من ويلات، ومصائب، وكوارث سياسية بالجملة؟
والمأساة، أن الحماقات السياسية، تكرر باستمرار، على هذا المشهد الشرق أوسطي العبثي الدامي. فما أشبه اليوم بالبارحة، وما أشبه المغامرة اللبنانية الحالية، بالحماقة العراقية التي لا تزال مفتوحة على شتى الاحتمالات. ويبدو، أن الولايات المتحدة، التي تجر أذيال الهزيمة، والفشل في كل مكان، باتت تبحث أن أي نصر يعيد لها هيبتها، حتى لو عن طريق الذراع الإسرائيلية التي لم تلتئم هي أيضا من جروحها اللبنانية العميقة بعد. إلا أن الطبع يغلب على التطبع، ونزعة العدوان تسيطر على راسمي السياسات. فالأخبار القادمة اليوم، وأمس، وباعتراف جنرالات الغزاة القتلة، توحي بأن الطريق ما تزال بعيدة جدا لإعلان أي نصر عسكري حاسم، هذا إن لم يكن تبشيرا مبكراً بهزائم نكراء مدوية. وستحاول إسرائيل قريباً جداً الخروج من هذه الورطة، والهروب من رمال حزب الله المتحركة، وقد يكون السيناريو المطروح، وهو الأنسب لحزب الله، حرب استنزاف طويلة المدى.
تبلور شرق أوسط جديد، تكون فيه الريادة لإسرائيل، وعبر هذه العملية العسكرية، هو ثقل كبير على حامل واهٍ، وضعيف، وتعويل كبير على نصر باهت، هزيل، وقد لا يكون في متناول اليد البتة. وقد علمتنا تجارب التاريخ، أنه من الممكن، وبسهولة، إشعال فتيل أي حرب أو حريق، ولكن من الصعب، جداً، التحكم بمضاعفاته المعقدة، بعد ذلك، ومعرفة متى، وأين ينتهي؟ والسيناريو القادم يتجه نحو مزيد من التصعيد والمقاومة على أكثر من جبهة. والتجربة العراقية المرة، والدامية ما تزال ماثلة بالذهن، ولا تعلم إدارة بوش، نفسها، كيف تخرج منها، أو تتحكم بمصيرها بالذات، الذي يعتبر في حكم المجهول، فكيف لها، في هذه الحالة، أن تقرر، وترسم مستقبل الآخرين؟ هناك سلسلة طويلة، وأكثر من معركة، وعلى أكثر من جبهة، وفي غير مكان، ولن تستطيع كل هذه الجلبة، و"الهيلمة،، وأزيز الرصاص الحالي أن يحسمها. كما أن حلقة حزب الله ليست آخرها، وإن كنا نعترف، ونقر، بأنها إحدى مفاصلها الحيوية والهامة.
رابط مقال صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل http://www.sfgate.com/cgi-bin/article.cgi?f=/c/a/2006/07/21/MNG2QK396D1.DTL&hw=kalman&sn=001&sc=1000
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لَحْنُ الغَرام
-
طبخة الشيف رايس
-
من يضمن أمن إسرائيل؟
-
إنّ حِزبَ الله هُم الغَالِبون
-
حُبّاً بِعليّ، ونِكايَة بمُعاوية
-
اللّهُمّ اخْذلْ مَنْ خَذَلَهْ
-
اغزوهم قبل أن يغزوكم
-
متى سَتُرَفْرِفْ هذه الأَعْلام؟
-
الدّمُ الحَرَام
-
مُنتخب فرنسا:عندما يَصْنعُ المُهاجِرون الأمْجادَ
-
عبيرالعراق:اغتصاب الأموات
-
نساء العرب وخيبة الآمال
-
نهاية التاريخ العربي
-
المونديال وهزيمة الذات
-
الديمقراطية العلمانية
-
غربة الفكر العظيم
-
الزرقاوي: نهاية الأسطورة
-
مسلسل النكسات القومية
-
أصنام المعارضة السورية
-
نعوات بدون عزاء
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|