أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مسعد عربيد - مدخل إلى قضايا الوعي وإشكالياته: الوعي الشعبي بين الحقيقي والزائف (الجزء الأول)















المزيد.....



مدخل إلى قضايا الوعي وإشكالياته: الوعي الشعبي بين الحقيقي والزائف (الجزء الأول)


مسعد عربيد

الحوار المتمدن-العدد: 6844 - 2021 / 3 / 18 - 09:49
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


شكّل الوعي وإشكالياته قلقاً لدى الفلاسفة والمفكرين على مدى العصور. وشغل في القرنين الأخيرين فلاسفة كثر نذكر منهم، دون أن ندخل في مناقشة أفكارهم ونظرياتهم حول الوعي، هيغل وديكارت وهوسرل ونيتشه وكارل ماركس وغيرهم.

أمّا في الواقع العربي، فثمة حديث لا يتوقف عن "الوعي" و"الوعي الشعبي" وإشكالياته في الحياة الثقافية والسياسية العربية. ولعل أهم ما يدور الحديث حوله هو تزييف الوعي وتشويهه كونه أحد الأسباب الجذرية لتراجع الشارع العربي ودوره في التغيير الاجتماعي والسياسي المنشود. وهذا بدون شك من أهم معضلات وإشكاليات الحياة العربية المعاصرة.

سأوزع هذه الدراسة على عدة أجزاء: أقدم في البداية مدخلاً لتعريف الوعي ومفاهيمه ومستوياته واستخداماته المختلفة في الفكر والسياسة والأيديولوجيا، قبل الولوج إلى مناقشة أهم أشكاله مثل الوعي السياسي والطبقي والديني، وصولاً، في خاتمة هذا البحث، إلى المسألة الأهم وهي التمييز بين الوعي الحقيقي والزائف والكشف عن تزييف الوعي وآلياته وآثار ذلك على الوعي الشعبي العربي والحياة السياسية والثقافية العربية.

تعريف الوعي

دعونا نبدأ من تحديد مفهوم الوعي .

هنا نجد أن الحديث عن الوعي يدور في فضاءٍ رحب من المفاهيم والدلالات، لذلك سنركز على تلك التي تصبُ في الغاية المتوخاة من هذه الدراسة وهي: التمييز بين الوعي الحقيقي والآخر الزائف، كي يتسنى التخلص من المفاهيم والقناعات والشعارات الزائفة لدى المواطن العربي ويجري التأسيس لوعي حقيقي جذري وثوري قادر على الاضطلاع بالمهام الثقيلة والتحديات الجسيمة التي تحملها هذه المرحلة من تاريخنا. ويتطلب تحقيق هذا الهدف تبسيط مفاهيم الوعي المركبة والشائكة وتقريبها إلى ذهن القارئ، ومن ثَمّ التأسيس على هذه الأرضية لتطوير الوعي الشعبي العربي واستعادة دوره في صنع حاضر شعوبنا ومستقبلها. لأن ما يهمنا هنا هو التركيز على مفهوم الوعي ودوره في المستوى الشعبي (فردياً ومجتمعياً) في سياق النضال من أجل التحرر الوطني/القومي والتغيير السياسي والاجتماعي التي تتسم بها المرحلة الراهنة، وهو ما يتضمن على وجه الخصوص الوعي الاجتماعي (الطبقي) والسياسي (القومي/الوطني).

وعليه، لن تتناول كافة أشكال الوعي وأصنافه والتي تتجاوز في أبعادها وقضاياها العديد من الكتب والمؤلفات، ولن نسعى إلى عرضٍ شامل لمدلولات الوعي وتعريفاته ومستوياته التي تتعدد وتدخل في العديد من المجالات النفسية والاجتماعية والسياسية والفكرية والفلسفية.
ومن المنطلق ذاته لن نتطرق إلى الوعي التخصصي الذي يحققه الأفراد في حقول تخصصهم المهني مثل العلم والطب والتكنولوجيا أو الفن والأدب وغيرها.

□□□

لعل أبسط تعريف للوعي هو أنه الحالة العقليّة والإدراكية التي يتم من خلالها إدراك الواقع عن طريق اتّصال الإنسان واحتكاكه مع المحيط الذي يعيش فيه، سواء كان هذا الواقع ملموساً أو محسوساً، بما في ذلك إدراك العلاقات الشخصية والاجتماعية والإنسانية التي تتفاعل مع هذا الواقع وتتأثر به.

هذا التواصل مع البيئة هو الذي يخلق لدى الإنسان حالة من الوعي بما يجري من حوله، ويمنحه القدرة على إدراك الأمور وتقييمها. ومن هنا يمكننا القول بأنّ الوعي مرتبط بالطبيعة والعقل (وبالتالي بالعِلْم) ارتباطاً قوياً، وأن هذا الأخير على تواصلٍ مباشرٍ مع البيئة المحيطة به، ومن خلال ذلك يتمكن من تكوين الآراء والأفكار وإتخاذ المواقف حول القضايا المختلفة وفق ما يقتنع به. وهنا يكمن دو ر الوعي (والشعور والإدراك) في ترابط الفكر مع حركة الواقع وفهم إشكاليات الحياة والمجتمع والتعامل معها.

هكذا، وبالمحصلة، نصل إلى أن الوعي هو المحصول الفكري الذي ينضوي عليه عقلُ الإنسان وقدرته على قراءة المعلومات والمعطيات وفهمها وصولاً إلى تكوين وجهات النظر المختلفة والمتعلقة بالقضايا التي يعايشها بكافة مستوياتها: الفردية والاجتماعية والسياسية والفكرية والإنسانية. ولعل الأمثلة التالية توضح ما نريد أن نقوله.

□ ففي مستويات الوعي هناك، على سبيل المثال، الوعي الخاص للفرد (وهو وعي فردي)، والوعي الجمعي الذي هو اجتماعي وعام. ولا شكّ أن هناك أيضاً الوعي العفوي والطبيعي للجماهير. وكثيراً ما نجد تفاوتاً بل تناقضاً وتضاداً بين هذه المستويات.

وهنا لا بدّ لنا أن نتوقف عند التمييز بين هذيْن المستويين من الوعي: الفردي والجَمْعي، حيث يعمد المنظور الرأسمالي إلى الفصل بينهما فصلاً تعسفياً: بين المجتمع والذات، والجماعي والفردي، بين الحياة العامة والخاصة. والحقيقة أن الفرد، في هذا السياق، لا يعنينا بالمعنى المطلق، بل ككائن اجتماعي وجزء من العلاقة الاجتماعية حيث تشكّل مصالحه وحقوقه ومطالبه جزءً من مشروع التغيير والنضال الاجتماعي والطبقي لتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية.

بالإضافة، فإن أهمية الوعي الجمعي تنبع من كونه المُوحِد والضامن للفعل الشعبي/الجماهيري، ومن دوره في ترسيخ الأهداف والثوابت الأساسية للنضال الاجتماعي والطبقي ومصالح الأكثرية الشعبية (الطبقات الشعبية) وتأصيل فكرة الهوية والمقاومة. وكمثال على ما نقصده، نذكر مناهضة كافة أشكال الاستغلال الطبقي والاجتماعي (العدو الطبقي)، ومقاومة العدو الوطني والقومي، كما هو حاصل في الحالة العربية، مقاومة العدو الصهيوني المحتل ومناهضة التطبيع معه ومقاطعة منتجاته ومنتجات الدول الإمبريالية والشركات الرأسمالية الغربية التي تدعمه وتوفر له مقومات الاستيطان والاحتلال والعدوان.

□ وفي أشكال الوعي، نجد على سبيل المثال، الوعي الطبقي والفكري والسياسي والديني وغيرها. والتي سنعود إلى مناقشتها لاحقاً بشيء من التفصيل.

□ ومن حيث استخداماته وتوظيفه في خدمة غايات سياسية والاجتماعية وأيديولوجية، نجد ألواناً متباينة من الوعي الإيديولوجي والبراغماتي والسياسي وغيرها.

بعض أصناف الوعي

يُصنّف الوعي، وفقاً لمدلولاته المتنوعة من مجالٍ إلى آخر، إلى عدة أصناف أو أشكال. وسوف نناقش في الأجزاء التالية من هذه الدراسة ثلاثة أشكال من الوعي نرى أنها الأكثر أهمية لأنها تلعب الدور الأبرز في تكوين الوعي الشعبي والتأثير به وهي: الوعي الطبقي والسياسي والديني. ولكن قبل ذلك نعرض باقتضاب بعض أصناف الوعي التي تتداخل فيها المستويات الفكرية والفلسفية والسيكولوجية لما تعود به من فائدة على القارئ.

- الوعي العفوي التلقائي: أي ما يرافق أفعال الإنسان وأفكاره وما يتعلق بأداء نشاطات معينة، دون أن يحتاج (الإنسان) إلى مجهود عقلي كبير يعيق أو يؤثر بقدرته على التفكير بأمور أخرى.

- الوعي التأملي: يختلف عن الوعي العفوي التلقائي، في أنّه يتطلّب جهداً ذهنيّاً ويحتاج إلى قدرات عقليّة لاستحضار الأحداث الماضية وإعادة تصورها وفهمها والتعبير عنها.

- الوعي الحَدْسي: ويتمثل في إدراك الشخص للأحداث والأشياء أو المفاهيم والمعلومات والمعارف، دون أن يستطيع التعبير عنها وتقديم شرح واضح لها، لأنه يدركها بحدسه فقط.

- الوعي المعياري الأخلاقي: في هذا المستوى من الوعي يستطيع الفرد أن يكوّن أحكاماً وتقييمات للأشياء والطبيعة من حوله، وكذلك للأحداث والأشخاص، كي يشكّل موقفاً منها تبعاً لمبادئه وقيمه وأخلاقه.

- الوعي الفكري/أو التفكيري: أي تفكير الإنسان بذاته وبما حوله من خلال أشكال من الوعي عديدة ومتداخلة فيما بينها.

- وهناك ايضاً الوعي من منظور الطب النفسي وما يعتري المريض النفسي من اضطرابات وأمراض نفسية تدور حول شخصيته وذاته وما يعتمر فيها من مشاعر وأحاسيس.

استخدامات الوعي

للوعي تصنيفات متعددة من حيث استخداماته وتوظيفه لغايات اجتماعية وسياسية وأيديولوجية. فمن الأساليب الشائعة في السياسة والمجتمع، نجد أساليب تسييس أو توظيف الوعي الجَمْعي لخدمة غايات سياسية أو أيديولوجية عبر استخدام وسائل الاقناع أو التخويف والترهيب أو الإغراء من أجل تزييف الحقائق وقلب الوقائع والأحداث وتفسيرها. وفي كثير من الأحيان تكون هذه الأساليب مبطنة لا يسهل على المواطن العادي الكشف عن فحواها وغاياتها.

فلو أخذنا، على سبيل المثال، ما يُسمى الوعي الواقعي (ويُسمونه أيضاً البراغماتي أو العملي)، فإننا نجد أنه يشير إلى المهارات الاجتماعية في التعامل مع الآخرين وفي انتقاء الأساليب الملائمة في الخطاب والممارسة. كما ينطوي هذا الأسلوب على كيفية استخدام قواعد اللغة ومفرداتها والدلالات الكامنة وراءها للوصول إلى أغراضه في التأثير على المُتلقي سواء كان قارئاً أو مستمعاً أو مشاهداً. وهنا تكتسب البراغماتية معنً محدداً في سياق معين في الزمان والمكان، وفي صياغة أمر ما أو موقف ما وكيفية قوله أو كتابته. وكثيراً ما يتضمن هذا الخطاب أساليب مبطنة وغير مباشرة مثل التحدث ب "التلميح" أو "الاقتراح" أو "الإيحاء" وغيرها من الأساليب. كما يتضمن تطوير القواعد البراغماتية واللغوية كي يتسنى استخدام اللغة وإنشاء لغة مناسبة للحالات التي يتعامل معها أصحاب الرأي من سياسيين ومفكرين ورجال الحكم والدولة وغيرهم. وقد ساهم هذا كله في تطوير نمطٍ آخر من الوعي: الوعي الخطابي أو التعبيري discursive consciousness والذي يشابه الوعي البراغماتي من حيث القدرة على استخدام اللغة والمفردات أو صياغة الكلام.

ليس هذا الحديث طرحاً نظرياً أو مجرداً، بل هو واقع نلمسه ونعيشه كل يوم في حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية، حيث يهندس الحكام والطبقة المهيمنة سياساتهم ويصيغون خطابهم ويتلاعبون بشعاراتهم في تزييف وعي الجماهير والتحكم بأعناقنا، ومعهم أصحاب المصالح والفئات الاجتماعية والاقتصادية المتنفذة في صنع القرار، وجيش المأجورين من مثقفين وكتّاب وإعلاميين.

فيزيولوجيا الإنسان والوعي

أ) دور الدماغ البشري

الوعي خاصية من الخصائص الجوهريّة التي تميز الإنسان عن بقية المخلوقات الحيّة والأشياء الأخرى. وقد أثبتت البحوث النفسية والفيزيولوجية - وخصوصاً تجارب عالم الفسيولوجيا الروسي إيفان بافلوف (1849-1936) ونظريته المعروفة ب"الاستجابة الشرطية" أو "التعلم الشرطي" - أثبتت أنه دون العمليات الفيزيولوجية التي تجري في الدماغ البشري المادي يستحيل على الإنسان تنفيذ أو أداء أبسط اشكال النشاط الفكري والعقلي والنفسي. وعليه، يمكننا القول إن الوعي هو شكلٌ أو درجة من استجابة الدماغ البشري لمؤثرات وتحديات الواقع، أي أن الوعي هو نتاج تأثيرات الواقع المادي والملموس، وهنا يكون دور الإنسان في التقاط هذه المؤثرات والأحداث (حصيلة هذا الواقع) والتأثر بها والتأثير فيها.

وما نقصده ب"الواقع" وتأثيراته في هذا السياق وفي معناه الأوسع والأشمل، هو كل ما يحدث من حولنا من أحداث ووقائع. صحيح أن حَراك الواقع يحصل بمعزل عن إرادة الفرد، إلاّ أنه ثمة علاقة جدلية وترابطية بين الوعي من جهة، والحراك الاجتماعي - الاقتصادي (الإنتاجي) الذي يعيشه المجتمع، من جهة أخرى. ووفق تفسير ماركس لهذه الظاهرة ولدور الفرد في صنع الحدث والتاريخ والتأثير فيهما، فإن البشر هم الذين يصنعون التاريخ، ولكن هذا لا يتم في ظروفٍ يختارونها بأنفسهم: (1) فالتاريخ يتحرك إلى الأمام من خلال الصراع الطبقي، (2) أمّا البشر فيشرعون بتنظيم أنفسهم وممارسة أفعال واعية من أجل تغيير المجتمع عندما يعانون من الظلم والاضطهاد، فيتصدون لهذا التناقض ويسعون من أجل التغيير الاجتماعي والسياسي. على النقيض من هذا، يسود في كتابة التاريخ وتدريسه، نهج يروّج لفكرة أن الفرد ودوره وعظمته (الملوك، الزعماء، القادة ...) هو الذي يصنع التاريخ ويحرك المجتمع بمعزلٍ عن العلاقات الاجتماعية ودور الطبقات والقوى الاجتماعية الأخرى.

وهنا لا بدّ من التشديد على أن هذا النهج في فهم الواقع ودور الوعي البشري يكتسب أهمية خاصة في تفسير الأحداث التاريخية، كما حدث، على سبيل المثال، في الانتقال من حقبة الإقطاع إلى الرأسمالية في البلدان الأوروبية، ودور التحولات والحراك الاقتصادي - الاجتماعي التي تفاعلت في المجتمع آنذاك مما ساهم في تطوير أشكال جديدة (النمط الرأسمالي) من الإنتاج وفي تقويض أشكال الإنتاج القديمة (النمط الإقطاعي).

ب) حواس الإنسان: منافذ الوعي

تمثل الحواس الخمسة منافذ الوعي عند الإنسان التي تتيح له الاتصال بالواقع المحيط به: فيبصره ويسمعه ويشمّ رائحته، فتقوم العلاقة بين الكيان الشخصي والعقلي للإنسان وبيئته، ويكوّن بناءً على ذلك منظومات الأفكار والمعلومات والحقائق والأرقام حول الواقع الماديّ والمعنويّ، وكذلك الآراء ووجهات النظر والمصطلحات والمفاهيم. وكلما نضج الإنسان فكرياً، يكتمل لديه الوعي والنضج الفكري، إذ يراكم من خلال منافذ الوعي المزيد من الخبرات والمعرفة، فيتسنى له أن يبدأ في فهم وتحليل الأحداث والتطورات من حوله ويحدد منها موقفه في قبولها أو رفضها.

وعليه، فمن الناحية العلميّة، فإن الوعي يعكس الحالة العقليّة التي تميّز الإنسان في الجوانب العقلانية والمنطقيّة والشعوريّة، إضافةً إلى الذاتيّة والإدراكيّة الحسيّة التي تبيّن العلاقة بين الإنسان ومحيطه الطبيعيّ والخارجيّ.

يجدر بنا هنا أن نتوقف عند مسألة هامة سنعود إلى مناقشتها، وهي أنه ليس كل ما يكوّنه الإنسان من مفاهيم ووجهات نظر أو أفكار متعلّقة بالحياة والمجتمع والطبيعة المحيطة به، يشكّل وعياً حقيقياً، بل نجد في كثير من الحالات وعياً زائفاً يُنافي الواقع الموجود ولا يتطابق معه في نواحٍ عديدةٍ.

العوامل المؤثرة في صياغة تفكير الإنسان ووعيه

1) تراكم ما يتلقاه المرء من مفاهيم وقيم وقناعات خصوصاً في مراحل نموه المبكرة والتي تصيغ تفكيره عبر مراحل حياته اللاحقة. ويتلقى المرء هذه الأفكار من خلال أسرته والمجتمع ووسائل التعليم والثقافة والمطالعة ومجمل الآليات والمؤسسات التربوية والدينية التي يتعرض لها منذ نعومة أظفاره. وتتجمع هذا المصادر والمؤسّسات بكل ما فيها من مؤثرات فكرية وثقافية لتشكّل وعي الإنسان وتكوين أفكاره عن البيئة المحيطة به واكتسابه الخبرات في مختلف مجالات الحياة والمجتمع. وهنا لا بدّ من التذكير بما ذكرناه أعلاه لما له من تبعات على دور الإنسان في المجتمع في مستقبل عمره، وهو أن الوعي الذي يتم تشكّله وتطوره في المراحل المبكرة من حياة الإنسان، قد يكون زائفاً وقد يكون حقيقياً. ويكتسب التمييز بين هذين أهمية كبيرة سنعود إليها.

2) المنهج الفكري الذي ينشأ عليه الفرد، وهنا يكون الخط الفاصل بين:
- المنهج العلمي الذي يستند على المعرفة والعلوم والانفتاح على ما تزخر به مجالات المعرفة الإنسانية المختلفة؛
- والمنهج الديني الذي يقدم فهمه وتفسيراته للكون والحياة والمجتمع مستنداً لتصورات غيبية تقوم على تعاليم العقيدة الدينية. وكثيراً ما يعني هذا تحريم التفكير النقدي وحرية الفكر وخروج العقل عن النص الديني المقدس، فيوقف الفكر الواعي عند التعاليم الدينية وما تضخه المؤسسة الدينية ووسائل دعوتها وإعلامها، والإنصياع لما تعظنا به من أفكارٍ وقيم ومفاهيم.

ولعلها مفارقة يجدر بنا التوقف عندها، وهي أنه على الرغم من أن النصوص الدينية تحفز على طلب العلم والمعرفة، إلاّ أننا نلحظ أن المؤسسة الدينية عبر تاريخها، قد انتهجت ومارست قمع العقل والنقد وحرّمت السعي إلى التقدم العلمي والفكري والفلسفي. ويبدو أن هذه الملاحظة اللافتة تشكّل قانوناً عاماً يمكننا سحبه على المؤسسات الدينية من كافة الأديان، وخاصة الأديان التوحيدية الثلاث التي رأت النور في بلادنا واعتنقتها شعوبنا لقرون طويلة. هذا المنهج الديني يَحُول، في جوهره، ‏دون الاجتهاد او التعديل أو التطوير للنص الديني والذي يُعتبر مقدساً ومطلقاً على الرغم من أنه جاء في سياقٍ زماني ومكاني وتاريخي مغاير وكان نتاجاً له.

3) الوعي هو أيضاً نتاج للمحصول الفكري الذي يتراكم لدى العقل البشري من خلال التجارب التي يعيشها المرء والقضايا الحياتيّة والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يواجهها، والخبرات التي يكتسبها من التجارب الشخصية. وهذه الخبرات قابلة للتغيير والتطوير حين تتغير ظروف الواقع والحياة.

بكلمات أخرى، فإن الوعي يعبّر عن حالة العقل في إدراك الواقع وتفاعله وتواصله المباشر والمستمر مع البيئة المحيطة به. وحالة العقل هذه تجمع بين الإدراك من جهة، وتفعيل دور العقل والمشاعر لدى الإنسان في فهم ما يدور حوله وتنظيم علاقته به، من جهة أخرى.

4) أما وسائل هذا الإدراك فتتمثل في دماغ الإنسان وحواسه الخمس، والتي هي نوافذ احتكاكه بالواقع وقدرته على التفكير، وهكذا يصبح الإنسان قادراً على التماس والتفاعل المباشر مع ما يدور من حوله من أحداث، ومع الكم الهائل من الأفكار والمعلومات والحقائق والآراء والمفاهيم المتصلة بما هو ماديّ أو معنويّ. ولعل هذا هو ما قصده ماركس في مقولته حين قال إن الوعي عبارة عن بناءٍ فوقي تندرج تحته كافّة الأنشطة الإنسانية وأن الإنسان لا يستطيع العيش بمعزل عن هذا كله.

5) على الرغم من أهمية هذه المؤثرات التي أتينا على ذكرها، فإن الوعي لا يكتمل إلا إذا عمل الإنسان على تنميته بشكل مستمر من خلال تطوير قدراته الفكرية، ومن خلال ربط تلك القدرات بتجاربه الحسية الناجمة عن خبرته في الحياة.

الوعي الفكري ومفهوم التغيير

يستند التفكير - من منظور التغيير الاجتماعي والسياسي - إلى أسس وقواعد يمكننا أن نلخصها بمكونين أساسييْن:
1) الأول، التواصل مع الواقع والإحساس به إحساساً فكرياً ناتجاً عن فهم (وفهم الأسباب الكامنة وراءه) وإدراكه؛
2) والمكون الثاني هو معالجة هذا الواقع، حيث يصبح الإنسان قادراً على اتّخاذ القرارات التي تخص مجالات حياته وبيئته، والأهم - وهذا هو بيت القصيد – العمل على خلق الواقع البديل، سواء بالتغيير أو التحسين والاصلاح.

ويخضع كلا المكونين لما تَشكّل لدى الإنسان من مفاهيم وقناعات ومقاييس ليكوّنا معاً أساس المعرفة الإنسانية وأساس العملية التغييرية في المجتمع والفكر والسياسة وغيرها.

غير أن عملية التفكير لدى الإنسان هي أيضاً انعكاس لمنهجه وحالته الفكرية. وهذه الحالة الفكرية ليست مجردة أفكار تجريدية، بل هي الأفكار السائدة في ظل هيمنة طبقة/طبقات وأيديولوجيات تسيطر على المجتمع والسياسية والفكر وتعبر عن مصالحها. فهناك في التاريخ البشري ما لا يحصى من الأفكار التي تفتق عنها عقل الإنسان، ولكننا نكاد لا نرى أثراً للكثير منها في حياتنا ومجتمعاتنا المعاصرة. ويعود السبب في إندثارها أنها لم تلقَ الحامل الاجتماعي ليحملها ويطورها في الواقع المادي. بعبارة أخرى، لم تجد هذه الأفكار الحامل الطبقي أي قوى طبقية تحملها لتصمد أمام الصراعات الاجتماعية والسياسية وأعاصير التاريخ وتقلباته، وهو ما يؤكد ما أتينا عليه أعلاه بأن الأفكار ليست مجردة بل هي تجسيد لمنطق ومصالح الطبقات المهيمنة في المجتمع.
تشكيل الوعي والتشكيلة الاجتماعية – الاقتصادية
احتل الوعي أهمية خاصة في فكر كارل ماركس الذي تمّيز عن غيرة من المفكرين والفلاسفة بأنه عالج مسالة الوعي من منظور تفسيرة للواقع المادي الذي يعيش الإنسان، ورأى أنه (الوعي) ناتج عن الظروف المادية والاقتصادية التي تشكّل البنية التحتية، وأن الأفكار هي نتاج القوى الأيديولوجية (البنية الفوقية) التي تسعى لتفسير توزيع الثروة والقوة (مواقع السلطة) في المجتمع أو تبريرها وإيجاد الذرائع لها. ومن بعد ماركس تابع المفكرون الماركسيون مساهماتهم العديدة والهامة في هذه المسألة.
سأستعين بما كتبه كارل ماركس عام 1859، ولعله من أوضح ما كتبه في هذا الصدد:
"النتيجة العامة التي توصلت إليها والتي أصبحت فيما بعد بمثابة خيط هاد في أبحاثي اللاحقة، إنما يمكن صياغتها بايجاز على النحو التالي:

إن الناس أثناء الإنتاج الاجتماعي لحياتهم، يقيمون في ما بينهم علاقات معينة ضرورية مستقلة عن إرادتهم. ‏وتطابق علاقات الإنتاج هذه درجة معينة من تطور قواهم المنتجة المادية. ومجموع علاقات الإنتاج هذه يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع، أي الأساس الواقعي الذي يقوم عليه بناء فوقي حقوقي وسياسي وتطابقه أشكال معينة من الوعي الاجتماعي. إن نمط إنتاج الحياة المادية يشترط تفاعل الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية بصورة عامة. فليس إدراك الناس هو الذي يعين معيشتهم، بل على العكس من ذلك، معيشتهم الاجتماعية هي التي تعيّن إدراكهم. وعندما تبلغ قوى المجتمع المنتجة المادية درجة معينة من تطورها، تدخل في تناقض مع علاقات الإنتاج الموجودة أو مع علاقة الملكية - وليست هذه سوء التعبير الحقوقي لتلك - التي كانت الى ذلك الحين تتطور ضمنها. فبعدما كانت هذه العلاقات أشكال لتطور القوى المنتجة، تصبح قيودا لهذه القوى. وعندئذ ينفتح عهد الثورة الاجتماعية. ومع تغير الأساس الاقتصادي يحدث انقلاب في كل البناء الفوقي الهائل بهذا الحد أو ذاك من السرعة."

تكثف هذه الفقرة علاقة الوعي والإنتاج عند ماركس حيث تكمن نقطة الانطلاق عنده في أن الإنسان كائن اجتماعي في جوهره، ولا يستطيع العيش بدون المجتمع والعلاقات التي يقيمها الناس فيما بينهم، أي أن الإنسان لا يستطيع أن ينتج الشروط الضرورية واللازمة لبقائه إلا في إطار المجتمع. لذلك رأى ماركس أنه يستحيل الفصل بين وعي الناس ووجودهم الاجتماعي.

بناءً على ذلك، يعطي ماركس للحياة الاجتماعية أهمية أساسية في تحديد الوعي. فدراسة المجتمع الإنساني عنده تكون من خلال الواقع المادي الذي نعيش فيه، والذي يحدد واقعنا الحي والأفكار التي نعتنقها. ولكن هذا لا ينفي، بل هو يؤكد، بأن ثمة تفاعلاً معقداً بين الواقع المادي والأيديولوجيات التي تفسّر هذا الواقع والتي كثيراً ما تزيفه وتعتم عليه.

نجد، مثلاً، أن الأيديولوجيا في المجتمع البرجوازي/الرأسمالي، تدفع الناس إلى القناعة والقبول بالأمر الواقع، وهو واقع الظلم والاستغلال. فالعامل مثلاً كثيراً ما يقبل بحكم رأس المال وسلطته واستغلاله على أنه الأمر الطبيعي والأبدي وأنه غير قابل للتبديل أو التغيير.

هذا مثال ساطع على الوعي الزائف والخاطئ حيث تَحُول الأدوات الأيديولوجية دون إدراك الناس لحقيقتهم وحقيقة واقعهم، وهي أنهم هم الذين يعملون وينتجون الثروة، وهم الذين يستحقونها وليس أصحاب رأس المال الذين يملكون وسائل الإنتاج ولكنهم لا يعملون ولا يساهمون في الإنتاج. بهذا المعنى، نفهم ما قصده ماركس حين نحت مقولته في أن الوعي هو انعكاس للاقتصاد السياسي. ومن هنا أيضاً أتت عبارته الشهيرة في الفقرة التي اقتبسناها أعلاه:" ... فليس إدراك الناس هو الذي يعيّن معيشتهم، بل على العكس من ذلك، معيشتُهم الاجتماعية هي التي تعيّن إدراكهم".

صحيح أن الطبقات الشعبية تتمتع بوعي عفوي ضد الظلم والاستغلال، ولكن تبقى لديهم بعض القناعات المترسبة التي تقبل بالأوضاع القائمة (الوعي الزائف) التي تجسد وتكرس ظلمهم واستغلالهم. لذا لا بد من التخلص من هذه الأفكار والقناعات لدى هذه الطبقات ومن ثَم الإرتقاء بوعيها إلى مقاومة هذه الأوضاع والثورة عليها. وهذا يتطلب دور المثقف الثوري والتنظيم (الحزب) الثوري كي تهتدي هذه الطبقات برؤيتهم وتبلور وعيها وتنظم جهودها في الثورة والمقاومة.
خلاصة القول، إن النهج الماركسي يقف تماماً على النقيض من النهج السائد في ظل الأنظمة البرجوازية الرأسمالية وفي بلادنا والعديد من بلدان العالم. كما يقف بالتضاد من النهج الذي يتبعه كثير من المفكرين والمثقفين، ومن ورائهم العديد من المؤسسات التعليمية والثقافية.
الوعي الطبقي

يشير الوعي الطبقي إلى موقف الفرد وقناعاته الطبقية والسياسية تجاه الطبقة/الطبقات ومصالحها:
أ) تجاه الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد وفقاً لموقعه الطبقي ووضعه الاقتصادي؛
ب) وكذلك موقفه من الطبقات الاجتماعية الأخرى.

فالطبقة تقوم على أساس علاقاتها بوسائل الإنتاج، أي مَنْ يملك تلك الوسائل من جهة، ومَنْ يعمل في العملية الإنتاجية ولكنه لا يملك وسائلها ولا ما تدره من ارباح، من جهة أخرى.

أمّا الموقف من الطبقات الاجتماعية المختلفة، فيتكون على أساس نمط الإنتاج السائد في المجتمع ووسائل الإنتاج وملكيتها، وما ينبني عليها من علاقات الإنتاج وما يرتبط بالصراع الطبقي. وبهذا المعنى، فإن الوعي الطبقي لا يقتصر على وعي الفرد بل يشمل وعي الجماعات والطبقات، فلكل طبقة اجتماعية وعي طبقي يتشكل من خلال هذه العلاقات المترابطة جدلياً والمتصارعة ايضاً.

ليس ما يعنينا في مفهوم الصراع الطبقي هو موقف الفرد من وضعه في المجتمع، بل الصراع في مستوياته الأشمل: الصراع بين الطبقات الشعبية من جهة، وأعدائها ومستغليها من أرباب العمل وأصحاب رأس المال، من جهة أخرى. بعبارة أخرى، ما يهمنا هو الصراع على مستوى الطبقة والذي يأخذ أشكالاً اقتصادية وسياسية وثقافية حيث تنتظم القوى المتصارعة في أحزاب وتنظيمات سياسية في صراعها من أجل الاستيلاء على السلطة والحفاظ على المصالح والمفاصل الاقتصادية والسياسية في المجتمع. ولا نزج هنا الحديث عن الصراع الطبقي كشأن نظري أو فذلكة سياسية، بل لأن مفهوم هذا الصراع يرتكز على التناقض والصر اعات في الحياة والمجتمع والطبيعة، وبهذا ينفذ (أي مفهوم الصراع) إلى المضمون الحقيقي في العلاقات الاجتماعية - الاقتصادية التي منها ننطلق في أشكال النشاط والفعل البشري والفكر الإنساني.
***
هذا في الفكر الماركسي، أما إذا نظرنا في غيره من النظريات والمفاهيم، فإننا نجد العديد من علماء الاجتماع والمفكرين السياسيين الذين يصنفون الأفراد والطبقات الاجتماعية على أسس مختلفة مثل الدخل أو المهنة أو الحالة الاجتماعية وغيرها. وهي تصنيفات تهرب من حقيقة الصراع الدائر في المجتمع، ودور الطبقات في مشروع التغيير الثوري. وعلى الرغم مما تتسم به هذه المقولات من معطيات تبدو علمية أو موضوعية، وما تلبسه من لبوس أكاديمية قد تفيد في الأبحاث الإحصائية، لكنها تخلو من القدرة على الأداء والفعل في التغيير الاجتماعي أو السياسي.

دور الوعي الطبقي في مشروع التثقيف الشعبي

على الرغم من طبيعة الطور الاقتصادي الذي تعيشه بلادنا، وتشابك النضال الوطني في التحرر وتحرير الأراضي العربية المحتلة مع النضال الطبقي، فإن مناقشة الوعي الطبقي تتميز بأهمية كبيرة تنبع من راهنية وإلحاحية مسألتين أساسيتين:

ا) الأولى، تتمثل في معنى وجوهر الاستغلال والذي يمكننا أن نكثفه فيما يلي: إن الإنتاج في بلادنا، وفي ظل أي نظام رأسمالي، لا يستمر، والمجتمع لا يتطور أو يستمر في تطوره، وفقاً لخطة واعية، بل من خلال الدفع إلى تحقيق فائض القيمة الناتج عن اختزال "قوة العمل" إلى سلعة وتحويلها إلى "مجرد" عمل. هذا هو جوهر الاستغلال الرأسمالي. فعلى سبيل المثال، لا يكمن جوهر الاستغلال في أن العامل لا يستطيع أن يملك السيارة التي يصنعها أو ينتج بعض قطعها، بل بكمن في أن ما ينتجه العامل يحقق "فائض القيمة" لرأس المال والذي يزيد بدوره من تراكم رأس المال وسطوته كي يعود ويستمر في استغلال هذا العامل.

ب) والمسألة الثانية والهامة، أن الحديث عن الاستغلال والصراع الطبقي يبقى نظرياً ومجرداً إذا لم يتحول إلى وعي حقيقي جذري وثوري واسع بين جماهير الطبقات الشعبية، أي أن يتحول إلى وعي طبقي وسياسي قابل للترجمة في برامج نضالية عملية.

تأخذنا هذه المسألة إلى إشكالية العلاقة أو الصلة بين النظرية من ناحية، والمشروع التثقيفي والتنويري الشعبي (أي مهمة التربية الشعبية)، من ناحية أخرى. بكلمات أخرى، علينا أن نجيب على المعضلة/السؤال التالي: كيف يمكننا تحويل الوعي الطبقي الكامن إلى وعي حقيقي، سياسي وثوري؟ خصوصاً إذا كنا نعيش في مجتمعات قد تحتاج كل "شريحة" أو "فئة" أو "مستوى" من الطبقات الشعبية إلى تربية خاصة بها، وفق تحليل وفهم وضعها المادي، الاجتماعي- الاقتصادي.

إن الوسيلة الوحيدة الناجعة في تنمية الوعي الطبقي الثوري هي العمل والنضال والممارسة، وتأسيس المشروع التنويري كجزءٍ من النضال الطبقي - الاجتماعي للطبقات الشعبية. فالتلقين لا يجدي ويبقى مجرد دعاية دون فعالية ودون أفق، بل إن جماهيرنا قد سأمته. فالجماهير لا تتعلم إلاّ عبر الممارسة والتي وحدها هي الكفيلة بخلق وتطوير الوعي الجماهيري من خلال تراكم التجارب الميدانية والخبرات النضالية. فالوعي الطبقي لا ينتقل إلى الجماهير عبر دروس نظرية تُلقى من على المنبر، بل إن تنمية هذا الوعي وتطويره تبدأ من حياة الجماهير وممارستها وتسييس حاجاتها ومطالبها. وهذا يتطلب بناء التنظيم الثوري (الحزب) الذي يقدم رؤية ثورية وبرنامج نضالي عملي تقودة قيادة ثورية كفؤة وملتزمة وقادرة على المضي بالنضال الشعبي حتى تحقيق أهدافه.

لقد أكدت تجارب الشعوب في الثورة والتغيير الاجتماعي عبر التاريخ، أن النظرية لا تبرهن على صحتها ومبرر وجودها، إلاّ في علاقتها بالنضال الطبقي الحقيقي وقدرتها على تحويل الوعي الطبقي الكامن لدى الطبقات الشعبية إلى وعي ثوري حقيقي، ففي هذا النشاط الثوري يتم التطابق بين الذاتي والموضوعي.

قد يقول رأي إن هذا افراط في دور وتأثيرات الصراع الطبقي، بل ربما شطط في إضفاء هذا القدر المبالغ فيه من الأهمية عليه. إلاً أن حقائق التاريخ والمجتمع تشير إلى أنه توصيف دقيق لواقع الحال، كما أنها دالّة على أن ضحايا الفقر والجوع والمعاناة الإنسانية بكافة أشكالها، هم من الطبقات الشعبية. وكلما ازداد هؤلاء فقراً وجوعاً، يزداد في النقيض منهم، ثراء الأثرياء والمستغِلين، لأن الأخيرين لا يعملون ولا ينتجون، بل إن ثراءهم هو ثمرة عمل وعَرَق الأولين.

الوعي السياسي

يشير الوعي السياسي، بالعادة، إلى الإدراك الفردي والجمعي (الأفراد والمنظمات والأحزاب وغيرها من القوى السياسية والاجتماعية)، للأوضاع القائمة والمناخ السياسي – الاقتصادي - الاجتماعي في المجتمع، وطبيعة القوى والتيارات والحركات السياسية والاجتماعية والثقافية الفاعلة فيها وبرامجها وأهدافها، سواء على المستوى المحلي والوطني أو الإقليمي والدولي، حيث تقوم بين كافة هذه المستويات علاقة ترابطية وجدلية.

ومن شروط هذا الوعي تكوين فهم للراهن السياسي وأهداف الحراك والفعاليات السياسية ومطالبها، والأهم بالطبع هو تكوين فهم ونهج للتغيير المنشود والنضال الشعبي وطبيعة حراكه وآلياته (ثورة، انتفاضة، نضالات حزبية ومطلبية وبرلمانية ...) من أجل تحقيق مصالح الشعب وضمان الحريات وتأمين احتياجاته الأساسية في العيش الكريم وتحقيق العدالة الاجتماعية. وهنا نتحدث عن الطبقات الشعبية التي تشكّل الأغلبية السكانية (الشعبية) في المجتمع، لا عن قلة من الشرائح والفئات الاجتماعية الغنية التي لا تشكل سوى نسبة صغيرة منه. وبهذا يجوز لنا أن نقول إن الوعي السياسي هو القلب النابض للقوى الحية والفاعلة في المجتمعات والكيانات السياسية.



#مسعد_عربيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو فهم مادي للعِرق في أميركا
- التفكير بجائحة كورونا … ك-مفترق طريق-: نحو الإطاحة بالرأسمال ...
- تراثنا ... وكيف نقرأه في زمن الهزيمة: مراجعة نقدية (الجزء ال ...
- تراثنا ... وكيف نقرأه في زمن الهزيمة: مراجعة نقدية (الجزء ال ...
- تراثنا ... وكيف نقرأه في زمن الهزيمة: مراجعة نقدية (الجزء ال ...
- تراثنا ... وكيف نقرأه في زمن الهزيمة: مراجعة نقدية (الجزء ال ...
- تراثنا ... وكيف نقرأه في زمن الهزيمة: مراجعة نقدية (الجزء ال ...
- إشكاليات العِرق والتمييز العنصري في الولايات المتحدة: جدلية ...
- توظيف العُنصرية في الاقتصاد والسياسية - إشكاليات العِرق والت ...
- إشكاليات العِرق والتمييز العنصري في الولايات المتحدة نحو فهم ...
- إشكاليات العِرق والتمييز العنصري في الولايات المتحدة نحو فهم ...
- إشكاليات العِرق والتمييز العنصري في الولايات المتحدة نحو فهم ...
- إشكاليات العِرق والتمييز العنصري في الولايات المتحدة نحو فهم ...
- إشكاليات العِرق والتمييز العنصري في الولايات المتحدة: نحو فه ...
- نحو قراءةٍ للولايات المتحدة ككيان -استيطاني – إبادي- لماذا ت ...
- نحو قراءةٍ للولايات المتحدة ككيان -استيطاني – إبادي- لماذا ت ...
- نحو قراءةٍ للولايات المتحدة ككيان -استيطاني – إبادي- لماذا ت ...
- الإمبريالية في القرن الحادي والعشرين: تحديث لنظرية لينين بعد ...
- إشكالياتنا مع الغرب: لماذا؟ وإلى أين؟ (الجزء الأول)
- إشكالياتنا مع الغرب: لماذا؟ وإلى أين؟ (الجزء الثاني والأخير)


المزيد.....




- صحيفة تركية: أنقرة ستسمح لحزب مؤيد للأكراد بزيارة أوجلان في ...
- صحيفة: تركيا ستسمح لحزب مؤيد للأكراد بزيارة أوجلان في سجنه
- ترامب يخاطب -اليساريين المجانين- ويريد ضم كندا وغرينلاند وقن ...
- من الحوز إلى تازة: دخان مدونة الأسرة وانعكاسات تمرير قانون ا ...
- الجبهة الديمقراطية تندد باعتقال السلطة أحد قادتها خلال مسيرة ...
- الجبهة الديمقراطية تندد باعتقال السلطة أحد قادتها خلال مسيرة ...
- الحزب الشيوعي ودكتاتورية الأسد
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 584
-   الحلم الجورجي يستيقظ على العنف
- جيش الاحتلال يقر بإطلاقه النار على عدد من المتظاهرين السوريي ...


المزيد.....

- نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد / حامد فضل الله
- الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل / آدم بوث
- الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها ... / غازي الصوراني
- الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟ / محمد حسام
- طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و ... / شادي الشماوي
- النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا ... / حسام عامر
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ... / أزيكي عمر
- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مسعد عربيد - مدخل إلى قضايا الوعي وإشكالياته: الوعي الشعبي بين الحقيقي والزائف (الجزء الأول)