|
بين الدين، وأدلجة الدين، مسافة التضليل
محمد الحنفي
الحوار المتمدن-العدد: 1626 - 2006 / 7 / 29 - 09:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن الرسائل الإلكترونية، التي أتوصل بها، والتي أحترم كاتبها، تبين إلى أي حد نحن فقراء إلى ثقافة إنسانية حقيقية، لأن هذه الثقافة هي وحدها الكفيلة بإدراك الفرق بين الدين، وادلجة الدين.
فنحن نعرف أن الدين، أي دين ، هو مجموع القيم التي تجعل الناس يتحلون بها، انطلاقا من إيمانهم بقوة غيبية معينة، تعتبر، في نظرهم، مصدر تلك القيم، التي ترفع مكانتهم، وتحفظ كرامتهم.
ونعرف، أيضا، أن الشعوب تقتنع بمجموعة من المعتقدات الدينية، التي تعتبرها مصدرا لقيمها المتنوعة، التي تسترشد بها في حياتها العامة، وحياتها الخاصة.
كما نعرف، أيضا، أن تلك المعتقدات الدينية، عرفت تطورا نوعيا، ينسجم مع تطور البشرية نفسها، لينتهي ذلك التطور بمجيء الدين الإسلامي.
ونعرف، كذلك، أن الدين الإسلامي يتضمن الجوانب الإيجابية للأديان السماوية السابقة عليه، ليضيف إليها ما يتناسب مع كونه آخر الأديان.
ونعرف أن جوهر الدين الإسلامي، جاء ليحقق كرامة الإنسان، في حال انعتاقه من الأدلجة.
ونقف على كون الدين الإسلامي، في المعتقدات الشعبية، يدخل في تناسب تام مع ما جاء في القرآن: " وان المساجد لله فلا تدعو مع الله احد ".
ومشكلتنا القائمة، أن النخبة " المثقفة "، لا تميز بين الدين، وأدلجة الدين، ولا تدرك أن الدين يرتبط بالمعتقد، وما يستلزمه، ذلك المعتقد، من التحلي بقيم معينة، والقيام بطقوس معينة، تعبيرا عن الانتماء إلى معتقد معين، من معتقدات الشعوب التي تحمل اسم الأديان، بما فيها الدين الإسلامي، كما لا تدرك، تلك النخبة، أن ادلجة الدين، ترتبط بالمصالح الطبقية لمؤدلجية، أي لمحولي الدين إلى مجرد أيديولوجية، يقوم على أساسها تنظيم معين، يعمل على تنفيذ برنامج سياسي معين، لتحقيق أهداف إستراتيجية معينة.
وعدم قيام النخبة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، بالتمييز بين الدين، وأدلجة الدين، لا يمكن أن ينتج إلا التطابق بين حقيقة الدين، وبين أدلجة الدين. وفي التطابق التي تمارسه هذه النخبة، من خلال فهمها الخاص، ومن خلال ممارستها اليومية، لا يمكن إلا أن تقيم مساحة واسعة من التضليل الأيديولوجي، والسياسي، الذي لايستفيد منه إلا مؤدلجو الدين الإسلامي، في كل البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، ولا تتضرر منه إلا الشعوب المستهدفة بأدلجة الدين الإسلامي بالخصوص.
وكيفما كان الأمر، فقد آن الأوان، من أجل أن تعمل النخبة المثقفة، بالخصوص، على التمييز بين الدين الواجب الاحترام، لأنه يدخل في صلب معتقدات الشعوب، التي تسترشد بمنظومة القيم، ذات المصدر الديني الصرف، من اجل اعتماد تلك القيم في حفظ كرامتها، وبناء شخصيتها، وتحديد هويتها، وبين أدلجة الدين، التي ليست إلا تأويلا للنصوص الدينية، قام به أشخاص معينون، في مراحل تاريخية معينة، من أجل جعل الدين الإسلامي بالخصوص، مجرد تعبير أيديولوجي عن المصالح الطبقية، ووسيلة معينة لتحقيق الأهداف السياسية، المتمثلة، بالخصوص، في تجييش المضللات من المسلمات، والمضللين من المسلمين، في أفق اعتمادهم كجيش، ينفذ أوامر مؤدلجي الدين الإسلامي، الساعية إلى تكريس الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل، حتى تتمكن النخبة المثقفة، من الدخول في سجال مع أدلجة الدين، من أجل تفكيكها، في أفق نقصها، ومع المؤدلجين، في أفق إقناعهم بضرورة التخلي عن تحريف الدين، حتى لا يصير ذلك التحريف تبريرا، وتأبيدا للاستبداد القائم، أو سعيا إلى فرض استبداد بديل.
والنخبة المثقفة، عندما تدرك هذا الفرق الدقيق بين الدين، وبين أدلجة الدين، ستساهم بشكل كبير، وعلى نطاق واسع، في التأسيس لنهضة عربية، وغير عربية في باقي بلدان المسلمين، عن طريق العمل على إزالة العقبات الإيديولوجية المضللة، التي تحول دون قيام العرب، والمسلمين بدورهم كاملا، في الانخراط الواسع في النضال الديمقراطي، الذي لا يمكن أن يكون إلا منطلقا لأية نهضة تعرفها البلاد العربية، وباقي بلدان المسلمين، ومدخلا لفرض التمتع بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وإطارا للمطالبة بإيجاد دساتير ديمقراطية، تكون فيها السيادة للشعوب، والمطالبة بإجراء انتخابات حرة، ونزيهة لإقامة مؤسسات تمثيلية حقيقية، معبرة عن احترام إراءة الشعوب، تلك المؤسسات، التي يوكل إليها إفراز أغلبياتها، لإقامة حكومات ديمقراطية، تقوم بخدمة مصالح الشعوب، بدل خدمة مصالح الطبقات الحاكمة، كما هو حاصل الآن.
وحتى تقوم النخبة المثقفة بدورها، لابد أن تعيد النظر في ممارستها، التي لا يمكن وصفها إلا بالسلبية، ولا بد أن تعمل على مغادرة ذاتها الطبقية البورجوازية الصغرى، ولا بد أن تتخلى عن تطلعاتها الطبقية، ولا بد أن تأخد بأيديولوجية واضحة، تمكنها من القيام بالتحليل الملموس للواقع الملموس، حتى تتبين ما يجب عمله من أجل جعل الشعوب العربية، وشعوب باقي بلدان المسلمين، تمتلك الوعي الحقيقي بواقعها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وتنخرط في النضال المرير، والهادف، من أجل تغيير ذلك الواقع، بتحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
فدور النخبة في إشاعة الوعي بضرورة التمييز بين الدين، وأدلجة الدين، يبقى حاضرا، ودور نخبة النخبة، هو العمل على استعادة النخبة المستلبة، إلى واقعها، لأن استلاب النخبة لا يزيد البلاد العربية، وباقي بلدان المسلمين، إلا تخلفا، والتخلف لا يمكن أن يصير إلا مجالا لتصريف أدلجة الدين. أما الدين، فحاضر في معتقدات الشعوب، ونحن في حاجة إلى أكثر مما يحدث في أفغانستان، وفي العراق، وفي فلسطين، لننتبه إلى أن أدلجة الدين ليست إلا مبرأ لما تقوم به أمريكا، ودولة الصهاينة، والدول العربية التابعة، في حق الشعوب العربية، وشعوب باقي بلدان المسلمين. وكذلك لا يمكن اعتبارها إلا مبررا للعمليات الإرهابية، التي يقوم بها مؤدلجو الدين على نطاق واسع.
فهل تستيقظ النخبة المثقفة من سباتها العميق؟
وهل تتخلى عن تطلعاتها الطبقية البورجوازية الصغرى؟
وهل تسعى إلى القيام بعملية التمييز بين الدين وأدلجة الدين؟
وهل تتحمل مسؤوليتها التاريخية، في إشاعة الوعي بذلك؟ وهل تنخرط في النضال من أجل الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية؟
إننا عندما نطرح هذه الأسئلة، لا نشك أبدا في أن الشعوب العربية، وشعوب باقي بلدان المسلمين، لا بد أن تفرز من بين أبنائها مثقفين عضويين، حسب التوصيف الغرامشي، أو ثوريين، حسب التوصيف اللينيني، يتحملون مسؤولية إشاعة التنوير بالمفهوم الثوري، بين العرب، والمسلمين، الذي نجد من بين أهدافه، ضرورة التمييز بين الدين، وأدلجة الدين، لإقامة التنافي، والتناقض بينهما، كمدخل لنفي أدلجة الدين، التي يحل محلها الوعي الطبقي الحقيقي، بأبعاده الاقتصادية، والإجتماعية، والثقافية والسياسية.
ابن جرير في 25/7/06.
#محمد_الحنفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلاقة المتبادلة بين العلمانية و الدولة و الدين و المجتمع..
...
-
العلاقة المتبادلة بين العلمانية و الدولة و الدين و المجتمع..
...
-
حكيمة الشاوي ، الجبل الذي يضرب في الأعماق، ويرتفع في الأعالي
-
العلاقة المتبادلة بين العلمانية و الدولة و الدين و المجتمع..
...
-
العلاقة المتبادلة بين العلمانية و الدولة و الدين و المجتمع..
...
-
العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع.....
...
-
العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع.....
...
-
العلاقة المتبادلة بين العلمانية و الدولة و الدين و المجتمع..
...
-
العلاقة المتبادلة بين العلمانية و الدولة و الدين و المجتمع..
...
-
فاتح ماي بين العمل على تضليل الشغيلة والأمل في عولمة النضالا
...
-
فاتح ماي بين العمل على تضليل الشغيلة والأمل في عولمة النضالا
...
-
فاتح ماي بين العمل على تضليل الشغيلة والأمل في عولمة النضالا
...
-
فاتح ماي بين العمل على تضليل الشغيلة والأمل في عولمة النضالا
...
-
فاتح ماي بين العمل على تضليل الشغيلة والأمل في عولمة النضالا
...
-
العلاقة المتبادلة بين العلمانية و الدولة و الدين و المجتمع..
...
-
العلاقة المتبادلة بين العلمانية و الدولة و الدين و المجتمع..
...
-
العلاقة المتبادلة بين العلمانية و الدولة و الدين و المجتمع..
...
-
فاتح ماي بين العمل على تضليل الشغيلة والأمل في عولمة النضالا
...
-
العلاقة المتبادلة بين العلمانية و الدولة و الدين و المجتمع..
...
-
في أفق تجديد هيكلة القطاعات الكونفيدرالية: هل تحترم مبادئ ك.
...
المزيد.....
-
الرئاسة المصرية تكشف تفاصيل لقاء السيسي ورئيس الكونغرس اليهو
...
-
السيسي يؤكد لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي على عدم تهجير غزة
...
-
السيسي لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي: مصر تعد -خطة متكاملة-
...
-
الإفتاء الأردني: لا يجوز هجرة الفلسطينيين وإخلاء الأرض المقد
...
-
تونس.. معرض -القرآن في عيون الآخرين- يستكشف التبادل الثقافي
...
-
باولا وايت -الأم الروحية- لترامب
-
-أشهر من الإذلال والتعذيب-.. فلسطيني مفرج عنه يروي لـCNN ما
...
-
كيف الخلاص من ثنائية العلمانية والإسلام السياسي؟
-
مصر.. العثور على جمجمة بشرية في أحد المساجد
-
“خلي ولادك يبسطوا” شغّل المحتوي الخاص بالأطفال علي تردد قناة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|