أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الحصار














المزيد.....


الحصار


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6839 - 2021 / 3 / 13 - 14:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٢٦ - الحصار

الحالة الطبيعية للإنسان العادي هي حالة الحصار الدائم منذ البداية. فهو محاصر في البداية في رحم الأم، وبعد فك الحصار البدائي تأتي الأسوار والجدران والأبواب والملابس والقوانين الطبيعية وعشرات الأشياء الأخرى التي تمتص وجوده وتحد من حريته. ألاف الأشياء الضرورية والتافهة في نفس الوقت مثل النوم والأكل وغسل الصحون ومنبه الصباح ولبس الملابس وقيادة السيارة أو إنتظار القطار أو المترو أو الحافلة،، كذلك العلاقات البشرية المزعجة من إستقبالات وزيارات للأهل والأصدقاء والمعارف .. ثم الحياة اليومية والوقوف في الطوابير المتعددة، والإجراءات التي لا بداية ولا نهاية لها، أوراق وأختام ثم مواعيد وأوراق ومكالمات ثم أختام جديدة وهكذا إلى الختم النهائي على شهادة الوفاة. هذا ما يسميه البعض بالعبث، والبعض الآخر بالكينونة المزيفة، ذلك أن كل ما يتعلق بالحياة اليومية المعتادة والمتكررة لا تحتاج إلى التفكير والتدبير، ولا تلتزم إتخاذ قرارات معقدة ولا إختيارات صعبة، إنها الحياة الروتينية يعيشها الإنسان أوتوماتيكيا دون أن تتطلب منه أي جهد حقيقي. هذا هو جحيم الحصار اليومي الذي يعيش فيه الإنسان مثل جرذ مبلل. غير أن هذا الحصار هو حصار إختياري يمكننا في كل لحظة أن نتسلق الأسوار ونهرب نحو الهواء الطلق وعالم الحرية، حيث يسقط بالضرورة في سجن آخر أكثر أو أقل رحابة. هذا عالم تخلى فيه العقل عن وظيفته الأساسية، وترك برنامج القيادة الآلية يتولى مهمة تسيير أموره اليومية،حيث تعود الإنسان أن يدير ويبرمج حياته اليومية من الألف إلى الياء وهو مغمض العينين، لا يحتاج لمراجعة ملا حظاته لكي تسير الأمور كما العادة. العقل الواعي يتدخل في حالات قليلة ومحددة، لحظات الأزمات الكبرى والخطر الحقيقي لتوقف الآلة، لحظات ومواقف يجد فيها الإنسان نفسه مضطرا لإتخاذ قرارات مصيرية وذات أهمية وجودية تتعلق بمواضيع على هامش الحياة الروتينية وعلى علاقة بـ "الوجود" الحقيقي للإنسان. في حالات إنبثاق الوعي السياسي والإجتماعي، حيث يثور الإنسان المحاصر ويحاول تحطيم الجدران العالية المحيطة به، وتفجير حائط الزنزانة وقطع الأسلاك الشائكة بأسنانه، في لحظات الإحساس بالظلم والإضطهاد أو الإهانة، في مواقف الفقر والتعاسة والعبودية، حيث يخجل الإنسان من كونه إنسانا، في هذه اللحظات المؤلمة تنفتح أمامنا البوابات ونتمكن من إجتياز سياج وسور "الوعي الآلي" نحو المعبر المؤدي إلى الوعي الحقيقي، الوعي الواعي بذاته في المكان والزمان. وهذا يحدث عادة في المواقف الحرجة حيث الحياة ذاتها تكون في خطر، تحت أزيز الطائرات أو فرقعة القنابل وصفير الرصاص، في مواجهة السلطة وزبانيتها من شرطة وعسكر وقضاة. وقوة هذا الوعي ودرجة إنفتاح هذه البوابة السحرية يمكن قياسها بواسطة العلاقة القائمة بينها وبين المسافة الفاصلة بين الإنسان وبين المشنقة والبندقية أو الرصاصة وابتسامة العسكري الماكرة.. في عصر المعلومات الرقمية والأنترنيت، الكل يرى ويسمع هدير العالم وتموجاته في كل نقطة من الكرة الأرضية، نرى ونسمع عذاب وتأوهات البشر، الظلم والفقر والجهل والتعاسة، وشراسة الرأسمالية والأمبريالية العالمية التي لا حدود لها. قد ينتابنا الغضب والمرارة والثورة ونحن نشاهد أكوام الموتى وآثار القنابل والأطفال المصابين بالمجاعة، قد نثور ونغضب أمام شاشة التلفزيون، ولكن ذلك لا يدوم أكثر من عدة دقائق، دوام الخبر حتى الخبر اللاحق في نشرة الأخبار ونعود فورا إلى الإهتمامات اليومية، مشاكل المواصلات والأطفال والتلوث وكسب لقمة العيش والعلاقات العائلية ومع البشر الآخرين التي تفترس الوعي .. وحتى المظاهرة أو الحراك القادم وذلك في أحسن الأحوال.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الله عدو الشعب
- وظيفة الله
- بمناسبة الثامن من مارس
- التأويل بدل الحقيقة
- الديموقراطية في فأرستان
- العقل الإرتيابي
- السوبرمان
- الكمبيوتر المصاب بالكورونا
- الله والبق بانق
- ليبيا .. ضرورة رؤية يسارية للمستقبل
- قلق دراكولا
- تمطط الكون
- مطاردة الذئاب
- اللغة - اللوغوس
- صحراء الملح
- الفراغ بين الكلمة والكائن
- اللغة المقعرة
- فيض الكينونة
- من الكلام ما يقتل
- ليبيا والإختيار الإجباري


المزيد.....




- لا تقللوا من شأنهم أبدا.. ماذا نعلم عن جنود كوريا الشمالية ف ...
- أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك مجددًا.. ما القصة؟
- روسيا تعتقل شخصا بقضية اغتيال جنرالها المسؤول عن الحماية الإ ...
- تحديد مواقعها وعدد الضحايا.. مدير المنظمة السورية للطوارئ يك ...
- -العقيد- و100 يوم من الإبادة الجماعية!
- محامي بدرية طلبة يعلق على مزاعم تورطها في قتل زوجها
- زيلينسكي: ليس لدينا لا القوة ولا القدرة على استرجاع دونباس و ...
- في اليوم العالمي للغة العربية.. ما علاقة لغة الضاد بالذكاء ا ...
- النرويجي غير بيدرسون.. المبعوث الأممي إلى سوريا
- الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يتخلف عن المثول أمام القضاء


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الحصار