عبداللطيف الحسيني
:(شاعر سوري مقيم في برلين).
الحوار المتمدن-العدد: 6837 - 2021 / 3 / 11 - 21:42
المحور:
الادب والفن
"يَرمي شَوكةً في الطريق , فتتكاثرُ الأشواكُ في أيّ طريق تشاء : ذاك أنا حينَ أجرُّ الطرقَ خلفي وأنا ألهثُ , فتسقطُ مني أصواتي لأعودَ كمَنْ يلتقطُ كلَّ حبّات الرّمال طوَالَ الحياة. تلك حروفُ اسمِهِ تبعثرتْ , ولم يبقَ فيهِ احتمالٌ ليجمعَها , كلُّ مَنْ مرَّ بها سرقَ حرفاً , فبقيَ يتيماً : ذاكَ أنَا حينَ أمرُّ و يناديني أطفالُ حارتنا من فوق الجدران" وهو نموذج واضح للخواء الذي يلف عالما أصبح كفوهة بندقية صدئة. كما نجد عنده نوعا من الحنين مشوبا بالألم إلى أمكنة بعينها.حيث نجده يقول مثلا في نصه "النهر":"كأنّي أتنفّسُهُ، أتنفّسُ جحيماً حينَ أذكرُهُ، كأنّ أفعىً نفخَتْ في ترابٍ فجاء على شكل منعطف يرمي الصبيةُ فيه شغباً ألتقطُهُ قبلَ أنْ يُرمى .أيّها النهرُ: أينَ خبّأتَ كلَّ هذي الظّلال التي مرّتْ بكَ أو مررْتَ بها فسحبْتَها إلى شهيقكَ ."وهنا كما يبدو ليس النهر في حد ذاته ما يعنيه ككاتب.بل هو عالم الطفولة الذي تبخر كما تتبخر حبة نفتالين.عالم الطفولة الذي تم اغتياله.وهي إشارات إلى عدم الاقتناع بما يحدث،وربما هو تعبير عن العجز عن تغيير معالم الكارثة. ونجد نفس الحنين وان بصيغة أخرى ،ولكن في نص آخر بعنوان "بيت جدي"،اذ يقول:"جدّي الذي بيته من عراءٍ يتعرّف عليه مَن أضاعَ القرية ، و تملأ عيونَه خرقةٌ خضراءُ تمنعُ مَن يقتنيها شرَّ العيون." وهو حنين كما قلنا إلى الزمن الجميل ،حيث بيت الأسرة الممتدة العامر والدافيء.وهنا سأتجرأ وأقول أن هذا انتقاد صارخ للحياة الخاضعة لمنطق الحساب والتوازنات الاقتصادية،حياة تسير وفق إيقاع ركيك تغلب عليه القسوة والميكانيكية. إن عبد اللطيف الحسيني ،ومن حيث هو يعي جيدا أن الكتابة الجادة هي ليست وسيلة للوصف فقط وخلق المتعة،فقد اختط لنفسه طريقا نحو العمق،طريقا ينبذ كل ما هو سطحي ،بل يمكن القول أنه يخوض من خلال الكتابة حربا ضد النسيان وضد التشويه الممارس على الأشياء الأصيلة التي تؤرخ للإنسان الحقيقي.
مصطفى النفيسي : كاتب وقاص من المغرب .
#عبداللطيف_الحسيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟