أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم ناصر - حروب أبجديّة: الأسلوبية اللغوية تجسيد عميق للشعر















المزيد.....

حروب أبجديّة: الأسلوبية اللغوية تجسيد عميق للشعر


كريم ناصر
(Karim Nasser)


الحوار المتمدن-العدد: 6833 - 2021 / 3 / 6 - 10:16
المحور: الادب والفن
    




توطئة:

هل يستعير الشعر تلاوينه الحرفيّة من نصوص قديمة، ويُنشئ على أعقابها تناصاً مشتركاً مثلاً؟ هل يمكن الحديث عن الاستنباط الشعري، والاستنباط من العلوم اللغوية، وحساب الجمل، والرياضيات في صناعة الشكل العماري الجديد؟ ماذا يعني علم الخط calligraphy أو علم الأرقام numerology ؟ يبدو لنا أنَّ الشعر حصراً إعمام لجوهر اللغة، وما علم الخط أو علم الأرقام إلّا من تجلّيات الفن الشعري، وبالرجوع الدائم إلى السلسلة العددية الملحوظة في الجداول الموزّعة توزيعاً ذكيّاً، سيكون حينئذ من الصعب اكتشاف الأسرار داخل المربعات المرموزة من غير معرفة مماثلة بأبجديّات الأعداد، وستتضاعف إشكالية فهم هذا المعيار حسب درجة صعوبته، ولنتفق على أنَّ التحليل أيّ تحليل نقدي للكتاب يستوجب بحثاً وتمحيصاً وأدواتٍ ثقافيةً عميقة..
نحن إذاً بصدد أشكال هندسيّة شديدة الصلابة تستدعي قارئاً ضمنيّاً منتجاً وفعالاً يسهل عليه استنباط الطرق الحسابية وفكّ طلاسمها، فالشعر في الواقع ليس أمراً ميسوراً خاصة عندما يعتمد على علم الأوفاق والأعداد الوفقية، ولم تتوقّف الصياغة على موضوع محدّد إلّا حين يتوسّع المعنى في إطار متكامل يسير في اتّجاه يوازي التعبير، ويعزّز جوهر دلالته..
سيخضع تحليلنا للتراكيب التي يفرضها الشعر من حيث قوّته التعبيريّة، والغاية أن نصل إلى نتيجة، والهدف من دراستنا معرفة القيمة الحقيقية، وعليه فالفرق بين التعبير اللغوي أو التعبير غير اللغوي سيُتيح لنا اكتشاف ما هو غير شعري ندعوه إنحراف النص. نحن نضع الشعريّة في المقام الأوّل لا سيما أنّنا على أعتاب مرحلة مهمّة تحمل تغيراتٍ مكثّفةً لا يمكن أن نقف حيالها مكتوفي الأيدي، هذه المعادلة تتطلّب في المقابل صلابةً تعبيريّة يجب أن تأخذ مداها في صيرورة الشعر.

الانزياح الشعري والسياق الدلالي:

فلا يختلف إثنان بتاتاً عندما نقيس الشعر بالانزياح الدلالي، والدليل يؤكّده الشكل السياقي المتسامي عن الخطاب، ونظراً لذلك فإنَّ الفنّ المتكامل ذلك الذي يمسك بالدلالة، والفارق المنطقي إنّه يكفي أن نرفع حرفاً أبجديّاً من عبارة أو "نقلّص من الانزياح لينتفي الشعر" (1) وتتخلخل عناصره البنائيّة، ويمكن إثبات نفس النتيجة في أيّة صيغة شعريّة، هذا المستوى من التسلسل الأبجدي في الديوان مهما اختلفت عناصره الداخلية أو تفاوتت قوّته التعبيرية، فإنَّ هذا الفارق الجدلي من شأنه أن ينتج مدلولاً إضافياً لتقوية المعنى ولمعرفة حقيقة الشعر من عدمه، أمّا في ما يخصّ التميّز الجذري فقد يرجع أساساً إلى قوّة الصياغة، كما يفرضه السياق الشعري الموزّع حسب المُناخ العددي أو الحروفي، وما ملحقات التراث والمعاصرة إلّا بدائل مشتركة، أمّا النمط فإنّه لا يُظهر تناسقاً في التدرّج الأُسلوبي المتماثل في درجاته المختلفة.

لا يعني الشعر في الواقع اللغة وحدها بما فيها وعليها من حروفٍ أبجديّة تتصل بعلم الجفر، أو باللسانيات، بل يمكن أن تتحوّل اللغة الشعريّة إلى مادة إيحائيّة محض، لا تنتهي مدلولاتها، ولا تنفد معانيها الشمولية، والشعر كأيِّ جنس من شأنه أن يحتفظ أيضاً بمحتواه داخل سياقه اللغوي وبمعناه داخل مدلوله اللساني، أو أن تشترك كلّ هذه المعايير في بنية واحدة، إذاً فالغاية التي يسعى إليها لا تعدو في أغلب أحوالها أن تكون تجليّاً لظاهرة لغوية أو علميّة أو لسانيّة، بل ليجعل الشعريّة مفصلاً من مفاصله.. إنَّ ذلك ما توضّحه أسرار الأعداد الوفقية التي تحقّق وظيفتها الجماليّة الدلاليّة، ومن هذا المنطلق نستدلّ على المعنى الجمالي للرمز، فضلاً عن سلسلة من المعاني الدلاليّة التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار بصفتها إنزياحات سياقيّة، فما نراه ليس شعراً ينتفي من الصورة، وما هو شعري فإنّما يحدّد هذه الميزة الدلاليّة في الصور المركّبة، ومن المعروف أنَّ القصيدة الدلاليّة حسبما نراها أنّها تجد لها إمتداداً في سياقها الجمالي:


"الغضّةُ الأبديّةُ تقفين في الحُلقوم بكلّ جيشك" ص17


والحال أنَّ الانسجام العددي يصبح سمةً جماليّةً في البناء، والحرف يجسّد الدلالة ويضفي على الشكل مزية تعبيريّة وهكذا تحتفظ العبارة العميقة بجوهر مادّتها، وبهذه الصفة يمكننا أن نتحقّق من مادّة المحتوى من دلالتها، ونتحقّق من الشكل من حرفية الأُسلوب، لكون الحرف هنا يظلُّ المسبّب الأول لاستخلاص المعاني ما دامت آليته تتسبّب في الوقائع، كما يستنتج الشاعر في مقدمته:

"فهجرت أخوتكَ نحو بلاد استقبلتك بدارجتها كضيفٍ أثير" ص41

هنا يبرز المحتوى التعبيري كعنصر أساسي في الصيرورة الشعريّة، عندما تتبادر إلى الذهن الدراما الانسانية، وهكذا نحصل على المعنى من قيمته التعبيريّة:

"أوّل الرعيل محسود من الجيران
أمين على السرّ
عليك تتكئ عُكّازة القول
لا تخيفك كمائنُ الطريق" ص20

أو
"لتغدو غريباً طويلَ السكوت
أو تسقط مغشيّاً عليك
في ظلّ أخيك المميّز عنك بحسنِ الخال الربّاني" ص46

لا يقع الشاعر البتّةَ في فخاخ النظم، وتحديداً في الصياغة
النمطيّة بمعنى من المعاني، ومع ذلك فلم يسلم هذا المبدأ من الجدل، ولا يتحقّق الاختلاف في بعض الأحيان إذا جاز لنا الرأي، باجتراح المحسنات البديعية، لكنَّ هذه النقطة ليست قطب دراستنا..
إنّه لمن المُحال الاعتماد على "النظم الحرفي ـ الصوتي" في عصر التكنولوجيا العلميّة، لإنَّ الشاعر يؤرّخ لظاهرة ما لا تقاس بخاصيّات تقليديّة ولا تخضع لإرادات تنتمي إلى صيغ تتضمّن هذه الاشارة، مثلما نجد رقائق النظم عند أقرانه من شعراء اليوم ما حدا الكثير منهم الاعتماد على منهج تعبيري يفتقر إلى الفكرة الفلسفية والمستوى الدلالي..
فالشعر "إنزياح مطّرد" ويستلزم الدلالة الحرفيّة، واللغة تعمل على ضبط طبيعته، يجب أن نفهم أنَّ الانزياح قد يحظى برعاية كبيرة داخل نطاق اللغة، ولن يكون هناك شعرٌ من دونه فهو الطريق الحتمية لمآله كما هو معلوم.

يظهر أنَّ الشاعر ينزع إلى تكثيف الجملة وتقنينها، وقد تشهد بذلك ندرة التفاصيل، مع أنّ الندرة ليست عقبة البحث.. إذ إنَّ هناك بحثاً دائماً عن الفعل اليومي، وهذا ما يحقق حدّاً أعلى من المعاني في المثال (س) هناك ما هو إستشرافي يستنبط من رحم الموروث بريقه في المثال (ص) وحتى لا يفقد الشعر أهميته يلجأ الماجدي إلى صياغة تجعل من الحرف رمزاً برزخيّاً ليكوّن عالمه المعياري كبديل لخط النسق المألوف:

س: (فدمعة الدم حفرت وشمَها على خدّك الترف) ص33
"جدّك يعود بشجرة العائلة" ص51
"مرايا الطريق تحاصر المارّة وعلى بابك منقوشٌ رسمٌ قديم" ص58
ص: "يرافقك الأنينُ أنّى اتجهت متعباً بجوقة البكائين" ص21

"سلكت طرائقَ العيارين وقطعت جادّة الغادين والذاهبين" ص25

"حتّام تهرب من تهمة القتل؟
أخواكَ كشفا الواقعة ووصيّة ابن خالوية يتوارثها الشُهود" ص43

"شأنك موصولٌ بطاسةِ الرؤيا تحميك نجمةُ الوصي" ص63

الأسلوبيّة اللغويّة التجسيد العميق للشعر:

لا نجد في تصوّرنا معنى سالباً يحكم الشعر بشرطه وبسياقاته، لكنَّ لا شيء يمنع مبدئيّاً من إمكانية ميل الشعر الى الكلام، لأنَّ هذه العلّة تُظهر ميلاً ينافي الانزياح، وهذا ما يعطّل الخاصيّة الأُسلوبيّة اللغويّة كونها محكومة بمنطق ملتبس لا يجسّد في العمق مدلولاً حقيقياً، ولا يعدو أن يكون الأمر ظاهرة عامة في الشعر العربي..

يوجد صنف من الشعراء يلجأ في الأغلب إلى صياغة أنماط تعبيرية واهية تفتقر لآلية اللغة، وتصوّر البديهيّات في مستوى ما هو نمطي يفقد الكثير من قوّته، إذ ليس من اليسير التغلغل أو الغوص في عمق اللغة من دون خرق قانون الكلام (= المنافرة) وتعدّ "المنافرة خرقاً لقانون الكلام، لإنّها تتحقّق في المستوى السياقي، والاستعارة خرقاً لقانون اللغة لإنّها تتحقّق في المستوى الاستبدالي" (2) ونحن هنا لسنا بصدد الاستعارة..
الفرق أنَّ الماجدي لم يُسلم قياده لقول الكلام، ولا ينحو نفس المنحى، إذاً هناك نوع من الهيمنة الأُسلوبيّة تبدو واضحةً في سياق قصائده، وهي ما تمثّل جوهر شعره، فضلاً عن تقنية الحرف التي تكتسب صفة الصورة الشعريّة، وهذا النهج نفسه نلاحظه عند قلّة قليلة تبقى أولياته متفاوتة.

هذه النتيجة هي ما تكوّن عالمه الثر، ولكن ما الذي يمكن أن نستنتجه نحن بالتحديد بعد تراجع الحروفيّة من اللوحة التشكيليّة العربية، وانحسار تأثير علم الحروف والأعداد والجفر والأوفاق السحريّة؟ ما مدى نجاح الفكرة في نطاق "المعرفة اللسانية" أو في مجال فقه اللغة philology ؟

ولعلّ تسويغ الحرف وإلباسه روح الشعر يوحي إلينا بولادة جديدة تكسب اللغةَ ألقاً وبهجة وفرادة، فيغدو روح الحرف هنا تعبيراً رمزيّاً دلاليّاً، ويمهّد لمشروع يندر تكراره حينما يتجاوز مقتضيات التجريب إلى منطق تحديث الآليات الأُسلوبية، ليصبح مرجعيةً، في حين يخوض الشاعر في التجريب لابتكار طريقة ترمي إلى إشاعة نبر خاص يسعى إلى تجذيره في الشعر العربي:

"ويُنسبونك لأرومةٍ تتنازع على أُبوّةِ الباء وأُمومة التاء،
وتبقى أنت بينهم متانّثاً باسمك ولا يصدّقك أحد" ص86

صحيح أنّنا لا نعرف الكثير عن الشاعر "عبد الرحمن الماجدي" والمعلومات التي في حوزتنا لا تكفي لتضعه في موقع معين، وهذا يرجع بالتحديد إلى توانيه في زخم حركة النشر حصراً، والوضع بخلاف ذلك يمكن أن يحوّل نشاطه المعياري ولو جزئيّاً إلى آليّة تجعل منه قطباً يمكن الوقوف عند مزاياه، مع العلم أنَّ هذه الفكرة في نظرنا ليست سالبة ولمقتضيات ضروريّة نحصر تحليلنا ضمن هذا النطاق النقدي لكشف ما هو ليس ممكناً وصوله في ضوء معرفتنا لمادّة الشعر انطلاقاً من قراءة تامّة لمنجزه الجديد الذي بدأ يتوسّع في الأخير من حيث مقبوليته كقيمة جماليّة مقابل سطوته بحال إدراجها كقيمة أدبيّة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) هذا من منظور جان كوهن
(2) بنية اللغة الشعرية: جان كوهن



#كريم_ناصر (هاشتاغ)       Karim_Nasser#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصيادون لا يعرفون الغناء
- شجرة الغروب
- الرسام
- لعلّك لا تحب السمندل
- أظنّ أنَّ المرأة ريح
- ليت قلب السمكة ورقة
- لن أطويَ عمري على مغزل
- تمثال ينهبه إعصار
- أطارحك الغرام كولد
- قطار الثلج
- عن الشعر وانزياحاته اللغوية
- الطُغراء
- جلالة الوقت: الصيرورة الشعرية وغرابة اللغة
- إنزياح الذات الجمالية -لست ممتعضاً من دفق السرد-
- الخروح عن النسق في ديوان -راهب العنب- لنضال القاضي
- مُدركات البلاغة الوجدانية في رواية -حب دافئ تحت الشمس-
- ورق النخل
- بحر
- الغاشم
- العصب السائب


المزيد.....




- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم ناصر - حروب أبجديّة: الأسلوبية اللغوية تجسيد عميق للشعر