|
حرب لبنان .. العودة إلى حقائق الصراع العربي الإسرائيلي
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 1624 - 2006 / 7 / 27 - 11:25
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
تتميز الحرب الإسرائيلية في لبنان الآن عن سابقاتها من حروبها ضد البلدان العربية ، ، ليس بالدمار الفظيع الواسع فحسب ، وليس بالتوحش البشع في قتل الأبرياء الذي تقوم به الدولة الصهيونية مجرمة الحرب بامتياز فحسب ، وليس بإلتباس الرؤية حول دور القوى التاريخية اللبنانية الوطني فحسب ، وإنما بأنها كشفت أكثر من غيرها حقائق مستويات التردي والانحطاط والعجز التي انحدر إليها النظام العربي الرسمي ، وحقائق مستويات التخبط والضياع التي تكابدها بنية الوعي العربي في حقل السياسة كما في حقل الثقافة ، بعد ستين عاماً من الصراع العربي الإسرائيلي ، فقد جرى ويجري التعاطي مع هذه الحرب من قبل النظام العربي الرسمي ومن قبل كم لايستهان به من الناشطين في السياسة والثقافة ، وكأنها حرب نشاز.. حرب ورطة .. مغامرة .. كان بالإمكان تفاديها وتجنب نتائجها الكارثية . بمعنى أن إسرائيل المتماهية بأمريكا ومصالح أمريكا هي بريئة من دم لبنان .. وأن دية دم شعب لبنان برقبة من ا ستفزها .. وهي الجار الآمن المأمون .. وأثارمشاعرها المشروعة بالدفاع عن نفسها ، بمعنى آخر اختزال كل الصراع العربي الإسرائيلي في الزمان والمكان والفعل اللبناني المستفز . أما من هي إسرائيل .. وكيف غرز في قلوبنا مخرز إسرائيل .. وما هو دور إسرائيل الوكيل والشريك والمتماهي مع الامبريالية العالمية وخاصة أمريكا ، وما ألحقته من دمار في حياتنا على كل المستويات طوال نحو قرن من الصراع السياسي والعسكري .. وما تخطط له مع أمريكا وبقية الدول الاحتكارية العالمية للتسيد على الشرق الأوسط ضمن مخطط الهيمنة على العالم وتأبيد ا ستعباد الشعوب ، فهذا كله يأتي في المرتبة الثانية والثالثة أو أصبح التوقف عنده نافلاً ، الأمر الذي بات يطرح بصورة ملحة ضرورة العودة إلى حقائق الصراع العربي الإسرائيلي .. وإلى وضع الأمور في نصابها
بداية ، لابد من السؤال ، من هي هذه ال " إ سرائيل " ، وكيف دخلت على عالمنا العربي ؟ قبل الولوج تاريخياً في الإجابة على هذا السؤال ، ينبغي الإشارة إلى أن اليهود ، قبل قيام إسرائيل هم جزء من مكون نسيجنا الاجتماعي والثقافي عبر التاريخ من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام إلى المغرب العربي والأندلسي ، قبل وبعد ظهور المسيحية والاسلام . لم يصبهم في الفضاء العربي المسيحي والإسلامي ما أصاب المواطنين اليهود من اضطهاد ومذابح وسلب ونهب دوري شبه منظم في بلدان أوربية عديدة عبر قرون طويلة ، وخاصة في ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية ، وإنما كانوا يعيشون في مختلف أوساط المجتمع كباقي المواطنين الآخرين . وكل الذين عاشوا مرحلة ماقبل إسرائيل ومازالوا أحياء ، يذكرون جيرانهم وزملاء عملهم أو شركائهم في العمل بمزيد من الود وأنا واحد منهم ، الذي خلق لهم ولنا المشكلة الكارثية المدمرة هم البورجوازيون الأوربيون الصهاينة ، الذين حملوا في نهايات القرن التاسع عشر نزعات قومية شوفينية مشوهة ، وبدأوا البحث عن وعاء جغرافي لتحقيق طموحاتهم الأنانية الجشعة . وبعد تداول مقترحات روسية وألمانية وبريطيانية حول هذا الوعاء الجغرافي في روسيا والأرجنتين وأوغندا ، ا ستقر الاختيار على فلسطين لأنها تحمل شحنة دينية جاذبة لهجرة اليهود البسطاء إليها وا ستكمال الوعاء شعبياً .
وقد كان واضحاً بالنسبة لغلاة الصهاينة أن طموحاتهم القومية البورجوازية مرتبط مصيرها بموافقة ومشاركة الدول الاستعمارية العظمى . ولهذا كانت صياغة مشروع الوطن القومي الصهيوني متماهية بالمشروع الاستعماري البريطاني خاصة ومن ثم بالمشروع الأمريكي لإملاء الفراغ في الشرق الأوسط والهيمنة على مقدراته . وقد تفهمت بريطنيا العظمى هذا الطموح وأصدرت بواسطة وزير خارجيتها " بلفور " وعدها عام 1917 بإقامة هذا الوطن " إسرائيل " . ومن ثم توالت فصول الهجرة إلى فلسطين من كل أصقاع الأرض لانتزاع فلسطين من أهلها وتهجيرهم بالمذابح البشعة والإرهاب المنظم . ويمكننا القول بثقة أن الحرب الإسرائيلية على الشعوب العربية قد بدأت فعلاً منذ أن وضع أول صهيوني مهاجر قدمه على أرض فلسطين . ومن ثم توسعت مع تزايد أعداد الصهاينة المهاجرين عبر الوكالة اليهودية العالمية ، وظهور العصابات الصهيونية العنصرية مثل شتيرن والهاغانا ، وبدعم عسكري برطاني كانت الحرب الإسرائلية على الشعب الفلسطيني الأعزل ومن ثم توالت على الشعوبالعربية الأخرى
وعلى ضوء حقائق التاريخ الراسخة ، يحق لنا القول ، أن دولة إسرائيل لم تكن نتيجة تطور طبيعي لشعب يمتلك مكونات اجتماعية ثقافية تاريخية ، وإنما جاءت بفعل ا ستعماري لهدف ا ستعماري ، كما جاءت مماثلة إلى حد كبير للنظام العنصري في جنوب أفريقيا وروديسيا وأوستراليا ونيوزلندا . لم تكن لتستمر لولا الدعم المتواصل ، ليس في مجال الهجرة .. لملمة اليهود والمستهودين من كل أطراف الأرض ، وإنما لولا الدعم المالي والاقتصادي والعسكري الامبريالي الفرنسي والبريطاني والألماني وخاصة الأمريكي ، الذي قارب حسب أسعار اليوم ، منذ تأسيس إسرائل حتى الآن الألف مليار دولار أمريكي ، ولولا الحماية التي وصلت من ثم حد اعتبار أمن إسرائيل ومستقبل إسرائيل من أمن ومستقبل الولايات المتحدة الأمريكية ، وبشكل بات من السذاجة فصل ما تقوم به إسرائيل من حروب واعتداءات عن القرار الأمريكي والدعم الأمريكي وعن الاستراتيجيات الأمريكية ، حيث بات من المتعذر اعتبار إسرائيل دولة مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية
وعلى هذا يمكن البناء على أن الصراع العربي الإسرائيلي لم يكن في يوم من الأيام صراعاً ثنائياً ، ولم تكن حيثياته مرتبطة بهذه الثنائية فحسب ، وإنما كان وما زال صراعاً عربياً مع دول الاستعمار التقليدية وفي مقدمتها أمريكا .. وعلى هذا أيضاً يمكن فهم جانب هام من خلفيات هزائمنا في عدد من الحروب مع إسرائيل ، ويمكن ا ستشفاف احتمالات النصر أو الهزيمة في حرب لبنان الآن . لكن السؤال الذي ينهض من كم العديد من الحقائق والوقائع التاريخية ، ومن أطلال الهزائم .. ومن ركام الشوارع والقرى والمدن المدمرة .. ومن فضاء حمامات الدم وأ شلاء الطفولة المغدورة ، هل نحن شعوب حكم عليها بالانقراض .. ؟ هل لدينا القدرة ، في ظروف الاستفراد الأمريكي المتوحش في الهيمنة على مقدرات الشعوب ، على أن ننهض ..؟ ومن هي القوى التاريخية الآن القادرة على قيادة الصراع ضد طغاة العصر .. ؟
للمقال .. بقية لاحقاً
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرب لبنان .. والمسؤوليات التاريخية
-
حرب غزة .. والسؤال الآن .. !! ؟
-
وقفة إجلال وتضامن مع حرية الصحافة في مصر
-
بؤس السياسة السورية الراهنة
-
اختراق عابر أم إنذار حرب .. ؟
-
النظام في دائرة النار .. أي مؤتمر تحتاجه سوريا .. ؟
-
مائة شكر وامتنان للحوار المتمدن
-
من القمع السياسي إلى القمع الاقتصادي .. تحولات بالاتجاه المع
...
-
الكواكبي يصارع الأفعى مرتين
-
من هو قاتل الطفلة حنان المحمد ؟
-
الطبقة العاملة تدق أبواب دمشق
-
احتفاء ب - حفيد امريْ القيس
-
إعادة إنتاج الاستبداد .. من قمع عرفي إلى قمع - قانوني
-
المعارضة السورية ومفترق الطرق
-
أول أيار .. نضالات ورؤى وأمنيات
-
رحل كمال دون وداع ..
-
انتصار اليسار الفرنسي .. تجربة وآفاق
-
جنرالات الأرصفة
-
من أجل الحرية .. والرغيف معاً
-
النصر لجماهير فرنسا الشجاعة
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|