|
حامل الهوى. . بين المونتاج القافز. . وإلنهايات المفتوحة. .
صباح هرمز الشاني
الحوار المتمدن-العدد: 6828 - 2021 / 3 / 1 - 22:13
المحور:
الادب والفن
أحمد خلف، ليس من الروائيين التقليديين الذين يكتبون نمطا معينا من الرواية، بحثا عن الهوية التي تنضوي رواياته تحت لوائها، سعيا لتمييز أسلوبه الروائي عن غيرها من الروايات، ذلك أنه قد تجاوز هذا الأسلوب النمطي بلوغا الحداثوي، عبر محاولته في كل نص جديد له، أن يبتكر أسلوبا مغايرا لسابقه، وهو بذلك روائي يسعى الى التجريب. أي أن يتبع أسلوبا يختلف عن أساليبه السابقة في كل نص يقدم على كتابته. وندرة من الروائيين العراقيين والعرب، يتخذون من هذا المنحى توجها لنصوصهم، لصعوبته من جهة، وإعتقادهم من جهة أخرى، أو بهذه الوسيلة يحاولون إقناع أنفسهم، بأن منح الهوية لنصوص الكاتب، أو لأسلوبه الروائي أولى من عملية الخوض في معترك التجريب. إن التجريب كما يبدو لي هو الأصل. والتوطين على أسلوب معين، دون الأساليب الأخرى، بحثا عن الهوية هو الجمود بعينه. وللإستدلال على أن أحمد خلف ينحو هذا المنحى، فهذه هي الرواية السادسة له التي أتعرض لها، ولكن بالرغم من ذلك، أجد من الصعوبة أن أقارنها مع رواياته الأخرى، ليس لأنها أفضل ما كتب أو أسوأ، بالعكس بل لإختلاف أسلوبها عن غيرها من رواياته. والشيء نفسه ينطبق على أي رواية من رواياته الخمس لو قارنتها برواياته الأخرى، فهي كذلك دونت بأسلوب لا يشبه أساليب رواياته الأخرى. تقع هذه الروية في (278) صفحة من الحجم المتوسط، وتتكون من خمسة فصول، حيث كرست الفصول الأربعة الأولى للمحور الأول للرواية الدائر حول الشخصية المحورية المصاب بداء إنفصام الشخصية، ومعاناته من المعاملة السيئة التي يتلقاها من والدته وشقيقه ، في سعي منهما لطرده من البيت للإستيلاء على قطعة الأرض التي سجلها والده بأسمه. والفصل الخامس للمحور الثاني حول شقيقته (زينب) التي هي الأخرى تعاني من شقيقها وأمها، لرفضها الإقتران بأبن عمها السمسار (جمال). أخذ الفصل الأول ( 183) صفحة من حجم الرواية، موزعا على خمسة أقسام، والفصل الثاني على ثلاثة أقسام، والثالث على قسمين، والرابع على ثلاثة. بينما وزع الفصل الخامس المتكون من فصل واحد فقط على سبعة أقسام، ليأخذ (85) صفحة من حجم الرواية. أي بحدود نصف حجم المحور الأول. بالرغم من أن أحداث الرواية تدور في محورين، من خلال سردها بالتعويل على الأصوات المتعددة. في المحور الأول على لسان الشخصية المصابة بداء ألإنفصام، (السرد الذاتي) =(أنا)، والمحور الثاني على لسان (زينب) (السرد الذاتي) أيضا، إلآ أن هذين المحورين غير منفصلين، ولا يسيران في إتجاهين مختلفين، بل بالعكس لحضور كل محور منهما في المحور الآخر، جعل هذا الحضور من أحداث الرواية مترابطة ومتلاحمة مع بعضها البعض. تكمن عصارة الرواية في مواجهة المتاعب للأشخاص المثاليين الذين يبنون هواجسهم في إسترداد ما أستلب منهم على الحق والعدل، في وسط مجتمع قائم على التخلف والمصالح الشخصية، كما في عائلة الشخصيتين المحوريتين في الرواية. الشخصية الاولى، عبر سرقة شقيقه ( إسماعيل) الأرض التي سجلها والده بأسمه منه وبالتعاون مع أمه. والشخصية الثانية، من خلال إرغامها على الزواج بأبن عمها السمسار الذي لا تحبه، وقوعا تحت تأثير الهدايا التي يقدمها لوالدتها، وسطوة مال السحت الذي يحصل عليه بكل الوسائل الخسيسة المتوفرة والمتاحة له. إن المثاليين على شاكلة الشخصية التي نحن بصددها، فإذا حصلوا على شيء ما، يسطو الآخرون عليه، ذلك لعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم، وإسترداد حقهم المسلوب، أو كما يقول السارد لإيثارهم الصمت على الكلام. كما هو حال بطل الرواية الذي هو السارد في الوقت نفسه. وعدم القدرة هذه ليست مرضا عضويا، بقدر ما هو مكتسب من المحيط الذي يعيشون فيه، شأن شخصيات بلزاك: (إن المثاليين قلما يكونوا أقوياء الى الحد الذي يسمح لهم فيه بالعيش، والقلة القليلة التي تنجح في ذلك)1. وزينب هي الأخرى شخصية مثالية، لإقدامها على مواجهة والدتها وشقيقها على عدم الزواج بأبن عمها (طاهر) السمسار، غير أن مقاومتها لجبروت إغوائهما لها في وضعه المالي الجيد، وصلة القرابة التي تجمع بينهما، جعلتا منها أن ترضخ في النهاية لرغبتهما وأن تتزوجه. وإذا كان السارد قد سلبت أرضه منه، وطرد من البيت، فإن الساردة زينب شقيقة السارد، أنتقمت من زوجها لسعيه أن يجعل منها عاهرة، لمصلحته الشخصية. ومنحى المحورين، يلتقيان في هذا الجانب، في كون كليهما يبحثان بكل السبل الدنيئة والوضيعة لتحقيق مصالحهم الشخصية التي أدت في النهاية الى تحطيم حياة الشخصيتين المثاليتين، لعدم قدرتهما على المقاومة، وضعفهما أمام جبروت الغازي. قد لا تظهر زينب للوهلة الأولى شخصية منشطرة وموزعة في غمرة مركبات نفسية، تبلغ مستوى ما يعانيه شقيقها، أو حتى أنها قد ظهرت، فبمستوى أقل. غير أن هذا المركب النفسي، يظهر بعد زواجها من أبن عمها، ذلك لإنتقالها من النقيض الى النقيض، وإن كان هذا النقيض قبل زواجها قائما، بيد أنه بدأ يبرز بعد الزواج. وذلك من خلال رفضها الإقتران بأبن عمها في البداية، ثم القبول به زوجا لها. والشيء نفسه يجري لها مع صديق زوجها (أحمد قداحة) الذي تكرهه في البداية، ثم تحاول إغوائه. إن زينب كونها ضحية مؤامرة، مثلها مثل شقيقها، هذه المؤامرة هي التي دفعتهما لأن يتلبسا كليهما بهذا المرض. (تجمع سائر الدراسات التي أتخذت من المرأة في الدول المتخلفة موضوعا للبحث والتقصي على أن هذه الأخيرة ولا سيما الفقيرة منها تعاني مضاعفات قوية من القهر أو الحرمان الذي يعد في حد ذاته أحد أوجه صورة حية لمأساة المجتمع كله، إذ يتميز وضع المرأة بعدم الإستقرار وبمصير مجهول لا تملك أزاؤه وبفعل ملحاحية الديمومة، سوى أن ترهن الجسد الذي تسقط عليه مشاكل المجتمع بأسره.)2. مثلما ربط كل ما كتبه فرويد حول الفن القصصي والروائي بعقدة أوديب وكذلك مع الحلم، أو مع تحقيق الرغبات المكبوتة في اللاشعور، كذلك السارد الضمني لجأ الى الطريقة نفسها في رسم معالم وأبعاد شخصياته الروائية، وذلك بالتعويل على: أن الحلم واللاشعور: (قد يعودان الى الماضي البعيد كما قد يعودان الى ماض له إمتداده المباشر في الحاضر.)3. ذلك ليس السارد فحسب، يعاني من هذه العقدة، وإنما الطبيب يعاني منها أيضا، وهي عقدة أوديب. وكلاهما من عقدة الأم. فإذا كان الأول من خلال إضطهاد الأم له، فإن الثاني لفقدانه لأمه، عبر زواجه بفتاة لم توافق عليها . لذلك فالطبيب نادر المختص بعلاج الطب النفساني، مثله مثل السارد مصاب بداء إنفصام الشخصية، وذلك ليس من خلال السبب الآنف الذكر فقط، بل بالإضافة الى ذلك، هيامه بجمال زوجته، والإشادة به أمام الآخرين فحسب، وإنما للحظات التي يفقد التركيز فيها، ليعيش في عزلة تامة مع نفسه أيضا، ولعل تساؤل السارد في عدم صحة الرجل الحديث عن زوجته والتغزل بها، كما لا يصح ان يتكلم عن أسرار بيته ومفاجآت ما يحدث فيه، أثبت دليل على أنه مصاب بهذا الداء. يعمد السارد فضلا عن الأسلوب المباشر في إصابة الشخصيات بداء إنفصام الشخصية، يعمد الى الكشف عنه عن طريق الأسلوب التعبيري. متمثلا هذا الأسلوب بالنسبة الى الطبيب في تحوله الى قرد كثيف الشعر مرة، وقبضه على رأس الأفعى مرة أخرى. في المرة الأولى: (تحول صديقي الطبيب فيها الى شخص غريب، وددت لو يخفي عني ذراعيه المنبسطتين، لأن كثافة الشعر المحيط بهما ذكرني بحكاية تروى عن قرد كثيف الشعر. . ). وهذه الحكاية يرويها يوجين أونيل في مسرحيته الموسومة (القرد ذو الشعر الكثيف)، تحديدا في المشهد الذي يفقد فيه (يانك) العامل في مصنع الصلب بريق الصورة التي كان قد رسمها لنفسه، في أول لقاء له مع أبنة رئيس المصنع، وهي تنزل فتحة الفرن، عندما يقع نظره عليها، فتخرج صيحة أليمة منها، وهي تبتعد واضعة يديها أمام عينيها لتخفي وجهه وتحمي نفسه منه قائلة: (أبعدوني عن هذا الوحش المفترس. لربما هذا التحول في شخصية الطبيب من صديق الى عدو، من منظور السارد يقترن بالنهاية التي تفرق بين الأثنين، من خلال إرغامه على أخذه الى مريم، في سيارته التي كان يقودها بسرعة جنونية، ما أدى الى إرتطامها بحيوان، لتنحدر السيارة في طريق ترابي، ويفقد السيطرة عليها، حيث وجد السارد نفسه في المشفى، ونقل الطبيب الى ردهة خاصة بأمراض العصاب. إن شئنا تأويل رد فعل الطبيب أثر خيانة صديقه السارد له مع زوجته، لم يأت بقصد أخذه الى مريم. لقد كان هذا مسوغا لإماتة الأثنين معا، هو ومعه السارد في عملية إنتحار. وبالرغم من أن موضوع هذا المشهد يختلف عن موضوع النص الروائي، وهو أن الموضوع الأساس الأول هو الإنتماء، والثاني هو الخيانة، إلآ أن كيهما يلتقيان في نقطة واحدة. وهي الإنتقام. ذلك ان يانك بسبب إهانته من قبل أبنة رئيس المصنع، يسعى الى الإنتقام منها هو الآخر، مثل الطبيب الساعي للإنتقام من السارد. في المرة الثانية: (لبرهة خاطفة كالومض أو البرق رأيته يقبض على رأس أفعى سوداء. أخذني العجب مما أرى لأنني لما جحظت عيناي دهشة شهدت طيف إبتسامة تستنكر عجبي وتعيب علي دهشتي. . أمسكت يده وضغطت عليها برفق ومودة، بسط اليد أمامي ثانية، أختفت الأفعى وراح رأسه يهتز بحركة خفيفة توحي بالرضا والقناعة.). وهذا المشهد هو الآخر يعبر عن الشيء نفسه، والذي يوحي الى الإنتقام. إن السارد الضمني يقر بنفسه، أنه مصاب بداء إنفصام الشخصية، وذلك من خلال الجمل التي تأتي على لسانه بصورة مباشرة، ويكررها على إمتداد الرواية، وهي: -بين حين وآخر أرى رؤيا لا أدري من أي فج تطلع لي متدرعة بالإصرار العجيب على ملاحقتي. -أنا كثير النسيان والإهمال لنفسي وأشيائي التي تحيط بي. -أنا وحدي لا أدري ماذا علي أن أفعل غير البحث المضني عن صديق أبثه لوعة الكلام وحيرته. -قد لا يصدقني من سأتحدث اليه إنني أراه يخطف من أمامي مسرعا، يسير معي تارة ويخلفني بعدما يحاذيني تارة أخرى شخص آخر لا أعرفه أسمعه حين يهمس ولكن لا أراه، يبرز من عمق الأمام يشاكسني عن عمد، أسمعه يتكلم عن أشياء جرت وحصلت معي. -رأسي يؤلمني. والى جانب هذه الجمل التي تأتي بأسلوب مباشر، وتدل على إصابة السارد بإنفصام الشخصية، تفيض الرواية بجمل أخرى، عبر عنها بالأسلوب التعبيري أيضا. لسعتها سوف أكتفي في تناول ستة منها فقط. وهذه الجمل غالبا ما تقترن بعمليات المونتاج القافز أو المباغت (لا فرق بين الأثنين). وذلك من خلال الإنتقال من مشهد الى مشهد آخر أقرب الى المونتاج السينمائي منه الى مونتاج أي نص آخر. أي (اللقطة السريعة). وهذا الإنتقال أو الربط بين المشهد الأول والثاني لا يأتي عن فراغ، بقدر ما يمتد جسر من التفاهم بينهما، كأن يكون في الشبه القائم بين المشهدين أو اللقطتين، أو المقارنة، والمفارقة، أو حتى الإختلاف. (إن الصور والأفكار الملتقطة من الحياة تتطلب مهارات تقنية كبرة تقع في صلب عملية مونتاجية في عقل المؤلف والمتعلقة في كيفية ربط الموتيفات والحوار والأحداث الذي يعطيها معنى، عليه فإن المونتاج والحالة هذه يعتبر مذابا في عناصر النص ويشكل قوة أساسية يستند النص عليه عن طريق الربط بين الأفكار لخلق عالم مترابط يشكل ترسانة الشكل الفني. وفي ضوئه ينشأ المؤلف عالما متخيلا ، إلآ أنه عالم مركب مونتاجي.).4 وأدناه الجمل التي تنحو هذا المنحى: -أعدت القراءة ثانية وصمت بعض الوقت، لأن شفتي توقفتا عن الحركة وكذلك لساني . أبتسمت لنفسي طويلا. أثر هذه الجملة يحدث المونتاج، وهو المونتاج الأول في الرواية، إذ يسرح ذهنه الى أمه وزوجة شقيقه: -أنني لست وحدي وهي تقف امام حنفية المياه تغسل الصحون. تحني قامتها كأنها تنكفيء على وجهها ولا تريد رؤيتي. . . جاءت زوجة شقيقي إسماعيل وأمسكت من ذراعي وجرتني، لكني لم أتزحزح من مكاني. لو أعدنا قراءة الجملتين سنجد خيطا خفيا يربط بينهما، وهو بين عبارتي (أبتسمت لنفسي) و( لست وحدي). إذ أن إبتسامة السارد في الجملة الأولى متأتية، بفعل سعادته في عثوره على صدق قديم له الذي كما يأمل أن يكون عونا له في حل معاناته، لذلك فعندما يلتقي بأمه التي لا تريد رؤيته ومن ثم زوجة شقيقه التي تحاول أن تطرده من البيت، يبتسم لأنه لم يعد لوحده، وثمة من سيناصره في معضلته. المونتاج الثاني: - فقد خيل لي أني توهمت وأن الشخص الآخر قد لازمني بعض الوقت وأوهمني أنه صديقي نادر. -أنت لست ابني. أنت أبن ناس آخرين. . عثرنا عليك في زريبة. الخيط المشترك بين هاتين الجملتين، يختفي بين عبارتي (أوهمني أنه صديقي نادر) (عثرنا عليك في زريبة)، إذ كلا العبارتين توحيان الى الضياع، أو فقدان شيء ما، أو كان هذا الشيء موجودا، ولم يعد له أثر. وبصورة أوضح يأتي هذا الربط للمفارقة بين أن يكون هذا الأسم لشخص آخر، وبين نكران أمه له في كونه أبنها. المونتاج الثالث: (رأيت عبر النافذة طيرا سف بعيدا ولم أعد أراه. كان مجرد طير أبيض حط برهة قصيرة على ظلفة النافذة من الخارج. لكنه فر لما رآني أحدق اليه عن عمد.). -وقال لي لا تدخل غرفتي بغيابي زوجتي حلوة وجميلة وأنا أخاف عليها وأنت ذئب لا أثق بك. فقلت له حرام عليك أنا أخوك فهل تخاف مني؟ فلو كان أبي موجودا لنحاك عن طريقي يا طير الشؤم. الربط في القطع بين الجملتين، في الطير الفار، والطير المشؤوم. فهو الطير نفسه في كلا الجملتين، وفي كليهما يسعى إسماعيل الى عدم رؤيته. في الأولى يفر منه، والثانية يطرده. المونتاج الرابع: - أما زلت تحب أن تكون وحيدا كما كنت أيام الأعدادية؟ أتذكر تقف منعزلا وترض الشعر ولم نكن نفهم ما تقرأه من أشعار، وكنا نتهامس فيما بيننا: ماذا يقول هذا المجنون؟ -هي أيضا قالت إذا لم تقر بهذه الحقيقة سوف أقولها الى الملائكة يكفي جنونك والآن تريد أن تتقاسم أبني ميراثه. في كليهما يغدو السارد مجنونا، في عزلته وقرائته للشعر الذي لا يفهمونه، لأنه يتفوق عليهم فكرا وثقافة، وفي الثاني لأنه يدافع عن حقه المسلوب في قطعة الأرض التي أغتصبها شقيقه منه. المونتاج الخامس: -لعل المرأة في الشرفة تنتظر القادم يخرج وسط الظلام. أو تتوقع أن يأتي القادم متلصصا. -كسكوت زينب على التخلي عن دراستها والقبول بالمهرب زوجا لها. في إشارة الى غموض نزعات المرأة، وصعوبة قراءة أفكارها. إذ يتماثل موقف زينب الغريب في قبولها الزواج بطلال وترك دراستها، مع خيانة زوجة الطبيب، وهي تتوقع أن يأتي القادم متلصصا، سيما إذا عرفنا أنها أقترنت بالطبيب عن طريق الحب، وبالرغم من عدم موافقة والدة زوجها على زواجهما. فكلا الموقفين يصبان في خانة الخيانة مع الذات. المونتاج السادس: -انا لا اسمح لك بدخول غرفتي بغيابي وتختلي بزوجتي. . هيا غادر غرفتي. -قال لي: أهلا بأيام الصبا والشقاوة وضحك بنبرة مليئة بالرنين الناعم. هنا يجري السارد المقارنة بين شقيقه الذي يطرده، وبين صديقه الذي يرحب به. أن عقدة الحلم واللاشعور بتحقيق الرغبات المكبوتة التي تلازم شخصية الطبيب، تعود الى ثلاثة أمور، فإما أنه يعاني من عقدة عدم إنجاب الأطفال، وإما من فقدان حنان الام لزواجه من إمرأة لم تنل رضاها. أو من الأملاك التي كان يملكها ولم تعد ملكا له. العقدة الأولى من خلال رسم الطفل في اللوحة المعلقة على جدار الغرفة، وخلو الشقة من الأطفال. والسارد يتسائل: (أيكون الطفل في اللوحة طفلها المنتظر؟ الشقة تخلو من الأطفال ولغطهم، ولما فكرت بسؤالها عن معنى وجود لوحة تفردت دون غيرها من اللوحات على صدر الجدار، وجدت من المتعذر سؤالها ما لم تكن ثمة فرصة مناسبة.). والعقدة الثانية، عبر خسارته لأمه، خسر في طريقه الى نيران، ما لا يعوضه شيء عنه أبدا، والثالث لتركه كل ما كان يملكه من أجل نيران زوجته. وإذا كان السارد قد أغتصبت قطعة الأرض التي كانت مسجلة بأسمه، فإن الطبيب كذلك سلبت أملاكه. وبهذا فإن كليهما يشتركان في الهم ذاته، غير أن الفارق بينهما هو أن الطبيب قاتل بضراوة، بينما أستسلم السارد بسهولة. والجميل في هذا التماثل بين معاناتهما، هو ان السارد، حين أطلق الطبيب جملته فجأة وبصوت ثقيل التي مؤداها :( قاتلت قتالا ضاريا)، ظن السارد أنه يقصده. يقصد بالقتال الضاري: (ضد الذين أماتوني وسرقوا مني ملكيتي الوحيدة التي تركها لي أبي. .). والأجمل أن يتماهى الزمان والمكان في الرواية، لتمسي مقروءة في كل زمان وكل مكان. أو كأنها رواية كتبت لكي تقرأها الشعوب كافة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بإلحاح، ولم ينس السارد هو الآخر أن يطرحه على الطبيب: (ترى لماذا اخذ الطبيب السارد الى الشقة؟). بالأحرى كما يسأل السارد الطبيب: (لماذا دعوتني الى شقتك؟). هل لأنه أراد إختبار زوجته ؟ أم تراه علق أملا على صداقته له، ليدخله في إمتحان عسير؟ أو هل كان نائما، أو أنام نفسه؟ إن السارد لكي يشارك المتلقي، بوصفه عنصرا فاعلا في الرواية، لا يحصر الإشكالية التي يعاني منها بطل الرواية في إحتمال معين وإنما في العديد من الإحتمالات، وبهذا يجعل من النص مفتوحا لقراءات مختلفة، أو أختيار واحدة من الإشكالية المطروحة للسارد. أو كما يقول السارد: (إن أمثاله لا شك مجانين حين يعيشون أوهاما لا واقعية، ما الذي كان ينتظر أن يحدث خلاف ما حدث.). في إشارة الى أنه هو الطبيب نفسه خلق الأجواء المناسبة لممارستهما الفحشاء. جمال السمسار هو الآخر، مثل الطبيب يجلب صديقه (عزيز) الى بيته لشرب الخمر، أثر عدم تلبية أحمد قداحة لرغبته الدائرة في إحتمالين، متمثلا الأول في إنجاب الأطفال، وهو إحتمال ضعيف لأن زينب تبعده عن ذهنها، عندما تخبره عن سبب تقبيل زوجها جمال ليده، يرد عليها، لأنه يريد طفلا. إذن ثمة إشكالية أخرى أكبر من هذه، ربما تتعلق بصفقة خرافية من صفقات جمال المهربة التي رفض أحمد قداحة تنفيذها، بالرغم من إغوائه من قبل جمال لممارسة الجنس معها، مع أنه كان مغرما بها ويسعى الى الإحتكاك بها وملامستها بطريقة وأخرى. إن التحول المفاجيء في شخصية أحمد قداحة من السلب الى الإيجاب في رفضه لتلبية رغبة جمال، يضع السارد المتلقي أزاء إحتمالين ، فهو إما لأن الصفقة فيها من المخاطر على حياة منفذها، بلغت حدا أن يرفضها أحمد قداحة، أو أنه لم يشأ أن يخون أمانة الصداقة، بعكس السارد الذي خان الطبيب. إن شخصية السارد شبيهة الى حد كبير بشخصيات دويستوفسكي، وعلى الاخص بشخصية الأمير مشكين في روايته الموسومة (الأبله). وذلك من حيث إصابة بطل الرواية بإنفصام الشخصية، والسذاجة التي يتحلى بها، فضلا عن تعرضه لخداع الآخرين. ولعل تكرار مفردة (الأبله) في الرواية، وقراءة هذ الرواية من قبل زينب، كل هذه الأسباب مجتمعة تؤكد أن شخصية السارد تكشف عن تناصها مع شخصية الأمير ميشكن. المصادر: 1-فن الرواية. كولن ولسون. ترجمة محمد درويش. الدار العربية للعلوم ناشرون. الطبعة الأولى 2008. 2-أسلوبية الرواية. الدكتور أدريس قصوري. الطبعة الأولى 2008. 3- المصدر السابق نفسه. 4- دراسة عن المونتاج للدكتور منصور نعمان.
#صباح_هرمز_الشاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذئاب على الأبواب. . بين عملية التحدي. . و تقنية التواتر. .
-
(محنة فينوس). . وثيقة إدانة لعهدين. .
-
قراءة تأويلية في تفكيك شفرات (موت الأب) للروائي العراقي احمد
...
-
التماثل. . ونقيضه. . في رواية تسارع الخطى. .
-
سابع أيام الخلق: بين تقنية المكان، وإستحضار الماضي للحاضر
-
قراءة رواية ليل علي بابا الحزين. . من منظورين مختلفين
-
خانة الشواذي. . . رواية موقف الشخصيات. .
-
بنيات السرد في روايات محسن الرملي
-
هل هدمت. . رواية وشم الطائر. . ثنائية الرواية والوثيقة؟
-
حدائق الرئيس. . بين التناص والإيحاء. . لمحسن الرملي.
-
أرثر ميللر وعقدة اوديب. 3ـ وفاة بائع متجول
-
أرثر ميللر وعقدة اوديب. 2ـ كلهم ابنائي
-
أرثر ميللر وعقدة اوديب. 1 الثمن
-
اوجين اونيل بين.ثلاثي . .الواقعية والرمزية والتعبيرية. 5- ور
...
-
اوجين اونيل بين ثلاثي. . .الواقعية والرمزية والتعبيرية. 4-أن
...
-
اوجين اونيل بين. . .الواقعية والرمزية والتعبيرية . 3- الحداد
...
-
اوجين اونيل بين ثلاثي. . . الواقعية والرمزية والتعبيرية. 2 ا
...
-
مسرحيات اوجين اونيل بين ثلاثي. . . الواقعية والرمزية والتعبي
...
-
ذئبة الحب والكتب.. لمحسن الرملي
-
الفتيت المبعثر. . لمحسن الرملي
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|