|
شيخوخة الماء
مهدي القريشي
الحوار المتمدن-العدد: 6828 - 2021 / 3 / 1 - 20:16
المحور:
الادب والفن
ناجح المعموري
تتسع العنونة وتتعمق وتمتد في الميثولوجيات ، والعلوم الانسانية طوافة فيه وعليه ، تجاعيد الماء لا تفضي الى شيخوخة حاضنة لاثار الزمن ، بل سباحة الهواء / الريح ، الرمز القضيبي فوق السطح . ايها الجنوب / لست وهما / ولا كائناً افتراضياً ولا غيمة تائهة تنقرها الريح بمخالبها / ولكني اجزم / ان سريرك الوثير ما عاد ينفع لعبث قيلولة اللغة / والمقابر ورثة العدم . " الجنوب " نص مكتوب عن تجربة غير معاشة ، بل معروفة في الفلسفة . اعتقد بانها تجربة " نيتشة " وعلاقته مع الجنوب وشعائر حضور الضوء وتأدية الرقص والاستماع للموسيقى الحياة في الجنوب فيضان اللغة التي تمسك بالتدوين مثلما تحافظ على الممحاة . الاشارات عديدة الدالة على السيرة الذاتية لنيتشة . وخصوصاً علاقته مع الجنوب وجنونه الهادئ وهو يتجول في اماكن جماله ويستمع الموسيقى ويرقص ، الشعر تمظهر للموسيقى والاخيرة تدفقات الحركة المنتظمة . الجنوب ، كل جنوب هو طقوس وضوء ، ولم يعرف نيتشه الضوء الا في الجنوب " نحن بحاجة الى الجنوب . وبأي ثمن . نحن بحاجة الى نبرات صافية ، وبريئة ، وفرحة ، ورقيقة " هذا ما قاله نيتشه الذي وجد في الجنوب حضوراً لزرادشت والذي لازمه حتى النهاية . كلما يستيقظ الجنوب / تقطع من صياحاته اغاني الرب / وتسرق من اصابعه قصب الموسيقى / وتثلم من جدار ذكرته . قفزة لص /ص 30// ********************** تشف عنونة " تجاعيد الماء " عن حضور غنائي واضح ، يلف معه شعرية اللغة والصورة التي قال عنها هايدجر هي التي ترينا ما لم نره في اليومي . صورة حاضرة ، وغائبة ، لم نرها من قبل ، تشدنا بقوتها الكامنة باللغة . عنونة الماء صورة زمنة / تجاعيده ، شيخوخة ، وهو شباب ايضا ومثلما قال باشلار : الماء سيد اللغة السائلة ، اللغة غير المتعثرة ، اللغة المتواصلة اللغة التي تجعل الايقاع منسابا ، التي تمنح الايقاعات المختلفة ، المادة المتجانسة ، اذا لن نتردد في اعطاء معناها الكامل للتعبير الذي يفصح عن نوعية شعر سائل ومفعل ، شعر يجري من ينبوع . معجم القريشي ينبوع متدفق ، لغته جراحة ، سحرية النصوص الشعرية في ديوان " تجاعيد الماء " لينة ، شفافة موسيقاها تومئ لإيقاع الداخل والظاهر فوق السطح المائي " المألوف متحرك وراقص هذه هي صورة الماء " . قال بلزاك " ثمة اسرار خفية ، مخبوءة في كل كلام بشري ، لكن السر الخفي ليس بالضرورة في الاصول ، في الجذور ، في الاشكال القديمة .... ثمة الفاظ في قمة الازهار ، في وهج الحياة ، الفاظ لم ينجزها الماضي ، ولم يعرفها القدماء ، معرفة كاملة ، الفاظ هي الجواهر المكنونة للغة . تلك هي لفظة " نهر " . في فلسفة باشلار المعنية بالماء واحلامه ذات التاريخ العميق في الحضارات ، التي تعرفت على اصوات غير مباشرة للماء ..... الماء من بين العناصر كلها ، اصدق مرآة للأصوات . وقال باشلار في كتابه الماء والاحلام / دراسة عن الخيال والمادة . للماء كلام صوت الماء وايقاعاته هاربة . واليومي في حياة الراوي هارب حتى الطرقات متضادة مع حركة الكائن ، وتبدو الموجودات مشوهة محصورة في مكان محدود ، مثير لمخاوف مهدي القريشي واحزانه . وايضا الطرقات المفتوحة مغلقة ببوابات مرتعشة تحت ضغط التعب والنعاس البوابات رمز متنوع ، ذاكرة ، وخزان مرويات . الباب ، مذكر وانثى وعبره يتحقق الاتصال الادخالي وكأن هذا الرمز حاضر مع الماء الذي يومئ للاتصال الاول : الطرقات التي هربت خطواتنا / نحو خاصرة كثيفة الاحلام / الطرقات التي انتهت الى بوابات / مرتبكة بالنعاس / ومقموعة باللذة .... // الطرقات التي تناسلت خديعة / لوت اقدامنا باتجاه المقابر / الطرقات التي في اسفل الدمع / طرقات اطراف المدينة . الطرقات الموحشة لقلة سالكيها / مجنونة مثل اشرعة خانتها الريح ص 52// الماء في نصوص الشاعر عنصر أولي . واللغة فيها روح البدئية بما فيها من دلالات غير متعطلة . بل متحركة ، فيها المعنى والمعاني سيرورة . الماء وتجاعيده مختلف عن الذي رأيناه في اماكن غفيرة ... انه ماء المتخيلات الذي التقطته اللغة الجديدة . الشعر والماء المتخيل غير الذي يتعاشق معه في كل لحظة انه الذي ينفلت ويتحرر من قيود التعرف الما قبل . الماء يومئ لنا ويحضن الماء وصورته البدئية الذي مكان امومياً وابوياً . عرفنا الماء المتخيل في شعر القريشي على طوفان احلامه وتحول مرآة الجمال والحاضن لانوثة لايذة بالذكورة . قال باشلار : الطمى هو غبار الماء ، كما ان الرماد غبار سوف يعطي الرماد او الطمى ، والغبار ، والدخان ، صوراً تتبادل مادتها الى ما لا نهاية من خلال هذه الاشكال المقلصّة تتصل المواد الاساسية ، وهي على نحو ما غبار العناصر الاربعة و " الطمي مادة من المواد المقومة بقوة كبيرة . بهذا الشكل ، حمل الماء الى الارض ، على ما يبدو ، حتى مبدأ الخصوبة الهادئة الوئيدة المطمئنة في احواض الطمي . الماء الذكوري معروف في اساطير سومر . وذكرناه في ابتداء المقال والماء انثوي ايضا ... انكي هو الماء العذب ، ماء القلب المتدفق من ذكورته وملأ به الفرات ودجلة . وللتنصيص اكثر عن طاقة الماء المزدوج الدلالة اسجل لاختتم مقالتي بمقطع شعري دال على المعنى المحفوظ بالأساطير السومرية . .... وكما في الازمنة الغابرة يُمكنكِ ان تنامي في البحر وحفلت اناشيد " الفيدا " بالحليب وطاقته النفسية وقد استثمره لدلالته الرمزية الكبيرة الشاعر والمفكر بيير سانتف : المياه التي هي امهاتنا الراغبة في الاشتراك بالنذور ، تأتي الينا متتبعة سلبها ، وتوزع علينا حليبها . قد نخطئ حقاً اذا لم نر سوى صورة فلسفية غائمة ، حامدة الله على خيرات الطبيعة . فالالتحام اكثر حميمية بكثير ، وعلينا في ما نرى ، ان نعطي الصورة مطلق الكمال ... ان الماء في منطور الخيال المادي ، غذاء كامل مثل الحليب / الماء / والاحلام / ص 176// قال الشاعر " بوكو فسكي " : ولكن كما قال الرب / وهو يضع ساقاً على ساق / ارى اين صنعت الكثير من الشعراء / ليس كثيراً من الشعر / يفيدنا هذا القول بالتأشير الدقيق على الشاعر مهدي القريشي فهو بين القلائل من الشعراء الذين كتبوا شعراً ، عرف كيف يتسلل الينا ويقودنا بليونة سحرية ، واحيانا بغطرسة ، مع صوت ضحكات مرنة ، هادئة ، منسابة في الفضاء ، مقلدة تجاعيد الماء ، وهمسات " الساقية العامية " حسب مصطلح باشلار . " تجاعيد الماء " عنونة ذكية ، حاوية على ازمنة وتواريخ ومرويات . والمثير في هذه العنونة زحمتها بكلام يتكلم كما قال هايدجر عن تراكل . هذا الماء " المرشوش " في النصوص يتكلم كثيراً لدرجة يصل فيها الى الثرثرة الصادمة واحيانا كلام صامت ، يرسم لنا ملامح واشارات لا تقول كلاماً مسموعاً ، بل تصرخ بمسموعات ، تظل مترددة مثل الطنين . البلاد / التي تلعب في حضن الموت / عارية / تنام بعين واحدة / تتحشرج في حنجرتها نفايات الموسيقى / خوفاً من يقين الظلام / هي بلادي / البلاد / التي كلما غسلت شفاهها / ضحكات الاطفال / ازدادت سواداً تودع الشمس قبل الاقوال / وتدخر مبلغاً من النوم / يقظة الصباح بمقاربه .. هي بلادي // تسامت اللغة ، وشفت عن وقائع ومرويات عامة ، هي الروح الكامنة في الحياة ، تسلل لها الشعر السري ، وامسك بها واعاد قولها ثانية وثالثة ورابعة ، حتى الى ما لا نهاية . وارسلها لنا ، فالبلاد ، بلادي ولها خزان سرديات ، تتسلل بالسر ، ويلتقطها شاعر حساس ، ماهر ، مخلق ويعيّد عجنها ، ويكتب على طينتها احلامنا التي كمنت في ذاكرة البلاد .
#مهدي_القريشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوابع بريد
-
ذنوب
-
شيزوفرينيا
-
عتبات فك مغاليق النص
-
نوارس دجلة
-
تكوينات ساخنة
-
ضوء خافت
-
إزار أمي ازرق
-
هطول يلون الارض
-
الشبابيك تستدرج المطر
-
عواء الذئاب
-
الجينات الثقافية
-
تجاعيدالماء ومسارات النص المفتوح
-
روشيرو
-
غيمة بلا مزاج
-
كيف تصبح أديباً فاشلاً
-
أحياناً ... مرتبك انا
-
صباح الخير علاوي الحلة ...السيناريو المحايد
-
انتخابات الادباء والتحديات الجديدة
-
بيت السياب
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|