|
حكايات من جزيرة الواق واق/ الجزء /2
سعد محمد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 6827 - 2021 / 2 / 28 - 23:40
المحور:
الادب والفن
ساحر الصخور شعر أدونا ببركان الغيرة يتفجر في أعماقه من وجود الرجلِ الابيض القادم من المدينة الى الغابة لا سيما بعد أن أستحوذ على مشاعر أكارا التي باتت تتحدث عنه باعجاب وانبهار. ذات مساء أستوقف أدونا الفتاة بعد أن كان يتمالكه الغضب بينما أكارا كانت فرحة وهي تحمل باقة من الزهور لدى رجوعها من بيت الغريب. -أكارا ماذا تفعلين في بيت الرجل الابيض: صرخ أدونا بوجهها!! -ليس لك الحق يا أدونا أن تستجوبني بهذه الطريقة فانا لست زوجتك: أجابت أكارا باكية!! -تذكريّ يا أكارا أن البيض أغتصبوا أمك وصادروا أراضينا وأبادوا قبائلنا وجاؤوا من وراء البحار بأعتى مجرميهم وسفاحيهم من سجون بريطانيا كي يقتلونا ويدمروا وجودنا وغاباتنا وحياتنا... بينما أنت تذهبين كل يوم لمقابلة هذا الرجل الدخيل علينا وتواجده في الجبل يثير الريبة!! -علينا أن لا نسامح القتلة: أردف أدونا معاتباً أكارا. -لكن هذا الرجل الابيض يختلف عن قومه الغزاة والمحتلين وهو يتألم من أجلنا يا أدونا أنه طيب القلب: أجابت أكارا بتوسل!! أنفجر أدونا غاضباً مرة أخرى وهو يدير بظهره... يبدو أن هذا الرجل أثار بك الحنين الى انتمائك الابيض الى دماء أبيك المغتصب إنك ساقطة وخائنة يا أكارا... اللعنة عليك !! رجعت أكارا وكأنها تحمل جبلاً من الاحزان والمواجع في قلبها وهي تبكي في أحضان أمها وتشتكي بما حصل. أما أدونا فقصد مسكن النحات وأوقد النار على مقربة من داره ثم طاف حولها بعد أن عفر وجهه وصدره بمساحيق الصخور الملونة ونفخ في قصبة الديدريجو بأوجاعه وعذاباته... وهو يقبض بيده اليسرى على آلة الصيد الخشبية الحادة "البوميرانج" ملوحاً بها عالياً أثناء رقصته حول النار مطلقاً صراخه المكبوت الذي يستشيط بالغضب والوعيد. راقب النحات من وراء نافذة المشغل جسد أدونا وهو يرقص حول النار وكأنه فراشة تنوي أن تحرق جناحيها أنتحاراً. ثم انسحب بعد رقصته من دائرة النار تاركاً السنتها الملتهبة تتراقص وهو يرفع آلة البوميرانج بعصبية ويدمدم بكلمات يشوبها الغضب والاستنكار. ثم عرج على كوخ الشيخ "أونداجو" محاولاً التأثير عليه كي يطرد الرجل الغريب الذي أستوطن في غابة الجبل. لكن أونداجو رفض طلب أدونا، وأخبره بان هذا الرجل الابيض ضيفنا ولم تصدر منه إساءة، فدعه وشأنه : أجاب المعلم بلهجة آمرة. أنقطعت أخبار أكارا وأنتاب النحات قلقاً وحيرة وهو لا يعرف كيف الوصول لمعرفة أخبارها. تقرب ساحر الصخور من منحوتة فتاة الغابة المستلقية فوق جذع الشجرة وتحسسها بأطراف أصابعه وشعر في أعماقه بجمر يتشظى شوقاً ولوعة تكوي روحه متذكراً لقائه الأخير بعد أن ذهبا الى شلالات الغابة ثم عرجا بعد ذلك الى شجيرات التوت وقطفت حينها أكارا بعضاً من أزهار الغابة. أشرأب ساحر الصخور نحو شجرة الكستناء الضخمة بعد أن قطعت صمت الغابة قهقهات الكوكوبارا الذي كان يتعقب أكارا سابقاً ويقلد ضحكتها!! -أهذا أنت أيها "الطائر الضحّاك" هل جئت تتفقد أكارا أيضاً : أباح ساحر الصخور تنهداته!! في هذا المساء الحزين تطلع العاشق الى منحوتته وهو يعانقها بنزيف الشوق الذي يتدفق من ثنايا روحه مرتلاً!!! "يا ملهمتي .. بحضورك الذي لم يزل يتثائب في زوايا غرفة نومي والنوافذ كم يؤرقني غيابك يا فتاة الغابة أنا الليل الذي ثَمل بأريجك فأدمتنك مثل ناسك يحترق في خلوته وهو يصلب ما بين لوعة الفراق وفرحة اللقاء ما بين طفولتك البريئة وحمى أنوثتك ما بين صمتك وصراخك يالوحشة الغابة وتساؤلات الغياب وأنت تتركين حضورك.. وزهورك البرية وضحكاتك فوق شرفة المساء مثل قمر هجرته النجوم أو عصفور نثرت العاصفة عشه حين توقظين غفوة الورد وتوقدين بقايا الجمر من تحت الرماد تثملني بقايا شفاهك فوق حافة الكأس الأخير وحين تطبعين قبلاتك على المرايا قبل الرحيل يا لدهشة الوصال ورعشة الوجد خلف ستائر الليل ولخطاك المرحة بين الاشجار مثل عنفوان طفل نزق يوقظ الكوالا من نومها فوق أغصان اليوكالبتوس أتذكرين يا أكارا حين أشرت الى القمر وهو يتعمد في محراب ضوئه مع نجمته الوحيدة خلف الشجرة التي كنا نلوذ بها لنسرق آخر القبلات في تهجدات الظلام فوشى القمر بسر خلوتنا الى النجمة مبتسماً وغارت حينها كل المجرات من قبلاتنا!! ... بعد أيام طويلة من فقدان كارا توجع ساحر الصخور حين عرف من عجائز الغابة أنها تزوجت من أدونا ثم نزحا خلف الجبل نحو تخوم نهر "موراي" وأنقطعت أخبارهما عن القبيلة. بقيّ ساحر الصخور معذباً ومهموماً لفراق فتاة الغابة التي لم تبرح روحه ولا أحلامه فقرر بعد أيام أن يترك مشغله وداره وغابة الجبل ويرتحل بعيداً نحو الشمال متعقباً قفزات الكناغر الى جبل "أولجا" والصخرة الحمراء "آولورو" التي تسكنها الارواح المقدسة كي يعيش مع قبائل "البيتجان" التي تقيم في صحراء وسط استراليا.
#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكايات من جزيرة الواق واق
-
مكابدات الرحّال / الجزء الأخير
-
مكابدات الرحّال / الجزء السابع عشر
-
مكابدات الرحال / الجزء السادس عشر
-
مكابدات الرحال / الجزء الخامس عشر
-
مكابدات الرحال / الجزء الرابع عشر
-
مكابدات الرحال/ الجزء الثالث عشر
-
مكابدات الرحّال/ الجزء الثاني عشر
-
مكابدات الرحّال/ الجزء الحادي عشر
-
مكابدات الرحّال/ الجزء العاشر
-
مكابدات الرحّال / الجزء التاسع
-
مكابدات الرحال/ الفصل الثامن
-
مكابدات الرحّال ظ
-
مكابدات الرحّال/ الجزء السابع
-
مكابدات الرحّال / الجزء السادس
-
مكابدات الرحّال - الجزء الخامس
-
مكابدات الرحّال القمر ورحلة البغّال الجزء الرابع
-
مكابدات الرحّال الرحلة الشاقة الجزء الثالث
-
مكابدات الرحّال
-
مكابدات الرحال
المزيد.....
-
العراق ينعى المخرج محمـد شكــري جميــل
-
لماذا قد يتطلب فيلم السيرة الذاتية لمايكل جاكسون إعادة التصو
...
-
مهرجان -سورفا- في بلغاريا: احتفالات تقليدية تجمع بين الثقافة
...
-
الأردن.. عرض فيلم -ضخم- عن الجزائر أثار ضجة كبيرة ومنعت السل
...
-
محمد شكري جميل.. أيقونة السينما العراقية يرحل تاركا إرثا خال
...
-
إخلاء سبيل المخرج المصري عمر زهران في قضية خيانة
-
صيحات استهجان ضد وزيرة الثقافة في مهرجان يوتيبوري السينمائي
...
-
جائزة الكتاب العربي تحكّم الأعمال المشاركة بدورتها الثانية
-
للكلاب فقط.. عرض سينمائي يستضيف عشرات الحيوانات على مقاعد حم
...
-
أغنية روسية تدفع البرلمان الأوروبي للتحرك!
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|