بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 6824 - 2021 / 2 / 25 - 16:27
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مباحث في الاستخبارات (258)
فن ادارة المعلومة
------------
مدخل
------------
تناولنا في المبحث السابق (مبحث 257 قوة المعلومة في القران الكريم) النموذج المثالي في ادارة المعلومة باشكال مختلفة , وتناولنا كيف ان طصاحب القدرة المطلقة القوي (الله سبحانه ) يناور ويدير المعلومات مع جنوده وانبياءه , عليهم السلام , بشكل متقن لتحقيق الاهداف , وكذا الامر مع الانسان ايضا , فعليه ان يعرف كيف يدير المعلومه بشكل يضمن فيها تحقيق الاهداف.
وقد ازداد الاهتمام بإدارة المعلومات في الآونة الأخيرة نتيجة التدفق الكبير للمعلومات عبر الإنترنت ووسائل الاتصالات الحديثة مما أجبر اجهزة الاستخبارات بالتأكيد , على ايجاد الطرق والوسائل المناسبة لتنظيمها وفلترتها ومعالجتها بغرض الاستفادة منها في اتخاذ القرار والتنبؤ على الخطوات المستقبلية (انظر مباحث في الاستخبارات 139 الذكاء الصناعي ).
-------------------------
الادارة او الفوضى
-------------------------
ان ادارة المعلومات علم لايقل اهمية عن ادارة الموارد البشريةو ادارة الاعمال , فجمع المعلومة الاستخبارية ليس هدفاً بذاته , لأن المهم هو كيف ومتى واين نستخدمها , فلابد من ان يدرك راس الجهاز الاستخباري كيفية ادارة المعلومات بمساعدة مركز التحليل , ومثال ذلك ان تعطي معلومة للقيادة تؤكد ان التحالفات الاقليمية ذاهبة الى اتجاه معين , او ان حركة الطائرات في الدولة الجارة تستهدف كذا , او ان الاستشراف يبين ان النتائج يمكن ان تكون كذا وكذا , وهو امر له نتائجه الايجابية والحاسمة .
ان اغلب النزاعات السياسية والانتخابية والامنية والحروب والصراعات الاقتصادية , كان السلاح الامثل فيها لدى المنتصرين هو فن ادارة المعلومة , فأي خلل في الادارة سيؤثر بالمجمل على كل التفاصيل والنتائج.
ومن هنا نستنتج ان المعلومات هي ثروة ثمينة لابد من التعامل معها كأنها سلعة نادرة تحتاج الى ادارة مميزة , ولابد ان تجري ادارتها وفق تقييمات دقيقة ومبتكرة , فالمعلومات منها ماتكون قابلة للتلف , ومنها مايمكن ان تكون قابلة للتبادل والمقايضة , ومنها مايجب ان تكون دفينة بشكل عميق لفترات زمنية طويلة , ولكن في كل الاحوال لابد من ان ترتبط المعلومات بتوقيتات زمكانية كي تكون للمعلومة منتهى القوة والفائدة , وهنا نتكلم عن معلومات اجتازت مرحلة التحليل والتدقيق والاستكمال وفي ارشيف الجهاز الاستخباري تحت اليد.
ان استخدام المعلومة بشكل خاطيء يؤدي لنتائج كارثية , فالمعلومة كالماء ان كانت ادارة المياة السيئة قد تحولها الى سيول وفيصانات واهدار , بينما تؤدي الادارة الجيدة الى ري وزراعة وانتاج غذائي وصرف صحي ومعالجة واسالة واستخدام زراعي وبشري وصناعي وغير ذلك .
ان ادارة المعلومات ربح وخسارة , فائدة وضرر , كإدارة الاموال , فلك ان تتصور لو انك اعطيت معلومة مهمة لشخص سياسي , حينها سينظر للامور بشكل آخر اكثر عمقاً واوسع افقاً , او حين تبلغ مؤسسة حكومية ان فيها فلان يسرق او ان هنالك منفذ للتهريب او موامرة او خيانه , او تسجيل فلم لشخص سياسي وهو يتآمر , او هدر في المال العام , فلك ان تعرف كيف ستساهم المعلومة الدقيقة في تقويم الاداء وضبط الايقاع.
------------------
ادارة الانتاج
------------------
ان ادارة المعلومات على محورين , محور العمل على المعلومات داخل الجهاز , وهي ادارة موارد الجهاز وجميع قدراته في التركيز على الهدف , من اذرع الجمع الى شبكات الجمع والمراقبة الى التحليل و الاستكمال , الى الاستنتاج و اكمال بيانات الملف , اي بحشد طاقات الجهاز الاستخباري للوصول الى المتطلبات اللازمة , وهذا يحتاج برامج وتدريب وتنسيق و خطه و تهديف مسبق والوقوف في المكان المناسب والاستقراء الصحيح والاستشراف.
ومن ثمّ فإن كل مراحل ادارة المعلومات , من استحداث جهاز استخباري محترف , الى هيئة وطنية للاستخبارات لفك التداخل وتوزيع المهام , الى التدريب والتطوير , الى امن المعلومات , الى الانتشار الصحيح , الى التعاون بين اجهزة الاستخبارات , الى توزيع المهام , الى تفعيل كل اذرع الجمع , الى التحليل الصحيح , الى التنبه لخدع العدو , الى التهديف , الى تعاون اجهزة الاستخبارات مع اجهزة الامن , الى التكنلوجيا , الى حماية مصادر المعلومات , الى الانتقال لثقافة الامن المعلوماتي , الى مراقبة وحماية عناصر الاستخبارات , الى بناء الثقة مع المواطن , الى الارشفة الصحيحة , الى انتاج المعرفة لصنع القرار الصحيح , الى استخبارات محترفة تكون عين لعقل الدولة , كل تلك المفردات وتفصيلاتها هي مراحل ادارة انتاج المعلومة (انظر مبحث 18 توزيع المعلومات).
----------------------
توزيع المعلومات
----------------------
اما المحور الثاني , فهو مخارج المعلومات المنتج , وهو بشقين , توزيع ضمن تسعة محاور , وتوزيع بحسب حاجة القيادة السياسية ومصالح البلد , وهنا يدخل فن ادارة المعلومة الصحيح عن ماذا نخفي وماذا نقول وماذا ننشر وماذا نسرب وماذا نثير وماذا نوزع , واية معلومة مناسبة الآن , واية معلومة يجب ان ترسل , ولمن ترسل , واعتماد التوزيع العلمي للمعلومات , والى تحديد المخرجات الصحيحة والمستمرة.
ان ثلث المعلومات التي ينتجها الجهاز المحترف يتم توزيعها , وسبق ان ذكرنا تسعة محاور للتوزيع الاستخباري , وان الثلثين المتبقية من منتج الاستخبارات هي معلومات لا تحمل صفه الاسبقية الامنية وغالبا تكون مادة اساس لادارة المعلومات وانتاج الاستشراف الامني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي , كنوع من تحديد الفرص والتهديد.
ان توزيع المعلومة هو حرص امني وفن اداري , وهو الحاصل النهائي للعمل الاستخباري , ويتطلب التوزيع حذقاً ودقة , لأنّ الخلاصة الاستخبارية هي ابرز العوامل التي تبنى وفقها القرارات الاستراتيجية , وتقسم محاور التوزيع (علمياً) إلى تسعة محاور هي بشكل مختصر (انظر مباحث في الاستخبارات 18 توزيع المعلومات):
1- توزيع راسي أو قيادي : خلاصات مع بيان رأي لاصحاب القرار
2- توزيع قضائي : ملفات ترسل إلى الجهه المكافحة المعنية بالمعالجة .
3- توزيع معالج أو توزيع ميداني : وتكثر هذه الطريقة في الاستخبارات العسكرية والجبهة , مثلا ضابط راصد متقدم في عمق الجبهة يرسل احداثيات إلى المدفعية أو الطائرات المسيرة أو دوريات الاستطلاع في الميدان .
4- توزيع مرجعي : معلومات تخص تخص جهاز استخباري آخر داخل البلد .
5- توزيع دوري : ملف أسبوعي أو شهري أو فصلي عن نشاط العدو ويوزع (حسب الاتفاق مع القائد العام أو الوزير المعني) إلى مراكز دراسات أو قيادات البلد أو قادة الأجهزة الامنية حسب الضرورة والحاجة
6- توزيع تبادلي : وهو مايتم تبادله من معلومات مع الدول الصديقة أو المتحالفة أو غرف العمليات المشتركة بين جيوش الدول , وفق بروتوكولات محددة.
7- توزيع خاص أو محلي أو مقطعي : كأن تحصل الاستخبارات على معلومات تخص إحدى الوزارات فترسل إليها مايفيدها من معلومات .
8- توزيع إعلامي : تتقصد الاستخبارات (لاغراض منها الحرب النفسية) أن تسرب بعض المعلومات ( صحيحه , مغلوطة , مفبركة) للصحافة دون ان تشعر الاخيرة بها , فالجهاز الاستخباري يتدخل في بعض الاحيان في توقيت نشر المعلومة وموارد استخدام المعلومة , فأمن المعلومة لا يتعارض مع ادارتها و نشرها بالوقت والمكان المناسب (انظر مبحث 122 امن المعلومة).
9- توزيع الملحق : أو ما يعرف عسكرياً بالملحق الاستخباري الذي يرفق بملف الخطة العسكرية وتقدير الموقف العام.
-------------------
استباق الخطر
-------------------
ان الاستشراف هو احد مفاهيم الادارة الصحيحة للمعلومة (انظر مبحث التهديف 103 ) , وهو احد مراحل الجهد الاستخباري الذي يضمن ان يكون للاستخبارات استشراف واستباق الغرض منه ادارة صحيحة للمعلومات.
فالجهاز الاستخباري يعرف الرؤية الاولية ويذهب للتحضير لها , اي انه يستبق الاحداث بما يشبه عمل التخطيط المتقن , فكما تفعل اجهزة التخطيط الحكومية في تحديد الاحتياجات لعدد المشافي والمدارس وحجم احتياجات الامن الغذائي والمياه الصالحة للشرب المطلوبة , وماتفعله شركات الهاتف حين تضع برنامجاً تطويرياً على اساس التعداد السكاني , وهكذا الامر مع وزارات الطاقة , فكذلك تحصي الاجهزة الاستخبارية التهديدات والتحديات المتصاعدة وتذهب الى قلب التحدي والتهديد وتقييم ما مطلوب لتركز على انتاج المعلومات .
اي انها تقوم بادارة صحيحة لانتاج المعلومة , فادارة المعلومة توجب ان يعرف الجهاز الاستخباري المتغيرات ويفهم الساحة جيداً ليحدد مكانه , وان يذهب قبل الجميع ويقف هناك في المكان الصحيح , ف"المعلومات لمن يحتاجها" قد يكون شعاراً متواتراً , لكن "المعلومة لمن يستحقها ويفهمها ويحتاجها" , وهو الافضل.
والامر يشبه كثيرا الذكاء الصناعي في منظومات السوشال ميديا , فهي تعرف رغباتك و تضع لك اكثر الامور التي تدخل لها , فاذا بحثت في كوكل عن مطاعم , سترى لاحقاً مقترحات تظهر امامك عن مطاعم , اي ان الذكاء الصناعي عرف رغباتك , وذات الأمر في يوتيوب , فان كنت متابعاً الى صنف من الموسيقى و الافلام ستظهر على هاتفك كفيديوات مقترحة .
-------------------
ادارة التهديف
-------------------
ان التهديف الاستخباري هو المرحلة التي ينتهي فيها العمل على المعلومة الاستخبارية , والانتقال الى مجال الافادة من المعلومة المتحصلة , سواء تتم الافادة من المعلومة لاتخاذ قرارات سياسية او اقتصادية او بكشف التهديدات العسكرية والامنية وغيرها من الفوائد (انظر مباحث في الاستخبارات 103 التهديف).
ان اربعة فقرات من جهات التوزيع التسع التي عددناها هي فقرات التهديف الاستخباري , وهي التوزيع القضائي والمحلي والاعلامي والملحق , ففي التوزيع القضائي ستتمكن الاجهزة المكافحة من القبض على المجرمين وتسليمهم للعدالة بناءاً على معلومات استخبارية , وكذلك في التوزيع المحلي ستتولى الاجهزة المكافحة في محافظة بمكافحة جريمة ما وفق معلومات استخبارية , وفي التوزيع الاعلامي سيتم استهداف العدو من خلال رد اشاعات للعدو او من خلال حرب نفسية تشن ضد العدو , وهو استهداف استخباري مهم , كما ان الملحق الاستخباري هو ملحق يستهدف العدو عسكرياً ضمن وقت ومكان محددين , فهو استهداف استخباري.
وهنالك موارد اخرى للتهديف يصعب تصنيفها لتنوعها, ففي بعض الاحيان (اثناء التحقيق) تحتاج ان تفاجىء المتهم بمعلومات تدفعه الى الاعتراف والاستسلام امامك , فهنا تستخدم ادارة المعلومة للاستنطاق والاجهاز على ممانعة ومقاومة المتهم .
------------
خلاصة
------------
ان المعلومات الاستخبارية هي بمثابة بضاعة ثمينة ومهمة , وبعضها له تاريخ صلاحية , ويجب أن تذهب إلى جهات محددة ومُعرّفة وبلا لبس بتوقيت مناسب , فبقاء المعلومات في الارشيف , كمن ينتج بضاعة ثم يخزنها حتى تنتهي صلاحيتها , ويساهم التطبيق العلمي والصحيح للتوزيع في تطوير وتسريع العمل الاستخباري ويحقق النتائج المرجوة , اما الاجهزة المفلسة استخبارياً فتذهب إلى التوزيع العشوائي والإكثار من المراسلات والمخاطبات لسد عيوب فقدان المعلومة , فالجهاز الذي يوزع كل مايصل إليه فهو جهاز فاشل ويفتقد الاذرع وليست لديه مصادر ويعتمد على الاخبار ويسرع لإرسالها.
ان توزيع المعلومات مهمة دقيقة , وعلمية ولا تقل اهمية عن استحصال المعلومات , فعدم توزيع المعلومات بالوقت المناسب وإلى المكان المناسب يسبب ضياع جهود كبيرة يبذلها جهازا الجمع والتحليل والكادر الاداري برمته , كما ان التسرع في ارسال المعلومة يضر بالعمل الاستخباري , وتبقى مؤسسة الاستخبارات هي صاحبة القرار الفيصل والأهم وهي صاحبة الاجابة عن ( لماذا وأين ومتى وكيف) , والفهم الصحيح للمجريات يجعل اصحاب القرار في مأمن من الزلل عند اتخاذ قراراتهم بعيدا عن الارتجال و الانفعال , والله الموفق.
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟