|
من يضمن أمن إسرائيل؟
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1623 - 2006 / 7 / 26 - 08:54
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
لن يمحو الزمن بسهولة، تلك الصور المحزنة، كما غيرها سابقاً، والتي خلفتها آلة الدمار الحربية الإسرائيلية العمياء، التي لم ترحم طفلاً، ولا شيخاً، ولا امرأةً، ولم توفر بيتأً، أو طريقاً، أو منشأة. لن تمحا تلك المشاهد الهمجية المتوحشة، من ذاكرة، وقلوب، وعقول سكان هذه المنطقة. اسم إسرائيل، الذي أصبح يعني، بالنسبة لهم جميعاً، الموت، والخراب، والعدوان، بمن فيهم، أولئك الذين يحاولون تبرير هذه المجازر، والفظائع، والأهوال، تحت شتى المسوغات الباهتة الخرقاء. مناظر تترك في النفس كل مشاعر الأسى، والحزن، والألم من السادية العسكرية، المتوحشة المنفلتة التي تحدث تحت مرمى، ومسمع، ما يسمى العالم الحر، والمتمدن، الذي يسهّل، ويغضّ الطرف، عن هذه المذابح الجماعية، وحرب التهجير، والإبادة الشاملة. وتولد لدى كل طفل فقد أباه، وكل أم ثكلت، وفجعت بأبنائها، وكل أب خسر فلذات كبده، مشاعر إحباط، ورغبة عارمة بالثأر، والانتقام، من المعتدين الآثمين القتلة، وجنرالات الاحتلال الغزاة، ومصاصي الدماء. شعور عام متجانس، ومتصاعد، يتشكل في الوعي، واللاشعور الجمعي الفطري العام، ويتوالد بقوة، ويكبر هذه الأيام، مع سيل الصور المؤلمة، التي تتاقلها وسائل الإعلام المختلفة، والفضائيات. ولن تفلح معها، كل آلات التطبيع، وأبواق الخزي، والعار، وصحف الهزيمة الصفراء، وتبريرات الفهلوين الشطار في التخفيف من، أو التحكم بمشاعر السخط العام.
قد يفهم، تماماً، أن تناصب إسرائيل العداء لحزب الله، ولكن من غير المفهوم، أبداً، أن تصب جام غضبها على كل لبنان، بكل مكوناته. فهذا يضع، في الحقيقة، أكثر من علامة استفهام على هذا السلوك المريض، والمبهم، ويقوض، في آن، ادعاءات الموالين لها. إسرائيل، ومن خلال ضرباتها الأخيرة، أرادت أن توحي، وتؤكد، مسلمات بديهية، ومعروفة مسبقاً، بأنها عدو للجميع. لقد ضربت مناطق مختلفة، وأهداف مبهمة، لا ناقة لها، ولا جمل، في هذا الصراع. محطات تلفزيونية مختلفة، تجاهلت الحرب، ووقفت على الحياد، مصانع للأدوية، وحليب الأطفال؟؟؟؟!!!. جسور يستخدمها اللاجئون للفرار، وهرباً من الموت والدمار، سيارات لاجئين، هوائيات إرسال الخليوي، جسور، ومطارات، يستخدمها اللبنانيون جميعاً، ودون استثناء، والحبل على الجرار، كل هذه كانت أهدافاً عسكرية إسرائيلية يومية، وتعرضت للدمار. وكانت إسرائيل تؤكد في كل عملية عسكرية، أنها ليست عدو لحزب الله فقط، بل إنها عدو للمدنية، والإنسانية، ولكل لبنان. أهداف تجعل المرء يترحم على المغول والتتار، ويبكي في ذات الآن، على كتبة السلاطين، ومراثيهم الحمقاء، في مواويلهم البكائية المنحطة النشاز.
النظرية الغبية التي تحاول إسرائيل أن تحققها من خلال استهداف جميع المرافق الحيوية اللبنانية، واللبنانيين أجمع، هي استثارة، وتأليب اللبنانيين ضد حزب الله، ولكن ما حصل هو العكس تماماً، إذ أن معظم اللبنانيين، ومعهم الشارع العربي، قد توحّد ضدها في هذا الصدد.
إن كل المساعي الديبلوماسية الغربية، والجهود العربية المتواطئة سراً، وعلناً، مع هذا الكيان، ومنذ نشوء إسرائيل، وقيام كيانها السرطاني، في قلب هذا الجزء الهام من العالم، كانت تعمد لاستيعاب هذا الوليد المسخ الهجين، والمشوه الغريب، وقبوله كعنصر فاعل، وقادر على التعايش مع عموم شعوب هذه المنطقة، المتباينة الملامح، والسمات، والتوجهات. إلا أن النهج العدواني، والعقيدة الحربية الهوجاء، وهاجس السيطرة، والتمدد، كان في كل مرة، يبدد هذه الأوهام القاتلة. قد تستطيع إسرائيل أن تهزم أية قوة عربية عسكرياً، لكنها عاجزة أن تهزم روح، وعزيمة هؤلاء الناس، الذين يكنون لها كل مشاعر الحقد، والسخط، والاستنكار. وهذه حقائق يومية ساطعة، باتت طافية على السطح العام، ومن الحماقة والغباء التنكر لها، أو محاولة إلباسها أي رداء من الديبلوماسية والرياء.
صواريخ حزب الله هي البداية. وتعبير عما يعتمل في صدور كثيرين، وليس قادة، ومقاتلي حزب الله، تجاه هذا الكيان المشبع بنزعة الحرب، والعدوان. وهذا ما سيحصل، حتماً، حين تمتلك أية جهة عربية قوة ردع، وسلاح قادر على إحداث الوجع. إنها بداية النهاية، حيث سقط حاجز الوهم الخرافي، الذي حاولت أن ترسمه إسرائيل، بمعية أنظمة الطغيان، التي مازالت تروّج، وحتى الآن لاستحالة مقارعة، أو هزيمة هذا الكيان. هذا الاجترار الأجوف، وغير المنطقي، الذي يخالف سيرورة التاريخ، ومنطق الأشياء، واتجاه الحياة.
يخطئ جداً جنرالات إسرائيل، وسياسيوهم، ومن يدعمهم في عواصم القرار، بإن هذه السياسات العدوانية الإسرائيلية، قد تجلب الأمن، والأمان، والديمومة لإسرائيل، بل، على العكس، تخلق عوامل التحلل، ومن ثم الفناء الكلي، لهذا الكيان. وهي تصب في خانة تقويض نظرية الأمن الإسرائيلية، لا تعزيزها، أو استمرارها، والتي حاولت أن تبنيها، عبر الاستخدام المفرط، والغاشم للقوة، غير آبهة بكل المواثيق، والأعراف الديبلوماسية، والمعاهدات الدولية.
مع هذه المشاهد المرعبة، والفظائع، والمجازر، تنمو، وتزدهر، وتعمل تيارات التطرف. والجماعات الإرهابية المختلفة، جاهزة لاستثمار هذه "الهدايا الإعلامية" الإسرائيلية المجانية، وتعزز من توجهاتها وادعاءاتها، في برامجها السياسية، التي تستقطب شرائح واسعة من جمهور غاضب، ومتعطش لتفجير مكنوناته، ومكبوتاته، والتعبير عن نفسه، بشتى الأشكال الاحتجاج العنفي، والسلمي منها.
والسؤال الذي يرعب مخططي التفكير الاستراتيجي، وفي ظل هذه الأجواء العامة المكفهّرة، من التشنج، وعدم الثقة، والعداء، ما هو مصير الدولة العبرية، لو امتلكت جماعات متشددة أخرى، أسلحة تدمير شامل، وهي ليست بمنأى عن ذلك، في ظل تنامي مشاعر الحقد، والكراهية العامة لهذا الكيان، وفي ظل إمكانية توفير هذه الأسلحة من مصادر سرية، ومختلفة، أو صنع قنابل تدمير شامل بدائية، وهذا ربما متاح بشكل أكبر الآن؟ وفي هذه الحالة، قد تكون صواريخ حزب الله مزحة خفيفة، و"لعب عيال". احتمال خطير جداً، وسيناريو مرعب، وإن بدا غير قابل للتحقيق الآن، وبعيد المنال، إلا أنه وارد، وممكن الحدوث، في قادمات الأيام. وعند ذلك، سيكون مصير إسرائيل مجهولاً، تماماً، وفي "الباي باي".
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنّ حِزبَ الله هُم الغَالِبون
-
حُبّاً بِعليّ، ونِكايَة بمُعاوية
-
اللّهُمّ اخْذلْ مَنْ خَذَلَهْ
-
اغزوهم قبل أن يغزوكم
-
متى سَتُرَفْرِفْ هذه الأَعْلام؟
-
الدّمُ الحَرَام
-
مُنتخب فرنسا:عندما يَصْنعُ المُهاجِرون الأمْجادَ
-
عبيرالعراق:اغتصاب الأموات
-
نساء العرب وخيبة الآمال
-
نهاية التاريخ العربي
-
المونديال وهزيمة الذات
-
الديمقراطية العلمانية
-
غربة الفكر العظيم
-
الزرقاوي: نهاية الأسطورة
-
مسلسل النكسات القومية
-
أصنام المعارضة السورية
-
نعوات بدون عزاء
-
ميشيل كيلو: طرق المحرمات
-
ديمقراطية الطوائف
-
الدهاء السياسي، واللعب على المتناقضات
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|