باقر الفضلي
الحوار المتمدن-العدد: 1623 - 2006 / 7 / 26 - 08:25
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
لبنان ألذي يحترق، ألدولة ألمنتهكة أراضيها، ألمسلوبة هيبتها، ألتي تعصف بها رياح ألهمجية وألعدوان، وتمزق شعبها قذائف ألحقد وألكراهية..، لبنان يقف أليوم ببطولة وشجاعة متناهيين صامدا بوجه أعتى هجمة بربرية تشنها دولة عضو في ألأمم ألمتحدة وأمام مرأى وسمع المجتمع ألدولي، ألذي يقف واهنا بكل جبروته وعظمته ومؤسساته ألشرعية ومنظماته ألأجتماعية، عاجزا أن يوقف ألعدوان ضد شعب مسالم، تزهق أرواح أبناءه وتدمر حضارته، فقط نزولا عند عنجهية وعجرفة بلد تجاوز كل شرائع ألأرض وألسماء، وتخطى كل حدود البربرية وألهمجية ألتي أعتاد ألعالم على تلقيها من غزوات أسرائيل ألمتواصلة على الشعبين ألفلسطيني وأللبناني على مدى عقود من ألسنين..! أنها إسرائيل أيضا...؟
لنترك ألخطاب ألأنفعالي جانبا، لأنه ليس بمقدوره أن يوصلنا ألى ألحقائق، ولندخل في جوهر ما يجري في لبنان على ألصعيد ألميداني وألسياسي؛ فما يجري في لبنان والعراق وإن إختلفت ألمظاهر، أمر يذيب ألحجر، فإن كان ألأرهاب عموما، وإرهاب ألدولة "إسرائيل" بشكل خاص، أعمى، فإن ألسياسة، وليس علمها، بكماء..!
ألسياسة لا تعرف إلا طريقا واحدا، أقل مايقال عنه؛ إنه طريق تحقيق ألمصالح، ولا يهم بعد ذلك لو تطلب ألأمر ألملايين من ألضحايا..! وهكذا كان ولا يزال ديدن ألحروب وما تجره ورائها من ألويلات وألالام..!؟
قبل عقد ونيف من ألسنين، إعتادت ألدول ألتي تتعرض لأي عدوان من قبل دولة أخرى، ألجري ألى ألشرعية ألدولية ألمتمثلة بألأمم ألمتحدة لطلب ألحماية عملا بأحكام ميثاق ألأمم ألمتحدة ألصادر في 26 حزيران 1945 في سان فرانسيسكو. ومن ألأمثلة ألتطبيقية لتلك ألأحكام، لجوء دولة ألكويت، ألتي تعرضت لغزو ألنظام ألعراقي في 2/8/1990، ألى ألأمم ألمتحدة لوقف ألغزو وإنهاء آثار ألعدوان..!
ما جرى على هذا ألصعيد؛ أن ألشرعية ألدولية في تكييفها لذلك ألغزو، كعمل من أعمال ألعدوان، كانت جادة في تطبيقها لأحكام ألميثاق، ووضعت حيز ألتنفيذ أحكام ألفصل ألسابع من ألميثاق، ألذي ومن خلاله أنهت حالة ألعدوان على دولة ألكويت، وكبلت ألعراق بسلسلة من ألعقوبات ألسياسية وألعسكرية وألأقتصادية، ألتي كانت نتائجها وبالا على ألشعب ألعراقي نفسه..!؟
وها هي ألآن دولة لبنان ومنذ أكثر من عشرة أيام تتعرض ألى نفس ألظروف ألتي تعرضت لها دولة ألكويت قبل ستة عشر عاما، من منظور ألشرعية ألدولية ، ومهما كانت ألذرائع ألتي تتذرع بها دولة إسرائيل، فأن ما تقوم به من أعمال بربرية في لبنان، لايمكن تكييفها إلا بالعدوان طبقا لأحكام هذه ألشرعية، رغم إختلاف وجهات ألنظر من قبل أطراف ألنزاع..!
إن ألجديد في ألأمر، ورغم ألتشابه بين ألحالتين أللبنانية وألكويتية، من أوجه متعددة، فإن النجاح ألذي رافق عملية وقف ألعدوان على دولة ألكويت، وألفشل ألذي أوهن مجلس ألأمن ألدولي من وقف ألعدوان ألأسرائيلي على دولة لبنان، لم يكن مردهما بأي حال من ألأحوال ألى تغير في أحكام ميثاق ألأمم ألمتحدة، ونصوصه ألمتعلقة بطبيعة ألأجراءات ألتي يلجأ أليها طبقا للفصل ألسابع من ألميثاق في مثل هذه ألأحوال، بل إن هذا ألتعامل ألجاري حاليا من قبل ألشرعية ألدولية مع ألغزو ألأسرائيلي لدولة لبنان، إنما مرده ألى ألتغير ألحاصل على طبيعة ظروف تطبيق أحكام ألشرعية ألدولية وشروط هذا ألتطبيق..!
فبعد توقف ألحرب ألباردة في نهاية ألثمانينات من ألقرن ألماضي ، وتغير موازين ألقوى على صعيد ألعلاقات ألدولية، وما أستتبع ذلك من إخفاقات عصفت بمجمل حركة ألتحرر ألوطني في ألعالم ، وبالخصوص في منطقة ألشرق ألأوسط ، وما أفرزه ذلك من بروز قوى سياسية جديدة وقيادات أكثر راديكالية من سابقاتها في أواسط ونهايات ألقرن ألماضي، وبأيديولوجيات شعبية تغلب عليها ألمسحة ألدينية، لم تستثنى منها ألمنطقة ألعربية ، مضافا ألى كل ذلك تداعيات أحداث ألحادي عشر من سبتمر/2001 في نيويورك، وألتي رسمت خطاّ جديدا لمسار ألعلاقات ألدولية وأفرزت مفاهيم جديدة، تداخلت حتى مع نصوص ميثاق ألأمم ألمتحدة، وبدت وكأنها جزء منها..! كل ذلك قد ألقى بظلاله على نشاط وفعالية ألشرعية ألدولية، وأوجد ظروفا جديدة كليا وجدت إنعكاساتها في أداء هذه ألشرعية في مجال ألصراعات وألنزاعات ألأقليمية. بل وأبعد من ذلك، حد ألتدخل في ألشؤون ألتي تتعلق بسيادة ألدول، ألتي هي من أركان منظمة ألأمم ألمتحدة ألرئيسة..!
جرى كل ذلك بالتوازي مع ألنمو ألمتسارع لعملية ألعولمة بأشكالها ألمختلفة، إن لم يكن ذلك من نتائجها ألطبيعية ، ألأيجابية منها او السلبية. ويعتبر مفهوم " ألأرهاب" من ألأفرازات ألمهمة لهذه ألعملية، وألمؤثرة غاية ألتأثير في سياق عملية ألصراع ألسياسي على كافة ألمستويات، سواء ألدولية منها أم ألأقليمية، بل وحتى داخل ألدول نفسها. وباتت مضامين هذا ألصراع تقاس وفقا للتفاسير ألمختلفة لمفهوم "ألأرهاب " نفسه من قبل ألجهة ألمعنية..!
هذا بدوره قد أوجد حالة جديدة من ألتعامل وبناء ألعلاقة مع ألمنظمة ألدولية من قبل ألدول ألخمس ألأعضاء ألدائمين لمجلس ألأمن، على سبيل ألحصر، ومنحهم، وبالذات ألولايات ألمتحدة ألأمريكية وبريطانيا، مساحة واسعة في تفسير ألأحداث وألصراعات، سواء بين ألدول أو داخلها، من منظور فهمها لمدلولات مصطلح "ألأرهاب" وتكييفه طبقا لما يلائم مصالحها..! وهذا ما وضعها، من منظور ألقانون ألدولي، في تعارض مع أحكام ألشرعية ألدولية نفسها، وبألتالي وعلى ألصعيد ألتطبيقي، حررت هذه ألدول نفسها من قيود وإشتراطات ألشرعية ألدولية ، وأخذت على عاتقها ودون ألرجوع ألى ألهيئة ألدولية، مسؤولية تطبيق ألقانون ألدولي...!
فعلى صعيد ألممارسة، لم تعد أعمال "مكافحة ألأرهاب" غاية بحد ذاتهاعلى ألصعيد ألدولي، بقدر ما أصبحت من ألوسائل ألفعالة في يد ألدول ألكبرى في فرض أجنداتها في ألتغيير ألسياسي وألأقتصادي للدول ألأخرى. وقد أفرزت هذه ألتغيرات إشتراطات جديدة على ألصعيد ألدولي، تجسدت بعضها في مشاريع محددة ، منها ألمشروع ألأمريكي- ألبريطاني لنشر "ألديمقراطية " في ألعالم، وألذي لقي ألأستجابة من قبل بعض ألقوى ألسياسية في ألبلدان ألتي كانت ترزح تحت أنظمة حكم ديكتاتورية أو توليتارية، لا تعطشا لمشروع ألديمقراطية نفسه، بقدر ما هو تشبثا بما يسمى بألعامل ألخارجي للخلاص من أنظمة ألحكم ألمذكورة..!
من جانب آخر ؛ فلم ترق ألقيادات ألسياسية ألجديدة، وخاصة ألأسلامية منها في ألشرق ألأوسط على سبيل ألمثال ، ألى مستوى ألتغيرات ألمشار أليها ، بل إنها تعاملت مع ألواقع ألجديد لعملية ألصراع من موقع ردة ألفعل، وبوسائل تعود في أصلها ألى ألماضي، فإن كانت قد نجحت فيما مضى من ألزمن، فإنها لم تعد تصلح أليوم. بل على ألعكس، فإنها ورغم ما تمتلكه من شرعية من وجهة نظر أصحابها، فإنها قد تحولت ألى حافز وذريعة بيد أطراف ألنزاع ألأخرى لتستخدمها كأمثلة لدعم ألتفسيرات ألجديدة لطبيعة ألصراع، وألأنطلاق منها في وضع مشاريعها في ألتطبيق. وما يشار اليه أخيرا من "شرق أوسط جديد" إلا تعبير عن ذلك..!
ما يجري في لبنان أليوم لا يخرج في جوهره من إطار ما تقدم، وليس لبنان تحت وطأة ألغزو وألعدوان ألأسرائيلي ألغاشم إلا ضحية من ضحايا ألقراءة ألخاطئة للواقع ألدولي ألراهن وجملة ألمتغيرات ألعاصفة ألتي إكتسحت ألعالم عبر ألعقدين ألأخيرين من ألزمن. فألقدسية ألتي تم إضفائها على ألمقاومة لا تعفيها من إرتكاب ألأخطاء، في نفس ألوقت ألذي لا تمنحها سلطة ألأنفراد في إتخاذ ألقرارات ألخطيرة، ألتي تمس مصالح ألوطن ومستقبله..!؟
ولا أظن أن ألقول بأن؛ " ألموقف ألسلبي من قبل ألدول ألعربية هو ألذي أعطى ألضوء ألأخضر لأسرائيل في ألرد بهذا ألعنف ألغير متوقع"، يصمد حجة بيد أصحابه، حيث أن ألأقدام على أي خطوة مهما كانت ضئالتها في مثل ظروف لبنان، وفي ظل خلفية قرارات مجلس ألأمن ومنها القرار 1559، تستوجب دراسة معمقة وحنكة سياسية عالية تأخذ بالحسبان كل ألنتائج ألتي يمكن أن تترتب على ذلك، مع ألمشاركة ألحقيقية لكافة أطراف أللعبة ألسياسية أللبنانية ألتي يهمها مصير ألبلاد، خاصة إذا ما علمنا بأن ألتعامل مع لبنان على ألصعيد ألدولي يجري بإعتبار لبنان دولة ذات سيادة ولها حكومتها ألدستورية ألمنتخبة ديمقراطيا. وهذا ما أستخدمته إسرائيل حجة قانونية في مواجهتها..!
وهذا هو أحد ألأسباب ألتي عملت على إخفاق ألشرعية ألدولية في وقف ألعدوان ألأسرائيلي عل دولة لبنان من جهة، وفتح ألطريق أمام إسرائيل وبمساندة ألولايات ألمتحدة ألأمريكية وألدول ألأوروبية في ألأستمرار بتنفيذ ما يسمى بمشروع ألشرق ألأوسط ألجديد" حتى ولو جرى ذلك على حساب ألوف ألضحايا من ألشعب أللبناني، وتدمير لبنان..!
#باقر_الفضلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟