أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جيل بيرو - -اصدقاؤهم...... شيئ من التاريخ المطمور-















المزيد.....



-اصدقاؤهم...... شيئ من التاريخ المطمور-


جيل بيرو

الحوار المتمدن-العدد: 1623 - 2006 / 7 / 26 - 05:29
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الفصل الأول: محمد الخامس
سيردد ابنه الحسن الثاني بفخر أمام الصحافة الأجنبية قائلا: "أنا الذي ولد على عتبات العرش ...! " أما هو فقد ترعرع في مطابخ القصر، محتقر من أبيه ومن أخويه الأكبر منه، مضطهد من قبل الحاجب عظيم السلطة ومستخٞف به من جانب أفراد الحاشية. صبي معتل، منغلق، مرتاب. لا النصر ولا السلطة يمحيان عن وجهه البالغ غمامة الحزن الباقية من سنوات الطفولة. عندما مات والده سنة 1927 كان عمره سبعة عشر عاماً وكان مشتهراً بحبه للنساء وللمال، أي أنه، باختصار، كان يُعتبر عديم الأهلية. لذا فضله الفرنسيون على أخويه، ظناً منهم أنه سوف يكون بيدهم مليكاً مطيعاً، لا تعارض أهواؤه على أن يبقى بعيداً عن تسيير دفة الحكم. لقد أخطأوا في التقدير بلا أدنى شك وتوجوا أخطرهم. لم يعرفوا أن الطفولة السعيدة التي تصنع الرجال الوديعين وليس العكس !. في 18 نوفمبر 1927، حين دخل الفتى المنغلق مدينة الرباط بمراسيم احتفالية، والطقس كئيب، كانت لديه تارات عديدة. دخل ممتطياً حصاناً أبيض، الماء يتساقط حول المظلة التي يحملها فوق رأسه جندي من الحرس الأسود: تنصيب حزين لعاهل مملكة أسيرة! إنما ماذا تنفع الحدة والاندفاع؟ الزمن ليس للعصيان الذي يخمد بسرعة، إنه زمن الكتمان والصبر الطويل، إنه تلاؤم تام بين الرجل ووطنه، المغرب يعيش الذل منذ خمسة عشر عاماً وسلطانه الشاب يعيشه منذ سبعة عشر عاماً.

منذ الاجتياح العربي في سنة 681، لم يخضع المغرب للاحتلال طيلة ثلاثة عشر قرناً. الامبراطورية العثمانية كانت تنتهي عند حدوده، في الجزائر ولكن، على مدى تلك القرون لم تتوقف الحروب. يدرس المؤرخون بحيرة هذا التاريخ الصاخب والبسيط في آن، هذا التاريخ الذي تعيد إنتاجه الحوافز نفسها عصراً بعد عصر. السلطنة في المغرب ليست وراثية، العلماء، أي رجال الدين العقلاء، هم الذين يختارون الوريث، غير أن معظم السلاطين يحتاطون في حياتهم بأن يولون أبناءهم المفضلين قيادة فرق قوية ومخلصة، حتى إذا آن الأوان تمكنوا من ترجيح اختيار العلماء في الاتجاه الملائم لهم. وحتى حين تحل مشكلة الخلافة بالتوافق، لا تكون المسألة قد انتهت بعد، إذ تجري مناقشة بنود البيعة، وهي عقد الولاء للسلطان الجديد، من قبل مجالس الأعيان في كل منطقة. إنه عادة صراع عنيف يدور حول قيمة الضرائب المفروضة والمتفق عليها. وإذا لم يتم الاتفاق، خاصة في المناطق الجبلية، تدخل القبائل في حالة العصيان، وذلك دون أي شعور بالخيانة لديها هكذا يحافظ على احترام السلطة الروحية للسلطان أمير المؤمنين وتسقط اللعنة على جباته، ممثلي السلطة. هذه السلطة التي أطلقوا عليها تسمية دالة "المخزن"، لأنها مركز تجميع الضرائب النقدية والعينية. وهكذا أيضا يحدث مراراً أن تكون فرق الملك المخلصة مهزومة، مذبوحة ومقطعة الأوصال، بينما ينحني المنتصرون باحتشام أمام أمير المؤمنين ويتلون الصلوات برفقته.

أن مملكة السلطان ذات هندسة متبدلة بشكل مستمر، حيث يرسم ميزان القوى فيها، المتغير أبدا ، الحدود بين بلاد المخزن التي يمارس العرش سلطته عليها وبين بلاد "السيبة"، أي منطقة العصيان. وتتغير التحالفات فتنتقل القبائل الموالية إلى حالة العصيان حين يتهيأ لها أن المخزن في وضع يمكنه من الحصول على مقدرة خطيرة في المستقبل، أو تتحالف قبائل أخرى مع السلطان عندما يظهر أن فصيلة منشقة مجاورة بدأت تأخذ وضعية مقلقة، وفي مواجهة بعض الرعايا المستشرسين في قنع تثبيث، سلطة متمكنة، يجهد المخزن في توسيع رقعة هيمنته عن طريق الحرب تارة أو بالوسائل الدبلوماسية تارة أخرى. مثل شعبي معروف يقول أن السلطان الجيد يجب أن يكون عرشه على سرج وقبة عرشه السماء. معظم السلاطين على تفاوت ثرواتهم عاشوا حياة الرجل هذه، مفاوضين دون كلل القبائل والزوايا ذات التأثير العميق على مجتمع البادية، لاجئين إلى استعمال البارود حين يبدو ميزان القوى لصالحهم، أو منسحبين إلى مثلث الرباط - فاس - مراكش في زمن سيادة "السيبة".

بفعل حركة الفوضى التي تسببها المواجهات الدائمة بين المخزن والسيبة لم يحدث أي تغيير في أقاصي البلاد، في البوادي التي يقطنها المزارعون ويتنقل عبر أراضيها البدو الرعاة. كان أكثر ما تخشاه المدن، التي تعتاش من التجارة والحرف، هو غزوات السيبة، فلم تستطع هذه المدن، المرهونة بأمنها لحماية المخزن والتي تعرقل نمو ها النزاعات المتواصلة، أن تلعب دور المحرر الاقتصادي والسياسي للبنى القديمة بعكس المدن الأوروبية.

ولكن سوف تأتي الصدمة من الخارج. إن اعتداءات المستعمرين الأولى قديمة في التاريخ. ففي القرن الخامس عشر، استولى الإسبان والبرتغاليون على حوالي عشرة مرافئ -طنجة، سبتة، العرائس إلخ- وفيها عززوا مواقعهم موجهين مدافعهم نحو داخل البلاد. حتى مراكش تعرضت لهجماتهم. لعبت هذه المواقع دور رأس الجسر للتجارة الأوروبية التي كانت نتراكم في بواخرها السلع الآتية مع القوافل : وهي الصمخ، الصوف، الجلود المحلية، ذهب السودان، عبيد سود يتم أسرهم على ضفاف نهر السنغال، ريش النعام وأخيراً العاج. هكذا هو الاستعمار دوماً، جرح عميق للشعوب المغتصبة (ويلعب الدين هنا دوراً أكبر منه في مناطق أخرى)، ومدر أرباح للفئة المحلية المتعاملة معه. السلاطين ليسوا آخر من يأخذ حصته من تلك الأرباح، لكن، بما أن المساومات لا تتلاءم وهيبتهم، فغالباًّ ما يتفاوضون عبر رجال ظل، هم من اليهود في معظم الأحيان.

غيرت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر كل المعطيات، انطلقت أوروبا في مسيرة التطور الاقتصادي وتضاعفت حاجاتها للمواد الأولية وللأسواق. أنزلت فرنسا قواتها في الجزائر. كان سلطان المغرب حينها، مولاي عبد الرحمن، ينتمي إلى سلالة العلويين الحاكمة منذ قرنين وكان موقفه تعبيراً واضحاً عن الازدواجية في سياسة المخزن. أرسل في البدء جنوده لنجدة عبد الكريم وعندما سحقوا من قبل بوجو في معركة ايسلي، أخذ درسا في الهزيمة ووضع أسس "النهج الامبراطوري" مما أتاح له، عن طريق لعبة الاحتكارات ونظام جمركي ملائم، ملء خزائنه بأرباح طائلة.

ازداد الضغط الأوروبي وكان هدفه تحديداً كسر الحاجز الجمركي هذا، ففرضت فرنسا وإنكلترا وإسبانيا كل بدورها اتفاقات مربحة لها.

طبقت نظام الحماية في المغرب كما في الشرق الأوسط حيث لم تعد الامبراطورية العثمانية المفككة تتمكن من الوقوف في وجه الاجتياح الأوروبي. أعفي الأجانب (وعددهم تسعة آلاف سنة 1894) من الضرائب والرسوم. إضافة إلى ذلك، أصبحوا متحررين من سلطة القضاء المغربي وتابعين قضائياً لقناصلهم فقط كان لهؤلاء القناصل أيضاً الحق في اختيار مجموعات "من المحميين" المغاربة لتمكينهم من الإفلات من قوانين بلادهم. وهكذا، في سنة 1890، كان القنصل البريطاني مثلاً يملك عدة قرى، "محمية" بكاملها. في نفس الوقت، استوطنت الشركات الأوروبية في البلد وبدأ المستوطنون بشراء أفضل الأراضي. لقد احتل المال المغرب قبل السلاح! وكما في تونس ومصر، سوف يتمكن المال من استعباد المغرب بأساليب بارعة، تحترم مظاهر ما يدعوه الرأسمال بأخلاقه.

السلطان عبد العزيز، الذي اعتلى العرش في سنة 1900، قدم لهذا الرأسمال الدعم المطلوب. فبسبب طيشه ومصايفه المبذ رة، أفلس المخزن وأفرغت الخزينة. هنا تبرعت مصارف فرنسية وإنكليزية وإسبانية لملئها بود وبفائدة ربوية فاحشة، فأصبح المخزن مضطراً للاقتراض من جديد ولخدمة الفوائد هذه المرة صارت الديون مرتفعة لدرجة جعلت المدينين يطالبون بالضمانات. هكذا حصلت فرنسا على الرقابة على الجمرك لكي يغطي جزء من مدخوله الافاءات. وبما أن هذا المدخول خاضع لحركة المرور، أصبح من الضروري تحسين التجهيزات المرفئية في الدار البيضاء، فأعطى السلطان موافقته.

مد المهندسون سكة حديد تمر في وسط إحدى المقابر فأودت البلبلة الناتجة عن هذا التطرف بتسعة قتلى من الأوروبيين. رداً على ذلك، قصف الأسطول الفرنسي الدار البيضاء، وأرسل حملة عسكرية لتثبيت الأمن. انتفض البلد وعزل عبد العزيز من قبل العلماء على أثر إدانته للانتفاضة. جرب أخوه وخليفته سياسة التذبذب في البدء لكنه رضخ أخيرًا ووافق على توقيع دعوة يطلب فيها المساعدة العسكرية الفرنسية لإنهاء التمرد. تمكنت فرقة إسبانية من أربعين ألف جندي من دحر الانتفاضة الريفية في الشمال بصعوبة بالغة، ومن جهته، دخل ليوتي إلى فاس ومكناس والرباط، متمكناً بذلك من إحكام قبضته على السهول وبقي عليه احتلال الجبل، موطن "السيبة" التقليدي.

بدأت الحرب.

أبرزت هذه الحرب بجلاء البسالة المغربية.

كانت حرباً حقيقية ودامت خمساً وعشرين سنة، لم تكن مجرد حملة استيطانية كلاسيكية، رغم أن فرنسا بغرورها حاولت التعتيم عليها إذ كيف يمكن لأمة انتصرت في المعركة الكبرى أي الحرب العالمية أن تعترف بخسارتها أمام شعوب محلية ضعيفة التسليح؟) لذا، ومن أجل التخفيف من حدة ردود الفعل في الرأي العام العالمي، أخفيت حقائق هذه الحرب تماماً لدرجة أنه لم يعد لها أي أثر في الذاكرة الشعبية الفرنسية. لكن هوشي منه وماو تسي تونغ رأوا فيها محركاً للحروب التحريرية المعاصرة ونموذجاً يحتذى به لكل الشعوب المستعمرة. وفيما بعد، سوف يكتب عنها الجنرال غيوم قائلاً :"لم تحاول أي قبيلة دون قتال وبعضها دون أن تستنفذ آخر وسائل المقاومة لديها" الطيران، المدفعية، الدبابات، الأسلحة الرشاشة وكل الوسائل استخدمت لدحر جيوب المقاومة الواحد تلو الآخر. كانت المجموعات المتمردة تستخدم بكفاءة عالية تقنيات حرب العصابات حتى أنه كان يستحيل الإمساك بها، وعندما كانت الجيوش تتمكن أخيراً من محاصرتها، كان الرجال يقاتلون في معظم الأحيان حتى موت آخر عنصر منهم في الخنادق الفردية، وغالباً ما كانت النساء تلم الأسلحة الواقعة من أيدي القتلى وتفتح النار بدورها، ضابط فرنسي وهو طبيب برتبة نقيب كتب عن المقاومة في الأطلس المتوسط قائلا أنها "وصلت حدود اللامعقول" . وهذا صحيح، فقد ساد الإجرام بكل أشكاله : عمليات الانتقام الشاملة، أسر النساء والأطفال كرهائن، تدمير قرى بكاملها وحيل حرب شنيعة من مثل قطع السكر الملغومة والموزعة في مناطق العصيان. في هذا النوع من الوحشية، تميز بشكل خاص الجنرال مانجان وهو من "جزاري حرب 1914 - 1918 المعروفين"، كان من اختصاصه اقتياد السكان الواقعين في الأسر في مسيرات الإبادة التي لا يرجع أحد منها على قيد الحياة وذلك بتعريضهم للجوع والتعب وباستخدامهم كأهداف لنيران العدو، لقد غطى وجه ليوتي المحسن، وهو ضابط فرنسي وقع في غرام المغرب، على هذه الفظاعات: الملحمة -والتعبير هنا غير مبالغ فيه أبدا - كان مسرحها الريف.

رجل مربوع القامة قصير ذو نظرات هادئة رغم الحول، موظف ثم رئيس تحرير في القسم العربي لصحيفة إسبانية -أي بالإجمال نقيض النموذج المعروف عن المحارب في المناطق الريفية- تمكن هذا الرجل من استنهاض الجبل في 1921 ضد الاستعمار. قضى في أنوال على فرقة إسبانية من خمسة وعشرين ألف جندي مستولياً على غنيمة حرب عظيمة، ثم دحر مرة أخرى فرق الطليعة الإسبانية المرسلة للدعم، وفرانكو على رأسها. أخيراً، أسس في المنطقة المحررة، وهي منطقة شمال المغرب، جمهورية الريف عام 1923، هذا الرجل كان اسمه عبد الكريم.

كتب ليوتي في السنة اللاحقة: "لا شيء يمكنه أن يكون أخطر بالنسبة لنظامنا من إقامة دولة إسلامية مستقلة وعصرية بالقرب من فاس".

بينما كان الإسبان يجهدون في استعادة تطوان ومليلة، كان الجيش الفرنسي يباشر هجومه من الجنوب، لكنه تراجع أمام الدفاع الريفي. تخلى ليوتي عن مهامه وقد تجاوزته الأحداث، فاستنجدت السلطات الفرنسية بجنديها الأكثر شهرة، المرشال بيتان المكلل بالفوز في معركة فردان، ووضعته على رأس جيش مؤلف من 725 ألف رجل ومدعم بأربع وأربعين فرقة. كان تحت إمرته بالإجمال ستون جنرالا ً فرنسياً. الإسبان من جانبهم أنزلوا مئة ألف رجل. وكان مواجهة كل هؤلاء جيش ريفي يستند إلى نواة دائمة من ثلاثين ألف مقاتل يضاف إليهم بعض العناصر من غير النظاميين. تمكن هؤلاء من الصمود طوال أكثر من عام أمام قصف المدفعية الثقيلة وهجمات الدبابات التي لا تستطيع أمامها بنادقهم شيئاً.

منع بيتان، واصفاً خصومه "بالزمر البربرية" وصول معونات عالمية، إنسانية وطبية إلى الريف.

في 27 مايو 1926، استسلم عبد الكريم. لم يعتبر جنوده أنفسهم منهزمين واستمر المتطوعون بالالتحاق، لكن قراهم كانت تسقط الواحدة تلو الأخرى تحت تأثير قصف الطيران الفرنسي المكثف. في كل أسبوع مجزرة غرنيكا جديدة لن يخلدها الفنان الإسباني بيكاسو من جديد. كان لا بد من وقف المجزرة.

أقصي عبد الكريم إلى جزيرة الريونيون، كان رائداً ومثالا ً للزعماء الذين سوف يقودون شعوبهم نحو الاستقلال بعده بنصف قرن وبالوسائل التي منه تعلموها. بعد عشرين عاماً من الاعتقال هناك، تمكن من الهروب أخيراً إلى مصر حيث قضى الباقي من حياته.

عاش الريف بفضله وبفضل شعبه القيم خمسة أعوام من الاستقلال فقد أصبح هذا الريف جمهورية، ماحياً بذلك قروناً من السلطنة والمخزن! ! تأسست دولة حقيقية، بماليتها وعدليتها ونظامها التربوي، هي تلك الدولة الحديثة التي كان ليوتي يخشى تأثيرها كنموذج على باقي مناطق المغرب. ليس في هذه التجربة التي قضي عليها بالحديد والنار أية شوفينية أو غباء. كان هدف عبد الكريم، ذو الراية العالمية المتضامنة مع كل النضالات من أجل التحرر الوطني، أن يكون الريف نموذجا يفتح الطريق أمام مجموع الشعب المغربي.

تم احتلال المغرب بالكامل عام 1934 باستسلام قبائل الجنوب بعد أن سحق نخيلها تحت القنابل. خسرت فرنسا سبعة وثلاثين ألف قتيل، بينما ستكلفها حرب الجزائر بعد عشرين سنة (1954 - 1962) ثلاثة وثلاثين ألفا .

رضخ السلاطين أمام الاستعمار الواحد تلو الآخر. كان عبد العزيز قد أفرغ خزائن المخزن واضعاً بذلك حول عنق المغرب الحبل المالي الذي سوف يخنقه وقاضياً على تمرد شعبه. أخوه مولاي حفيظ، رغم أنه من طينة مختلفة، اضطر هو الآخر لتوقيع نص يطلب المساعدة من القوات الفرنسية من أجل تثبيت الأمن وفي 30 مارس 1912، وافق على معاهدة الحماية هكذا أصبح المغرب في حالة تجزئة تامة : لإسبانيا الشمال والجنوب، لفرنسا الباقي ! ! ودخل البلد الذي لم يعرف الخضوع طيلة ثلاثة عشر قرنا في ظلام الاستعمار. إذا نسينا لحظة واحدة الذل العميق الذي شعر به الشعب بقبائله مجتمعة وبطبقاته كافة، إذا انتقصنا ولو قليلاً من قيمة جروحه التي لم تندمل أبداً، يستحيل علينا فهم تاريخ المغرب منذ 1912 حتى يومنا هذا!! ."

عندما تبين أن مولاي حفيظ ليس ليناً بالقدر المطلوب، صرفته فرنسا من الخدمة مع حوالة مصرفية بقيمة مليون فرنك وريع سنوي. صعد شقيقه مولاي يوسف، وهو والد محمد الخامس، إلى العرش. استقبل بيتان الآتي لمحاربة عبد الكريم بهذه الكلمات التي بقيت شهيرة : "خلصونا من هذا المتمرد" خلال خمسة عشر عاماً، سوف يكون تجاوبه كاملاً حتى أنه سيلقب "بسلطان الفرنسيين" .

كان السلطان الفتي سيدي محمد يشعر بالضجر في قصره، رفع إلى مرتبة حاجب المخلوق الوحيد الذي قدم له بعض الحنان خلال حياته كلها وهو السي المعمري مربيه الجزائري العجوز. كانت تسليته النساء وتبعا للتقاليد العلوية، كان يشرف القبائل باستقباله أجمل فتياتها في سريره. كان بالإضافة إلى ذلك متديناً جداً، خاضعاً لمشيئة الله، يصمت ويراقب، كل السلطة كانت في مقر المندوب السامي الذي كان يسن القوانين (وتدعى الضهير)، يعين الوزراء ويحكم المغرب الواقع تحت احتلال الجيش الفرنسي والخاضع لإرادة الموظفين الفرنسيين. والحقيقة أن أي مندوب سامي لم يكن باستطاعته البقاء طويلاً في الحكم ما لم يضع يده في يد القوى الثلاث المسيطرة فعلياً على المغرب وهي: رئيس اتحاد غرف الزراعة ويمثل (المستوطنين)، رئيس غرفة التجارة والصناعة في الدار البيضاء ويمثل (رجال الأعمال) وأخيراً المصرفي ايف ماس الذي يمتلك كافة الصحف والمطبوعات المغربية. وخلف هذه الوجوه الاستعمارية الجميلة، تقف القوى الخفية التي تمتلك المغرب حقيقة : وهي (بنك باريس والبلدان المنخفضة الذي يسيطر من خلال فرعه "المؤسسة العامة الشمال إفريقية" على كافة النشاطات الاقتصادية، وإلى جانبه سيدان أقل أهمية لكنهما جباران بالمقارنة مع قدرات المغرب هما : مجموعة هرسنت ومجموعة ماس .

المغرب صفقة رابحة، المستوطنون يغتنون فيه بسرعة. عشية الحرب العالمية الثانية كانوا يمتلكون ست مئة ألف هكتار من أخصب الأراضي التي غالباً ما استولوا عليها عن طريق قرار إداري بسيط وبالتالي أصبح عشرات الألوف من الفلاحين الصغار المغاربة مجرد عمال زراعيين في الأراضي التي كانت ملكاً لهم في السابق، وبدون أجر في معظم الأحيان. بلمقابل قوتهم اليومي لا أكثر. رأى العديد منهم نفسه مجبراً على ترك (البادية) والهجرة إلى ضواحي المدن بحثاً عن عمل غير أكيد. إن الدار البيضاء هي التي اخترع فيها الإسم المشؤوم : "مدن القصدير"، في المقابل انطلقت الصناعات الثقيلة بفضل الثروات المعدنية الضخمة للبلد، كما توسع بشكل هائل نشاط مرفأ الدار البيضاء وغطت البلد شبكة من سكك الحديد والطرقات الضرورية لحفظ الأمن كما للتنمية الاقتصادية.

أقلع المغرب

لكن لحساب من؟ عشية الاستقلال كان يوجد في المغرب واحد وتسعون ألف سيارة، منها ثلاثة عشر ألفا فقط يمتلكها مغاربة. ومن ناحية الأجور، كان العامل الأوروبي الذي يعمل بأكثر الشروط ظلما يتقاضى ستة أضعاف ما يتقاضاه "رفيقه" المغربي. عام 1944 كانت المدارس الابتدائية تستقبل واحد من ستين تلميذاً. من سنة 1912 حتى 1954، تخرج على يد الفرنسيين، ما لا يزيد عن 580 حامل بكالوريا...

بدأ حكم سيدي محمد سيئاً. وقع في 16 مايو 1930 على يد "الضهير البربري" المحضر في مقر المندوب السامي، وكان هذا القانون في الحقيقة أسوأ ضربة و جهت إلى المغرب منذ تأسيس نظام الحماية فيه. لقد عانى هذا البلد من التجزئة بين فرنسا وإسبانيا، من الخضوع لإدارة أجنبية مباشرة، من بيعه للرأسمالية الأوروبية، لكن، على الأقل لم تنكر عليه خصوصيته الوطنية وها هو على أثر هذا الضهير يتعرض شعبه للتمزيق والتفرقة، من جهة عرب السهول والمدن (منافقون، كسالى، معاندون) ومن جهة أخرى بربر الجبال (صادقون، محاربون ذو أنفة، يتحملون المشقات بصلابة)، وكالعادة، لا يستند هذا التمييز العنصري إلى أية معطيات عملية جدية. فإذا كان للبربر فعلاً لغتهم وثقافتهم وإذا كان التاريخ يثبتأن السهول كانت على الأغلب "مخزن" والمناطق الجبلية في معظم الأحيان "سيبة"، لكن الواقع هو أن البربر والعرب على السواء كانوا يشعرون بانتمائهم إلى المغرب بنفس الدرجة. لقد حقق "الضهير البربري" حلماً قديماً لموظفي الاستعمار وكتب له طول البقاء. حتى يومنا هذا، يصر "الأخصائيون" على أثر أية هزة تتعرض لها المملكة الشريفية، على تمويه الحقائق بجملة من التحليلات العنصرية، مصمين آذانهم عن الاحتجاجات الحادة لأصحاب العلاقة أنفسهم من بربر وعرب وقد برهن الأخصائي الكبير جاك بيرك، منذ سنوات العشرين، على لا معقولية أسطورة "البربري الجيد"، والتي تتضمن معنى "الوحش الجيد" الموصوف في كتابات جاك روسو، هذا البربري الذي يشرفه أسياده المؤقتون في المغرب بإطلاق صفة "سهل الأنصار" عليه (بمعنى في المجتمع الفرنسي).

يعطي هذا الضهير للبربر وضعاً قضائياً خاصاً، حيث أنه يبقي على سلطة المجالس التقليدية في حل النزاعات المدنية لكنه يحيل الجرائم والجنح التي يرتكبها أفراد بربر على المحاكم الفرنسية، مما يعني بالتالي أنهم غير خاضعين لحكم السلطان. إضافة إلى ذلك، ألغي تعليم اللغة العربية في الثانوية الوحيدة في "أزرو"، مما يهدد مستقبل الديانة التي تمارس شعائرها في هذه اللغة.

إنه في الواقع تحد بالغ وعلى قياس الغباء الاستعماري احتفالا ً بإصدار القانون هذا، أقيمت صلوات الشكر والتراتيل في كنيسة الرباط، بحضور وفود من الشبيبة المغربية المدعوة لهذه المناسبة. أما في المساجد، فكان يتلى "اللطيف"، أي صلاة الاستغاثة بالله التي تقرأ في المناسبات النادرة حين يكون الإسلام في خطر.

كان سيدي محمد يشاهد المغرب وهو يتغير أمام ناظره، دون أن يكون في استطاعته فهم اللعبة المعقدة التي تمارسها الأطراف المؤثرة في تلك السيرورة. لم تؤهله طفولته، التي قضاها منزوياً في مجاهل قصر قديم، لفهم ما يحدث حوله. كتب عنه فيما بعد شارل أندريه جوليان، الذي عرفه عن قرب ما يلي : "مصارف، احتكارات، اتحادات : كل هذه القوى التي كان يفهم أنها تمارس سلطتها بسيادة تامة، كان يعتبرها عالماً سحرياً ليس بمقدرته ولوجهه" . كان عمره في حينها إحدى وعشرين سنة.

قضية الضهير البربري والصدمة التي سببها في كافة أنحاء البلاد والمظاهرات التي أشعلتها فتحت عينيه، أخيراً، فصر ح أمام علال الفاسي، الشاب المتخرج حديثاً من جامعة القرويين الدينية والذي سيصبح مستقبلاً القائد المحبوب في مسيرة النضال من أجل الاستقلال، قائلاً له: "لن أتخلى أبدا بعد اليوم عن أي من حقوق وطني !". وفى سيدي محمد بوعده هذا ولم يرضخ بعد ذلك إلا تحت تأثير القوة، كما كان يفعل سابقوه الذين لم يكن تعاونهم مع المحتل نتيجة مكر أصيل أو لرغبتهم في المرؤوسية، بل لرجحان ميزان القوى الذي لم يترك لهم أي هامش للحركة. كان عليهم الخضوع أو الاستعفاء، فكان هؤلاء السلاطين يختارون الخضوع، ربما لأنه لم يكن مسموحاً لأمير المؤمنين بالاستعفاء.

منذ ذلك التاريخ، بدأت الرفقة الطويلة بين سلطان كان شعبه يجهله وبين حركة استقلالية وليدة ومعرضة للانكسار. عبر هذه الشراكة سوف يستند كل طرف على الآخر ويتقوى بدعمه له، الأول مسترجعاً شعبية كانت قد بددتها سلالته بتعاونها الظاهر مع المحتل، والآخر متلقياًّ من شريكه رصيد التقاليد العريقة وسلطة روحية عظيمة.

كما لدى معظم الأمم المذلولة، كانت اليقظة دينية في البدء، انتشرت في سنوات العشرين وبتأثير من الشرق الحركة السلفية التي تعتبر أن الانحطاط العربي والهيمية الاستعمارية هما نتيجة الابتعاد عن الإسلام وبدأت هذه الحركة تبشر أن ديانة متجددة ونقية هي الكفيلة بأن تعيد إلى الشعوب المسلمة استقلالها ووحدتها.

أخذ السياسيون هذه المهمة على عاتقهم. لم يكونوا من صفوف الجماهير ولا من طبقة البورجوازية التجارية الكبيرة المرتبطة بالرأسمال الخارجي. كان معظمهم من البورجوازية المدينية الصغيرة التجارية والحرفية، التي تلقت الضربة الكبرى باجتياح المنتجات الأوروبية المصنعة للأسواق.

في عام 1933، قامت عدة مجموعات من الشباب الوطني، كانت حتى ذلك الحين في حالة في التجزئة، بتأسيس "لجنة العمل المغربية" وباشرت بوضع برنامج إصلاحي. في 18 مايو 1933، نظمت اللجنة في فاس عيد العرش لأول مرة مما كرس التحالف بين السلطان والحركة الوليدة. في السنة اللاحقة، وأيضاً في فاس، لاقى الاحتفال الثاني بالعيد نجاحاً شعبياً باهراً. ولأول مرة منذ توليه، سمع السلطان باندهاش صيحات "يعيش الملك!" .

في ديسمبر 1934، قدمت اللجنة مشروعها الإصلاحي للسلطان وكان من أكثر المشاريع اعتدالاً، فيه يؤكد الموقعون أنهم " ليسوا من أصحاب النهج التشهيري وليسوا من محترفي التحريض" مطالبين فقط بالتطبيق الحرفي لبنود الحماية. اعتبر هذا المطلب مبالغاً وطرد المندوبون.

هل من الضروري إعادة تفاصيل الدوامة الأبدية التي سوف تقود هنا، كما في الأماكن الأخرى، بالدم والدموع إلى الاستقلال الحتمي؟ تلك الدوامة التي محورها الإصرار الغبي من قبل السلطات الاستعمارية على عدم تغيير أي شيء والذي يؤدي بدوره إلى تجذ ر الوطنيين (لجنة العمل صارت الحزب الوطني)، ويؤدي إلى التظاهرات ثم القمع بدون رحمة : تعذيب، إغلاق الصحف الصادرة حديثاً، قرون من السجن تفرض على المناضلين الذين يحاكمون بالجملة. كان الجيش الفرنسي يطلق النار دون خجل وينهب المدن المتمردة.

أعطى وصول الجبهة الشعبية إلى الحكم في فرنسا آمالا كبيرة ما لبثت أن تبددت. ألقي القبض على القادة الوطنيين وأ رسلوا إلى المنافي، منهم علال الفاسي الذي قضى تسع سنوات في الغابون.

غيرت الحرب كل شيء، أزالت الضربة الشهيرة التي تلقاها الجيش الفرنسي سنة 1940 الهيبة عن سلاح المستعمر الموصوف طيلة نصف قرن بالقدرة التي لا تقهر. ولم تستطع الاستعراضات العسكرية التي نظمها المندوب السامي نوغيسأثناء الإنزال الأمريكي في 1942، أن تعيد إليه اعتباره ولا تبريرات ديغول جيرو اللاحقة. أتى روزفلت أخيراً وأجرى مباحثات سرية على دفعتين مع السلطان، وحسب رواية إبنه ايلوت وعد روزفلت العاهل المغربي بمساعدته على تحرير بلاده.

في 11 يناير 1944 تأسس الحزب صاحب الاسم السحري : الاستقلال، وقد جمع في صفوفه قدماء الحزب الوطني وشخصيات من خارجه. للمرة الأولى طالب الحزب جهراً "باستقلال المغرب بكامل أراضيه وبقيادة صاحب السمو سيدي محمد بن يوسف"، فكان الرد الفرنسي قاطعاً إذ وجه مفوض الشؤون الخارجية لفرنسا الحرة توبيخا شديد اللهجة إلى سيدي محمد أفهمه من خلاله أن نظام الحماية مصير المغرب إلى الأبد، فدعا على أثر ذلك العاهل المغربي وزراءه وأعلن لهم أن "كلمة الاستقلال يجب أن تختفي من القلوب والأفواه". من ناحية أخرى، تم اعتقال القيادات الوطنية واتهامها "بالتعامل مع العدو" -أي الرايخ الألماني لذي كان قد انسحب من إفريقيا الشمالية قبل ثمانية أشهر- كما قمعت بوحشية التظاهرات التي عمت البلد وكانت حصيلة القمع ستين قتيلاً، مئات الجرحى وآلاف الاعتقالات. في الرباط، لطخت فرقة المدرعات الثانية التي يقودها لوكليرعلمها بالدماء بإطلاقها النار على الحشود وكانت الشرطة الفرنسية تعذب وتعدم بالرصاص دون محاكمات.

بموجب اتفاق سري كان قد تم بين الوطنيين والسلطان كان على هذا الأخير أن يبدي بعض التحفظ لكي لا يعطي لفرنسا الحجة المطلوبة لعزله. لكن، في 10 أبريل 1947، وأثناء إلقائه لخطابه الشهير في طنجة، تحدث سيد محمد عن مستقبل المغرب متمنعاً عن قراءة العبارات التي تضيفها عادة الرقابة الفرنسية على خطاباته حيث عليه أن يحيي "الفرنسيين المولعين بهذه الحرية التي تقود البلاد نحو الرخاء والتقدم".

بعد مرور شهر على ذلك، عين الجنرال جوان مفوضاً سامياً بدل إريك لابون المعروف بذكائه وليبراليته، فأتى جوان بأفكار جديدة وبسيطة لخصتها صحيفة فرنسية بالجملة التالية : "فرنسا تمسك العصا من جديد"، وكان في خدمة سياسته هذه محلياً أداة نافعة : بونيفاس الشهير قائد منطقة الدار البيضاء ورجل المغرب القوي.

في 1951، كان تعداد مناضلي حزب الاستقلال مئة ألف. في نفس السنة، أنذر جوان السلطان مجبراً إياه على التنصل علناً من حزب الاستقلال وعلى طرد أعضائه الذين كان قد استقبلهم في مجلسه الاستشاري، قائلاً له: "في حال الرفض، سوف أعزلك بنفسي". ومن أجل تدعيم تهديده هذا، طلب جوان التدخل من الكلاوي باشا مراكش صنيعة الفرنسيين والذي كان يلقب "بالقواد" بسبب الرسوم التي كان يقبضها من كافة مومسات مدينة مراكش. حرك الكلاوي قبائله وأرسلها إلى الرباط، فرضخ السلطان، ورحل جوان متمتعاً بهذا الفوز العظيم وناصحاً خليفته الجنرال غيوم بمواصلة سياسة القوة التي بدأها.

في سنة 1952، أعلن محمد بن يوسف إضرابه عن توقيع قوانين الضهير (أحدهم يعطي الحق للفرنسيين وهم أقلية بأن ينتخبوا، في مجالس البلدية لسبع عشرة مدينة، عدداً من الممثلين يضاهي عدد المغاربة)، فبدأت مباراة القوة التي كانت السلطات الفرنسية تتمناها منذ زمن، معلقة آمالها على دعم الإقطاعيين الكبار وعلى رأسهم الكلاوي، الذي كانت تغدق عليه المنافع، كانت هذه السلطات تعتقد أن الاستقلال هو مطلب زمرة من "المثقفين المضللين" بينما تفضل الجماهير السلام مع الفرنسيين. انتهت هذه السنة بغمامة من الدم، في 7 ديسمبر، فتح الجيش النار في الدار البيضاء على مجموعة من المضربين الذين كانوا يتظاهرون احتجاجاً على اغتيال القائد النقابي فرحات حشاد في تونس العاصمة على يد مجموعة ãä ÇáãÊØÑÝíä ÇáÝÑäÓííä. æÝí Çáíæã ÇáÊÇáí ÃÑÓá ÈæäíÝÇÓ ÍãáÉ ãä ÚäÇÕÑ ÇáÔÑØÉ Úáì ÍæÇáí ÃáÝí نقابي كانوا متجمعين سلمياً في دار النقابات وتم تسليم العديد منهم إلى حشد من الفرنسيين المهتاجين نتيجة إشاعات مختلقة عن مجازر ارتكبت بحق عدد من مواطنيهم. حصد العنف البوليسي والإعدامات التعسفية في هذه الحملة ما بين ثلاث إلى أربع مئة قتيل.

كانت عمليات القمع عنيفة جداً: تعذيب، أحكام بالسجن، ترحيل جماعي إلى جنوب البلاد كما اعتقل حوالي مئة من القياديين ونفي عدد منهم إلى الخارج. في 12 ديسمبر أعلنت السلطات الفرنسية منع حزب الاستقلال والحزب الشيوعي المغربي.

ومن أجل اختتام عملية التأديب التي قام بها بونيفاس وشركاه اعتقاداً منهم أنها نهائية هذه المرة، لم يبق عليهم سوى التخلص من السلطان. قدم له المندوب السامي نصاً من تسعة بنود تجر ده من آخر صلاحياته، فرفض سيدي محمد التوقيع عليه. حاصرت الشرطة قصره وهدده الكلاوي بإرسال فرسانه إلى الرباط : في 15 اغست 1953 رضخ محمد بن يوسف تحت تأثيرهذه الضغوط .

كان موظفوا المقر يكنون له الازدراء ويعتبرونه جباناً. وفي الحقيقة كان ضعفه الجسدي والعصبي يشكل عائقاً له عن مواجهة خصوم على استعداد لأسوأ الاحتمالات. وبهذا المعنى كتب شارل أندريه جوليان عنه بلباقة : "لم يكن من طينة تؤهله للصراعات التي تتطلب صدامات جسدية. كان خضوعه لمشيئة الله بمثابة الشجاعة لديه".

بعد أن تراجع تحت التهديد، وقف على قدميه من جديد وعاود الإضراب عن التوقيع. من جهته، وجه الكلاوي مدعوماً من الكتاني رئيس الزوايا الدينية، عريضة تطالب بعزل السلطان، وبر ر "قواد" مراكش مبادرته هذه بالحرص على حماية الإسلام المهدد بسبب زندقة محمد بن يوسف العصرانية، ومرة أخرى حر ك فرسانه. أما الفرنسيون، الذين كانوا يحركون تلك الدمية، فقد حاصروا في 20 اغست 1953 القصر بدباباتهم التي تولى طاقمها تجريد الحرس الأسود من سلاحه. ثم اقتحمت عناصر الشرطة المسلحة بالرشاشات جناح السلطان الخاص. ودون أية مراعاة، د فع مع ولديه في طائرة دي سي 3 العسكرية التي أقلعت باتجاه الشرق. وصف محافظ جزيرة كورسيكا فيما بعد ذهوله حين حطت الطائرة في مطار أجاكسيو ورأى فيها السلطان المخلوع وولديه، يرتعدون من البرد، جالسين على المقاعد الحديدية الجانبية والمخصصة عادة للمظليين. بعد كورسيكا أ رسل العاهل المغربي إلى مدغشقر ثم إلى فندق الحمامات المعدنية في أنتسيرابي حيث قضى عامين.

نصب الفرنسيين على عرش المغرب رجلاً عجوزاً متديناً وضعيف الإرادة هو مولاي عرفه.

كان تحالف محمد بن يوسف مع الحركة الوطنية قد أمن له شعبية هائلة لم يحصل عليها، بدون شك، أي سلطان علوي قبله. كان الفرنسيون بإطلاقهم تسمية "سلطان كاريار سنطرال" عليه، أي سلطان مدن القصدير التي كانت تخرج منها أعنف التظاهرات، يظنون أنهم يقللون من قيمته، لكنهم على العكس من ذلك كانوا يشرفونه باعترافهم له بتلك الملاقاة المتأخرة ولكن المتقدة بين الشعب وعاهله. إن عملية عزل السلطان كر ست صعوده إلى سماء المغرب، فقد ظن ملايين المغاربة نفسهم قد رأوا رسمه مطبوعا على سطح القمر، في حالة من الهلوسة الجماعية الخارقة للعادة. علقت صوره في كل مكان، في الشقق البورجوازية كما على جدران مدن القصدير الخشبية. أما الجوامع التي كانت تتلى فيها الصلوات باسم مولاي عرفة، السلطان الدمية، فقد بقيت مهجورة.

حين ابعد سلطانه واعتقلت قياداته أو نفيت، التقط الشعب المغربي المشكل من أياديهم المكبلة، وبسبب نفاذ كافة الحلول المعقولة، لم يعد أمامه سوى الانتقال إلى أعمال العنف والإرهاب.

تضاعفت على مدى عامين العمليات المسلحة للخلايا السرية المدينية) ستة آلاف عملية حسب الإحصاء الرسمي (مما أعطى ذريعة للعمليات الإجرامية الفرنسية المضادة للإرهاب، فعمت الفوضى البلاد. ثم تأسست فرق المقاومة وبدأت نشاطها في ليل 1- 2 أكتوبر 1955 بالهجوم على ثلاثة مخافر فرنسية على الحدود الجزائرية - المغربية. شكلت هذه العمليات ضربة مؤلمة للفرنسيين المثقلين بثورة الجزائر المشتعلة منذ عام والتي تتضاعف قوتها يوماً بعد يوم، وكانت باريس تخشى أن يفتح اشتعال المغرب جبهة جديدة تذكر بمعركة الريف بتكاليفها العسكرية الباهظة. أصبح الخيار ضرورة ملحة، وكيف يمكن التردد في الاختيار ما بين مغرب لم يقبل أبداً عبر تاريخه الاستعباد وبين الأقاليم الجزائرية الثلاث التي يستوطن فيها مليون فرنسي؟ لذا فضلت حكومة إدغار فور، وبموافقة الشركات الرأسمالية الكبرى التي كانت تعرف بذكائها أن الاستقلال لا يعني بالضرورة جلاءها عن البلد، أن تتخلى عن المغرب من أجل التمكن من الإمساك جيداً بالجزائر.

من أجل المباشرة في هذا المشروع، كان لا بد أولاً من إعادة السلطان المنفي.

في 16 نوفمبر 1955، حط سيدي محمد في مطار الرباط - ساله وصعد في الديلاهاي السوداء التي ستقوده إلى قصره : جماهير لا تحصى ولا تعد احتشدت متهللة بالفرح على جانبي الطريق المزينة بأقواس النصر. كانت تنتظر تحت شمس الخريف الرجل الذي ظلت تبحث عن رسمه زمناً طويلاً على سطح القمر.

لقد لعب القدر لصاحبه ! !

يدين لفرنسا بما لم يستطع أي من سابقيه الحصول عليه منذ فجر التاريخ : مغرب خاضع لسلطة واحدة ! ! انتهى زمن السيبة العريقة في القدم، كانت قد قصمت ظهرها طوابير ليوتي وبيتان ومانجان. وسوف تمنع بعثها من جديد شبكة الطرقات التي باتت تخترق الجبال.

كانت كلمات مولاي يوسف إلى بيتان الذي أتى لمحاربة عبد الكريم فظيعة بلا شك: "خلصونا من هذا المتمرد« لكنها تعبر عن إرادة سلطانية إذ سيدخل الريف الذي كان يربك العرش منذ الأزل تحت سيطرة المخزن. بنفس الحرص هذا، عندما أبلغ الجنرال غيوم سيدي محمد بن يوسف سنة 1934 بأن خضوع الجنوب قد تمم احتلال المغرب، أجابه السلطان الفتي، حسب رواية الجنرال، بالشكر » لهذا العمل العظيم في خدمة السلام". لقد أنجزت الفرق الاستعمارية ما لم يستطع فرسان المخزن أبداً تحقيقه. الجيش الفرنسي ليس سوى عابر سبيل، أما المخزن فباق .

أحيت فرنسا السلالة العلوية، وبالضربة التي وجهتها إلى محمد بن يوسف بعزله، جعلت منه بطلاً شعبياً. أرسل شارل ديغول، صاحب الخبرة في هذا المجال، من خلوته في كولومبي لي دو اكليز، إلى العاهل المغربي الذي كان في طريقه إلى المنفى الرسالة القصيرة التالية : "التألم ضرورة لمن أراد أن يكون عظيماً تحت شجرات النخيل في أنتسيرابي". تألم محمد بن يوسف كثيراً وعظم كثيراً أيضاً، أصبح عملاقاً في الذاكرة الجماعية لشعبه، لم يحالف هذا الحظ بيك تونس لأن فرنسا لم تطبع على جبينه مسحة الشهادة المقدسة، مما سهل إزاحته على يد بورقيبة الذي كان قد عظم على قدر سنوات السجن والمنفى المفروضة عليه من قبل المستعمر.

دخل الرجل، الذي كانت الحشود المغربية تهلل له بدموع الفرح على طريق النصر: الرباط - سالة، تاريخ بلاده بأجمل لقب يمكن لرجل دولة أن يحلم به : المحرر.

لكن اللعبة لم تكن قد انتهت بعد.

كان الضباط يخشون هجوماً مفاجئاً وتلقى سائق الديلاهاي الأمر بعدم التباطؤ رغم الأمواج البشرية المحتشدة على طرفي الطريق المعرقلة للسير. كان وجود الجيش خفياً وأخذت عناصر الانضباط التابعة للأحزاب الوطنية على عاتقها مراقبة الحشود. مناضلو حزب الاستقلال كانوا يرتدون سترات كحلية وسراويلا سوداء، يلفون حول رقابهم مناديل بالألوان الشريفية ويضعون على رؤوسهم قبعات خضراء. أما مناضلي حزب الاستقلال الديموقراطي، وهو حزب صغير، فكانوا يتبخترون ببدلات بيضاء أو كاكي مزخرفة بالأوشحة ويضعون قبعات حمراء.

كانوا بالآلاف، منضبطين ومنظمين على أحسن وجه، استعراض للقوة باهر بين الحشود المهتاجة كانت تسمع صيحات "يعيش الاستقلال! " وصيحات "يعيش الملك!" على حد سواء.

أما فيما يخص المقاومة أي الخلايا المدينية والمجموعات الجبلية، فقد كانت قد تأسست وانتشرت بمعزل عن القيادات السياسية للأحزاب المحتجزة في السجون أو المنفى. اشتدت عزيمة المقاتلين في غمرة العمل السري، جازفوا بحياتهم وتعرضوا للتعذيب وكان تضامنهم مع إخوتهم الجزائرين كاملاً. إن عودة السلطان لن تشكل حافزاً للتوقف عن النضال بالنسبة للعديد منهم ولن تغريهم على الأرجح العودة إلى صفوف الأحزاب. لقد اعتادوا على حمل السلاح وأصبحوا يجيدون استعماله كما حازوا عبر نضالاتهم على حماس الجماهير لهم. في المشوار، الساحة الكبرى أمام قصر السلطان المخصصة تقليدياً للاحتفالات الشعبية، وصف المبعوث الخاص لجريدة اللوموند الباريسية بيار البان ميشال المشاهد المغربية التي لاحظها في ذلك المساء فكتب ما يلي :

"كانت الصيحات التي تطلقها النساء تثير القلق والذهول، فبعضهن كن يصحن بصوت عال » بالقنابل والمسدسات ! " ويردد بعضهن الآخر بصوت رتيب "بالقنابل، بالمسدسات، استرجعنا ملكنا". كما لاحظ الصحفي أن المواكب العديدة التي كانت تجوب طرقات البلدة، كانت ت طلق شعارات يبدو واضحاً أنها لم تفقد محتواها السياسي بعد على حد قوله.

الإجماع لا يدوم طويلاً..

غداً، بعد أن يتبدد دخان الأوهام الملحمية سوف يبدأ الصراع على السلطة بين القوى الرئيسية الثلاث القادرة على ادعاء التأهيل لاستلامها : العرش، الاستقلال، المقاومة.



الفصل الثاني : الدموي


كان يجلس على المقعد الأمامي لسيارة الديلاهاي بالقرب من السائق. لم يكن ذلك بالتأكيد مقرراً في نظام التشريفات (البروتوكول) وذهل الضباط حين رأوه في مطار الرباط - سالة، مرتدياً البدلة الحمراء المخصصة للحرس الأسود (جلباب، سروال، شاشية) لأنه لم يكن أبداً قبل ذلك من عناصر هذا الحرس. ربما هي الحاجة للاستعراض بالألوان المحلية علىالأغلب، بعد أن كان قد ارتدى خلال خمسة عشر عاماً البدلة العسكرية الفرنسية وعمل كمعاون عسكري (أي رجل الثقة) لأربعة مفوضين ساميين. كان حتى تلك الساعة ما زال يعمل في مكتب آخرهم وهو لويس أندريه دوبوا المعين منذ أيام فقط. في السابق، كان المعاون العسكري الموثوق للجنرال دوفال الذي كان يقول عن المغاربة: "أفضل قتل ألف منهم الآنعلى أن أكون مجبراً على قتل ثلاث مئة ألف في حرب مستقبلية". بعد أحداث وادي الزم الدامية في 20 غشت 1955، أمر دوفال هذا نفسه الفرقة الأجنبية بذبح أكثر من ألف مغربي. كان رجلاً يفعل ما يقول، ثم مات بحادث طائرة ليس من المستبعد أن يكون للمقاومة علاقة فيه.

ها هو إذن أوفقير يجلس على بعد بضعة سنتمترات من السلطان الذي ينصب عليه هيام شعب بأكمله. لم يفرض نفسه، بل عرف كيف يكون رجل الموقف. كان الخوف من هجوم أو استفزاز محتمل يستولي على الضباط. لاحظ السلطان حالتهم العصبية هذه منذ خروجه من الطائرة ولم يكن يستطيع، بطبيعته المعروفة، عدم التأثر بتلك الحالة. أتى أحد عناصر الشرطة بمسدسينفي قفة لسائق الديلاهاي فانتزعهما أوفقير بحركة سلطوية ووضعهما في حزامه ثم جلس في السيارة مطمئناً سيدي محمد أنه بوجوده إلى جانبه لن يتعرض لأي خطر. وفي ختام هذه الرحلة صار أوفقير المعاون العسكري للسلطان، أي رجل الثقة.

ولد حوالي سنة 1920 في التافيلالت على مشارف الصحراء، وهو الإبن الثاني لحاكم صغير على بلدة عين شيخ البائسة، حارب والده ليوتي ثم ما لبث أن تحالف معه وقضى شيخوخته بالقرب من زوجتيه متأسفاً على الأزمنة الماضية حين كان يعترض سبيل القوافل الآتية من الجنوب على رأس زمرته. يروي كلود كليمان، كاتب سيرة أوفقير وهو ضابط فرنسي سابق فيالمغرب، أن والده هو الذي علمه فنون التعذيب الناجحة التي كان يستعملها لجعل أفراد القافلة يعترفون بأماكن تخبئتهم للذهب. ومن هذه الفنون على سبيل المثال: وخز جذع المنكل به برأس الخنجر دون غرزه، ويبدو أن نجاح العملية يتوقف على سرعة وتعدد الوخزات بشكل يصبح فيه الشعور بالاختناق لا يحتمل بتاتاً.

حين كان عمره خمسة عشر عاماً أرسله ضابط الشؤون المحلية إلى ثانوية أزرو التي أنشأتها فرنسا لتخريج كوادر متوسطة ومخلصة على نمط النموذج البربري المثالي. كانت الدراسة تدوم ثلاث سنوات يتخرج على أثرها الطلاب بشهادة تكميلية (بروفيه) تؤهلهم للعمل في مجال التدريس أو السكرتاريا داخل مكاتب الشؤون المحلية.

كان أوفقير لامعاً وبشكل خاص في النشاطات الجسدية، بنى علاقة صداقة مع زميل له قادم من الريف هو خياري بوكرين. قطعوا سوياً درباً طويلة حتى عامود الإعدام الذي ربط عليه بوكرين وأعدم بالرصاص تحت أنظار صديقه القديم.

أتاحت لأوفقير نتائجه المدرسية الجيدة الدخول إلى الكلية العسكرية في الدار البيضاء رغم أنها كانت حكراً على أبناء الذوات. وصل هناك في 1 ديجمبر 1939 وقد مضى ثلاثة أشهر على بدء الحرب العالمية الثانية فانتقلت الكلية إلى القلعة التي شيدها بالقرب من مكناس مولاي إسماعيل، وهذا السلطان هو من أعظم سلاطين العلويين، هو نفسه الذي طلبالزواج من إحدى بنات لويس الرابع عشر (من عشيقته لافاليير) وأجيب على طلبه بالرفض. تخرج أوفقير ملازماً في يوليو 1941 فعين في الفيلق الرابع للمناوشين المغاربة المتمركز في تازة. هناك بنى صداقة مع الملازم الأول حمو الذي سيتم إعدامه يوماً كما بوكرين، أمام عينيه.

في الدار البيضاء، تابع أخبار الجيش الفرنسي المتعرض للهزيمة على يد الفارماخت (الجيش الألماني)، وبعد الإنزال الأمريكي في إفريقيا الشمالية تابع من تازة أخبار المشادات المقلقة بين جماعات كل من بيتان وجيرو وديغول وليس من المعروف مدى تأثير هذه الأخبار عليه.

نزل في ايطاليا مع الحملة العسكرية التي قادها جوان وشارك في معركة بلفيدير في جبال الأبروز. في الربيع كان مع القوات على نهر غاريغليانو. كان جوان يطمح، في هذه المعركة، إلى تحقيق ما عجزت عنه الفرق الإنكليزية - الأمريكية طوال أشهر عديدة وهو: اقتحام خط الدفاع المسمى غوستاف والمعزز جيداً، ثم القضاء على حاجز مونتي كاسينو من أجلفتح طريق الاستيلاء على روما.

أما فرقة أوفقير فكان عليها اقتحام جبل سيراسولا وكانت مهمة شعبته التقدم عبر سفح صخري صعب الاجتياز، باتجاه المعاقل الألمانية.

بدأ الهجوم حوالي منتصف الليل دون التمهيد له بالقصف المدفعي، فوقع المهاجمون بسرعة في شرك من الألغام المزروعة بين الصخور وعلى كل المعابر. رغم ذلك استطاع أوفقير وبعض الناجين من الألغام الوصول إلى معاقل الألمان فوقعوا هذه المرة تحت مرمى نيرانهم المباشرة. سقط أحد الجنود بالقرب من أوفقير أما هو فقد أصابته حروق بالغة في يديه ووجههوعينيه. فشل الهجوم وانسحب الفيلق الرابع. في اليوم التالي، أرسل جوان فرقه من جديد، وعاود أوفقير الهجوم مع الناجين من فيلقه رافضاً التراجع رغم الضماد على عينه اليسرى وعلى يديه. نجح الهجوم هذه المرة.

حصل على وسام الحرب، وعند الدخول إلى روما، تم اختياره لحمل العلم الفرنسي على رأس الطابور. بعد مرور شهر قام الألمان بهجوم معاكس على الفيلق الرابع خلف أسوار مدينة سيينا الإيطالية. انفجرت قذيفة بالقرب من أوفقير سببت له هذه المرة جروحاً بالغة في ذراعه اليمنى. غادر إيطاليا حاملاً وسام الشرف والنجمة الفضية الأمريكية (سيلفر ستار)وسعفة جديدة على وسام الحرب كما حصل على ترقية إلى رتبة ملازم أول.

بعد أن قضى سنتين في تازة، رحل إلى الهند الصينية مع كتيبة المشاة في الفيلق الرابع، هناك اشتهر أوفقير وذاع صيته: شجاعة تامة وإجرام لا حدود له. كان مسؤولوه يقولون عنه: "بالمقارنة مع أوفقير، يصبح المظليون ملائكة". وكانت سمعته تتغذى يوماً بعد يوم بتلك الإنجازات التي تصنع منها عادة أسطورة المقاتل الذهبية. في أحد الأمسية، عادالجنود من إحدى العمليات وكان جندي قد تخلف عنهم، فذهب أوفقير في نفس الليلة مع إثنين من العناصر وعاد حاملاً على ظهره الجندي الجريح. في صباح يوم آخر، كان عائداً من إجازة في سايغون وهو يرتدي بدلة الخروج البيضاء فرمى بنفسه في اللحظة الأخيرة في إحدى الشاحنات التي كانت تقل عناصر كتيبة لنجدة مجموعة من السنغاليين المحاصرين أثناءهذه الحملة التي استمرت يوماً وليلة، قاد أوفقير رجاله وهو باللباس الرسمي (البدلة البيضاء) على طريقة بورنازيل.

إلى جانب إنجازاته هذه، تضاف عملية تصفية قائد كاودائي رفض الرضوخ للسلطات الفرنسية وانسحب إلى إحدى الغابات محاطاً بحراسة مشددة ومتحدياً قيادة الجيش الفرنسي. اختار أوفقير مجموعة من الكاودائيين المتعاونين وخمسة عناصر من فرقته، دخل بهم إلى الغابة. وضع حيلة كان على الكاودائيين بموجبها أن يذهبوا إلى القائد وأن يقدموا له العناصرالمغاربة على أساس أنهم أسرى فارين ونجحت الحيلة فما أن وصل الأسرى أمام القائد حتى سحبوا من بين أفخاذهم القنابل المخبأة وقضوا عليه مع أعوانه.

ومن بطولاته أيضاً أنه كان مرة محاصراً مع فرقته وأوشكت ذخائرهم على النفاذ فرفعوا الأعلام البيضاء وتقدموا نحو الفيتناميين بعد أن نزع هؤلاء أقنعتهم وأشاروا لهم بالاقتراب. ما أن وصلوا على بعد خطوات من الخصم، وأوفقير على رأسهم حتى أخرجوا أسلحتهم المخبأة وانقضوا على المحاصرين فتمكنوا من الإفلات. كان الملازم أول أوفقير يعرف جيداًأن الحرب لا تشبه أبداً رسوم ايبينال.

عينه رؤساؤه، وقد ظنوا أن تافيلالت منطقته هي نهر، للعمل على الديناسو وهي البوارج التي تمخر الأنهار والقنوات. قاتل طوال أشهر على رأس وحدة أصبح لها بسرعة شهرة أسطورية بإسم الكوماندوس او (الحرف الأول من أوفقير) ثم الكامندوس صفر. مارست هذه الوحدة حرب الكمائن والسطو على طول آلاف الأنهر التي تشق دلتا ميكونغ عبر كثافة النباتاتعلى ضفافها الموحلة. كان أوفقير يحب هذه الحرب التي تشبه الصيد وحيث غالباً ما تتحول المعارك فيها إلى تلاحم فردي بين الأخصام. عين بعد ذلك قائداً على قطاع في منطقة بيان - هوا، وعندما غادر الهند الصينية كان قد رقي إلى رتبة كابتن وأصبح ضابطاً في فرقة الشرف كما ازدان وسام حربه بإحدى عشر سعفة.

الرجل الذي عاد إلى المغرب كان إنتاجاً استعمارياً خالصاً. ضابط نخبوي كان يعتبر نفسه جزءاً لا يتجزأ من الجيش الفرنسي ولم ينكر طوال حياته نعمة السنوات التي قضاها في صفوفه، كما لم يخطر بباله أبداً أنه لم يكن سوى مرتزق استخدم لمحاربة إرادة الاستقلال لشعب مضطهد كشعبه. حين كانت مجموعات المقاتلين الفيتناميين تهاجم وهي تصيح دوكلابأي (الاستقلال)، تلك الكلمة التي اكتسحت ديان بيان فو بعزم صيحات عشرات الآلاف من الرجال بها بصوت واحد، لم يكن أوفقير يرى أية علاقة لها "بالاستقلال" (حزب الاستقلال) وقد تأسس في بلده منذ خمس سنوات.

كان طويل القامة، ضعيفاً، ليناً، هاوي حروب ربما؟ لكنه لا يشبه في شيء بيجار، شقيقه في الشجاعة. بيجار في استراحاته مواطن فرنسي عادي، أما أوفقير فيثير القلق دائماً. تركت قاذفة اللهب الألمانية ثقوباً على خده الأيسر وكان يخفي تحت نظارات سوداء جراح عينيه. يشعر الناظر إليه بطموحاته الصعبة التحقيق والتي تبدو غير واضحة الأهداف. إنهطاقة لا يمكن معرفة اتجاهها، رجل خطير وصف جيل من الصحافيين بكامله دون كلل: "مشيته كالحيوانات الكاسرة ومظهره الجانبي الذي يشبه الطيور الجارحة". أما جان لاكوتور، فقد تحرر، طبعاً، من هذه الكليشة وقال أن له: "وجه كقبائل السيو الهندية ونظرة سوداء كالقار".

لكنه رغم ذلك رجل مستعمر. لن تسمح له رتبة الكابتن ولا مجموعة أوسمته بقيادة سرية في المغرب. هكذا هو القانون، لا يسمح بتعيين ضابط من البلد المستعمر في منصب قيادي فالمناصب حكر على الفرنسيين بغض النظر عن رتبتهم في الخدمة. أثار أوفقير وزميله حمو فضيحة في مجلس الأركان في مكناس حيث كان القائد العام هو نفسه ضابط الشؤون المحلية الذيأرسل فيما مضى أوفقير الفتى إلى ثانوية أزرو. كان الجنرال دوفال، القائد العام للقوات في المغرب بحاجة إلى معاون عسكري، فتم اختيار أوفقير لهذه الوظيفة.

بقي ثلاث سنوات إلى جانب دوفال الذي كانت آخر مآثره قمع التظاهرات المنادية بالاستقلال في قسنطينة الجزائر، في بحر من الدماء في مايو 1945. قدر عدد ضحايا هذا القمع بأربعين ألفاً. عرف دوفال بعناده وسرعة الانفعال، كان أوفقير يعجبه وكان هذا يحبه. لم تقف أبداً أية عقبات في وجه صداقتهما.

بدأ أوفقير حياة جديدة، بعد حياة الزهد في سنوات الطفولة والمعاملة الصارمة في ثانوية أزرو ومرحلة الشباب الاسبرطية القاسية في الدار البيضاء، بعد تشنجات حملة ايطاليا والحرب المتواصلة في قنوات الفيتنام، ها قد دخل أخيراً حياة الترف والمباهج: ولائم احتفالية في مقر المندوب السامي، حفلات استقبال، معاشرة الموظفين الكبار ورجال السياسةوالسفراء، وأيضاً نساءهم اللواتي لم يتركنه يجهل أنه يثير إعجابهن بشخصيته الخطيرة والغريبة، بالتأكيد، وإنما أيضاً بجاذبيته، فقد كانت ابتساماته تضع بعض النور على وجهه الجليدي وكانت نظرة القار، التي تصدم كل مجالسيه عادة، تتفتح بعض الشيء. على العموم، لم يكن هذا الرجل سوداوياً بالكامل. كان يحب الحياة وحلقات البوكر حتى الفجروارتياد الحانات الليلية. كان يحب أيضاً بنات الريف الفرنسي الساعيات إلى تكديس الذكريات الجميلة والبورجوازيات المتكلفات الباحثات عن مغامرة عابرة.

أما اختصاصه فكان في حقل الاستخبارات، أنشأ علاقات بكافة أجهزة الأمن الفرنسية لكنه كان يفضل جهاز التوثيق الخارجي ومكافحة الجاسوسية لأنه يتكون من الضباط بشكل خاص. لم يكن مجرد عميل بل عمل كعنصر نشط في حفظ الأمن الفرنسي على الأراضي المغربية. حين وصل جوان إلى مقر المندوب السامي، والعصا في يده، لم ينزعج بتاتاً كان جوان قائده فيايطاليا وهذا فقط ما كان يهمه. خليفته غيوم كان أيضاً قائد المناوشين المغاربة في بلفيدير وعلى نهر الغاريغليانو، فدعا أوفقير للعمل في مكتبه. حزن هذا الأخير لاضطراره ترك دوفال لكنه رضخ لطلب غيوم.

ها هو قد أصبح في مركز السلطة: مقر المندوب السامي. إن مهمة المعاون العسكري هي فتح كل الأبواب والسهر على حقيبة معلمه. كان الهدف من توظيفه في المقر توفير المعلومات لأنه كان يمتلك شبكة من المخبرين القادرين على إبلاغه دماً بما يدبر في أوساط الوطنيين، بعض هؤلاء المخبرين سلمهم له جهاز السيديك والدي.إس.تي والباقي جندهم بنفسه.

هذا هو بلا شك السبب الذي جعل خمسة مندوبين متوالين يحتفظون به في خدمتهم، الليبراليون منهم والقمعيون. بعد وفاته، مدحه العديد منهم في الصحف الفرنسية معربين عن أسفهم عليه إنما بعبارات مبهمة بالنسبة لقارئ مغربي، من نوع "كان صادقاً ومخلصاً"، مما يدفع إلى طرح السؤال: لمن كان إخلاصه؟

تابع عن قرب أحداث الدار البيضاء الدامية في دجمبر 1952 ولم يخف على مقربيه أنه وجد القمع رخواً بعض الشيء. كان يعتبر أن السياسة فن في غاية البساطة أي، باختصار، تحديد العدو ثم تصفيته. تشرب في الهند الصينية الكره لرجال السياسة الفرنسيين بتأثير زملائه الضباط، ولم يراع في حقده هذا سياسيي بلاده، ثرثارون برمتهم حسب تعبيره. كان بسببأصله الريفي يشمئز من أهل المدن الرعاع، لذا لم يكن يستاء من مقولات موظفي المقر من نوع: البلاد ما زالت تؤيد السلام الفرنسي، الوطنيون ليسوا سوى حفنة من المثقفين الساخطين، بضعة رشاشات تكفي لضبط رعاع الضواحي الفاسدين (أي مدن القصدير).

كان يؤيد الكلاوي تأييداً تاماً وذلك بفعل التضامن العشائري تحديداً، فهو من أبناء الجنوب. ثم أن الكلاوي وإن كان قواداً، فهو على الأقل صاحب هيبة بعكس السلطان الذي كان يسخر من جبنه الفرنسيون. ساهم أوفقير مستخدماً عملاءه بحملة التحريض لعزل السلطان، فقام بإحصاء الباشوات والزعماء الذين يمكن الاعتماد عليهم وبدراسة لوسائل الضغطالضرورية لجعل المعاندين يغيرون مواقفهم. قام بمهمته هذه بسرية تامة، في مكتبه داخل المقر وعبر الطرق الخفية لأجهزة المخابرات. لم يظهر اسمه بتاتاً في أي نشاط علني، كان قد اكتسب خبرة عظيمة، من خمسة وعشرين باشا، بقي أربعة فقط على إخلاصهم لمحمد بن يوسف، ومن ثلاث مئة وعشرين قائد، بقي ستة فقط.

مع تغير موقف فرنسا، تغير أوفقير أيضاً، فأصبح لا بد من سحب السلطان الدمية وترك المكان لسيدي محمد. لم يكن السلطان العجوز والبائس متعلقاً بالعرش أبداً وكل ما كان يهمه هو العودة إلى دراساته اللاهوتية العزيزة على قلبه، لكن حاجبه، رجل الكلاوي والمرتبط بالأوساط الفرنسية المتطرفة، كان يضع حراسة مشددة حوله يستحيل اختراقها. وحسبرواية شائعة في كل مكان فإن أوفقير هو الذي توصل إلى تنحية العجوز عن العرش. دخل إلى القصر مختبئاً في صندوق سيارة ثم تمكن من إبعاد رجال الحرس الأسود تحت تهديد السلاح حسب إحدى الروايات وبالرشوة حسب الروايات الأخرى. إن الجنرال بوايي دي لاتور المندوب السامي والمسؤول السابق لأوفقير في الهند الصينية، هو الذي نقل هذه الرواية المختلقة.لكنه كان قد استقال في حينها ولم يعد يسيطر على الأوضاع المتبدلة.

أوفقير، المعاون العسكري دائماً وأبداً، ولكن هذه المرة للسلطان المنصور. المستقبل بلون السماء.

لم تتخل المجموعات الجبلية والخلايا المدينية عن سلاحها بعد عودة السلطان. بدأت المفاوضات مع فرنسا لتوضيح المحتوى الباطني للشعار الذي أخرجه إدغار فور الساحر من قبعته وكان حينها رئيس المجلس: "الاستقلال في التبعية المتبادلة". تابع عناصر المقاومة، نضالهم للتأثير على المفاوضات. وبعد الاستقلال، في 2 مارس 1956، رأوا صفوفهم تتضخمبآلاف "القوم"، أعداء الأمس اللذين اختاروا المقاومة فجاؤوا بأسلحتهم وأمتعتهم بعد أن حرموا من رؤسائهم الفرنسيين. في المدن، اختارت بعض المجموعات المقاتلة طريق اللصوصية دون تحفظ. كما في كل مكان، لم تكن المقاومة المغربية بعد خروجها من المعركة مجموعة متجانسة وبسيطة التركيب.

بماذا كان يطالب المقاومون الحقيقيون؟ كانوا مخلصين للعرش إنما يرغبون بإصلاحات عميقة. بالنسبة لبعضهم، وهم المتضامنون مع الثورة الجزائرية، لا ينتهي النضال عند تحرير المغرب بكامل ترابه ولا بد من متابعة القتال إلى جانب الأخوة الجزائريين. وبالنسبة للجميع، لا ينتهي النضال من أجل الاستقلال إلا بعد أن تتحرر آخر بقعة من المغرب منالنير الأجنبي. ولكن، كما يقول الحسن الثاني بحق "إن مشكلة المغرب هي في كونه خضع لبلدين استعماريين في نفس الآن". انسحبت فرنسا, لكن إسبانيا احتفظت ببعض المواقع - سبتة ومليلية في الشمال، ايغني وطرفايا في الجنوب - وخاصة في الصحراء الغربية التي كانوا يدعونها ريو دي أورو.

لم يكن حزب الاستقلال، الغائب عن ساحة النضال المسلح بسبب سجن أو نفي قياداته، قادراً على احتواء المقاومة رغم أن عدداً من أعضائه برز فيها بشكل فردي، أما في المجلس الوطني لهذه المقاومة المكون من خمسين عضواً، فكانت اللجنة التنفيذية للاستقلال ممثلة بعضو واحد هو علال الفاسي، القائد المحبوب والذي قضى معظم سنين شبابه في المنفى،كان يؤيد المقاومة بشكل واضح وصريح، وكان يتماثل فيها أما العناصر البورجوازية الصغيرة والمتوسطة التي تشكل القسم الأكبر من أعضاء حزبه، فكانت تتعامل بقلق مع تلك الزمر الشاذة التي تجوب البلاد.

لم يكن بإمكان السلطان الأعزل من كل قوة، غض النظر عن وجودها دون أن يخاطر بسلطته. لذا سوف تتمكن عمليات التجنيد في القوات المسلحة الملكية والتوظيف والاغتيال من تصفية حركة المقاومة بعد بضع سنوات. أنشئت في 14 مايو 1956 القوات الملكية المسلحة. كان يسمى ضابطاً كل قائد قدم الطاعة مع مئة من مؤيديه على الأقل، وتدمج مجموعته بالقواتالملكية. هكذا انضم عشرة آلاف رجل دفعة واحدة ووافق الكثيرون غيرهم على تسليم أسلحتهم في الأشهر التالية. في المدن، عرض على عناصر المقاومة وظائف في الشرطة وأجهزة الأمن وعرضت أيضاً امتيازات اقتصادية على كل اللذين يوافقون على الانضمام. بسبب هذه الامتيازات قامت الأحزاب، وعلى رأسها حزب الاستقلال، بالتعتيم على النواة التي قاتلتبالفعل أيام الاحتلال عبر المتاجرة ببطاقات الانتماء للمقاومة. مما أدى في نهاية هذا اللولب المتضخم باستمرار إلى وصول عدد "عناصر المقاومة" إلى رقم ستين ألف المبالغ فيه كثيراً. لكن ذلك من خصائص كل البلدان وفي كل الأزمنة. أما الذين رفضوا الانضمام، فقد تم اغتيالهم دون تردد.

بينما كانت تدور حرب الاستنزاف هذه ضد بقايا المقاومة بشراكة رسمية بين العرش وحزب الاستقلال، كانت معركة أخرى على جبهة مختلفة تضعهما الواحد في مواجهة الآخر وذلك في سبيل السيطرة على الحكم. كان قادة الاستقلال ينوون جعل الحكم ملكية دستورية ذات صلاحيات محدودة، لكنهم بعد أن لعبوا طويلاً ورقة محمد بن يوسف ضد فرنسا وجسدوا فيه المطالبالوطنية وبعد أن ركزوا جهودهم طوال عامين على المطالبة بعودته من المنفى وجعلوا منه رمزاً للاستقلال، أوقعوا أنفسهم في الفخ، وأصبحوا مضطرين للتعامل معه. أما هو، فصار عليه، لكي يحكم باطمئنان، أن يحاول إضعاف حزب الاستقلال المسيطر على الساحة السياسية. من أجل الوصول إلى هدفه، لم يتردد السلطان في إقامة تحالفات مع الإقطاعيين الكبارالذين قاموا بعزله في الماضي. بهذه الطريقة يكون كل طرف قد حصل على ما يبتغيه، يحصل الباشوات والزعماء على العفو عنهم والسلطان على الدعم المطلوب. تشكلت أول حكومة برئاسة السي البكاي وهو ضابط قديم في الجيش الفرنسي، معاق في الحرب وأحد الباشوات القلائل الذين عارضوا عزل السلطان. وجد حزب الاستقلال نفسه داخل هذه الحكومة في موقع الأقليةمع شخصيات دون انتماء سياسي محدد ومع ستة وزراء عن حزب الاستقلال الديموقراطي. كان اختيار السلطان قد وقع على هذا الحزب، رغم أنه أقل شعبية من شريكه حزب الاستقلال ورغم أن في قيادته عناصر جمهورية معروفة، لأنه اعتبر ذلك أهون عليه بكثير من أن يجد نفسه وحيداً في مواجهة حزب الاستقلال. لقد تم فيما بعد، سنة 1958، تشكيل حكومة استقلاليةذلك بعد أن عظمت قوة السلطان وحصل لنفسه على امتياز تعيين الوزراء في الحقائب الأكثر أهمية أي الدفاع والداخلية. ثم أنه بتشكيله حكومة من يسار حزب الاستقلال جعلها تتحمل مسؤولية قمع المعارضة في الريف التي كان القصر قد حركها ضده في الأصل...

كانت خطة القصر ايجاد حزب ريفي قادر على مواجهة حزب الاستقلال فالأرض خصبة لفكرة كهذه. ذلك أن البلاد كانت تنظر بريبة إلى حزب ولد وكبر في أوساط البورجوازية المدينية، عدوتها التقليدية، هو حزب الفاسيين، سكان فاس، المحسودين على ثرواتهم والمكروهين لعجرفتهم: إنهم أهل "المخزن" منذ الأزل. إضافة إلى ذلك، كان حزب الاستقلال يغيظ بغطرسته،بادعائه احتكار الوطنية وتذكيره الدائم باستحقاقاته اللامعة. ثم أن طموحاته التسلطية كانت واضحة، قام بفتح مكاتب لحسابه في كل مكان مهمتها الدعاية المكثفة له وتصفية منافسيه، لم يتردد عناصره أبداً في استخدام أية وسيلة لهذا الغرض. ومن جهتها، كانت بلاد السيبة سابقاً تتعامل معه كما لو أنها في مواجهة المخزن.

أنشئت الحركة الشعبية من قبل المحجوب أحرضان والدكتور خطيب، القائد التاريخي للمقاومة، تحت شعار "نحن لم نقاتل من أجل الاستقلال لكي نفقد حريتنا". وبتحريض من القصر، جرى إغلاق بضعة مكاتب للاستقلال والتعرض للعديد من ممثليه.

ثم جرت حادثة غير متوقعة أوشكت أن تشعل البلاد. كان أحد المقاومين الأوائل، عباس المسادي، قد اغتيل على يد حزب الاستقلال ودفن في فاس، فأراد أصحابه نقل رفاته إلى بلدته عجير، معقل المقاومة في الجبل. رفض موظفو الاستقلال إعطاءهم الإذن. في 2 أوكتوبر 1958، قام الدكتور الخطيب وأحرضان، رغم المنع وبمناسبة مرور ثلاث سنوات على إعلان الانتفاضة،بنقل رفاة المسادي وأقاموا له جنازة باعتباره شهيداً سقط تحت ضربات حزب الاستقلال، حضرها آلاف المواطنين. تحول الاحتفال إلى تظاهرة وأطلقت الشرطة الرصاص ودخل الريف مرة أخرى في حالة العصيان.

في 9 جانفي 1958، وصل الأمير مولاي حسن، الحسن الثاني مستقبلاً إلى تطوان يرافقه القومندان أوفقير.

كان الحسن في تلك الأيام يستطيع أن يطلق على أفقير بحق، الصفة التي أنعم بها فيما بعد على فاليري جيسكار ديستان رئيس الجمهورية الفرنسي قائلا عنه: "صديقي". ولكن بعد ذلك بفترة طويلة وأثناء مقابلة شهيرة، قال عنه بعد أن كان قد قضى عليه: "عرفت أوفقير بثلاثة وجوه، الأول عندما كنت ولياً للعهد وكان المعاون العسكري لوالدي، الملك محمدالخامس. وكان في حينها ضابطاً سعيداً لسببين أولهما أنه نجا من كل الحملات العسكرية التي شارك فيها دون أن يترك فيها رأسه، وثانيهما لأنه وجد نفسه قد اختير من بين جميع الضباط المغاربة، كمعاون عسكري لأبي. منذ عدة أيام يدور في رأسي تساؤل هو: إذ يبدو واضحاً أن المقر قدم لنا أوفقير على طبق. في 16 نوفمبر 1955، يوم عودة أبي إلى الرباط،كان جالساً إلى جانبه في الديلاهاي السوداء. لذا بدأت أتساءل منذ ثلاثة أيام فقط لماذا قدم لنا بهذا الشكل منذ البداية؟ ثم أننا بعد ذلك قضينا سوية، هو الضابط الشاب وأنا الأعزب، سنوات ممتعة".

ما كان ينتظرهما في الريف يصعب وصفه بالممتع! لكن في الحقيقة كان الرجلان يتقاسمان بالفعل ساعات ممتعة، خاصة في الليل. كان عمر مولاي حسن تسعة وعشرون عاماً وأوفقير كان في الأربعينات من عمره. كانا يمتازان بالجرأة رغم أن الفتى لم تكن قد أتاحت له الظروف إظهارها. وحتى الفرنسيين الذين كانوا يهزؤون من ضعف السلطان الجسدي، كانوا يعترفونبأن ابنه البكر من طينة أخرى. كان كلاهما، أوفقير والحسن، ينظران إلى الدنيا نظرة الفاحش الباردة. يحبان الخمر والفتيات، كان لصداقتهما رائحة قعر الكؤوس الثقيلة والأسرة المرتادة، لكنها مع ذلك صداقة أو ربما علاقة تواطؤ؟ سوف تكون كذلك لاحقاً. السلطان ما زال شاباً في حينها سبعة وأربعون عاماً سنة 1956- ولم يكن الحسن متأكداً منأنه سيحكم يوماً أو أن ذلك اليوم سوف يأتي ربما في مستقبل غير محدد. غير أنه يستطيع أن يحكم بوجود أبيه، وهذا هو الهدف الذي كان يسعى إليه تحديداً، فقد تربى على هذا الأساس. منذ 1944 - وكان عمره أربعة عشر عاماً - حضر مقابلتين بين والده وروزفلت، لأن محمد بن يوسف الذي كان يعي حدوده أراد لابنه البكر تربية تفتح له أبواب العالم العصريالذي كان هو نفسه لا يعرف عنه إلا القليل. حصل مولاي حسن على إجازة في الحقوق ودبلوم الدراسات العليا في الحقوق المدنية من جامعة بوردو, لحق بوالده في المنفى وبينما كان السلطان المخلوع واقعاُ تحت وطأة التشاؤم، كان الحسن، على العكس، يعتبر أن اللعبة لم تنته بعد. في أثناء المباحثات مع فرنسا وإسبانيا رضخ لقرار أبيه الذي يكن لهعاطفة قوية لكنه كان نافذ الصبر لكي يثبت وجوده ويتحرك.

كان الحسن يجهل نبوءة موظف فرنسي كبير قال حين رأى أوفقير يشق لنفسه طريقاً في قلب العائلة الحاكمة: "هذا رجل سوف يتمكن من هزم سلطان..."

عين الأمير مولاي حسن، بحسب التقاليد العلوية، على رأس قوات الجيش الملكي، وبإشراف أوفقير المجرب، أخذ دروساً في القيادة.

كان القمع في الريف عنيفاً وبدون رحمة على الطريقة الأوفقيرية. تم إنزال عشرين ألف رجل على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. قسموا إلى ثلاثة طوابير أرسلت باتجاه الجبل. قام الطيران الذي كان طاقمه القيادي فرنسياً وألوانه، المصبوغة حديثاً شريفية، بسحق القرى تحت هول القنابل. كان أوفقير يقود الطابور الرئيسي والحسن يتابع العمليات في الهيلوكوبتر،حاطاً على اليابسة من حين إلى آخر لتقبل مراسيم الطاعة. في هذه الحملة، أضفت الى الأسطورة الأوفقيرية السوداء بضعة روايات. منها أنه في أحد الأيام كانت مجموعة من الأسرى الذين قدموا إلى الحسن، قد ركعوا أمامه، وحين وقفوا بعد أن حصلوا على العفو عنهم وابتعدوا قليلاً وقع انفجار بينهم أدى إلى تمزيقهم إرباً؛ لقد كان أوفقير قد وضعمازحاً، قنبلة مفتوحة في طاقية جلابية أحد الأسرى. وفي مرة أخرى قام أحد الريفيين بإطلاق الرصاص على الحسن لكنه أخطأه فتم اعتقاله. اقترب منه أوفقير وذبحه قائلاً للحسن: "هدية لك يا أميري!". هل هي روايات غير محققة؟ بالتأكيد، لكن من المعروف أن أوفقير منذ أن كان يعمل لحساب فرنسا - وأيضاً في وادي الزم في غشت 1955 - كان يحب القيامبهذا النوع الفظيع من الإعدامات العلنية حيث يحافظ الخنجر على مكان الصدارة لديه.

بقيت حصيلة القمع غير معروفة بالتحديد لكنها قدرت بعدة آلاف من القتلى والجرحى، كان الضحايا بمعظمهم من المدنيين الذين وقعوا تحت قنابل الطيران. وفي ختام الحملة التي قام بها أوفقير بهمة بالغة ضد مواطنيه، رفع إلى رتبة كولونيل.

في 15 غشت 1957 توج محمد بن يوسف نفسه ملكاً باسم محمد الخامس.

دارت أحداث آخر حلقة في مسلسل تصفية المقاومة في مناطق الجنوب. كان جيش تحرير الجنوب الذي يضم في صفوفه عدداً كبيراً من المتمردين القادمين من مختلف مناطق المغرب، يقاتل إلى جانب القبائل الصحراوية ضد فرق فرانكو، وكانت عملياتهم تطال أيضاً موريطانيا الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي وعلى عتبة استقلالها.

كان الملك في وضع حساس للغاية إذ لم يكن باستطاعته أن يتنصل بسهولة من المقاتلين: المغرب بكامله - بأحزابه ومن ضمنهم الحزب الشيوعي، بنقاباته وجمعياته - كان يعتبر الصحراء الغربية وموريطانيا جزءاً لا يتجزأ من أراضيه وكان علال الفاسي، زعيم حزب الاستقلال، يردد في خطاباته الحماسية أن حدود المغرب الجنوبية لا يمكن أن تكون إلا علىنهر السنغال. كيف يمكن للملك من جهة أخرى أن يسمح بوجود هذه القوة المسلحة التي لم تغرها محاولات الاحتواء في القوات الملكية والتي تترافق حوافز النضال من أجل التراب لديها بطموحات سياسية واضحة.

أقنعت فرنسا الملك محمد الخامس بتجاوز تلك العقبة بشجاعة. ليست موريطانيا أكثر اهمية من الصحراء الغربية، ذلك الركام من الرمال الذي تخلى عنه الإنكليز فيما مضى للديك الغولي، الفرنسي، يلعب فيه على هواه. أما الحقيقة فهي أن باطن الأرض في هذه المناطق يفيض بالفوسفات ومناجم الحديد. وضعت إحدى الشركات العالمية، التي يمتلك جزءاً منهامصرف باريس وهولاندا، برنامجاً لاستغلال أحد الأحواض المنجمية في الزويرات، من ضمنه بناء سكة حديد تصل حتى الساحل الأطلنطيكي وتحديث تجهيزات بور اتيان (وهو مرفأ نواريبو بعد الاستقلال) بهدف نقل المعادن المستخرجة من المنجم. ومن أجل تنفيذ هذا البرنامج طلب من البيرد (البنك الدولي للبحوث والإنماء) قرض فتمنع عن تقديمه لخوفه من الفوضىالأمنية السائدة في المنطقة مشترطاً تثبيت الأمن في موريطانيا للقبول بتأمين الرساميل اللازمة، مما يتطلب بالتأكيد إخضاع جيش التحرير. كانت فرنسا، المتورطة في حرب الجزائر تعتبر أن هذه العملية ستؤدي لها خدمة إضافية ألا وهي تخليص حدودها الصحراوية من بضعة آلاف رجل يؤيدون القضية الجزائرية.

في يناير 1958، وضع الفرنسيون والإسبان، بالاتفاق الكامل مع السلطات المغربية خطة لعملية اوراغان التي يدعى الجزء الفرنسي منها ايكوفيون. في الشهر اللاحق، قام خمسة عشر ألف رجل مدعمين بحوالي مئة طائرة، بتمشيط الصحراء، مما اضطر القبائل الصحراوية وقد قضي على ماشيتها، للهجرة. ومما جعل المقاتلين وقد سحقوا يستسلمون وينضمون إلى القواتالملكية بمعظمهم أو يعودون إلى مناطقهم.

من جهة أخرى، استمر القادة المغاربة وعلى رأسهم السلطان بالمطالبة عالياً "بالأراضي الصحراوية كامتداد للمغرب". كما رفضوا طويلاً الاعتراف بموريطانيا المستقلة. لكن ذلك لم يمنع الأمن الاقتصادي الاستعماري ان يستتب وأن تواجه موريطانيا مصيرها بمعزل عن المغرب، وأن تبقى إسبانيا طويلاً في ريو دي أورو.

سوف يعاد فتح هذا الملف بعد ستة عشر عاماً.

كان من بين الناجين من عملية "ايكوفيون" القلة والمصرين على متابعة النضال، أحمد اكوليز، وهو طباخ سابق في المطاعم المدرسية. كان أول من أنشأ في الدار البيضاء خلية سرية استطاعت الشرطة الفرنسية إلقاء القبض عليه ثم تمكن من الهرب. هذا الرجل أصبح لقبه أسطورياً في مدن القصدير في المغرب إنه شيخ العرب

- مقتطفات
مذبحة في الصخيرات ( بتصرف(


< هنا و بتقليد أضحى من الطقوس ، يحتفي الحسن الثاني بذكرى ميلاده ، وصل عدد المدعوين إلى الألف ، بدون احتساب النساء اللواتي يستقبلن في اليوم الموالي . اللباس الرياضي ملزم بقمصان ملونة فتخال أنك وسط ناد فسيح على شواطئ المتوسط حضوره الوزراء و الدبلوماسيون و صفوة الأثرياء و الضباط السامون و أعضاء النخبة المغربية . أثار ترف الموائد دهشة المدعوين ، أكوام من فواكه البحر و أسماك السلمون و الكافيار ، و حلويات و شراب متنوع بينما تشوى عشرات الخراف ، و يعد الطهاة المقبلات ، و تقدم المشروبات غير الكحولية و الشاي ، بيد أن عشاق الويسكي و الشامبانيا يمكنهم معاقرتها قدر رغبتهم في خيمة جرى نصبها خارج حرم القصر على مقربة من ملعب الغولف حرصا على مشاعر علماء الدين من الحضور . في الساعة 14،08 سُمِعت أصوات انفجارات حسبها كثيرون أسهما نارية للترفيه .لكن كيف و السماء زرقاء ؟ كانت طلقات الأسلحة الأوتوماتيكية تغطي مضمار ملعب الغولف و ألقيت القنابل من خلف الجدار و توالى سقوط القتلى و المصابين ، و ساد الرعب المدعوين . كان الفساد مستشريا من القمة للقاعدة ، لا توجد معاملة إدارية بدون مقابل و جحافل العاطلين عن العمل يقصدون أوروبا بينما تتنامى حسابات المسئولين في بنوك سويسرا ، و قد صرح المستشار المقرب للملك أحمد رضا اغديره لمجلة " لو نوفيل أوبسيرفاتور " بعد محاولة الانقلاب في قصر الصخيرات قائلا : لو كانت هنالك بضع فضائح فقط في المناصب الرفيعة لكان الأمر هينا إذ يكفي تحريك بعض الدعاوى القضائية المدويّة فيعود النظام ، لكن الخطير في الفساد أنه انتشر مثل الغنغرينا فبلت المنهج .

الملك قدم النموذج السيئ ، إنه أكبر مالك للعقارات في البلد و أول مصدّر للحوامض ، ابتاع ملكيات مصرف باريس و الأراضي المنخفضة ( هولنده ) ، و لا يمكن حصر ودائعه في الخارج . الفساد جزء من طريقته في الحكم ، ذات يوم رقى موظفا صيته الاستقامة و عينه وزيرا ، ثم أوشى لحاشيته : سأقيله حالما يسرق 25 مليونا .كتب عالم الاجتماع الأمريكي محللا الازدراء الذي يعامل به الملك النخبة المدنية و العسكرية في المغرب ، و في مطلع السبعينات لم يعد بمقدور هذه النخبة أن تشارك في الحكم بكرامة .

وحيث أن الملك يأبى تنظيف إسطبلات الفساد فسيتولون هذه المهمة طواعية أم قسرا ، يلزم للمؤامرة سيف ، إنه محمد عبابو 35 عاما و أصغر عقيد في الجيش الملكي المغربي قائد المدرسة العسكرية في أهرمومو في بلاد الأمازيغ . على رأس 1400 ضابط طالب حيث انطلقت 60 شاحنة عسكرية عند الساعة 3،15 فجرا من أهرمومو بتاريخ 10 تموز 1971 و جرى توزيع القوة على مجموعات تضم كل منها 40/15 فردا بإمرة ضابط ، و تم تشكيل مجموعة تنسيق للعمليات مكونة من 25 رتيبا اختيروا بعناية .

بقي قصر الصخيرات الملكي غارقا في الفوضى الدامية ، طلقات التحذير استحالت سريعا إلى نيران مميتة ، و أجمعت الشهادات في سردها حول هياج الطلاب الضباط الذين اقتحموا القصر عقب اكتشافهم خيمة المسكرات و أكوام الطعام الذي لم بسبق لهم تذوقه و ثياب المدعوين المزركشة و الغريبة ، فمعظمهم من ابناء العائلات المحرومة المنحدرين من مناطق الريف و الأطلس المتوسط و تافيلالت .

تم تجميع ضيوف الملك بخشونة و أمروا بالانبطاح على بطونهم و أيديهم فوق رؤوسهم ، بينما يتنقل العقيد محمد عبابو هاتفا : " نحن جيش تحرير الشعب " فيردده رجاله من ورائه ، نادى عبابو العقيد بوعزة قائد الدرك الملكي فلم يستجب فأمر أحد الطلاب الضباط قائلا : " اقتل هذا الخائن " .

و التجأ الملك إلى إحدى ملحقات صالة العرش برفقة الوزير الأول أحمد العراقي ، و الجنرال أوفقير و أحمد السنوسي و مولاي أحمد العلوي و احمد بلفريج و جرى التنبيه على عدم استعمال المياه في مقصورات المراحيض خشية إحداث



#جيل_بيرو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من ...
- عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش ...
- فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ ...
- واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا ...
- إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
- هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
- هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
- -مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال ...
- كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جيل بيرو - -اصدقاؤهم...... شيئ من التاريخ المطمور-