|
يوميات مستهرب
شاهر خضرة
الحوار المتمدن-العدد: 1623 - 2006 / 7 / 26 - 05:26
المحور:
الادب والفن
إ لى ندى خاطر إلى الموت . . .
الوحدة قاتلة "هكذا يقول الناس" أنا لست وحيدا ، ذاكرتي تجعلني دائما مع أحد ما ، ندى ! أنتِ لست في ذاكرتي فحسب بل في كل حياتي ، من جسدي حتى ما يحيط بي من أشياء ، وأهم ما أنتِ فيه فضلا عن جسدي . . . رسائلي . . . كتاباتي . . . قصائدي . . أي نعم قصائدي فلا تكاد تخلو قصيدة منك وبالتالي كيف للوحدة أن تنطبق عليّ فعليا ، ولكن هذه المرّة وبالرغم من وجودك الدائم في قلبي ، أشعر أن الوحدة تتسلّل وبيدها سُمّ بطيء السريان في مشاعري لتقضي عليّ ، والذاكرة بدأت تبخل عليّ فلا تعطيني سوى الأطياف الغامضة ، بحيث لا أسمن ولا أغنى من جوع في صور هذه الذاكرة التي أخذت تتحول إلى هيولى ، ولم يعد من العمر ما يسمح بالعيش على مجرّد الذكريات . كنت أريدك معي هنا لا هناك ، هنا في سهري الطويل ، في نومي المتأخر ، في أن نقرأ معا . . نكتب معاً . . نتحدث بخلافنا حول مسألة ما لساعات ، وعندما نأوي إلى السرير ننام وكل منا يدير ظهره للآخر . . نحاول النوم دون جدوى إلى أن يجذبنا الدفء وتروق حشيشة الجسدين وتتصالح نفسينا مفسحة لوجهتي النظر المتناقضتين أن تناما قبلنا بساعة على الأقل . لم تبهت ذاكرتي أو تجف نهائياً : (( هذا الصيف تجولنا في أسواق دبيّ وعلى شواطئها ، الرطوبة عند قناة القصباء تبللنا وتختلط برائحة أجسادنا ، عدنا بعدها إلى الفندق ، نستحم معا تحت رشّاش الماء ونلهو كالأطفال إلى حدّ العبث ، وننسى ما يدور في هذا العالم خارج جدران غرفتنا )). * * * * * * ذهبت من يومين إلى الفندق ذاته وحجزت نفس الغرفة ، تمشيت على الشاطئ ، تجولت في الأسواق ، وعدت إلى الغرفة ، لكني لم أستحم ولم أبدّل ملابسي ، نمت في ثيابي ورائحة عرقي جفّت ونامت معي في السرير ، نمت مرهقا . . لم أحلم بكِ ولم أشعر بجسدك ولا برائحته ، عندما سمعتُ صوت رشّاش المياه في الحمّام ينثال بصوت واضح خيّل إليّ أنك تستحمين ، صحوتُ واليأسُ يغمر قلبي ، أصخت السمع جيداً ، كان الماء ينصبُّ حقيقة ، جاءني أحد عمّال الفندق ومعه فنّي ليصلح الصنبور ، سألني أدوين "وهذا هو اسمه" لماذا وحدك ؟ أين حبيبتك ، كأنني كنتُ ناقص هذا السؤال يا ندى ! أجبته هجرتني . قال لي النساء لا تحصى وضحك . اتصلتُ بـ حبيسة التي أكره أن تنفرد بي ولكني لم أجد سواها بعد ساعتين كانت معي ، أذكر أنني كلما شممت رائحة جسدها أكاد أتقيأ . . لكني كرهت لجسدي أن يبيت طاويا ، ذهبنا معا إلى جميرا شربنا البيره ، ولكي أتخلص من حبيسة تظاهرت بالصداع الشديد . . عدت إلى الفندق ، لم تتركني وشأني عند المغرب دقت باب غرفتي ودخلت ، جست رأسي وعنقي وراحت تمسّد لي جوانب صدغيّ وجبيني وخلف رقبتي . . دست يدها الثانية في صدري ، شعرت بانسداد في أنفي ، لم أعد أشم سوى عرقي ونفسي المحموم و ... وازداد الأمر سوءا عندما وقفتْ تحت رشّاش المياه عارية وظهرها مليء بآثار الدمامل الميتة بينما الماء ينساب على مؤخرتها التي تشبه مؤخرة كلبة سلوقية مسلوخة ومعلقة في محل قصّاب في الأحياء القديمة لمدينة سيؤول ، وعاد لي القرف ثانية . . تقيأتُ في المغسلة ، هرعتْ إليّ وأمسكت برأسي ، شممتُ رائحة جسدها النتنة ثانية ، ازدادت حالة التقيؤ عندي حتى انهرت تماماً . . صرخت بآخر ما تبقى لي من عزم : اغربي عن وجهي ... اتركيني لوحدي ... أكره إحساسي بوجودك ولو بعيدة عني بملايين السنين الضوئية . . اخرجي ... اخرجي . ذهبتْ ولكنها أوصت عامل الفندق أن يتردد إلى غرفتي . * * * * * * جاءني أدوين يحمل حبّتي بندول وابريق زهورات وكأس ليمون ، أعطيته إكرامية مائة درهم ، وحكيت له قرفي من حبيسة ، كاد أن يموت من الضحك ، بعدها اقترح عليّ أن آخذ حمّام ساونا ومسّاج ، وعدني إن قبلت بأن أنام بعدها نومة هنيئة ناسيا كل شيء (لا حبيسة فحسب بل حتى الأخبار المتلفزة) وكان ذلك في أحد طوابق الفندق ، بالفعل جاءتني امرأة فلبينية تزن قنطارا من اللحم الآسيوي وأخذت تدهكني حتى أحسست بأني كالأرنب بين مغارف كفّيها ولمدة ساعة ثم بعدها حملتني وألقت بي في حوض الماء الساخن وتولّت اثنتان معها وبمثل وزنها تغطيسي في الماء الساخن وانتشالي وإلقائي في حوض الماء البارد حتى شعرت بأن الماء تغلغل إلى مشاش عظمي ، وغسلني من كل درن داخليّ ، وعندما أوصلنني إلى غرفتي مددني على السرير وغطينني دون أن أشعر بخروجهن لقد كنت مغسولا من كل شعور . * * * * * * في الصباح نهضت نشيطا وفي نيتي أن أعوّد نفسي على الحزن ، أن أكون طبيعياً في هذا الفندق وأنت غائبة ، لا بعيدة فحسب بل دون أيّ أمل في لقائك مطلقاً ، لا في هذا الفندق ولا في أي مكان من العالم . هل باستطاعتي ذلك ؟ لا أحد يموت إلا حتف أنفه ، اتصلتُ بحنان وعندما سألتني عن أحوالي وهي تعلم بهجرك لي ، بكيتُ حتى أبكيتها ، وأخبرتها بما حدث أمس بلقائي بـ حبيسة وسمعَتْ لعناتي وقرفي وحتى تضجري من مجرد ذكر اسمها ، لامتني في البداية إلاّ أنها خففت عني وطيبت خاطري ودعتني إلى بيتها . زوجها لا يحب الشعراء ولكنه لا يغار مني حمل ابنهما الوحيد معتذرا ومضى به إلى مدينة ألعاب للأطفال . منذ عرفت حنان وأنا أشعر بميل نحوها وأكبت مشاعري خوف أن تصدني ، وأتسلل بين حين وآخر بقصيدة أو برسالة إلى قلبها ، تبدو وكأنها عاشقة للحظتها وسرعان ما أمضي وكأن لاشيء من توهّمي ، حنان جد غامضة ، وحتى في مشاعرها المكشوفة لا يؤمن جانبها لكونها متحررة جدا ويخشى من تذرعها بمفاهيم الحرية وأنها تعتبرني أخاً ، ولأني متخبط في مشاعري بعد أن هُجرت من حبيبتي ندى ولم يعد لي غير المستحيل بعودتها ، طرحتُ على حنان أن تسمعني لآخر ما عندي فقبلت : منذ رأيتكِ أحببتكِ يا حنان ولأني مرتبط بحب آخر لم أشأ أن أتحقق من حقيقة مشاعري نحوك ، أعلم أنك متزوجة وأنا أيضا كذلك ، مع هذا كنت أعيش حباً لأكثر من ثلاث سنوات وتعرفين طبيعة حبنا وجنونه ، أنا الآن يائس تماما من عودتها بل أعتقد أنها باتت تعتبرني ميتاً ، وأنا سأعتبرها كذلك ميتة ، فإن وجدتني أهلا لحبك وأطمح بأكثر من ذلك أن تعتبريني حبيبا حقيقياً وهذا منتهى ما أريد ، وبالنسبة لزوجك أنا مستعد أن أتزوجك إن تطلقتِ وابنك تتركيه عند أمك ونعيش حبنا بجنون الشعراء لا بواقعية الزواج التقليدي . كانت حنان تنظر إلي كطفلة مشدوهة وكأنها صعقت من استسهالي لطرح تلك المسألة (وهي صديقتنا المشتركة لي وندى) كنت أداري نظراتي عن التحديق في وجهها مباشرة مرة بسيجارتي وأخرى بتناول القهوة العربية من الترمس ، لا حظت أن لون وجهها اقترب من الاصفرار وأن الحرج أخذ يتفصّد عرقا على جبينها ، عندما أنهيت كلامي قلت لها لا تستعجلي بالرد فكري وقلّبي الأمر على كل وجوهه .. لكن ثقي بأنني أحبك مهما كان ردّك ، ودون أن ترد ذهبت إلى الحمّام ، لمّا عادت كان رذاذ الماء بادياً على جوانب شعرها وفهمت أنها غسلت وجهها لتعيد إليه هدوءه . عدت إلى الفندق ولم أعرف منها أي رد فعل فقد حضرت إحدى جاراتها وانسحبتُ ، يبدو أنها اتصلت بجارتها من الحمام لكي أرحل دون جواب . * * * * * * وصلتُ في التاسعة مساء إلى الفندق واتصلتُ بـ أدوين الذي لم يكن وقت دوامه فجاءني على الفور قلت له أنا ضجر وأريدك أن تختار لي مكانا نسهر فيه ، دعا صديقته وأخرى معها كما فهمت لأجلي وذهبنا إلى نايت كلوب ، استطاعت المغنية الروسية أن تلقي بضجري خارج صدري ، لم أراقص الفتاة لانشغالي بالشرب والتدخين ، كان أدوين على ما بدا لي من أهل المكان ، فقد رقص مع صديقته حتى رأيت بلل العرق يتسلل من كم الـ تي شيرت الذي يلبسه أما صديقته لصغر حجمها تخيّلتُ أن العرق لا يعرف جسدها النحيل ، وفي غمرة الموسيقا الصاخبة والرقص الجماعي رأيت حبيسة (لا غيرها) ترقص مع رجل لا يتجاوزها طولا _ مع قصرها الشديد _ ومليء باللحم كأنه كيس محشو بالخرق البالية وتذكّرت أنني أعرفه ، أحد الكتّاب العرب في جريدة محلية وليس من أهل البلد ، انتابتني رعشة ولا شك تبعها اصفرار على خلقتي ، من المفاجأة ، لكن ما الحيلة لقد رأوني ، تركوا الرقص وجاؤوا إلى طاولتنا ، ما أن جلس قريبا منّي حتى سألني عن آخر أخبار الحرب في لبنان ، حاولت التملّص وتمييع الموضوع لكنه استمر في سرد الأخبار . . كان متحمّسا جداً لأخبار المقاومة وصمود حزب الله وافتخاره بدعم سوريا وإيران وأن إسرائيل ستندحر وستركع أمام ضربات المقاومة إن في فلسطين وإن في لبنان ، لم يكن بوسعي أن أحاوره إذ ليس المكان أصلا لمثل هذا وخاصة أنه حين كان يتحدث كان يضع فمه في أذني مباشرة وأنا مستسلم لسماجته ، وتمنيت من أدوين أن يطلب مني إنهاء سهرتنا لعذر ما لنهرب من تحت القصف لهذا الصحفي الذي رأى أن يكتب مقالته النارية في أذني مباشرة ، لكن أدوين من الفلبّين وهؤلاء لأعترف أكثر تحضّرا منّا ، لم يشأ أن يتدخل وما فعله أن انزوى مع صديقته متلصقين بشكل حميميّ ، حبيسة كانت هي الأخرى تقرّب أذنها من فم صديقها (دعبولة) وتشاطره بالتأييد مرةً وبقتلي مرّة أخرى برائحة فمها النتن فضلا عن جسدها الذي أخذت تصفر رائحته في منخريّ . تململت منهما وقلت لهما آسف معي أصدقاء ونريد العودة إلى الفندق فاقترحت حبيسة أن نذهب بسيارتها معا ، نوصل أصدقائي الفلبينيين ومن ثم نكمل سهرتنا في مقهى لنكمل حديثنا حول أخبار الحرب ، أطبقت الكمّاشة على عنقي ، ولتزيد الطين بلّة كلمت أدوين بالإنكليزية التي تجيدها ، فوافق إن كان معي ، هكذا خرجنا من النايت كلوب وأنا أجرجر أذيال خيبتي وأكظم غيظي ما استطعت ، وصلنا إلى الفندق ، نزلت من السيّارة وطلبت منهم أن ينتظروني لعدة دقائق ، أخبرت أدوين بضيقي فقال لي غريب أمركم أيها العرب تكرهون الشيء وتتقبلونه برحابة صدر قلت له أرجوك خلّصني من هذين المقرفين ، لم يتوان فعلا أخذني إلى غرفته الخاصة التي يسكنها في القبو من الفندق ولم نعلم بعدها كم انتظرا هذان السمجان . كل ما فعله أدوين أن اصطحب صديقته إلى غرفتي في الفندق وناما . أيقظتهما في الثالثة والنصف عندما فرغت علبة سجائري فتح لي أدوين وهو شبه عار بينما كانت صديقته عارية تماما لأنها انسحبت إلى الحمّام وهي ملتفّة بالشرشف ، اعتذرت من أدوين . . لكنه كان خجلا وأنا لم أشعره بأي حرج . * * * * * * الفتاة التي كانت معنا انصرفت منزعجة كما أخبرني أدوين من عدم اكتراثي بها . . لذا قلت له وهو يرتب غرفتي أن يدعوها إلى المطعم لنتناول الفطور سوية ، جاءت بكل عفوية وبساطة ترتدي الشورت وبلوزة معلّقة بخيطين على كتفيها ، لم تتجاوز العشرين حسب أعمارنا العربية ولكن العمر على أجساد الأسيويين لا يظهر على حقيقته فربما هي في الخامسة والعشرين أو الثلاثين ، جلست مقابلة لي . . قدّمتُ لها اعتذاري عن الليلة الفائتة ، أبدت بكل لطف قبولها الاعتذار قائلة لا مشكلة ، اقترحت عليها أن تصحبني في المدينة مثلما كنا نفعل أنا وندى ، أمضينا نهارا صيفيا بطوله نتسكّع في الأسواق ، كنتُ أتحاشى نظرات الناس وبخاصة العرب لصغر عمرها وحجمها أيضاً وهي تسير إلى جانبي رافعة رأسها كناطور التين كلما أرادت أن تكلمني ، وفي طريق عودتنا استقلينا تاكسي سائقها مصريّ والراديو مفتوح على إذاعة القرآن . . كان مشوارنا يحتاج لأكثر من ساعة لشدة الزحام ، بعد ربع ساعة أنهى المقرئ تلاوته وتلاه شيخ سعودي مسجل من صلاة التراويح وراح يدعو ويبكي ويتبع بكاءه جئير المؤمومين بالبكاء ومن ثم أخذ يدعو على إسرائيل والنصارى والكفار والمشركين وتتردد كلمة الآمين في المذياع من الستيريوهات المحيطة بنا داخل السيارة حتى طفح الكيل بي .. طلبت منه أن يخفض الصوت وسألته أنت (أخونجي) فلم يفهم ( سألني بلهجته المصرية إيه يعني أخونجي) قلت يعني أنت من الأخوان المسلمين فرد عليّ مستغربا أنا مسلم زيّ كل المسلمين . . قلت له نحن ركّاب معك فلماذا تفرض علينا مزاجك أو تدينك ؟ ما عندك شيء آخر في الراديو سوى هذه الإذاعة ؟ فبحلق في المرآة ناظرا إليّ باستغراب وقال (دي إذاعة القرآن الكريم مش عجباك) قلت يا أخي أنا لست في مسجد نحن في تكسي ضع لنا موسيقا أو أغنية ، أدار مؤشّر المذياع على إذاعة تذيع الأخبار بشكل متحمس جدا لأخبار المقاومة في غزة وجنوب لبنان وأراد السائق أن يختبرني قوميا بعد أن عرفني دينيّاً فقال لي (إيه رأيك بالمقاومة والحرب القائمة الآن) فقلت له رجّع الراديو على شيخ الحرم ليكمل دعاءه يكون أفضل فأغلق المذياع نهائيا وصمت بلؤم حتى وصلنا الفندق ، بعد أن دفعت الحساب قال لي (حضرتك من سوريا) قلت له مع وقف التنفيذ نزلنا من السيارة وانطلق وهو يبرطم بشفتيه . بعد أن أخذنا حمّاما فتحتُ التلفزيون على أخبار الجزيرة . . سألتني تينا عمّا يحدث في لبنان قلت لها هل فهمتِ ما حدث بيني وبين سائق التاكسي قالت لا . . قلت لها أنا مثلك . . ثم وضعتُ يدا على خصرها وأخرى على كتفها بعد أن حوّلتُ التلفاز إلى إحدى القنوات اللبنانية الممولة من السعودية ورحنا نرقص . * * * * * * في الصباح تقريبا الساعة السادسة اتصلت حنان ، صباح الخير . . صباح الفل . . اصحُ جيداً ما وراءكِ ؟ (وتفاءلت أنها وافقت على ما قلته لها قبل يومين) اتصلت بـ ندى لم أتصل . . كيف وأنت تعلمين قرارها لقد هجرتني وستتزوج قريبا ، هل تسخرين منّي في هذا الصباح ؟ انفجرت حنان بالبكاء . . أرجوك (قالت) أنا بحاجة إليك خذ تاكسي وتعال نسيت تلميحها عن اتصالي بـ ندى بأسرع ما أمكنني كنت في التاكسي اتصلت وأنا في الطريق من الموبايل وكنت قد تذكرت سؤالها الغريب لي عن اتصالي بـ ندى حنان ما الموضوع أرجوك ؟ ما علاقة أن تكوني بحاجة لي باتصالي بـ ندى ؟ وأنتِ تعرفين أن ندى رحلت وفي قريرة نفسها مقاطعتي إلى الأبد منذ أن رحلت انقطعت الاتصالات بيننا والآن هي في بيروت حسبما أتوقّع ، حنان ! قولي ما عندك الله يعطينا خير صباحك لكن حنان اكتفت بالنشيج ولم تجب ، أغلقت الموبايل وفتحت خط موبايل ندى في لبنان ، لا من خطوط . . . طوط طوط طوط ويفصل الخط ، فتحت لي حنان الباب وارتمت على صدري تبكي ، وأعطتني ورقة كانت بيدها (إيميل مطبوع) (( حنان أخبري شاهر أن ندى هربت من تحت القصف الإسرائيلي الهمجي على بيروت وذهبت إلى دمشق ولكن القصف الذي طال المنطقة الحدودية في المصنع أصابتها منه شظية فاستشهدت رحمها الله )) إذن قُتلتْ ندى .. بل استشهدت . . أجابتني حنان دخل زوج حنان . . عزّاني . . وضيّفني سيجارة واعتذر لأسمح له بالذهاب إلى عمله ، بعد خروجه انهرتُ تماما وانفجرتُ بالصراخ والبكاء حتى سمعت بكاء ابن حنان فخجلت من نفسي ، سحبتني حنان إلى المغسلة وأخذت تملأ يدها بالماء وتغسل لي وجهي وتبلّل رأسي . أحاطت رأسي بمنشفة وضمتني إلى صدرها الأخويّ الحنون . . احتضنتني وقبّلتني وهي تقول كن رجلا كما عرفناك ، لقد تركتْ عندي ندى رسالة لك بإمكانك الآن أن تقرأها . شاهر ! { أخذت قرارا بهجرك إلى الأبد كما أعلمتك سأتزوج (زواجا تقليديا كما تسميه) كفانا جنونا قررت أيضاً أن أهجر الشعر وأنا أعلم أن الموت وهجران الشعر سواء إذا نجحت بهجرك ونسيانك سأنجح في هجران الشعر أما قصائدي . . { لن تكون نذلا أنا أعرفك إذا مت اطبع قصائدي بديوان } ندى خاطر * * * * * * لم أقرأ جديدا سوى وصيتها بطبع قصائدها بديوان ،لماذا كتبت هذه الوصيّة ، هل كانت تحدس بموتها إذن لماذا قررت هجري وقطع صلتها بي إلى الأبد ؟ قالت إنها ستتزوج لم تقل إنها ستموت !. اتصلت حنان بأصدقائنا وأخبرتهم فحضروا ولم يتركوني اليوم كلّه وفي المساء عدتُ إلى الفندق ، سألتني تينا عن سبب خروجي المبكّر فقلت لها إنها الحرب التي سألتِني عنها . * * * * * * هربتِ منّي . . . هربتِ من الشعر . . . هربتِ إلى لبنان أم إلى الموت ؟ * * * * * * أيتها القنابل الذكيّة ! كم قتلتِ من أبرياء ؟ إنك إذ تنطلقين غبيةً عمياء . . . كم من أعين مفتوحة لا تستطيع الإغماض لانخطافها وهي تراكِ هاويةً كنيازك . * * * * * * تفـتّح أيها الجسد من التراب الذي يضمّك . . تفتّح فإن القصائد أضحت ضريحاً وذاكرتي الشاهدة . كنتُ أضع لقاءنا على لائحة المستحيل ، الآن وقد تركتِ لي قصائدَك . . فإنني سألقاكِ كلما تريدين . . ومن المحتمل أن أراك ونعود معاً كما كنّا وبالتأكيد هناك سنلتقي . . وسأحمل لك ديوانك . * * * * * القتلُ من هناك والقبر من هنا ما عادت الحياة ممكنة يا (نبيل) .
أريد أن أصرخ بسخرية : عبثاً هو الموت في هذا الشرق وسدى هي الحياة .
أي وطن هذا الذي لا يعطيني سوى فشختين من التراب . وأي عدوٍّ يكرم عليّ بآلاف الأقدام من الديموقراطية .
كلما وددتُ أن أموت على فراشي كما يموت الحمير أجابني الوطن هذا أكبر من طاقتي .
أخذتُ الغربةَ بما أمكن من الجنون تبلّدتِ الغربةُ وصار الجنون يمشي متّزنا في جنازات المتوسط المسمّرة إلى السماء .
كنتُ أرى الموتَ قميئاً قبل أن تموت (ندى) اليوم أعتبره معافىً ولم يعد سيء التغذية .
ما حاجتي إلى النبيذ الأسود ، سكرات الموت لا ترفع كأسها عن روحي .
ليتني مثلما أنهكتُ عمري في الشعر تعلّمتُ أن أصمتَ باشمئزاز .
باذخ هو الموت كحرفيّ الكاف والنون لقد كنّا المسافة الخفية بينهما استبدلناهما منذ دهر بحرفين آخرين هما الميم والتاء ثمّة مسافة بينهما تتناسل فيها الموتى بعماء لا يدرك التالي السابق .
كنتُ أتمنّى أن يصحوَ (سعادة) ليبارك جسد (ندى) لا أن تذهب إليه لتصحّحَ روحه .
ما الجدوى أن لا نحبَّ أضرحتنا يا (نبيل) وليس لنا أي احتمال سواها .
#شاهر_خضرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شعراء الأدعية والأذكار
-
قصيدة النثر في مواجهة ديمقراطية مع الإسلامويين
-
أسئلة وأنا متكئ
-
قد سمع الطين
-
محمود درويش شاعر فلسطيني عربي إنساني
المزيد.....
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|