|
موقع الهوية في دولة المواطنة: الهوية الأمازيغية أنموذجا
بوذراع حمودة
(Boudra Hamouda)
الحوار المتمدن-العدد: 6814 - 2021 / 2 / 14 - 23:02
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مقدمة. لقد بلغ النضال من أجل الهوية في بلدان شمال افريقيا شوطا متقدما، على مستوى المجتمع كتحرير الوعي، وعلى مستوى التنظيم في الدولة وقوانينها، وتعتبر كل من الجزائر والمغرب من بين الدول الأكثر نضجا بين دول شمال افريقيا، حيث تستعد الجزائر للاحتفال برأس السنة الأمازغية، بعد أن تم ترسيم اللغة الأمازغية كلغة رسمية للدولة، وكذا اعلان رأس السنة الأمازغية كعطلة وطنية مدفوعة الأجر. حيث تعتبر رأس السنة الامازغية وترسيم اللغة الامازغية من بين الخطوات القليلة والمحتشمة من أجل ابراز الهوية الأمازغية على الصعيد الثقافي والسياسي كونها أحد الرموز المؤسسة للهوية والتي يستوجب على الدولة أن تحميها وتثمنها من خلال أجهزتها الحكومية والغير حكومية فينا يخص المؤسسات الوسيطة على غرار منظمات المجتمع المدني. ولطالما تطرح قضية التعارض ما بين الهويات في شمال افريقيا على أساس كونها حجر أساس قد تدفع الدولة ناحية الانشقاق والشرخ المجتمعي، كون مفهوم الدولة لازال مرتبطا لدى العديد من المثقفين وشرائح واسعة من المجتمع؛ على أنها تعبر عن رقعة جغرافية ذات سيادة يعيش فيها مجتمع منسجم من حيث العرق والدين والعادات والتقاليد، وهذا راجع لكون المجتمعات لازلت في مرحلة الشعوب والأمم، ولم ترتقي بعد لمفاهيم المواطنة. وعلى هذا الأساس، جاء هذا المقال ليحدد موقع الهوية في دولة المواطنة من خلال الاجابة على التساؤلات التالية: ما هي الهوية؟ ما هي أقسامها؟ ما هو موقع الهوية في دولة المواطنة؟ في البحث عن مفهوم الهوية، يطرح التساؤل الفلسفي التالي: من أنا؟ من نحن؟ وهي كتعريف أكاديمي تعبر عن شعور (وعي) فردي أو جماعي بالنفس، وغالبا ما يرتبط الوعي في الفكر الفلسفي بالوجود، حيث أن الوعي هو الوجه الظاهر للوجود، سواء كان وعي الانسان بذاته أو وعي الجماعة بذاتها، ككيانات موجود، مستقلة، يتميز الفرد عن الأفراد الأخر، وتتميز الجماعة عن غيرها من الجماعات. وهنا يبرز للعيان مفهومين مرتبطين بالهوية ألا وهما (الوعي، التميز)، بحيث نلاحظ أن جميع الحركات التي تناضل من أجل هوياتها تعتبر نضالها نضال وجود حيث أن الهوية التي تتسم بالتميز هي التي تفضي عليها صفة الوجود، وهنا يجدر علينا أن نميز بين (التميز والتمييز) حيث يعبر الأول عن اعتزاز بالذات المختلفة كأفراد وجمعات وتواجدهم ضمن نسيج اجتماعي يتسم بالاختلاف تربطه بهم أواص التقبل والاحترام، في حين أن التميز يمثل النزعة التي على أساسها يعتبر الفرد أو الجماعة بناء على مكونات الهوية على أنهم أفضل من بقية عناصر النسيج المجتمعي الذين يتواجدون فيه. الهوية. ولكون مفهوم الهوية مفهوما شاملا مختلفا غير مستقر، نظرا لتشعباته كهوية الفرد، هوية الجماعة، هوية القوم....وغيرها، في حين أن السياق الموضوعي للمقال يفرض علينا التركيز على مفهم الهوية القومية نظرا لكونه يتباحث حول موقع الهوية الأمازغية في دولة المواطنة في شمال افريقيا ولتقريب المفهوم وجب تفكيك عناصر الهوية والتي تتمثل في (الأرض: شمال افريقيا، الثقافة الممتدة: الثقافة الأمازغية (اختيارية) ، الاعتزاز الحضاري: الابراز الحضاري للرموز والنضال من أجلها، اللغة: اللغة الأمازغية، العرق والسمات والعادات). في حين أن سبل تشكل الهوية يعود الى الأثر الموثق (تاريخ مدون، معالم جغرافية، أثار ومسيحات..)، النظام التعليمي، الاعلام، التدوين والنشر العلمي والثقافي، القانون والدستور، الموسيقى والفنون والابداع، المؤسسات الوسيطة، الابراز الرمزي للحضارة. المواطنة. تعد المواطنة على أساس كونها أهم التجليات الفكرية للديموقراطية، حيث تعتبر الدولة الديموقراطية دولة تحكم من خلال الأغلبية في الصندوق، وهذا بدوره يشكل نوعا من الميز لهذا أصبح من بين المفاهيم المكونة للديموقراطية مفهوم المواطنة والذي يقوم على تساوي جميع أفراد وجماعات المجتمع أمام القانون الذي يحميهم من الميز على أساس الجنس، اللون، الدين، العرق، المكانة الاجتماعية، المنصب. حيث العدالة الاجتماعية والتقسيم الأمثل والعادل للموارد الطبيعية يشمل الجميع دون اقصاء، وكذلك تعني المواطنة: انسحاب الدولة من التدخل في اختيارات الأفراد والجماعات الثقافية والفلسفة والفكرية والسياسية والأخلاقية لديهم، حيث أن الدولة تقتصر على مهام تطبيق القانون الذي يحمي الأفراد في ممارسة أنشطتهم الحرة، وكذا عرقلة ومحاربة جميع النشاطات التي تعود بالضرر على فرد أو جماعة أو المجتمع حسب القوانين العادلة. حيث أن دولة المواطنة تتسم بالتنوع والاختلاف على جميع المستويات العرقية والدينية والجنسية والأخلاقية، وتتوحد في فكرة واحدة ألا وهي المساوات كمواطنين أما القانون، وأن الجميع في خدمة الجميع. موقع الهوية الأمازغية في دولة المواطنة في شمال افريقيا. لطالما أقصيت الهوية الأمازغية في الساحة الثقافية والسياسية في بلدان شمال افريقيا، ونظرا لتوجه هذه الدول بعد الاستقلال من الاستعمار الأوربي إلى محور الشرق الاوسط والاتحاد السوفياتي، وكذا من خلال تنامي القومية العربية كهوية ومحور للمقاومة في دول العالم الثالث ودول عدم الانحياز . وعلى اثر هذا التهميش، والعدوان سابق الذكر على الهوية الأمازغية، تولدت مؤسسات وسيطة، أخذت على عاتقها مهمة النضال السلمي والقانوني من أجل الهوية الأمازغية والتي أخذت الأهداف التالية كأولوية: - الحفاظ على مكانة الهوية الأمازغية في النسيج المجتمعي. - حماية وتأهيل اللغة الأمازغية على المستوى الأكاديمي، والدستوري. - الحفاظ على المكانة السياسية لكل من الثقافة والمجتمع الأمازيغي. - الاعتراف بكون دول شمال افريقيا ذات جذور عرقية وثقافية أمازيغية أصيلة. بحيث أخذ هذا المخاض العديد من الصدمات سواء على مستوى التهميش أو التعنيف أو الازدراء الممنهج، ولقد وصل في بعض مستوياته إلى التخوين . ومن هنا اتسم النضال من أجل القضية الأمازغية بالنضال على المستوى الضيق والذي ينحصر في الدفاع الوجودي من أجل الهوية الأمازغية، وكذا في مستواها الثاني على النضال من أجل دولة المواطنة التي فيها يتم حماية جميع الثقافات والأعراق، والتي كذلك تجسد الإطار القانوني والتشريع لتأصيل مفاهيم التعايش ، وكذا تضمن التوازن وعدم الغلو لأي مكون عرقي أو اجتماعي أو ثقافي أو ديني عن أي مون آخر. خاتمة. الهوية انتماء الفرد أو الجماعة للأرض من خلال تجليات الاعتزاز بالرموز والتميز باللغة والعادات والتقاليد، بينما المواطنة هي نسق سياسي يحدد العلاقة بين الفرد مهما كانت هويته بالدولة على أساس عقد اجتماعي بحيث تطور مفهوم المواطنة في الغرب إبان عصر النهضة والتنوير، على أيدي المفكرين الفرنسيين وبخاصة جان جاك روسو، مونتيسكيو ولامارت. حيث أن موقع الهوية في دولة المواطنة هو موقع الجزء من الكل، أو العنصر من المادة، وبالتالي فإن المواطنة تقوم على دستور وقوانين وتشريعات مستمدة من الهويات الثقافات المختلفة والتاريخ المشترك والديانات المتباينة أو انعدامها لدى المجتمع، لحماية هذا الأطر الهوياتية، والحفاظ عليه، لضمان تمتع جميع المواطنين على حقوق متساوية في إطار النسيج الاجتماعي المكون للهوية باختلافاتها العرقية والمذهبية والدينية وما تحمله من أقليات لا يمكن أن تنفك عن المكون المجتمعي العام، وقد تخضع هذه الهوية لتغيرات وتحولات ومد وجذر على مدار السنوات.
#بوذراع_حمودة (هاشتاغ)
Boudra_Hamouda#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثابت الذي لا يتغير.
-
أعين خفية.
-
النظام الجزائري بين الشمولية والديموقراطية.
-
الدولة افراز شعبي
-
احتفالية عيد الميلاد
-
لعبة الموت
-
ماذا بعد
-
الطيبة المرضية
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|