|
القصة القصيرة جدا وفوضى المفاهيم اللغوية
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 6810 - 2021 / 2 / 9 - 11:23
المحور:
الادب والفن
(ونماذج لنصوص قصصية متمردة) نبيل عودة
مقدمة: أشغلني موضوع القصة القصيرة جدا تنظيرا وحوارا مع مواقع عدة، وقمت بتجارب تخلصت من معظمها رغم انها بنظر زملاء مقربين فيها من روح القصة أكثر مما ينشر من نفس اللون. طبعا نشرت عدة قصص قصيرة جدا تحت تسمية "قصقصات". في هذه القصص تجاوزت حدود القصير جدا. أحدهم قال لي ان مشكلتي هي جهلي بتكثيف اللغة(!!) سألته ما هو التكثيف؟ فأورد كلاما غيبيا مضحكا حول الجمل القصيرة وعدم الإطالة، ومبنى الجمل الذي يشمل أفكارا مضغوطة بكلمات قليلة. قلت له يا مكثف اللغة، انت تطرح موضوعا لا علاقة لك به، لا يوجد أي كاتب يصيغ نصوصه إلا بأجمل ما يقدر عليه من لغة قصصية درامية وقصة تكثيف اللغة اصطلاح فارغ من المضمون، يستعمله بعض من لا يفهمون دور اللغة في النص القصصي. لا توجد لغة عادية ولغة مكثفة. يوجد من يعرف استعمال اللغة على أحسن وجه، ومن يغرق بالديباجة القاتلة للغة القصصية، ومن لا يستوعب ان للقصة لغتها الدرامية حتى لو كتبت بلغة الأخبار الصحفية (وقد جربت هذا الأسلوب في قصة "انتفاضة" وغيرها). واضيف: اللغة تكشف أسرارها لمن يعرف كيف يتعامل معها ويطوعها. عندما اكتب قصة استعمل أفضل ما لدي للتعبير القصصي، وعندما اكتب مقالا ثقافيا، فكريا او سياسيا، اشدد على وضوح رؤيتي بما اطرحه مستعملا أكثر المفردات دقة ووضوحا. طبعا القصة القصيرة جدا لم تثبت نفسها من الناحية الفنية والدرامية. هذه نصوص بدأتها كنصوص قصيرة جدا، فتمردت على خالقها...أصبحت غير قصيرة جدا، لكنها غير طويلة جدا!! السؤال: هل من يستطيع ان يختصر هذه القصص الى نصف مساحتها ويحافظ على جوهرها؟!
1- نرسلها لك بسعادة
رن التلفون في آخر الليل، كان المتحدث "زامر المسلح"، فقيه الأدب، ما كدت أقول حرفاً إلا وكلماته تتدفق. - وصلت لصانع شواهد القبور؟ - أجل، لكن ما العجلة لتتصل في هذه الساعة؟ - أريد أن تجهّز لي شاهد قبر. - حسناً تعال غداً... - ولكن المرحومة عزيزة علي، وأريد أن أطمئن إلى أني في العنوان الصحيح. - يا حبيبي، هل تعرف كم الساعة الآن، الصباح رباح... نحضر لك بدل الشاهد شاهدين. - لا فقط واحد... هل انقلك النص ؟ رأيت أن الشخص بالطرف الآخر لا يسمع إلا صوته، قلت: - هات... ماذا نكتب؟! - أكتب: هنا ترقد الزوجة الغالية نيروز، رجاء يا الهي استقبلها بسعادة مثل ما أرسلها لك بسعادة!!!
2 -هنا يرقد رامي سعيداً
كان رامي يحب الحياة ويحب المناصب ولو على خازوق. تقدم به العمر وهو مكانك عد. كان ينظر حوله ويشتاط غضباً. كلهم صاروا حملة ألقاب وهو ما زال قطروزاً رغم شعوره أنه أفضل من الجميع، وشهاداته تملأ حيطان الديوان. كان يغضب حين يقال أن فلاناً أنهى الجامعة ونال لقب جامعي وما هي إلا بضع سنوات واذا هو في القمة... وأنت يا رامي مضت سنوات عمرك بلا فائدة، رغم شهاداتك وثرثرتك. كيف ينجح الآخرون، وانت مكانك عد؟! قضى جل أيام عمره غاضباً. ربما لهذا السبب تعقدت دروب الحياة أمامه أكثر. عندما تقدم به العمر، وبات يتحرك بصعوبة، فكر وقال لنفسه لا بد أن أجعل من موتي حدثا لا ينسى اخوزق به الجميع ، عندها سيعرفون ان رامي كان ذكيا جدا. قبل موته بيومين انتهى من كتابة وصيته، ولأول مرة يشعر بالرضاء عما أنجزه، قال المعزون: - أخيراً انتقل إلى ربه راضياً مرضياً. المفاجأة كانت في وصيته التي فتحت بعد انتهاء مراسيم العزاء. كتب كلمات قليلة: - انقشوا على شاهد قبري كفة يدي مضمومة الأصابع إلا الاصبع الأوسط بارزاً إلى أعلى وتحتها "هنا يرقد رامي سعيداً"!
3- احذر أن تقربه
كان الحوار حاداً حول الميت المسجّى. زامر توفاه الله: وهم أهله الوحيدون فهل هم مكلفون بأجره ودفنه بسبب رباط العائلة؟ البعض اعترض وقالوا أنهم براء من زامر حتى اليوم الآخر، لقد نهب بيوتنا وسطى على أموالنا وأملاكنا، وأبقانا على البلاطة، لتأكل لحمه القطط والكلاب، الأمر لا يخصنا. قال كبيرهم: يا جماعة الخير مهما كان في دنياه حسابه عند ربه، انه يحمل اسمنا، ونحن نقوم بواجبنا نحو عائلتنا، صحيح أنه نهبنا، ولنعتبر ان مصروفات دفنه هي سرقته الأخيرة لنا. - بل يسرقنا حتى في مماته!! وبتردد ، وبسبب ضغط كبير العائلة ، دفع كل فرد حصته مجبراً لتغطية مصروفات الجنازة والأجر. دفنوه، وسارعوا ينهون أيام العزاء بأقل من يومين، لقلة عدد المعزين. كان واضحا ان زامر لم يترك أحدا بعيداً عن شره. كانت يده تطول جميع أهل البلد. عندما طرح كبير العائلة ضرورة إقامة شاهد على قبره استهان الأقارب بذلك وتذمروا ، قال أحدهم: - اسمه مثل الزفت، حتى لعزائنا بموته لم يحضر إلا نفر قليل، والشاهد يوضع لمن يعزّ على أبناء عائلته. أصرّ كبير العائلة أنه يعرف ما يعتمل بالصدور، وللعائلة اسمها وكرامتها ولا يمكن أن تتخلى عن شخص يعد من أبنائها، ستصبح سمعتنا في الحضيض. وهكذا أقنعهم، أو ملّوا النقاش، ووضع كل منهم ما يقدر عليه، وأوصوا له على شاهد لقبره، وقرر كبير العائلة حتى يبرئ ذمته أمام الخالق عندما يحين أجله بأن يكتب على شاهد القبر: - نرسل لك أيها الرب ابن عائلتنا زامر، الذي أفرغ جيوبنا وسرق أملاكنا، نحن غفرنا له ونطلب أن تغفر له أيضا، ولكن إذا غفرت له احذر ان تقربه من عرشك!!.
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوميات نصراوي: بداياتي مع الفلسفة
-
فلسفة مبسطة: لغز الإدراك
-
الشاعرة عايدة خطيب تتألق بشعرها للأطفال
-
الفكر غير العقلاني طريق للكوارث
-
كتاب -عيلبون – التاريخ المنسي والمفقود-
-
حقائق مذهلة من المهم ان يعرفها المواطن العربي
-
نظريات الدكتور منير قصة فلسفية
-
هل تطورت -قومية عربية-؟!
-
مأساة أطفال فلسطين تحت حراب الاحتلال
-
يوميات نصراوي: كيف شارك الحكم العسكري بشنق نفسه؟
-
الناقد نبيل عودة مارون عبود آخر... وشِعر الكلسات
-
فلسفة مبسطة: وحدة الأخلاق والفن
-
يوميات نصراوي: عن الشعر والكلسات البيضاء
-
يوميات نصراوي: مآسي هدم المنازل العربية
-
أهمية العنوان في الإبداع وقضايا نقدية أخرى
-
يوميات نصراوي
-
ثلاث قصص من الأدب الساخر
-
وداعا للشاعر الكاتب والمناضل حنا إبراهيم
-
التشابه الجزئي
-
رسالة للقائمة المشتركة حول مستقبلها كممثلة للجماهير العربية
...
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|