أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - جميلة و جميل















المزيد.....

جميلة و جميل


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 6810 - 2021 / 2 / 9 - 09:48
المحور: الادب والفن
    


خرجت جميلة من دارها الكائن في حي الوحدة إلى شارع الصناعة مهرولة و هي تؤشر بساعديها لسيارة أجرة مسرعة بالتوقف . فَرْمَلَ السائق سيارته ، فتوقفت ، و رجع للخلف جانباً حتى اصطف قرب جميلة . سارعت الشابة بفتح الباب الخلفي للسيارة ، و رمت نفسها في داخلها و هي تقول مرتعبة :
- الله يخليك ، بسرعة للباب الشرقي . صار انفجار ، و أخي جميل يشتغل هناك .
- و لكن كل الطرق للباب الشرقي قد تم اغلاقها الآن .
- لعد شلون ؟ أين أولّي وجهي بهذا اليوم الأسود ؟
- عيني ست . لقد عدت تواً من هناك حيث كنت أفطر في مطعم قريب من موقع الانفجار . أول انتحاري فجّر نفسه بعد أن ادعى أنه مريض فتجمع الناس حوله ؛ و الانتحاري الثاني راكب دراجة فجّر نفسه بعد تجمع الناس لنقل الضحايا الذين أصيبوا في التفجير الأول . ليش هو أخوك أين يشتغل ؟
- بساحة الطيران ؛ مفتِّح بسطيَّة لبيع ملابس الاطفال المستعملة .
- سترك يا رب ! و كم عمره ؟
- 17 سنة . طالب متفوق بالسادس العلمي ؛ و أنت تراني أرتجف و أوشك علي التقيؤ و لا أعرف ماذا أعمل . أنه اخي الوحيد في هذه الدنيا ، و هو لا يرد على هاتفه النقال ..
- يحفظه الباري الكريم . إن شاء الله برداً و سلام .
- الله يسمع من لسانك .
- اختي – اعتبريني أنا أخاك الثاني و استهدي بالرحمن . ان شاء الله ماكو شي .
- ولكن بيان مدير الدفاع المدني العراقي قال أن عدد الشهداء هو (28) و أكثر من (70) جريحاً .
- أن شاء الله الشر بعيد . لعنة الله على الظالمين . تالله لا يوجد أجرم و أجبن و أحقر من الدواعش هؤلاء . عيني ست : لقد رأيت سيارات الاسعاف تنقل المصابين إلى مستشفى جراحة الجملة العصبية في شارع بور سعيد ، بجوار وزارة الداخلية . هل ترغبين بالسؤال عن أخيك المحروس هناك ؟
- أمري لله الواحد القهار . انطلق إلى هناك بسرعة أرجوك .
- ها قد انطلقت كالطير على بركة الله وحفظه . إن شاء خير .
- اووووو اوووو –
- أرجوك ، أخيتي ، كُفّي النحيب الذي قد يضطرني للتوقف عن السياقة للبكاء معك ، و قد يحصل لنا في غضون ذلك حادث ما ، لا سمح الله . أرجوك .
- لقد باعت أمي قصرنا الرنان في الحارثية برخص التراب حتى سددت الفدية للمختطفين فأطلقوا سراح أخي جميل . ستون دفتراً من الورق الأخضر !
- الله و أكبر . و متى حصل هذا ؟
- في عام 2006 الأقشر . و نحن نسكن اليوم مستأجرين لقن دجاج مساحته خمسون متراً فقط .
- حمداً لله على سلامته و سلامتك . لا بأس . هو شاب و أنت شابه و إن شاء الله تشترون بعرق جبينكم بدل القصر الواحد قصرين .
- لا نريد القصور . نريد الأمن و السلام فحسب . أريد أخي الشبيِّب حيّاً !
- الله يسمع من لسانك .
عند وصولها أمام مدخل مستشفى الكندي ، رفض السائق قبول الأجرة ، كما أبدى استعداده لانتظارها حتى تعود ، و لكنها اعتذرت له عن قبول تعطيله بسببها لتفادي تكبيده بالمزيد من التكاليف .
في لوحة إعلانات استعلامات المستشفى ، قرأت جميلة و هي ترتجف هلعاً أسماء تسعين جريحاً ، لم يكن من بينهم اسم أخيها جميل . تحولت جميلة نحو موظف الاستعلامات و سألته عما إذا كانت توجد قوائم أخرى غير منشورة لجرحى انفجار الباب الشرقي قبل ساعات ، فأكد لها الموظف نشرهم لأسماء كل الجرحى المنقولين لمستشفاهم في ذلك اليوم ، مبيناً لها بأن بقية جرحى الانفجار قد تم نقلهم الى مستشفى الكندي في مدينة الصدر ..
استقلت جميلة سيارة أجرة ثانية الى مستشفى الكندي . عقب وصولها للمستشفى و دخولها قاعة الاستعلامات شاهدت موظفاً يعلق قائمة جديدة بأسماء ستين جريحا بانفجار ذلك اليوم . أحاطت جمهرة من النسوة و الرجال بالموظف و اسودَّ وجه جميلة .
- صباح الخير ، يا جارة السرور .
فتحت جميلة عيناها الدامعتين و التفتت صوب مصبِّحها . أنه سالم بن الحاج كريم البقال ، جارهم القديم في الحارثية .
- صباح الخير ـ إبن الحجي . الله جابك ! الله يخليك أرجو ان تتولى بنفسك التأكد من وجود إسم أخي جميل ضمن أسماء الجرحى تلك التي يتجمهر حولها الناس .
- لا ، لا سامح الله . قولي غيرها ! و ما الذي جاء به للباب الشرقي في الصباح ؟
- لديه بسطيَّة لبيع ملابس الاطفال المستعملة في ساحة الطيران ، و هاتفه المحمول لا يرد .
- لا حول و لا قوة إلا بالله . ألا يمكن أن يكون هاتفه منتهي الشحن و لا يمكنه شحنه من جديد ؟
- أرجوك : اعمل معروفاً و اسرع بقراءة الأسماء فقد نط قلبي للحلقوم و اختنق نفسي و أكاد أسقط أرضاً .
- تفضلي استريحي على هذا الكرسي و اتركي الأمر لي .
دقائق و عاد سالم اليها مشرقا بابتسامة الرضا .
- أبشري يا ست جميلة : اسم المحروس جميل غير موجود في القائمة .
- أحمد الله . عيني سيد سالم : ما هذه الرتبة التي تحمل ؟
- هاهاها ! انها رتبة فريق شرطة !
- و لكنك خريج الدراسة الابتدائية ، و لم تكمل تعليمك ، أليس كذلك ؟
- صحيح ، فقد منعني شغلي في محل بقالة الوالد من اكمال دراستي . هذه رتبة خاصة بقوات الدمج !
- لم أفهم . ما معنى الدمج ؟
- معناه أنني دفعت عشرة أوراق لأحد صماخات أحزاب السلابات الجديدة ، فتم اعتباري مشمولا بميليشياته في زمن صدام التي تم دمجها بقوات الجيش و الشرطة بعد الاحتلال الامريكي ، كما حالفني الحظ فسحبت بالقرعة رتبة فريق شرطة !
- و ما نوع هذه القرعة ؟
- حظ يانصيب ! الجعفري الشاخط جلب جردلا ملأه بقصاصات الرتب من رائد إلى فريق ـ و على المشمول بالدمج البسملة و مد يده اليمنى و سحب رتبته . أنا رزقني الله برتبة فريق شرطة .
- بالخير . مبروك .
- الله يبارك فيك .
- و ماذا تعمل هنا ؟
- مسؤول مركز شرطة المستشفى .
- سؤال .
- جواب .
- أين تم نقل جثث الشهداء لانفجارَي هذا اليوم ؟
- لمشرحة دائرة الطب العدلي ، طبعاً .
- و أين مكانها ؟
- مجاورة لوزارة الصحة و البيئة .
- يجب ان أذهب هناك للتأكد . إنه لا يرد على هاتفه النقال .
- و الله أنا خجل من عدم استطاعتي مرافقتك بنفسي لدائرة الطب العدلي اداء لواجب الجيرة ؛ نحن هنا في حالة الانذار القصوى .
- جزيل الشكر . عدّاك العيب ، فقد كفّيت و أوفيت . مع السلامة ، سيد سالم .
- مع السلامة ، ست جميلة ، يا بنت الأصول و الحسب و النسب .
في دائرة الطب العدلي ، أومأ لها موظف الاستعلامات لقائمة معلقة بمائة و ثلاثين شهيداً تم جلب أشلائهم من ساحة الطيران للمشرحة حتى تلك الساعة . ارتجفت رجلاها و هما تسيران بها وهناً على وهن منكسة الرأس حيث القائمة . رفعت رأسها مترددة و هي تختض خضاً ، و حدقت بوجل و قلبها ينبض كالمرجل ، فاسودت الدنيا في عينيها و هي تقرأ اسم جميل : ثالث شهيد . مادت الأرض بها ، فهوت على ظهرها مرتطمة على الأرض .
شاهد موظف الاستعلامات سقوطها ، فخفَّ بإبلاغ رئيس المضمدين بالحالة الطارئة .
عندما رفع رئيس المضمدين و موظف الاستعلامات جسد جميلة و سجياه على العربة النقالة حسب توجيهات طبيب التشريح العدلي ، تسمّرت عينا الطبيب على صدرها العامر ، ففتح قميصها و هاله جمال بشرتها المرمري . من الواضح أنها لا تتنفس . أمسك برسغها و جسَّ النبض . القلب لا يضخ الدم ، و ليست هناك ردود أفعال في أصابع اليد . فتح جفني عينها اليسرى بإصبعي يده اليمنى ، و سلَّط شعاع مصباحه البؤري عليها ، فلاحظ غياب انقباض الحدقة استجابة للضوء الساطع .
- إنها ميتة – أبلغ الطبيب رئيس المضمدين – يجب نقلها لوحدة الطوارئ فوراً لتحرير بطاقة المراجعة لها . هل يوجد أحد من ذويها هنا ؟
- لا - قال موظف الاستعلامات - لقد جاءت لوحدها قبل بضع دقائق فقط للاستفسار عن أخيها ، و عندما قرأت في قائمة شهداء تفجير ساحة الطيران ، سقطت أرضاً ، فأبلغناك على جناح السرعة دكتور . مسكينة : لم تتحمل هول الصدمة .
بعد نقل جثمان جميلة لوحدة الطوارئ و تسجيل وفاتها ، تم نقل الجثمان من جديد لدائرة الطب العدلي لتحديد سبب الوفاة ، حيث استقر في غرفة المشرحة .
تسمّرت عينا مشرِّح الطب العدلي على التضاريس المغزلية للجسد الإسبارطي المسجّى على طاولة التشريح أمامه ، ثم قدحتا شرراً . جرَّ نفساً عميقاً مصعّراً خدّه ، فيما لبط وسطه : لديه الوقت الكافي للتمتع بتكريز جثمان هذه البطة البرية على مهل قبل تيبسه . ضحك بهياج و هو يخلع سرواله بهوس و يزأر :
- أكلك منين يا بطّة ، أكلك منين ؟



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظريات طبيعة نظام الاتحاد السوفياتي في ضوء انهياره (نحو نفي ...
- ضرورة رأسمالية العصابات (نحو نفي نظرية -رأسمالية الدولة- الس ...
- قصيدة -المُهلوسون- للشاعر الثائر منتظر هادي العقابي
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 16- ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 15- ...
- ترجمة كتاب الطاو (طريق العقل)
- سلطانُ الكلاوات
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 14- ...
- انتهاء عصر التوازن النووي
- ترجمة قصيدة مظفر النواب : أشياء للتداول هذه الأيام ..
- هل كان اغتيال العالِم طلقة البداية لحرب ترامب على إيران ؟
- ليلة الضرب : ظهور تفاصيل عملية التطهير في فندق الرِيتز- كارل ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 13- ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 12- ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 11- ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 10- ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 9-2 ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 8-2 ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية7-20 ...
- البُلبُل الفتّان


المزيد.....




- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - جميلة و جميل