أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوزاد ئاميدي - التأريخ هو فن اتقان الكذب وتجميله!!















المزيد.....

التأريخ هو فن اتقان الكذب وتجميله!!


نوزاد ئاميدي

الحوار المتمدن-العدد: 6809 - 2021 / 2 / 8 - 16:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


طالما كنت مولعاً بالقراءة في كل المواضيع وخاصة التأريخ، سواء أكان تأريخ الأمم والممالك والقوميات أو تأريخ الرسل والملوك أو تأريخ الأديان. وكنت أؤمن بأن الحقيقة موجودة بين طيات هذه الكتب وإن لم تكن الحقيقة كلها. ولم اعتقد يوماً بأن الانسان قادر على تغيير الحقائق كليةً او تغيير جوهر الحقيقة كي تتناسب ذوقه وارائه وايمانه، وناهيك عن المصلحة الشخصية أو ما يعتبره البعض المصلحة العامة المغلفة بشئ واحد وهو الأنا.

رغم إنني من خريجي كلية الاداب قسم التاريخ، وحضرت الماجستير في تأريخ القرأن، وهذا ما يجعلني بشكل أو بأخر من الإختصاصيين في هذا المجال، ومع هذا كله بدأت افقد إيماني بما قرأناه من مصادر ومراجع مهما كانت نوعيتها وجودتها، وإن كان مازال هناك بعض الاحترام للمخطوطات التي لم يصل اليها يد المستفيدين وعبيد السلطة والمال يوم لم يكن هناك أديانٌ أو سياسة. وبالتالي فقدت الكثير من إيماني بما كتبناه ونكتبه بالاعتماد على تلك المصادر والمراجع، حتى وإن كانت تلك المصادر والمراجع لشهود عيان عاصروا تلك الاحداث. بعبارة أخرى، يجب علينا وضع علامة إستفهام على كل ما نقرأه أو قرأناه، أياً من كان الكاتب، أو أياً ما كتب عنه.

يبدو للكثيرين إن هذا الكلام العجيب والغريب من إختصاصي يصل لمرحلة التطرف في الرأي، ولكن بمعرفة السبب وراء ذلك يمكن لغمامة العجب تلك أن تنقشع.

في السنة الأخيرة ومع ظهور ڤايروس كورونا أصابني ڤايروس أخر وهو ڤايروس الإحباط من الكتابة بمواضيع مثل السياسة والتاريخ والاحداث اليومية الاخرى. وكان موضوع استفتاء كوردستان قبل عامين واحداث كركوك المأساوية والصدمة التي تعرضنا لها، من الأسباب الرئيسية لفقدان الثقة بكل ما هو موجود، مما كنا نسميها قبل ذلك بالمقدسات القومية أو الخطوط الحمر، التي لا يمكن التنازل عنها يوما مهما كانت الأسباب أو المبررات؛ أو ما كنا قد عرفناها كحقائق ثابتة لا تقبل التغيير والنقاش مهما حدث ومهما كانت الظروف التي نعايشها.

ولكن وبين ليلة وضحاها أصبح ذلك الهدف المقدس، إستقلال كوردستان والدولة الكوردية، وسيلة سياسية ودعائية رخيصة بين يدي جميع التيارات السياسية، ومع الأسف فكانت لمن تسمي نفسها بالمعارضة الحقيقية والمستقلة، الدور الأبرز في تشويه هذا الهدف. والاسوء من ذلك وبعد أحداث كركوك المأساوية أصبح القوميون يُتَهَمونَ بالخيانة لدعمهم للاستقلال ويهينون على صفحات الجرائد ووسائل التواصل والاعلام المرئي والمسموع، ويتهمون بأنهم قوميون وكأنها مسبة أو نكتة. وبيت القصيد ليس هو ما حدث أو تأثيره علي من الناحية الشخصية، ولكن هو كيفية تناول الكتاب والإعلاميين والمحللين لتلك الاحداث. فكل شخص منا كانت له قصته الخاصة للاحداث مثل كيف؟ ولماذا؟ ومتى؟ ومن؟ وهذا شيء طبيعي في تناول الاحداث، ولكن!! هل من المعقول ونحن نعيش عصر الانترنيت والكاميرات ومتابعة الاحداث لحظة بلحظة بالصور والفيديوهات، أن يكون هناك قصص مختلفة عن نفس الحدث الذي تابعناه جميعاً من ألفه الى يائه؟ والكثير من تلك القصص التي رواها ويرونها لنا محبوكة المضمونِ، مليئة بالتكهنات والأدلة النقلية والشفهية والتي أصبحت حقائقاً لكثرة نشرها وقرائتها من قبل رواد التواصل الاجتماعي. دون أن يكون ل 95٪ من هؤلاء الرواة والمقدمين والمطبلين أدنى مؤهلات فكرية أو علمية تؤهلهم لهذا العمل. المهم في الامر هو أن لا تخجل، لديك صوت عالي، تتقن فن تلقيف الحديث وتحويره، تتقن المسبات أذا ما أقتضى الامر، لديك حصانة من المساءلة؛ حدث ولا حرج، إتهم وأشتم بدون خجل، حلل بدون ملل، وأصرخ بدون كلل، وأحلف بأنه سمعت هذا من أحد القياديين أو حتى من مصدرك السري في البيت الأبيض، أنت تعرف وأنا أعرف بإنه كذب، ولكن لا تخاف هنالك الالاف الذي سيصفقون لك وينشرون لك ويحلفون بحياتهم بصدق مقالك.

ويمكنك قياس ذلك على الكثير من الاحداث الأخرى قديماً وحديثاً، من تأريخ الشخصيات والمدن والحروب والدول والقوميات. ليس هناك حقائق ثابتة في كل هذه التواريخ، ولكن هناك مصالح ثابتة لكتاب هذه التواريخ. فكل تأريخٍ من هذه التواريخ، كتب ونقل بأكثر من طريقة وأسلوب، حسب موقع المؤرخ أو الكاتب الذي يكتب، وحسب موقعه من السلطة أوالمعارضة وأمور أخرى كثيرة شخصية أو قومية أو دينية. فها هو التأريخ الكوردي والذي تم تشويه بكل ما تعني الكلمة من معنى، لان المحتلين لأرضه هم اللذين كتبوا تأريخه. ولديك الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، اللذي لو قرأته العمر كله لن تعرف من المعتدي ومن هو المعتدي عليه. ولديك تأريخ الحروب والممالك وكيف اصبحت تعبر عن قناعات ورؤية كاتب هذه التواريخ، اكثر مما تعبر عن الحدث نفسه. ومن هو الذي يدون الاحداث، هل هو من الفريق المنتصر أم هو من الفريق الخاسر، بُعْدِهِ وقُرْبِهِ من السلطة، بُعْدِهِ وقُرْبِهِ من الله، فقره وغناه، جماله وقباحته، تربيته والمناخ الذي تربى فيه، اساتذته وأصدقائه و القائمة تطول، كل خاصية وظرف من هذه الظروف أثرت وتؤثر في كيفية تناول المؤرخين والكتاب للاحداث وتدوينه.

اليوم أصبح التاريخ يكتب بأيدي ثلاثة لا رابع لهم، السلطة السياسية مهما كانت نوعيتها وماهيتها. السلطة الرابعة ومعهم الكتاب والمؤرخين ومن على شاكلتهم واللذين اصبحوا عبيدا لمنصاتهم واموالهم وامبراطورياتهم الإعلامية والتي أصبحت تقرر ما سيقرأه الناس؛ والتي بدورها تنقسم لثلاثة إتجاهات، ابواق السلطات السياسة وتكتب على هواها وتغيير التاريخ بلا رحمة، أبواق المعارضة لتلك السلطات وهي لا تقوم بشئ غير الهجوم على السلطة ولا يهم إن غيروا الحقيقة كلها او نصفها فقط، والمستقلين اللذين لن تجد لهم ممثلين، لانه انضم لاحد الطرفين بدون ارادته وهو يتدحرج من حظن اتجاه للاخر دون وعي أوحسب مصلحته. أما الاتجاه الثالث فهم ابطال التواصل الاجتماعي، وهم لا يحتاجون الى أن يكونوا سياسيين او فقهاءاً أو علماءاً أو مختصين، ولا يحتاجون لمؤهلاتٍ علمية، وهم اللذين يتحكمون بوعي الشارع السياسي والتاريخي والثقافي اليوم والذي وصل الى درجة من الانحطاط الفكري لم يسبق له مثيل، مع احترامي للقلة القليلة من الأقلام التي تحاول ان تكون حرةً وصادقةً ولكن ليس لهم تأثير يذكر، وجوهر رسالة هذا الاتجاه من رواد التواصل الاجتماعي هو التزييف والاستهزاء وتشويه الحقائق للوصول الى الشهرة والمال.

والسؤال الذي فكرتُ فيه لاكثر من سنة وجعلني أفقد ثقتي بالتأريخ، هو بعد خمسين او مئة أو الف سنة، كيف سيقرأ الناس تأريخنا مع هذا الكم الهائل من الكذب والتدليس الذي نسمعه يومياً. فها هو ذَا أنا وانت ونحن شهود عيان على كل هذه الاحداث من حولنا ومع وجود كل هذه الأدلة المرئية والمسموعة والمكتوبة أمامنا؛ هل نعرف الحقيقة؟ هل نستطيع أن نكتب حقيقة الاحداث التي تحدث امامنا؟ هل نستطيع أن نقنع من حولنا وليس الجميع بأحداث حدثت في الامس او اليوم؟ فعشرة شهود عيان للحادثة نفسها يكتبون عشرة قصص مختلفة لنفس القصة، وكلها تنشر وتصبح تأريخاً سوف يقرأها أحفادنا وسيؤمنوا بها كحقائق لأننا كنا شهود عيان. فكيف لي أن أصدق كتباً وقصصاً تمت كتابتها لعقود بعد تلك الاحداث، وكيف لي أن اصدق اليوم تأريخاً مكتوباً اعتمد على جلود وأكتاف الحيوانات، أو أعتمدوا على النقل الشفهي للاحداث بين جيلين او اثنين او خمسة والخ.

لقد تيقنت من شيء واحد، وأنا حزين لقولي هذا، وهو بأن التاريخ هو علم إتقان فن الكذب وتجميله وفن إقناع الناس بما يوافق رأي ومعتقدي ومصلحتي، وتغليف كل هذا وذاك ببعض الوقائع والشهادات من القيل والقال.



#نوزاد_ئاميدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصر.. رد من ساويرس على افتراض أحد موظفيه قال -عائلة ساويرس م ...
- الأردن.. الأميرة رجوة والحسين يرزقان بمولودهما الأول والملك ...
- أمير قطر دون عقال بتشييع إسماعيل هنية.. شيخة قطرية تبرز صورا ...
- مشرعون أمريكيون وأوروبيون يهددون مادورو بعزله ومحاكمته إن لم ...
- دعوى قضائية ضد تيك توك بسبب -انتهاك ضخم- لخصوصية الأطفال
- الدفاعات الروسية تسقط 55 مسيرة أوكرانية استهدفت جنوبي البلاد ...
- دراسة: الجمال يطيل متوسط العمر
- أول حالة ولادة عذرية في نوع أسماك قرش مهددة بالانقراض!
- روسيا تمنح تركيا فرصة كبيرة لمساومة الولايات المتحدة
- خيارات رد إيران على اغتيال إسماعيل هنية


المزيد.....

- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوزاد ئاميدي - التأريخ هو فن اتقان الكذب وتجميله!!