أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد همو - أهمية اللغة في السياق اللساني الاجتماعي















المزيد.....

أهمية اللغة في السياق اللساني الاجتماعي


محمد همو

الحوار المتمدن-العدد: 6808 - 2021 / 2 / 7 - 16:35
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مما لا شك فيه أن اللغة ظاهرة اجتماعية، فلول عيش بني البشر في شكل جماعات لما احتاجوا الى وسيلة غاية في التعقيد مثل اللغة، للتواصل فيما بينهم، و عندما نقول " تواصل " فهنا نقصد سلسلة طويلة من الوظائف الاجتماعية التي يلعب فيها الكلام دورا مهما ، بل الدور الأهم . " فالانسان لغة، ويلزم الأمر أن اللغة من كيان الانسان، فلا انسانية بدون لغة " . هكذا، فاللغة تكتسي أهمية كبرى داخل السياق اللساني الاجتماعي، فهي في " تراكمها التاريخي، و في تطوراتها المتعاقبة، و في ميلها لأسلوب معين للتعبير عن الجماليات اللفظية انما تعكس واقع ذلك المجتمع و خصائصه الذاتية " . فلم يعد ينظر للغة على أنها مجرد أداة تحقق التفاهم و التواصل لأفراد الجماعة اللسانية، بل أصبح ينظر اليها على أنها أيضا حلقة في سلسلة من النشاطات المنتظمة، تتسم بالمرونة و الاستجابة لكل ما يحدث في المجتمع من تغيرات، فانه يصعب فهم حركية المجتمع إذا تم تجاوز اللغة بوصفها أداة اتصال تتكيف مع حاجات أولئك الذين يستعملونها، و هي انعكاس للذاكرة الجماعية بكل مقوماتها. لهذا اكتست اللغة في اللسانيات الاجتماعية أهمية كبرى، باعتبارها من الظواهر الاجتماعية، تتأثر بكل الظواهر الاجتماعية الاخرى تأثرا كبيرا، فحاول علماء اللسانيات الاجتماعية الكشف عن العلاقة بين اللغة والحياة الاجتماعية، وبيان أثار تلك العلاقة في الحياة الاجتماعية وفي الظواهر اللغوية، فهذه الاخيرة هي نتاج علاقة اجتماعية و نشاط اجتماعي، و وسيلة يستخدمها المجتمع في نقل ثقافته من فرد لفرد، و من جيل الى جيل، فاللغة تمثل في كل مجتمع جينا وراثيا (كروموزوما) خاصا بتلك الجماعة، تحمل في طياتها السمات الدقيقة لذلك المجتمع الذي أنتجها كلها، منذ نشأتها، فحالها حال الجينات الوراثية في خلايا المخلوقات الحية تنقل هذه الجينات الصفات الموروثة إلى الأجيال الحية اللاحقة من أسلافها، كذلك اللغة تنقل سمات المجتمعات من الأسلاف إلى الأبناء، فحري بعلماء اللغة أن يدرسوا اللغة دراسة دقيقة بوصفها حاملا وراثيا غنيا ذا حمولة فكرية و ثقافية وسياسية واجتماعية غنية، قدمه لنا أسلافنا لنتعرف على طبيعة حياتهم وحقيقة ما كانوا عليه في مجتمعهم، ونتعرف بدقة كيف يمكن أن تؤثر لغتنا فينا، وكيف يمكننا أن نؤثر نحن فيها، ولم يبتعد علماء اللغة عن هذا كله حينما صرحوا بأن اللغة كائن حي تولد وتنشأ وتنمو وتتطو، وقد تمرض وتهرم و قد تموت، و هي في كل ذلك مرتبطة بحياة أفرادها الناطقين بها، فهذه اللغة تعد من أوضح سمات الانتماء الاجتماعي للفرد، و لعل هذا ما جعل علماء اللسانيات الاجتماعية يقومون بدراسة الانماط و الطرائق التي تمكن اللغة من التفاعل مع المجتمع بوصفها نتاجا لهذه العلاقة.
ان اللغة تمثل الوعاء الحاوي لثقافة الفرد والمجتمع،و وسيلة للتفكير الذي يحدد رؤيتنا للعالم، كما أشار هاردر في أطروحته حول علاقة اللغة بالمجتمع ف" نظام لغة الشعب يحدد نظرته للعالم." كما أن هذه اللغة هي جزء لا يتجزء من هويتنا في الجماعة، فكل فرد في حاجة إلى الحفاظ على الهوية الخاصة به، ولا يتم ذلك إلا في إطار مشاركته لجماعة معينة هذه الهوية، فهوية الفرد هي امتداد لهوية جماعته، واللغة هي الوسيلة الرئيسية إن لم تكن الوحيدة في تحقيق الحفاظ على تلك الهوية وامتدادها. لأجل ذلك تعد اللغة أداة بالغة الخطورة، فقد تنزع عن شخص ما هويته وفي نفس الوقت تحافظ عليها وهذا ما أكده فلوريان كولماس في قوله " إن أفعال اللغة هي أفعال الهوية "، فسمة واحدة تتميز بها لغة الانسان تكفي لتتبث أو تقصي شخص ما من أي جماعة لغوية، وهذا ما أشار اليه هدسون في في قوله :" أن اللغة تستخدم رمزا للانتماء إلى جماعة بعينها، فالناس يستخدمون الكلام حتى يحددوا الجماعة الاجتماعية التي ينتمون إليها ".
لازلنا في إطار أهمية اللغة في السياق اللساني الاجتماعي، و الواقع أن هذا السياق تتفاعل فيه أبعاد كثيرة متداخلة، تطرقنا للبعد العلائقي بين اللغة و المجتمع أعلاه وتطرقنا كذلك للبعد الفكري وفي جزء منه أشرنا للبعد المتعلق بالهوية ، كلها أمور تتعالق مع اللغة وتعكس أهمية دراستها في السياق اللساني الاجتماعي، نشير الان الى أهم هذه الابعاد في بيان الأهمية المشار اليها قبلا، يتعلق بالثلاثية ؛ " ثقافة - لغة - مجتمع "، يقول هدسون : " اللغة ظاهرة ثقافية داخل السلوك البشري " ، فنستطيع أن نقول عن الأمر أن الثقافة هي روح المجتمع والأساس الذي يجمع أفراده ويجعلهم يعيشون معا وهو أمر لم يكن ليحدث لول م تكن اللغة، كون هذه الأخيرة تتربع على عرش هرم ثقافات المجتمعات، وتعكس لنا كل ما فيها من حالات السلب و الإيجاب، وهذا ما يؤكده سابير في أعماله، فقد اعتبر كل نموذج ثقافي، وكل عمل معين من أعمال السلوك الجماعي يشتمل على اتصال إما ظاهر أو خفي، و عليه فالمجتمع لا يمكن فهمه إلا من خلال بيئته ومن خلال ثقافته ولا يمكن فهم ثقافته إلا من خلال لغته. فاللغة تتيح للمجتمع الطريقة التي يتصرف و يفكر بها و نظرا لذلك فإنه لا يستطيع رؤية العالم إلا من خلال لغته، أي أن الإنسان يعيش تحت رحمة اللغة و مفادها أن الفرد يعيش في قفص لغوي و لغة المرء تؤثر على تفكيره و رؤيته للأشياء و إدراكه للواقع، أي أن اللغة تفرض علينا نظاما معينا، يمكننا اعتبار اللغة سجلا أو مظهرا لحضارة المجتمع، اللغة جزءا من كيان المجتمع وكيان حضارته، و لما تبين أن اللغة وسيلة حفظ الحضارة البشرية و الارتقاء بها ازدادت أهمية الاعتناء بها، و دراستها، فكتبت العديد من الدراسات، مقالات وكتب و محاضرات وندوات علمية، كلها لما للغة من أهمية في السياق اللساني الاجتماعي، فأصبحت المقاربة اللسانيات الاجتماعية من أكثر العلوم دراسة للغة في السياقات اللسانية الاجتماعية، وتبنت في ذلك مجموعة من المرتكزات تتمثل في: المكان الجغرافي، والعمر، والجنس، والأصل الاجتماعي، وسياقات استعمال اللغة... لذا، أثبت العالم الاجتماعي الأمريكي وليام لابوف صعوبة فصل اللغة عن المكون الاجتماعي الأساسي فيها. ومن ثم، أشار إلى أهمية ربط بنية اللغة من اللغات بالسياق الاجتماعي العام الذي تنشأ فيه تلك اللغات، لدرجة استبعد فيها أي إمكانية للفصل بين اللسانيات وعلم اللغة الاجتماعي. وإذا كانت اللغة ظاهرة اجتماعية، فإن اللسانيات ذات بعد اجتماعي ، و سار في هذا الاتجاه العديد من العلماء كديل هيمز، الذي انطلاق مما أسماه بالملكة التواصلية أساسا لتصوره القائم على ربط اللغة بمحيطها الاجتماعي، وذلك وفق نموذج أطلق عليه تسمية: "S.P.E.A.K.I.N.G ".



#محمد_همو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل لثقافة اللغة الهدف أي أهمية في تعلم تلك اللغة ؟
- تدريس التعبير الشفوي و ضرورة تحديث المقاربة


المزيد.....




- دراسة: جليد ألاسكا يذوب بوتيرة سريعة مقارنة بنهاية القرن الع ...
- كيف استطاع زوجان البقاء سعداء معاً لـ 50 عاما في -عاصمة الطل ...
- تحليل: حرب غزة تفرض -عملية توازن- صعبة على الأردن
- سقوط قاتل ينهي حياة دراج نرويجي
- تجربة بسيطة مدتها 3 دقائق تحسن النظر كثيرا
- لمواجهة إيكواس.. معاهدة بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر
- إعلام أوكراني: كييف مستعدة لنقل مقترحات سلام إلى روسيا عبر و ...
- المجر تجر البرلمان الأوروبي نحو اليمن
- مسؤولون: اندلاع حريق في خط أنابيب غاز بشبه جزيرة القرم
- كتلة اليمين داخل برلمان أوروبا تكتمل.. عهد أوربان الجديد


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد همو - أهمية اللغة في السياق اللساني الاجتماعي