من الأمور التي اجتمع عليها المربون هي إقرارهم بأهمية التربية بوصفها عاملاً رئيساً في توجيه الأفراد نحو أهداف المجتمعات، ولمدى أهميتها فقد لفتت انتباه علماء الاجتماع الذين دوَّنوا في موضوعات التربية المنزلية مؤصلين لها، ومبرزين عناصرها وأهدافها وسبلها، والمؤثرات التي تؤثر في نتائجها، والتأثيرات التي تشعها التربية المنزلية في المجتمع، التربية البيتية أو المنزلية باعتبارها قاعدة أساسية في إعداد الأفراد موضحين بشكل بارز أهمية دور الوالدين في تلك المهمة.
وتبعاً لهذا فإن إبراز دور المرأة العراقية في المستقبل التربوي في ظلّ العوامل والمتغيرات السياسية الجديدة التي تساعد على إظهار ذلك الدور بوصفها وظيفة من أهم الوظائف بل هي أهم ما يجب أن تتقنه المرأة، والأمور التي تعيقها عن أداء وظيفتها تلك يعد موضوعاً جديراً بأن يهتم به كل من يعنيه أمر التربية والنشء ومستقبل عراقنا الجديد.
تعد السنوات الأولى التي يقضيها الطفل في منزله من أكبر المؤثرات المسؤولة عن تشكيله في المستقبل؛ ذلك أن المجتمع المنزلي يعد أول مجتمع ينمو فيه الطفل ويتصل به ويستنشق الجو الخلقي منه، بل إنه ومن خلال الجو العاطفي الموجود في البيت فإن الطفل يعتمد على والديه في أحكامه الأخلاقية وفي مَدِّه بتقاليد وعادات وأعراف مجتمعه ولأجل ذلك فقد أرجع المربون أن إحساس الطفل بحب الأبوين ناشئ من ممارسة الأسرة لوظيفتها في التنشئة الاجتماعية بل إن تفعيل كل الوظائف التربوية لن يتحقق إلا بتكاتف جهود وأهداف الوالدين، وفي هذا الجانب عانت الاسرة العراقية من ويلات طويلة، تعرضت فيها المسيرة الاجتماعية الى ازمات صعبة.مضافا الى ذلك الخراب الكبير لدور الاسرة في العنايةُ بالنمو الجسمي من خلال رعاية الطفل صحياً؛ وذلك باستكمال أسباب الصحة في الغذاء، والراحة الكافية، والمسكن الملائم، والرعاية الصحية الوقائية. كذلك العناية بالنمو العقلي للطفل ، وما يتبع ذلك من توسيع لمداركه وزيادة لمعارفه، كذلك فإن من أهم الأدوار الوظيفية التي تمارسها الأسرة هي إشباع حاجات الطفل النفسية، ومن خلال الأسرة يتحقق للطفل النضج الانفعالي؛ وخاصة إذا توفرت في المنزل أسباب ذلك النضج؛ فمن خلال الأسرة يتعوَّد الطفل القدرة على التعامل مع الآخرين، ومن خلالها أيضاً تساهم الأسرة في الارتقاء الأخلاقي لدى الطفل؛ إذ تنمو شخصيته الأخلاقية؛ ويُعزز ذلك كله حين تقوم الأسرة بدورها في إكساب الطفل حتى العادات السياسية والمعتقد ، ولما كان الوضع السياسي مربكا ومعقدا وغير واضح اصبح السلوك العائلي غير جلي بالنسبة للطفل مما ادى الى فجوات في السلوك نمت بصيغ عقد سياسية و نفسية خطيرة ومن أجل ذلك نستطيع أن نقرر حقيقة أن للوالدين دوراً هاماً في تربية الطفل وتأهيله اجتماعياً وسياسياً لا يستطيع المعلم أو أي شخص آخر أن يحل محلهما؛ فقد يستطيع المعلم أن يزوِّد الطفل بحصيلة من المعلومات قد تجعل منه دائرة معارف، لكنه يفتقد ما للوالدين من تأثير على اتجاهات الطفل نحو الحياة و السلوك الاجتماعي القويم.
ومن هن تاتي ضرورة اعداد المرأةالعراقية لممارسة دورها الفاعل ،ومما هو معروف بالبديهة أن الأدوار التربوية المناطة بالمرأة الأم تتخذ أهميتها من كونها هي لب العمل الوظيفي الفطري الذي يجب أن تتصدى له المرأة، وهذا يعني ضرورة أن تسعى الأم إلى ممارسة دورها بشكل يحقق نتائجه التي يأملها المجتمع، وهذا يعني أيضاً ضرورة إعداد المرأة الأم لأداء ذلك الدور قبل مطالبتها بنتائج فعالة، وأعتقد أن ذلك الإعداد لا بد أن يشمل علىاساسيات بحيث يكون الغرض منها توثيق الصلة بين الام والنهج الدراسي ، وفي التعرف على صور وأنماط عديدة لأصول التربية السليمة وطرقها، والتي من الممكن الانتقاء منها حسب عدد من المعطيات ووفقاً للظروف المواتية، وبهذا ستؤدي المناهج الدراسية الدور المكمل بدلا من كونها العائق الذي يشكل الضغط على الام في توضيح عكسه دائما.
بتأكيد أهمية البيت في تبني السلوكيات الطيبة تتضح مسؤولية ما تقوم به المرأة في تفعيل دورها العظيم في زرع هذه السلوكيات، وقلع أي سلوك سيئ ينشأ في حديقتها التربوية حيث رعيتها الصغيرة، وتهذيب أي سلوك ينشأ منحرفاً عن مساره.
تعتمد تلك المهمة على إقرار حقيقة في الصحة النفسية هي أن بيئة صالحة هادئة ينشأ فيها الطفل متزناً واثقاً من نفسه،اساسها ايضاً الهدوء السياسي والاجتماعي العام ، وهنا يبرز دور الام العراقية في المشاركة السياسية الجادة ، حيث تؤثر بشكل ملحوظ على تكوين شخصية جديدة تؤمن بالحياة العامة ، تنبذ امراض الدكتاتورية في الأنانية والفوضى وفقدان الثقة بالنفس وعدم الإحساس بالمسؤولية والنفاق . وفي هذا الجانب سيكون للمرأة العراقية دور حاسم وخطير في ترتيب البنية السياسية العراقية الجديدة. هذا الدور الذي لايعادله أي دور لأنه يبدأ من المنزل.