نظرية الرجل المجنون واللعبة الصفرية في عالم السياسة

عبد الستار الخفاجي

الحوار المتمدن-العدد: 6802 - 2021 / 1 / 30 - 20:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

هذه النظرية، ابتدعها المنظر الأمريكي "هنري كيسنجر" مستشار الأمن القومي للرئيس "ريتشارد نيكسون"، واستخدمها في المفاوضات مع الفيتناميين أيام الحرب الأمريكية
00 ضد فيتنام في ستينيات القرن الماضي.
يذكر مايكل ماكلير( Michael Maclear ) احد مساعدي نيكسون آنذاك في كتابه حرب العشرة الاف يوم حول الحرب الفيتنامية.
انه عندما كانت تصل المفاوضات الى طريق مسدود وتصلب الموقف الفيتنامي في ستينيات القرن الماضي كيسنجر يتقمص دور الناصح الامين فكان يطلب تعليق المفاوضات ثم يختلي مع رئيس الوفد المفاوض الفيتنامي ( لي دوي تو)
ويقول له ذلك الرجل في البيت الابيض (نيكسون) مجنون ولولا اني اقوم بين الحين والآخر بتهدئته والا لامر بتسوية فيتنام كلها في الارض، ثم والان وقد اوصلتم المفاوضات الى طريق مسدود فانه “نيكسون” عندما يصله الخبر تعاوده حالة الجنون وسوف يستأنف القصف الجوي على مدنكم لذا انصحكم بالمرونة والتنازل.
والهدف من ذلك هو اثارة الخوف بين خصومه والضغط عليهم ليكون ردهم عقلانيا
يعلم الجميع كيف انتبهت الحرب الى هزيمة اسطورية للولايات المتحدة•
كيسنجر كان يفترض ان نظيره الفيتنامي من السذاجة سوف يصدق طروحاته .

في نفس الوقت عمدت الاستخبارات المركزية(CIA) الى استعمال قنواتها لتصوير الرئيس نيكسون بانه غير عقلاني ومتهور وذلك لإخافة الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية وايهامهم بان نيكسون قادر ومستعد لأخذ الجميع نحو المجهول .
استخدمت هذه النظرية مراراً في السياسة الدولية من تدمير العراق وتمزيق ليبيا واغراق سوريا في حرب أهلية. فلقد كان تصوير دكتاتوري هذه البلدان انهم (مجانين) وقادرين على كل شئ. بما في ذلك ابادة شعوبهم للحفاظ على عروشهم.
استخدمت نظرية المجنون بشكل متبادل بين ترامب وكيم ايل جونغ فحيث تصرفات الطرفين تبدو مجنونة فعلا وكل واحد منهم ينتظر من يبدأ بالهجوم وكل طرف يحاول ان يفهم الطرف الاخر بانه مجنون وقادر على عمل اي شئ والادهى من ذلك كان كلا منهما يدرك بان خصمه يتقمص الدور نفسه مع ادراكهم ان الحرب لن تقع وان وقعت ستكون مدمرة ليس فقط على الدولتين وانما على العالم اجمع.
في الصراع مع ايران لعب ترامب دور الرجل المجنون وعمل على تعزيز الانطباع بان الرئيس الامريكي متهور ولا يمكن الوثوق بكلماته ولا توقع تصرفاته اي انه مقامر خطير في حين ظن الايرانيون ان هذه النظرية غير قابلة للتطبيق وهي تدخل في اطار التهديدات في حين قرر ترامب ان يثبت ان هذه النظرية ليست كلاما فضفاضا فقرر ان يقتل سليماني.
في نفس الوقت تقوم. الCIA والادارة الامريكية ان النظام الايراني (هو المجنون) في محاولة لتخويف وارهاب دول الخليج والسعودية مما اجبرها على شراء كميات كبيرة من الاسلحة واكثر من ذلك دفعهم لعملية التطبيع مع اسرائيل.

النظرية الثانية التي تتبعها الإدارة الأمريكية الجديدة في التعاطي مع إيران، هي "اللعبة الصفرية"، كما هو معروف، تعني هذه النظرية في العلاقات الدولية أن الأطراف المتصارعة هم اللاعبون، وأن الأزمة بين تلك الأطراف هي بمثابة اللعبة، بالتالي فإن السياسة التي تتبعها الدول إزاء الأزمات البينية وفق نظرية اللعبة، لها حالتان: اللعبة الصفرية، أو اللعبة غير الصفرية، ففيما يتعلق بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، اتبع اللاعب الترامبي نظرية اللعبة الصفرية، حيث يسعى إلى تصفير المكاسب التي حصل أو يمكن أن يحصل عليها اللاعب الإيراني.
في المثال العراقي(ابان حكم صدام حسين)كان الطرف العراقي يلعب دور المجنون وكان يصور للعالم بانه يمتلك من الاسلحة والقوة على تنفيذ هجمات خطيرة واستفادت امريكا والدول الغربية من هذا بتصوير ان من يحكم العراق رجل مجنون وانه على استعداد للقيام باي مجازفة ، اعتبروا صدام حسين رجل خطير في جزء خطير من العالم”الرئيس الامريكي انذاك ان امريكا لا يمكن ان تقف مكتوفة الأيدي وتأمل الافضل من رجل مجنون. اي يجب التعامل مع الموقف قبل ان تصبح وشيكة الحدوث.
واليوم واثناء قيادة دونالد ترامب للولايات المتحدة فإن عقيدة الرجل المجنون ظهرت مرة اخرى وبقوة ولكن هذه المرة ليس من الواضح على الاطلاق ان ما قد يفعله ترامب هو على سبيل التمثيل وانه لن يقرر بالفعل في لحظة غضب أو احباط الهجوم على خصومه أو حتى إستخدام السلاح النووي ضدهم.
في الوقت الذي باتت فيه القدرة النووية تضعف بتأثيراتها، مع اتّساع نادي الدول النووية، تكمن المفارقة، أن استراتيجية "الرئيس المجنون" المُتبّعة مع ترامب، والهادفة إلى "ردع وتخويف الأعداء"، تأثّر بها حلفاء واشنطن التقليديين، أكثر من أعدائها. فالسعودية العاجزة عن الردّ على "الإهانات" التي يوجهها ترامب لها بشكلٍ شبه يومي أخيراً، تعاني من "رُهاب" ما يمكن أن يقوم به الرئيس الأميركي، لا سيما وأن تصريحاته يرافقها تهديد واضح، برفع الحماية الأميركية، في حال توقّف تدفّق الأموال السعودية إلى الخزانة الأميركية.
بالتوازي هرولت الدوحة لعقد صفقاتٍ مع واشنطن، واخرها بشراء لكمية كبيرة من طائرات أف35 والتي صادق عليها ترامب في اخر يوم من وجوده في البيت الابيض على الرغم من أن الولايات المتحدة هي التي أعطت الضوء الأخضر لأبوظبي والرياض، بافتعال الأزمة الخليجية. مقابل ذلك، يستبشر أعداء واشنطن خيراً بـ"الرئيس المجنون"، فمَن يسكن البيت الأبيض "أحمق"، وفق ما كان صرّح به الأمين العام لـ"حزب الله"، السيّد حسن نصرالله في شباط العام الماضي، وهذا بحسب نصرالله، "لا يدعو للقلق بل التفاؤل".
والان انتهى عهد ترامب وجنونه وننتظر الايام في التغيرات الجوهرية في السياسة الامريكيه
.سياسة ترامب يمكن اختصارها في عبارة "أمريكا أولا" أي مصلحة الولايات المتحدة تأتي في المقام الأول والأخير ولم يتردد في التخلي أو الانسحاب من الاتفاقيات الدولية ،وبدت سياساته وكانها صفقات تجارية. ومقارباته للعديد من الملفات والقضايا شخصية وغير منتظمة وتعتمد على مشاعره الغريزية وعلاقاته مع القادة الأجانب وما يعلنه من مواقف عبر تويتر.
ما الذي يمكن أن يتغير في عهد بايدن؟ هناك بعض الملامح البارزة وعلى رأسها العلاقة مع 0الحلفاء والتغير المناخي والشرق الأوسط.0

#عبد_الستار_الخفاجي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات