أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فتحي سيد فرج - لماذا توقف العلم في الحضارة العربية ؟1 من 8















المزيد.....


لماذا توقف العلم في الحضارة العربية ؟1 من 8


فتحي سيد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 1620 - 2006 / 7 / 23 - 11:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


وأمس ، رأيت البنفسج يبكى الطلول
البنفسج كان مكبا على ذاته
كان يبكى دما ويقول :
من شطوط المحيط المحوط إلى الأرخبيل العليل
أمة غمة ونداء ثغاء
وقول كثير ، وفعل قليل
أنها مدن فتن
يتألف من دورها وطن عطن
وذبول البنفسج أقوى دليل
شعر . حسن طلب

مقدمة
ظاهرة العلم هى بلا مراء أخطر ظواهر الحضارة الإنسانية وأشدها إيجابية وأكثرها تمثيلا لحضور الإنسان كوجود عاقل فى هذا الكون ، وتاريخ العلوم هو التاريخ الحقيقى للإنسان وصلب قصة الحضارة فى تطورها الصاعد دوما ، وغاية العلم والعلماء هو التعرف على الطبيعة لفهم جوهرها وحقيقتها واكتشاف قوانينها ، وأن قابلية الابتكار هى قابلية العقل البشرى بصورة عامة ، وهى ليست مقصورة على نوع خاص من الأفراد أو المجتمعات .
لذلك فان فكرة تقسيم الشعوب خلال العصور إلى شعوب منتجة وموردة للمادة العلمية الخام دون التوصل إلى المبادىء العامة ، وشعوب أحرى متخصصة بحكم تميزها العقلى فى استخلاص المبادىء العامة من المعطيات التجريبية ، وهى فكرة لم تعد مقبولة بعد ثبوت خطئها علميا وتاريخيا ، والتيقن من ارتباطها بأفكار عنصرية أوروبية منذ بداية القرن الماضى ، فهى تتنافى مع تكامل قوى الإنسان الحسية والعقلية والوجدانية ، ولا تتسق مع بديهيات العلم ، من أن المعرفة التجريبية تستلزم بداهة فرضا عقليا سابقا عليها يقودها ويوجهها ، ومن ثم فتصنيف الشعوب والعقليات إلى ما هو متخصص فى التنظير وما هو متخصص فى التجريب ، أو من يطلب المعرفة لذاتها ، ومن يرجوها لأغراض عملية ، هو وهم ميتافيزيقى ، فنظريات الهندسة بالغة التطور التى بنى بها المصريون أهراما تهم ، عجز الأغريق عن الوصول إليها ، وما استطاع المصريين و اليونان وغيرهم من الشعوب المختلفة إبداعه من نظريات هندسية فى مكتبة الإسكندرية القديمة واستفادوا بها فى بناء معابدهم ومسارحهم ومرافقهم العامة ، تؤكد أن التطور البشرى والتقدم الإنسانى هو عبارة عن سلسة متصلة الحلقات ، وإذا كان الإنسان قد وصل إلى مرحلة أكبر من التقدم العلمى فان المرحلة الأخيرة لم تكن لتقوم لولا المراحل السابقة .
نشأة الحضارة العربية الإسلامية
يتفق اغلب العلماء والمفكرون على أنه بينما كانت أوروبا فى ظلمة العصور الوسطى قامت الحضارة العربية الإسلامية ، واعتبارا من القرن السابع الميلادى / الأول الهجرى اخذ العرب يبسطون سلطانهم على مناطق من العالم حتى باتت دولتهم تمتد من الهند إلى المحيط الاطلسى ، كما كانت تتضمن جزءا مهما من أوروبا يشتمل على كل أسبانيا ، واستمرت الفتوحات العربية حتى بلغت مداها فى عصر الدولة العباسية ، التى وجهت اهتماما خاصا إلى ميادين الثقافة والعلم ، واخذ العرب ينقلون عن اليونان وغيرهم ، فما أن انقضت فترة قصيرة من الزمان حتى نهضت الفنون والصناعات ، واتسعت رقعة الزراعة ونشطت حركة التجارة , وقبل أن ينقضى القرن الثانى للهجرة كان العرب قد اخذوا يتربعون على عرش الثقافة فى العالم .
ولعل تشكل هذه الحضارة يعود من وجهة نظر بعض المفكرين إلى التأثيرات المتبادلة بين العرب وثقافات البلدان الشاسعة التى فتحوها ، هذا ما يقوله معن زيادة متفقا فى ذلك مع جوستاف لوبون الذى يؤكد هذا فى كتابه عن " حضارة العرب " حيث يقول " تشمل حضارة العرب التى دامت ثمانية قرون على درجات كثيرة خلافا لما ذهب إليه المؤرخون الذين تعودوا البحث فى هذه الحضارة على أن ينظروا إليها من خلال أمة واحدة ودور واحد ، حيث كان للعمارة والآداب والعلوم والفلسفة والدين درجات تطور مختلفة باختلاف الأقطار التى خضعت لسلطان العرب ، ولم يمنع ذلك من أن يكون للعرب تراث مشترك من الناحية الدينية واللغوية ، ولكن وحدة اللغة والدين لا تعنى وحدة حضارة العرب فى مختلف البلدان ، فجوانب هذه الحضارة مختلفة فى شكلها ، متباينة فى مظاهرها ، متفاوتة فى درجاتها ، يصدق عليها ما يصدق على المجتمع العربى اليوم من الوحدة فى التنوع والتنوع فى الوحدة " .
وهناك من يرجع نهوض الحضارة العربية الإسلامية لعوامل اقتصادية واجتماعية فمحمد اركون يرى أن " النهضة الفكرية كانت بفضل طبقة برجوازية تجارية ازدهرت أيام المأمون وخلفائه وهى التى دعمت الفكر التنويرى للمعتزلة والفلاسفة ، ولكن سرعان ما ذبلت وماتت بسبب تحول خطوط التجارة عن العالم العربى الإسلامى " وهناك من يرى أن العوامل الثقافية كان لها الدور الأول ، فمن خلال ثلاث نقاط تماس بين الغرب المسيحيى والعالم العربى الإسلامى ، الأندلس فى أقصى الغرب ، والحدود الشرقية للإمبراطورية البيزنطية ، وصقلية بينهما ، لم يكن هذا التماس كله عدائيا فى كل الأوقات ، وكان أروع ما فيه أن الفاتح العربى جاء يطلب المعرفة ، فنقلوا عن مصر و الإغريق والفرس والهنود .
فى الرياضيات نقلوا كتب اقليدس وأرشميدس وابلونيوس ، وفى الفلك نقلوا كتب بطليموس ، وفى الفلسفة نقلوا كتب أفلاطون وأرسطو وسواهما ، وعن الهنود نقلوا الحساب والأرقام الهندية ، وأخذوا يعملون على إنشاء الجديد فى مجالات كثيرة ، فى العلم عملوا على إنشاء علم موحد يجمع خبرات ما فى هذه العلوم ، وفى الفلسفة انصرفوا يحاولون التوفيق بين النظريات المختلفة ويقيمون منها فلسفة موحدة من جهة ، وأن يوفقوا بينها وبين تعاليم الدين من جهة أخرى .
وسواء كانت الحضارة العربية الإسلامية تعود إلى التعددية العرقية والتنوع الثقافى ، أو لأسباب اقتصادية واجتماعية ، أو إلى الرغبة الجامحة فى المعرفة ، فمما لا شك فيه أن العرب نجحوا فى بلوغ أرقى درجات التحضر بفضل توحدهم بسبب إيمانهم الشديد بدين الإسلام ، وتمسكهم باللغة العربية ، من هنا نجد أن الدين واللغة كان لهم الدور المحورى فى هذه الحضارة .
دور العرب فى التقدم العلمى
كان العالم العربى أكثر المناطق تقدما فى العلوم بكل أنحاء العالم من القرن الثامن وحتى القرن الخامس عشر الميلادى ، تجاوز بكثير ما كان موجودا فى الغرب والصين فى كل ميادين البحث ، ففى ميدان التطبيب والتداوى برع العرب وأبدعوا ، حتى أنه يمكن القول أنهم كانوا المرجع الأول والأخير فى هذا الميدان ، ويكفى ذكر بعض الأسماء اللامعة واستعراض مؤلفاتهم للاقتناع بدور العرب الكبير فى الطب والعلاج ، فالرازى (ت932 م) وكتابه " الحاوى ، وابن سينا ( ت1037 م) وكتابه " القانون فى الطب " ، وابن النفيس (ت1288 م) ووصفه الدقيق للدورة الدموية وغير ذلك كثير .
ونفس الأمر فى الكيمياء وما قام به جابر ابن حيان (ت813م) فقد كان من أكثر العلماء أنتاجا ، وإليه يعود الفضل فى حمل مجموعة من التلاميذ على متابعة البحوث عدة قرون ، وهذا بعد أن قام بفحص ما خلفه الاقدمون ، كما قام بمخالفة أرسطو فى نظرية تكوين الفلزات ورأى أنها لا تساعد على تفسير التجارب ، فعدل النظرية وجعلها أكثر ملائمة للحقائق العلمية وخرج بنظرية جديدة ، وابتكر علم الموازين ومعادلة المعادن وكان أول من أستحضر أحماض الكبريتيك والنيتريك ، كما اكتشف الصودا الكاوية ، وأول من أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة ، وينسب إليه استحضار مركبات كثيرة ، وله بحوث فى السموم ، وأهتم بأجراء التجارب ووصف العديد من العمليات الكيمائية كالتبخر ، والتقطير ، والإذابة ، والتبلور ، ولا شك أنه بهذه الإضافات والطريقة العلمية التى سار عليها فى بحوثه وتجاربه قد أحدث أثرا بعيدا فى تقدم العلوم والصناعات .
ولما كانت الثورة العلمية فى أوروبا قد قامت على أساس التطورات فى علم الفلك ، فأنه من المفيد أن نعرض لتاريخ التفكير الفلكى عند العرب خلال الفترة التى كانت أوروبا تعيش فى العصور الوسطى ، وفى ذلك يشير د. عبد الحميد صبره ـ أستاذ تاريخ العلوم عند العرب فى جامعة هارفارد ـ إلى أن العالم الرياضى ابن الهيثم (ت1040م ) قد أدى دورا مهما فى أثارة الفلكيين العرب كى يتجاوزوا بطليموس والنظريات اليونانية فى الفلك ، وقد فعل هذا بتوضيح شكوكه حول النظرية الفلكية لبطليموس ، وكان لدى ابن الهيثم الجرأة ليقرر أن الترتيبات التى تفترضها حركات الأجرام كما هى فى المجسطى خاطئة وأننا على وشك أعداد ترتيبات جديدة ، ومن ثم فأننا نجد المفكرين العرب فى الأندلس بعد قرن من ابن الهيثم قد قادوا ما يسمى بالتمرد على الفلك البطلمى ، وبلغ التمرد العقلى مداه فى كتاب البتروجى " مبادىء الفلك " حيث قام بمحاولة لإصلاح النسق البطلمى بتطوير فعلى للنماذج الرياضية .
ومن ناحية أخرى فأن مدرسة مراغة فى غرب إيران والتى كان فيها شخصيات مثل الأزدى (ت 1261م ) والطوسى (ت 1274م ) وقطب الدين الشيرازى (ت1311م ) وابن الشاطر (ت1375م ) قد نجحوا فى الوصول إلى نظام أجرام غير بطلمى ، ويمكن القول أن كلا من البتروجى وفلكيى مراغة مع فاصل قرن بينهم قد نجحوا فى وضع نماذج للأجرام ، وبعد ذلك قام ابن الشاطر بأجراء بعض التعديلات عليها ، فأن التماثل بينها وبين ما وصل إليه كوبرنيكوس فى القرن السادس عشر الميلادى كبير إلى حد أن مؤرخ العلم " ويلى هارتنر " يرى أن كوبرنيكوس لابد أن يكون قد اطلع على مخطوطة عربية متضمنة للزوج الطوسى .
هذا وقد حقق العرب تقدما ملحوظا فى علوم الفلسفة والمنطق ، وعلوم اللغة وعلم الكلام ، إضافة إلى السبق الذى حققوه فى إنشائهم علوم جديدة مثل علم التصوف وعلم الفقه الذى يعتبر من أهم إنجازاتهم التاريخية ، وعلم العمران البشرى الذى كان مقدمة ومدخلا أساسيا لكل العلوم الاجتماعية والإنسانية .
ورغم كل هذه الإنجازات التى لم نذكر سوى أمثلة منها ، وما حققوه فى ميادين العلوم والآداب والفنون ، إلا أننا نجد أن كل ذلك قد توقف ، وفى الوقت الذى استطاعت فيه أوروبا أن تتخلص من ظلامية العصور الوسطى ، وأن تحدث القطيعة المعرفية الكبرى مع ميراثها الغيبى والمدرسية العقائدية التى كانت تحد من إمكانية تطورها العلمى والفكرى ، وأنه لأمر محير أن يكون للثقافة العربية وإنجازاتها العلمية الدور الفعال فى إرساء قواعد النهضة الأوروبية ، وأن ينقلب الحال ويدخل العرب فى قطيعة معرفية مع ميراثهم العلمى والثقافى ، وبينما أوروبا تتقدم وتتطور ، يدخل العالم العربى الإسلامى فى مرحلة انهيار حضارى وتردى علمى وثقافى ما نزال نعيش أثارها حتى اليوم .

2 من8
لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟
أسئلة وتساؤلات
كان أمر توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية مثار عديد من الأسئلة والتساؤلات لمحاولة الوصول إلى تفسير لما حدث " فمحمد اركون" يتساءل : لماذا حصلت هذه الظاهرة التاريخية ؟ لقد ظهرت قوى عقلانية فى المدن الإسلامية بين القرنين التاسع والثالث عشر الميلادى ، وشهد الفكر الإسلامى مناقشات وتوترات عقلية خصبة بين العقل الفلسفى الإغريقى ، وبين العقل الدينى المرتكز على الوحى ، فلماذا ضعفت هذه القوى والتيارات العقلانية فى الوسط الإسلامى بعد القرن الثالث عشر ؟ ثم اختفت كليا وماتت فى نهاية المطاف ، وكيف تحول الفكر العربى الإسلامى إلى مرجعية أساسية لكل مثقفى أوروبا طيلة أربعة قرون على الأقل ، ومن فرط اهتمامه بهذه القضية فأنه يدعوا إلى أجراء بحث معمق من أجل معرفة سبب فشل فكر ابن رشد فى البيئة الإسلامية بالرغم من نجاحه فى البيئة المسيحية فى أوروبا ؟ ، ويقترح تسمية ذلك بدراسة " سوسيولوجيا الفشل والنجاح " حيث أنه يرجع هذا الأمر إلى أسباب سوسيولوجية .
كما يتساءل " توبى أ. هاف " أحد تلاميذ د. عبد الحميد صبره : لماذا أخفق العلم العربى فى أن ينجب العلم الحديث ؟ ولماذا تراجع الفكر العربى والعمل فى الحضارة الإسلامية بعد القرن الثالث عشر الميلادى ؟ وهو يرى أن مسألة تقهقر الفكرالعقلى العربى بعد عصر ذهبى يجب أن يكون موضع أهتمام مواطنى الشرق الأوسط المعاصرين وينحيها جانبا من بحثه ، بينما يركز أهتمامه على مناقشة السؤال الأول الخاص بإخفاق العلم العربى عن أنجاب العلم الحديث ، ويقول فى هذا الصدد أن هذا الموقف يمثل مشكلة محيرة للباحثين ، أما عن العوامل التى تسببت فى ذلك فيفترض فى الجز الأول من كتابه " فجر العلم الحديث " أنها إما أن تكون عوامل عرقية أو إلى سيطرة السنية أو الطغيان السياسى وبعض العوامل المتصلة بالبواعث النفسية والاقتصادية والاجتماعية ، ويناقش هذه العوامل باختصار ، ولكنه أخيرا يركز على عامل يرى أنه أهم هذه العوامل وهو . أخفاق فلاسفة الطبيعة العرب فى أن يطوروا ويستخدموا المنهج التجريبى .
ومن أجل توضيح رؤيته يستبعد فى البداية العوامل العرقية ويناقشها من الناحية الحيادية فهو يرى : " أن المعرفة العلمية الحديثة هى معرفة بكيف يسير الكون بدون ادعاء وجود حقيقة مطلقة ، ومثل هذه المعرفة ليست موروثة لمجتمع قومى ولا لجماعة عرقية ولا لأمة معينة ، وربما كان تركيز بعض الباحثين ومنهم " نيد هام " على الطابع العرقى مبالغا فيه ، فالعلم الحديث هو علم عالمى متراكم يمكن أن تستخدمه شعوب الأرض جميعا ، فضلا عن أنه تبقى الحقيقة وهى أن العلم العربى قد أسهم بقدر كبير فى المعرفة العلمية والمنهجية للتطور إلى ما يمكن أن نسميه العلم الحديث والذى يعتبر نتاج إسهامات وتفاعلات عدة حضارات ، ومن ثم فأنه من العدل أن نتساءل من منظور سوسيولوجي : لماذا أخفقت الحضارة العربية الإسلامية أن تتابع مسيرة التطور إلى النسق العالمى من الحداثة ؟ .
أما عن سيطرة السنية فأنه يقول " توحى الصياغة العامة للأثر السلبى للقوى الدينية على التقدم العلمى فى القرن الثانى عشر والثالث عشر الميلادى خاصة من حركة التصوف التى أفرخت قدرا من التعصب الدينى تجاه العلوم الطبيعية والاهتمام فقط بعلوم الدين " وأما بشأن العامل الأخير والذى يراه أهم عامل أدى إلى أخفاق العلم العربى وعدم قدرته على أن ينجب العلم الحديث فأنه يشرح ذلك باستفاضة .
لم يستطع ابن الشاطر ولا خلفاؤه ـ وهم كثيرون ـ أن يقوموا بالوثبة الكبيرة نحو نظام مركزية الشمس والدورات التلقائية الثلاث للأرض مما يمكن أن نطلق عليه الباب الميتافيزيقى للثورة العلمية الأوروبية فى القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلادى ، وهذا يدعونا إلى التساؤل : لماذا لم يتابع العرب السير إلى الخطوة الأخيرة ؟ والتى لم تكن تتطلب أكثر من نماذج رياضية ، فنماذج الأجرام لابن الشاطر وكذلك تلك لدى كوبرنيكوس متماثلة إلى حد كبير مع اختلافات ضئيلة فى بعض مقاييسها ، ولكن الانتقال الميتافيزيقى كان سيحدث بلا شك انشقاقا فكريا مع النظرة الإسلامية التقليدية إلى الكون كما كان يفهمه علماء الدين باعتباره معطى ألهى ومخلوق كامل ليس على الإنسان أن يفكر فيه أو يحاول فهمه وتفسير حركته التى تسير بفعل الإرادة الألاهية ، لقد توقف العرب عند حافة واحدة من أكبر الثورات الفكرية فى التاريخ ، ثم انحدروا بعد أن أقاموا نقلة من العالم المغلق إلى الكون المفتوح ، ولنردد عبارة كوبر الشهيرة ( أنهم بعد أن اخفقوا فى الوثبة الكبرى أثناء الفترة المبكرة فأن الأقطار الإسلامية قد تعلقت اليوم بالتقاويم القائمة على الدورات القمرية .
ويعود " توبى أ.هاف " مرة أخرى إلى أفراد الفصل الأول من الجزء الثانى من كتابه لمناقشة الأسباب الداخلية والخارجية لتوقف العالم العربى : هناك اتجاه لتفسير توقف العلم العربى بالإشارة إلى تطورات الجغرافيا السياسية ، أى بسب غزو المغول لشرق البلاد الإسلامية فى القرن الثالث عشر الميلادى ، واستعادة النصارى لأسبانيا بدءا من القرن الحادى عشر الميلادى ، ولكن هذا التفسير يهمل مسار التطور العلمى فى الحضارة العربية الإسلامية خلال هذه الفترة ، فبالرغم من أن التتار قد قاموا بتخريب بغداد عام 1258 ولكن بقت الحضارة العربية صامدة ، حيث أعيد إحياء الثقافة والمؤسسات ، بل الأكثر من ذلك فأن هؤلاء الغزاة بقيادة هولاكو من الخارجين عن صميم الإسلام هم الذين شجعوا بناء مرصد مراغة ، ومن ثم غذوا تطور النماذج الفلكية غير البطلمية للكون .
أما عن أسبانيا فأننا نجد الشخصيات الفكرية البارزة مثل ابن ماجه (ت1338م ) وابن رشد (ت1198م ) وابن ميمون ( ت 1204م ) كانت لهم أهمية بالغة للغرب أكثر مما كانت لهم بالنسبة للحضارة العربية الإسلامية . لقد اضطهد كل من ابن رشد وابن ميمون من مواطنيهم ومن رجال الدين ، ومع أن كتب ابن رشد كانت معروفة فى الشرق فأن تأثيرها لم يماثل ما حدث فى الغرب ، فقد لعبت دورا هاما فى الحوار الفكرى فى الغرب وبخاصة تعليقاته على أرسطو ، بينما لم يكن لها أى دور فى الشرق حيث كانت غريبة على أولئك الذين اعتبروا أنه لم يقل شيئا .
وعن العوامل الداخلية التى يقصد بها بنية الفكر فأن " توبى" يرى أنه لم تكن المشكلة افتقارا إلى تطور استخدام المنهج التجريبى !! ـ مختلفا مع ما سبق ذكره فى الجزء الأول ـ ولا النظرية الرياضية أو المستوى العلمى ، ولكن كانت المشكلة سوسيولوجية وثقافية تتعلق بالمؤسسات ، فأنه طالما تعلق الأمر بالعلم فأنه يجب أن يعتمد الأفراد على العقل وأن ينظروا إلى العالم على أنه كل معقول ومتسق ، وأن قوانين الطبيعة قابلة للفهم ، وإرادة الإنسان حرة فى إدارة حوار حول كل ذلك ، وهذا لم يحدث فى الحضارة العربية الإسلامية ، وهذه كانت نقطة الضعف التى حالت دون إنجاب العلم الحديث .
وعن العوامل الخارجية والتى يقصد بها الهيئات والمؤسسات العلمية فأنه يركز الانتباه إلى مقولة " مرتون " عن روح العلم : فإذا كانت الوصفات والمحظورات لروح العلم قائمة ، فأنها تعوق الهيئات والمجتمع عن التفاعل العلمى الذى يجب أن يقوم على الشك المنهجى وشيوع المعرفة والموضوعية إلى حد أن تصبح كأنها شعارات فى البنية الموجهة للمجتمع ، إذا توفرت هذه المفاهيم فأن هذا يعنى سيادة الروح العلمية فى المجتمع ، ولكن هذا أيضا لم يحدث فى الحضارة العربية الإسلامية وكان سببا رئيسيا لإخفاق العلم العربى ،.ويتفق اركون مع توبى فى أهمية العوامل الاجتماعية ، أو بمعنى عام كيف أمكن للقيم الكامنة فى مجتمع أو حضارة ما أن تشجع أو تؤخر البحث العلمى ؟ .
وخلاصة القول أن علينا أن ندرس قنوات التأثير والتبادل بين المؤسسات والهيئات العلمية من جهة ، وبين الأفكار السائدة فى المجتمع من جهة أخرى ، حيث أن الأفكار تترجم إلى مجموعة أدوار وما هو متوقع لها من أوضاع تجعلها موجهات مشروعة ومهيمنة فى الفعل الاجتماعى ، وهذه الموجهات تتخذ شكل المعايير والقيم وكذلك أنماط للسلوك التى يكون تأثيرها فعال وله قدر كبير من المشروعية فى تحفيز أو تثبيط التوجهات العلمية .



#فتحي_سيد_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حاضر الثقافة في مصر
- المسرح في مصر الفرعونية 2
- المسرح في مصر الفرعونية 3
- المسرح في مصر الفرعونية
- المسرح في مصر الفرعونية 4
- المسرح في مصر الفرعونية 5
- المسرح في مصر الفرعونية 6
- المسرح في مصر الفرعونية 7
- المسرح في مصر الفرعونية 8
- مؤتمر الاصلاح العربي
- التخاذل في مواجهة العنف
- التخاذل في مواجهة العنف 2
- الدروس الخصوصية
- قراءات ورؤى
- البدائل المقترحة لتمويل التعليم
- لغة واحدة ...ام لغات متعددة
- لغة واحدة 00أم لغات متعددة
- الاتجاهات الفكرية للإبداع فى مصر
- بينالى الاسكندرية الثالث والعشرون لدول البحرالمتوسط
- مرصد الإصلاح العربى


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فتحي سيد فرج - لماذا توقف العلم في الحضارة العربية ؟1 من 8