|
سيميائية جسد المرأة
أحمد عمر النائلي
الحوار المتمدن-العدد: 6801 - 2021 / 1 / 28 - 10:07
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
جسد الأنثى هو الدال Signifier الأول الذي يقابلك عند رؤيتها ، بالتالي هو الذي يمنحك المدلول Signified الاول نحوها ، كما أن صناعة المدلول الآني اللحظوي لدى الذكر تجاه جسد الانثى الدال مرتبط لديه بالحالة الهرمونية (هرمون التستيرون testosterone ) ، هل هي مرتفعة أو منخفضة ؟ ، فالبيولوجيا تساهم في تكوين المدلول Signified ، ففي حالة ارتفاع الهرمون (زيادة الاحتياج الجنسي) لدى الرجل تتحول كل النساء الى جميلات ، أما في حالة انخفاضه فإن درجة تبنيه تختلف ، فالعلاقة بين الدال والمدلول علاقة صيرورة Sémiosis ، وهي في هذه الحالة ليست اعتباطية Arbitraire , مثلما في التصور السوسيري للنص اللساني ؛ لأن هناك وشائج تبرر هذه العلاقة بين الدال والمدلول . تنطلف الصورة السيميائية لجسد المرأة ومنذ عشرينيات القرن العشرين (تقريبا) من زخم دلالى مفاده أن المرأة النحيفة هي الجميلة مقارنة بالمرأة السمينة ، وأن النحافة هي الصورة المثلى للجمال الإنثوي Feminine beauty ideal ، بالتالي فإن التدلال Sémiosis (صيرورة المعنى) ينطلق من هذه المقدمة الدلالية ، فيصوغ كل مايأتي من صور جزئية تالية ضمن هذا السياق ، وهي تأويلات ديناميكية متعددة مستمرة قد تنتهي بمؤوال نهائي ، فتكون عندها أحجام الصدر والارداف والافخاذ متوافقة مع طبيعة الجسد النحيف ، فكل شئ يجب أن يكون صغيرا . رغم أننا نرى و في أوقات تاريخية سابقة بل و لدى بعض شعوب الارض الحالية أن مدلول المرأة السمينة هو الجمال ، أما النحيفة فهي تشير لظاهرة الجوع التي كانت حاضرة في التاريخ الانساني و غائرة في اللاوعي الانساني ، وكانت تدلل على الموت ، فظاهرة إكتناز اللحم والشحم في الجسم الانثوي منحت سابقا مدلول الرخاء والسعادة والصحة والنعيم ، فانطلق التدلال من زاوية اخرى ، وهنا تندمج عدة معاني لدال واحد ، فالجمال هنا هو الصحة ورغد العيش والاستعلاء الاجتماعي ( استعلاء الاغنياء على الفقراء) ، فتصبح المرأة السمينة مدلولا للخير والغنى والراحة والصحة ، فيصنع ذلك ذهنية تنتج دلالات مختلفة . وفي هذا التوجه نشرت المجلة الامريكية لعلم النفس الاجتماعي والإكلينيكي The Journal of Social and Clinical Psychology دراسة تقول فيها بأن انموذج الجمال الأنثوي للنحافة يدمج ثلاثة مكونات أساسية وهي : إضفاء المثالية على النحافة . الخوف غير العقلاني من الدهون . الاقتناع بأن الوزن والشكل هما المحددان الأساسيان لهوية الفرد . وهذا بدوره يجعل الكثير من النساء اللواتي لا يملكن هذه الشروط يشعرن بتدني مستوى تقدير الذات Self-esteem ، رغم أن الجمال نسبي يختلف باختلاف الخطاب الجمالي السائد ، فعلى سبيل المثال عدم إعجاب الامير تشارلز بالاميرة ديانا والتى حاول الخطاب الجمالي السائد آنذاك أن يقدمها كأنموذج مثالي للجمال دليل على ذاتية الاحساس الجمالي ، فالامير تشارلز خرج من سطوة وهيمنة الخطاب الجمالي السائد ، والذي روجت له وسائل الاعلام بكثافة و قدمت من خلاله جسد الاميرة ديانا النحيف بأنه إنموذج مثالي للجمال Feminine beauty ideal ، وهذا يعود الى أن الأمير تشارلز رأى وأحس أن هذا الخطاب يتعارض مع ماأفرزته ممارستة الذاتية مع عشيقته كاميلا باركر ، ليصنع خطابه الخاص الذي يتوافق مع ممارسته وذائقته ، فهو لم يكتف بصورة البناء الجسدي فقط ، وهي ذات تأثير نسبي بين البشر ، بل تداخلت اشياء اخرى في المرأة ساهمت. في أن تكون جميلة ، مثل طريقة التفكير ودرجة التعلم ونبرة الصوت وطريقة إلقاء الكلام و.اختيار الملابس واسلوب الحياة وطقوس ممارسة الحب والنظافة والشخصية المبتسمة ودرجة التوافق والتفاؤل وو الخ . ولكن السؤال المهم الذي نطرحه : هل يصنع الخطاب الجمالي السائد إكراهات على ذائقتنا الجمالية ، ويرغمنا على تبنيها ؟ ، كما فعل الاعلام الغربي مع المرأة السمينة وحرمانها من قيمة الجمال وأرغمنا بذلك على النحيفة ، فقامت هي بنبذ ذاتها من خلال سعيها الى أن تكون نحيفة خلال العقود الاخيرة ، والتي جاءت نتاج الوفرة الاقتصادية التي أنجزها العلم وتحديدا الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر ، حيث اختفت مشاهد المجاعات القديمة ، بانتصار الزراعة وتطورها ، بالتالي حدثت الوفرة الغذائية ، مما أدى الى زيادة السمنة ودخول وازدياد السكر المضاف في حياتنا اليومية الغذائية ؛ فلم يعد هناك شبح الجوع الذي يقودنا دائما الى اكتناز الشحم ، فأقنع ذلك النساء بالتهافت نحو ثقافة الرجيم والنحافة ، فقط لاكتساب قيمة الجمال والشعور بالجدوى والاهمية ، والتي هي نتاج خطاب الجمال السائد ، فنحن عندما نكون ذوي نحافة نمنح مدلولات للاخر أننا ذوي مرغوبية ، لاننا نمتلك قيمة الجمال ، لان اسم الأنثي قرين ومرادف للجمال النحيف والذي هو حالة طارئة في حياة البشرية ، وربما تكون هناك نواحي بيولوجية تقودنا الى رؤية تبني جمالية النحافة مثل الاستعداد البيولوجي . أعتقد إن الخطاب السائد هو الذي صنع هذه الدلالات وليس البيولوجيا ، والدليل على ذلك اقتران الجمال لدى الاجيال الماضية بالمرأة السمينة المكتنزة . فمع اطلالة عقد العشرينيات من القرن الماضي بدأ تحول نساء العالم الغربي الى تبني ثقافة الاجساد النحيلة . كانت الثقافة المتبنية لصورة المرأة السمينة موجودة في فترات التاريخ القديم ، وتحديدا في الفترة ما بين عشرة الاف إلى مائة الف عام ، حيث كانت الشخصية الأنثوية المثالية قوية ومستديرة الجسد وسمينة . و عادة ما يتم تصوير ألهة الجمال مثلا بوجه مستدير وجسم على شكل كمثرى . وعندما نرصد الحالة الراهنة للطبيعة التداولية لجمال الشكل الإنثوي نرى أن الدراسات الحالية وخاصة بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي تتنبأ من أن مدلول مثالية جمال المرأة النحيف سيتغير الى قبول مبدأ التنوع الجمالي تكون فيه المرأة النحيفة والسمينة جميلتين ، لأن المرأة السمينة أصبحت هي القائم بالاتصال the sender ( مرسل الرسالة الاعلامية) في عالم التواصل الاجتماعي ، تعد وتصمم الرسالة الاعلامية وفق براحها الذاتي ؛ فلم تعد تقبل بحتمية جمال المرأة النحيفة ، فازهرت الممارسة الاعلامية الذاتية والتي فرضت ذائقتها الجمالية من خلالها ، وهي مختلفة ومتزامنة ، فهناك المغرم صبابة بالسمينة وهناك المغرم صبابة بالنحيفة وهناك المؤمن بحالات التوسط المتعددة (القصيرة النحيفة والقصيرة السمينة والطويلة النحيفة ووووالخ) . إن القرار الذي نحدده تجاه مدى جمالية المرأة هو قرار فردي بامتياز ومتغير و يختلف بين البشر ، ويشبه بصمات إبهام اليد ، فذائقتك الجمالية هي حالتك الخاصة فقط ، لذلك عندما تحب امرأة ما وتستهويك تأكد أن بناءك الدماغي الكوانتيمي يرى الجمال الحقيفي الذي قد لاتجد له تفسيرا ، فقوانينه مازالت بعيدة المنال ، فسر وراء قلبك الذي يرى أشياء لا تراها ، فلا تحب بقلوب الأخرين . وانطلاقا من نجاحات فيزياء الكوانتم نقول إنه يجب أن نتقبل كل اذواق الرجال تجاه جسد المرأة وبشكل متزامن والعكس صحيح .
#أحمد_عمر_النائلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العالم بعد كورونا : قراءة في كتاب -ورقات من كورونا - لمؤلفه
...
-
النص الأدبي بين الإستقلال والتأثر وفق نظرية هارولد بلوم
-
عندما يكتب السجين روايته : إبراهيم الزليتني أنموذجاً
-
الفلاسفة يتدبّرون جائحة كورونا : الشيوعية العالمية بديلاً لل
...
-
قراءة في كتاب - دروس في الألسنية العامة
-
الذعر الأخضر
-
الإعلام وإمكانية صناعة القيم
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|