|
مدخل إلى عصر الرعب: البرج الثاني عشر
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 6801 - 2021 / 1 / 28 - 04:55
المحور:
الادب والفن
1 عقدٌ من الأعوام مرّ، خلّفَ في رأسي الكثيرَ من الشَعر الأبيض. ولن ألجأ للاستعارة الممجوجة، التي تشبّه الشَعر الأبيض بالثلج؛ لأنّ الشيبَ لا يذوب أبداً. امرأتي، وكانت تصغرني بقليل، لم يستطع الشيب إفساد حُسنها؛ بما أنها تصبغه بالحناء ذات اللون الأرجوانيّ. وهيَ، في هذه الحالة، استبعدت أيّ استعارة. ينبغي الاشارة أيضاً، إلى أننا في خلال تلك الأعوام رزقنا بغلامين آخرين، وكانا بصحة جيدة مثل ابننا البكر. كَوليزار، إكتمل رونقُ جمالها، وأضحت تقريباً في نفس السنّ، التي اقترنت فيها والدتها الراحلة بأول أزواجها. ما زالت تجهلُ أنها ليست ابنتنا، وكنا نودّ إعلامها بالحقيقة عندما ينضج تفكيرها بحيث لا يُسبب لها ذلك صدمة تهز كيانها. لكننا برغم ما اتصفت به الفتاة من تعقل ورزانة وذكاء، كنا نؤجّل مفاتحتها بالموضوع. واصلتُ التدريسَ لأجيال متتابعة من التلامذة، وبعضهم أضحى في وظائف مرموقة. في المقابل، لم أوفّق بتعويضَ أصدقاء الزمن الآفل بأصدقاءٍ جدد. لعل مشاعر العشق، الممتلئة بها روحي مذ تعرّفي على أم أولادي، أزاحت جانباً تلك الحاجة. ومن نفس الينبوع، ولا شك، رُفدت روحي أيضاً بمشاعر الأبوّة. أعتدتُ على الركون إلى صحُبة مكتبتي، آن أكون في المنزل وبالأخص ليلاً. كون امرأتي من بيئة متحضّرة بالأساس ( وأعني نشأتها في إحدى الجزر اليونانية )، فإنها شغفت كذلك بالقراءة وشاركتني في مناقشة أفكار معيّنة، كنا نستمدها غالباً من الكتب إن كانت أدبية أو فلسفية أو فقهية. وهيَ ذي كَوليزار، تنشأ على نفس المنوال، مولّهة بالقراءة والمجادلة. ولم يكن ذلك بالغريب، نحنُ مَن نعلم مدى اهتمام والدتها الراحلة بالقصص، المؤلّفة من لدُن الكتّاب الفرنجة.
علاقتي مع غالب آغا، لم تنقطع في خلال تلك السنين، بالنظر لاستمرار عمل امرأتي في مطبخ القصر. كنا نلتقي بين حين وآخر، نتبادل الأحاديث الملائمة لشخصين عركا الحياة وخرجا منها بتجارب كبيرة. كان العجوز يود التقاعد من عمله كقيّم القصر، لكن أولي الأمر لم يستغنوا عن خدمته بما أن صحته جيدة وذاكرته متقدة. كان إلى ذلك مصدر الأخبار بالنسبة إليّ، بعدما كنتُ أنا في السابق أول المطلعين عليها بوصفي مسئولاً عن مراسلات الباشا. وهوَ ذا يأتيني بمعلومة جديدة، عندما رافقَ امرأتي بالكرّوسة إلى منزلنا. عقبَ جلوسه على الأريكة في حجرة الضيافة، وكان يمسحُ العرَقَ بمنديل في الجو الربيعي الحار، بادرَ إلى القول: " بلغني أن الولاية ستذهب إلى محمد باشا، ابن أخي المرحوم سعدو باشا، بعدما تمتع بها أوسمان باشا لمدة اثنتي عشرة عاماً. وهيَ مدة، كافية لكي يحرّض بعضهم البابَ العالي على مصادرة أملاك الرجل كمألوف العادة ". ابتسمتُ لطريقة لفظه اسم أسعد باشا، المشتهر بها أهالي الشام. بل إن الإنكشارية، الذين كانوا الأعداء الألداء لذلك الوالي الراحل، أشاعوا عليه في حياته تسميةً أكثر تحقيراً؛ " سعدية باشا ". علّقتُ على كلام الضيف، بالقول متنهّداً: " إذاً من الممكن أن نشهدَ فترةً من الاضطرابات، كون الإنكشارية لن تنظر بعين الرضا لذهاب المنصب إلى قريب عدوهم السابق؟ " " نعم، والمناسبة قد تكونُ أيضاً فرصةً لتصفية الحسابات بين الوجاقات والأورطات " " الحق يقال، أن الشامَ عاشت تقريباً في أمان طوال فترة ولاية أوسمان باشا، كما أنه نادراً ما تدخل بشئون الولايات المجاورة " " عليّ أيّ حال، لو كان الوالي الجديد متصفاً بقوة شخصيّة عمّه الراحل، وميله لتحقيق العدل، كان ذلك بركة على المدينة وأهلها "، خلصَ العجوز إلى هذا الرأي. وافقته بهزة من الرأس، ثم تحولتُ بالحديث إلى مجرى آخر. كانت امرأتي تود أن أحدّث القيّم برغبتها في إلتحاق كَوليزار بالخدمة معها في مطبخ القصر، وخجلت هيَ أن تفاتحه بالأمر. أنصتَ إليّ، ثم رد مبتسماً: " يسرّني ذلك بكل تأكيد، متأملاً أن تأخذ البنتُ مهارةَ أمها ". تشديده على المفردة الأخيرة، لم يفتني، فقلت له بعدما شكرته: " إننا نعدّها بالفعل كإبنة من صلبنا، بالنظر إلى أن أسرتها قضت بالزلزلة وكانت هيَ بعدُ طفلةً ملفوفة بالقماط " " هذا شعورٌ سامٍ، وسيجزي اللهُ الخيرَ بالخير "، عقّبَ الآغا العجوز على كلامي بنبرة ودٍّ.
في اليوم التالي، رافقت كَوليزارُ امرأتي إلى القصر كي تستلم عملها. في حقيقة الحال، أنني قبلتُ على مضض رغبةَ عفّت في أن تخلفها الفتاة بمطبخ القصر. ذلك أنني خشيتُ من استفاقة ذكرياتٍ قديمة، مشئومة، قد تفضح سرّ ابنة السلطانة الراحلة. هذا مع أنّ أعواماً كثيرة مضت، كما ومضى كثيرون ممن شهدوا الأحداث؛ ومنهم سلطان الكون نفسه، حيث خلّفه أخاه على العرش. لكن امرأتي حاولت طمأنتني من هذه الناحية، بتأكيدها على أن قلّة من الجواري والعبيد بقوا من ذلك العهد؛ وهيَ لا تختلط بهم. ما جعلني أوافقها أخيراً، كان علمي بأن الخدمة في مطبخ القصر كانت فكرة الفتاة. عند ذلك فكّرتُ بتصريف المقدور، القاضي على حفيدة سلطان الكون أن تكون بمنزلة الخدم، وكان حرياً بجيش من الجواري والعبيد، في ظرفٍ آخر، أن يكونوا في خدمتها. 2 في ذلك الربيع، وفي أواخره على وجه التحديد، بدأتُ أشعر بعلّة في عيني اليمنى. راجعتُ عطّاراً تعرفه امرأتي في السوق، كونها تشتري منه بعض حاجيات المطبخ. بعدما فحص عيني، قال أن سيلان الدموع منها يدل على إصابتها بنوع من الحساسية، وأعطاني قطرة كي أستعملها ثلاث مرات في اليوم. غير أنني لم أستفد من العلاج، وبات من الصعب عليّ القراءة. كان الصيفُ قد حلّ، عندما زارني غالب آغا في منزلي. لما لحظَ معاناتي، نصحني بالسفر إلى مدينة زحلة، لأتعالج في ديرها الكبير على يد طبيبٍ سبقَ أن استفاد من مهارته. حينَ طلبتُ من القيّم وصفَ نوع العلاج، لكي أشتريه من السوق بدلاً من تجشّم عناء السفر، فإنه رد مبتسماً في شفقة: " لكل علّةٍ دواءٌ خاص، ولعل عينك تحتاجُ لجراحة ". استهولتُ مسألة العمل الجراحيّ، لكنني مع ذلك قررتُ أن أعمل برأي الضيف. بضعة أيام على الأثر، وكنتُ أستقل عربة مشدودة بالخيل في الطريق إلى البقاع، أينَ تقعُ المدينة المذكورة. إلى منتصف المسافة، كانت البطحاء حولنا قليلة الزرع، إلى أن دخلنا في وادٍ نضير، مزروع بالأشجار المثمرة، وبخاصة الكرز. ثم ما لبثت عمائر زحلة أن تجلّت للناظر من علو الطريق، وكانت الأسقف في الكثير منها ملبّسة بالقرميد الزاهي، الأحمر اللون. لما نزل بقية المسافرين في مركز المدينة، سألتُ الحوذيَّ عن دير " سيّدة النجاة "، فطلبَ مني أن أبقى في مكاني. تحركت العربة مجدداً، وما هيَ إلا برهة أخرى وحوذيها يُشير لي بيده نحو بناء منيف ذي برج عال: " ذلك هوَ الدير، أيها السيّد ". شكرتُ الرجل بينما أنقده أجرته، ثم اتجهت إلى بوابة الدير، الشبيهة بمدخل القصر. لحُسن حظي، أنّ ذلك الطبيب كان موجوداً في صومعته، وما عتمَ أن استقبلني هنالك. عقبَ وقوفه على حقيقة مرض عيني، قال لي أنها تحتاج لجراحة كي تزال منها ما أسماه ب " عروق سبال ". دهنَ العينَ أولاً بمرهم مخدر، ثم بدأ بشقها واستعمال ملقط شَعر في سحب تلك العروق. كلفني العملُ الجراحيّ عشرة غروش، ومثلها ثمن نظارة بعدسة واحدة قال الطبيب أنها تساعد عيني بشكل أفضل عند القراءة. كون زحلة على طريق بيروت، فإنني فكّرتُ بزيارة صديقي باسيل، الذي لم أرَهُ منذ ما يزيد عن العشرة أعوام. غيرَ أنني صرفتُ النظرَ عن الفكرة، مؤجلاً إياها لفرصةٍ أخرى. إذ كانت عيني ما فتأت مضمّدة، وخشيت من التهاب الجرح وأنا بعيدٌ عن بلدي وداري. هكذا مضيتُ إلى خانٍ معتبر، أسماه لي الطبيب، لأقضي فيه الليلة على أن أسافر في صباح اليوم التالي إلى الشام.
آنَ عودتي، رأيتُ دمشقَ مزيّنة مثل عروس في ليلة زفافها. قيل لي عندئذٍ، أنه اليوم الثالث من أسبوع احتفال بمولد وليّ عهد سلطان الكون. في المنزل، كان ثمة فرح مختلف، عم الأسرة بمناسبة رجوعي من السفر مع خبر نجاح العمل الجراحي لعيني العليلة. الطفلان الصغيران، تناوبا تجربة عدسة القراءة حتى انتزعتها أمهما منهما، خشيَة إتلافها. بسبب عمل امرأتي في القصر، كانت هيَ مصدري بخصوص الأخبار. قالت لي مبتسمة: " أمَرَ الباشا أن يحتفل النصارى واليهود بمولد وليّ العهد في اليوم الخامس من الأسبوع؛ وفي اليوم السابع منه والأخير، يأتي دور الغواني " " في ذلك اليوم الأخير، سنسمعُ بالتأكيد وقوعَ قلاقل بالمدينة كمألوف العادة "، علّقتُ على الخبر. عادت عفّت لتقول، مغيّرةً الحديثَ، أنّ قيّم القصر سألها في يوم سابق عما لو تعلم عن تاريخ إيابي من السفر. وقد حضرَ الرجلُ بعد يومين لتهنئتي بنجاح العمل الجراحيّ، وكذلك فعلَ عددٌ من الأشراف والأعيان. إتفاقاً، أنّ اليوم المخصص لاشتراك الغواني بالاحتفال المذكور، صاقبَ يوم الجمعة. وقد خرجنَ في ذلك اليوم بلباسهن المتهتك مع البخور والدفوف والمزامير، بحماية أفراد من أصناف اللاوند والدالاتية والسكبان. ما أدى إلى تعطّل صلاة الجمعة في بعض المساجد، القريبة من موكب الاحتفال. هذا الأمر، أغضب الكثيرُ من المؤمنين، فجعل القاضي يتحرّك، فيأمر بحبس عدد من أولئك النسوة. جرى ذلك صباحاً، فما أتى الليل إلا وحُماة الغواني يخرجون الحبيسات من السجن رغماً عن أنف القاضي.
بقيت المدينة تلهجُ أياماً بذكر فضيحة الغواني، إلى أن طغى عليها خبرٌ على شيء كبير من الغرابة والخطورة. فإنّ والي مصر، أرسل جيشه باتجاه بلاد الشام وعلى رأسه قائده، المدعو " أبو الذهب ". في أول إجتماع أحضره لمجلس الأشراف، عقبَ عودتي من السفر، كان ذلك الخبر محور مناقشاتنا. جرى الاجتماع في منزل كبير حي القيمرية، وقد دُعيَ إليه بعض الأعيان وقادة الأصناف. دعوة هؤلاء الأخيرين، لاحَ أنها ضربت بعرض الحائط أمراً سابقاً للباشا عن اقتصار هكذا اجتماعات على أركان المجلس. كان واضحاً، أن الأقاويل عن قرب عزل الباشا قريبة من الحقيقة. كان الوقتُ على شفا الغروب، وحرارة النهار ما فتأت تنفث أنفاسها الساخنة في إيوان الدار، أينَ انعقد مجلسنا. في الأثناء، وبينما همهمات الحضور تتصاعد، قدّم لهم الخدمُ القهوة والحلوى. 3 ابتدأ المضيفُ الكلامَ، وهوَ كبيرُ المجلس كما علمنا، بالقول بعدما بسملَ وحمدَ الله: " لعل أكثر الحضور الكرام يعلمون، أننا نجتمع اليوم للتداول في أمر عصيان والي مصر وجرأته في إرسال جيشه لإخضاع بلاد الشام. واضحٌ أنه امتلك الجرأةَ من دعم قيصر المسكوب، وكان هذا الكافرُ قد هُزمَ في الحرب مع دولتنا قبل عامين ويريد الثأرَ، كما ويسعى لإملاء شروطه المعروفة؛ من قبيل حماية طائفته في المشرق ومنحها امتيازاتٍ أسوةً بطائفة الملكيين ". بدءاً من الجملة الأخيرة، لم أعُد أركّز على حديث الرجل. إذ أخذتني الذاكرة إلى مواقف مع صديقي باسيل، وكيفَ كان ينقل إلينا أخبارَ طائفته، المنتمية إلى الملكيين. أسفتُ أيضاً لأنني لم أقم بزيارته في بيروت، وذلك عندما كنتُ أستشفي في مكان قريبٍ منها. لم يُخرجني من أفكاري، سوى فرقعة ملأت الجو بصداها، تبعها إطلاقٌ كثيف للبارود. صرخَ بعضُ الحضور، بينما الأعينُ تتجه إلى قادة العسكر، الحاضرين: " لا ريب أنهم الإنكشارية، يودون تأديبَ الأصناف غبَّ حَدَث واقعة إطلاق سبيل الشلكات ". كان على الاجتماع أن ينفضّ تلقائياً، بما أنّ كثيرين ودوا الذهاب إلى منازلهم كي يطمئنوا على أسرهم. كنتُ واحداً من هؤلاء الأخيرين، ولعلني أشدهم قلقاً؛ بسبب سكنى عائلات آمري الانكشارية في حي سوق ساروجة. عندما كنتُ أهم بمغادرة الدار، أمسكت يدٌ بساعدي لتوقفني. ذلك كان المضيف، الذي بادرَ بمخاطبتي بلهجة ناصحة: " هوّن عليك، يا صاحبي، ولا تلقي نفسك إلى التهلكة ". ثم عاد يستطرد، بعدما رد على تحيات بعض المغادرين: " الطريقُ إلى منزلك محفوفٌ بالمخاطر، ولو أن ثمة هجوماً يستهدف سوق ساروجة، لعمدت الانكشارية إلى إخلاء النساء والأولاد وحمايتهم في المسجد الأموي ـ كما هيَ العادة في هكذا ظروف " " إذاً سأتوجّه إلى المسجد الأموي، علّني أظفر بأسرتي هنالك " " على رسلك، ريثما تصلنا الأخبار عما يجري حقاً في المدينة "، قالها الرجلُ وهوَ يهزّ ساعدي. وافقته الرأي، وما لبثتُ أن عدتُ معه إلى مجلسينا في الإيوان. في الأثناء، خلت الدارُ من معظم الحضور ولم يبقَ سوى حضرة المفتي مع رجلين من مجلس الأشراف. أصواتُ الانفجارات خفتت قليلاً مع مرور الوقت، وكذلك حدّة تبادل النار. ثم بدأت الأخبار تترى، مع قدوم الرسل إلى الدار. عندئذٍ، علمنا ونحنُ في غاية الدهشة أنّ العامّة اجتاحت الأسواق ونهبتها في غروب هذا اليوم، ما استدعى تدخل عسكر الوالي علاوة على الأصناف. وقد تضامنت الانكشارية مع العامّة، وراحت مدفعيتها في القلعة تقصف حارات وقشلات الخصوم. هؤلاء الأخيرين، بحَسَب الأخبار أيضاً، ردّوا باجتياح حي سوق ساروجة وإشعال النار في بعض بيوته ومحلاته. بدَوري، كانت ردّة فعلي هيَ الطلب من المضيف أن أصعد إلى سطح الدار، بغيّة التأكّد من الحريق في ذلك الحي. قال لي المضيف، وهوَ يهبّ من مكانه: " سنصعدُ معك نحنُ أيضاً ". كانت هذه دعوة للحضور الآخرين، وقد لبّوها بترك مجالسهم والسير بأثرنا. ما عتمنا أن صرنا على السطح، مستعملين السلم الحجريّ، المار بالقسم العلويّ من الدار. أرسلتُ نظري إلى ناحية سوق ساروجة، لأرى مرتاعاً ألسنةَ النيران تتصاعد من عدة مواقع فيه. لكن الحرائق كانت منتشرة في أماكن أخرى، مثل الدرويشية والعمارة. دمدم المضيفُ، وكان يقف إلى جانبي: " التجّارُ الجشعون، ليسوا وحدهم المسئولين عن الارتفاع الجنونيّ لأسعار المواد الغذائية، بل حتى الباشا عمد إلى تخزين بعض تلك المواد. بالنتيجة، أن العامّة ثارت بسبب المجاعة " " نعم، وعلى الأرجح أن الباشا هوَ مَن أوعز للعسكر والأصناف التدخل كي يستفز الانكشارية، وفي التالي، تضيع صرخات الجياع وسط النار والبارود "، علّقتُ على كلامه. كان المفتي ينصت إلينا، وما أسرع أن رمى بملاحظته: " ربما فعل الباشا ذلك لهدفٍ آخر، ألا وهوَ البقاءُ على رأس الولاية بحجّة تأمين الأمن ". عند ذلك، تذكّرتُ واقعة استباحة الأعراب للمحمل الشريف، وكيفَ اتُهم الوالي السابق أسعد باشا بتدبيرها لكي يحتفظ بمنصبه. لكنني طرحتُ كلَّ تفكيرٍ، غير فكرة الذهاب إلى المسجد الأموي للاطمئنان على أسرتي.
في ساعةٍ متأخرة ليلاً، وكان الهدوءُ قد عمّ الأجواء نوعاً ما، غادرتُ دارَ كبير المجلس في طريقي إلى المسجد الكبير. المضيف، عهدَ لبضعة فتية من حراسه بمرافقتي بعدما أوصاني أيضاً بجلب أسرتي إلى منزله لو أنني عثرتُ عليها. كان الفتية يثرثرون طوال الطريق، بينما كنتُ كالأصم لا أسمع سوى وجيب قلبي، المفعم بالقلق والهواجس. الدروب، المشكّلة بأغلبها أسواق المدينة القديمة، كانت مقفرة ومعتمة، وقد سرنا عبْرَها محاذرين الاقتراب من أسوار القلعة خوفاً من الوقوع بأيدي مَن يحاصرونها. وهوَ ذا مدخلُ الجامع الكبير يلوح عن بُعد، وكان مضاءً بالمشاعل، المثبتة على جدرانه الخارجية. حركة كبيرة، اشتعلت أيضاً هنالك، وكان مصدرها أناسٌ في مثل حالتي يودون الاطمئنان على عائلاتهم. " سمعاً وطاعة، يا سيّدي الشريف "، أجابَ أحدُ خفراء المسجد على طلبي أن ينادي باسم حرمتي وسط تلك العائلات. بقيتُ برهة أخرى على جمر الانتظار، لحين أن أفرخَ روعي بظهور امرأتي وهيَ تحمل طفلنا الصغير، المستغرق في النوم. شقيقاه، كانا يسيران في أثرهما. عانقتُ الولدين، الذين اندفعا نحوي، ثم ما لبثت أن حملت شقيقهما الصغير. وقتئذٍ انتبهتُ لغياب كَوليزار، فلما سألتُ امرأتي عنها، فإنها أجابت مجهشةً بالبكاء: " لقد سحبها الأشرارُ بعيداً عنا، وذلك عندما كنا في الطريق إلى المسجد مع بقية عائلات الحي ". 4 بقيتُ جامداً، مذهولاً إزاءَ الخبر. فكّرتُ بسرعة: " ماذا يبتغي أولئك المسلحون من أسر فتاة صغيرة في مثل عُمر كَوليزار، سوى بيعها في السوق كجارية؟ ". لكنني لم أفصح عن فكرتي أمام امرأتي، المروَّعة كالثكلى. الفتيَة الحراس، كانوا ينتظرونني خارجَ المسجد، فقلتُ لعفّت بنبرة مُهدِّئة: " سأبذل كل جهد لإعادة الفتاة، أما الآن فعلينا الذهابَ إلى مكان آمن ". قلتُ ذلك، ثم مضيت أمامها وأنا أحمل طفلنا الصغير. بمجرد وصولنا إلى دار كبير حي القيمرية، لحَظَ أمارات الجزع على وجهي. بعدما سلّم أسرتي لأهل بيته، التفتَ إليّ يسألني: " أرجو أن يكون كل شيء على ما يرام؟ " " لا، مع الأسف "، أجبتُ وأنا أنفخُ مقهوراً. ثم حدّثته عن كَوليزار، التي لم يسبق أن سمع بأمرها. هنا أيضاً، أظهرَ الرجلُ شهامته حينَ أخذ يطمأنني بأنه سيبذل كل جهد ممكن في سبيل العثور على الفتاة. أعقبَ ذلك بالعمل، فبعثَ في الحال رسلاً إلى زعماء الأصناف كون رجالهم مَن داهموا حي سوق ساروجة. في أثناء ذلك، صعدنا أكثر من مرة إلى سطح الدار لحين تيقننا من خمود الحرائق وانتهاء ضرب القنابر والبارود. بقية الضيوف، ومنهم المفتي، سبقَ أن غادروا الدارَ بعدما أكّدوا لي أنهم بدَورهم سيسعون لمعرفة مصير الفتاة. في ساعةٍ متأخرة من الليل، حثّني المضيفُ على الإيواء إلى الفراش. لما دخلتُ إلى الحجرة الكبيرة، المخصصة لأسرتي، رأيتُ أن عفّت ما تنفكّ عاجزة عن النوم لما هيَ فيه من القلق والهواجس. استلقيت بالقرب منها، محيطاً إياها بيدي: " لن يطلع الصباح، بإذن الله، إلا وكَوليزار تكون معنا "، قلتُ ذلك ثم أخبرتها بأمر الرسُل.
لازمنا منزلَ مضيفنا الزعيم يومين آخرين، ثم أستأذنته بعدئذٍ في الانتقال إلى منزل آخر. وكنتُ قد هُرعتُ إلى حينا، مباشرةً عقبَ توقف القتال، لأجد أكثر دوره تحولت قاعاً صفصفاً بسبب الحريق؛ بما في ذلك داري نفسها. لحُسن الحظ وجدتُها سليمةً، الخزانة الحديدية، المحتوية على أوراقي وخزين أموالي، فلم يمسّها الحريقُ أو أفرادُ الأصناف. الفتيَة الذين رافقوني، بأمر من الزعيم، سرعان ما تدبّروا عربةً مشدودة بالخيل. لما وصلنا إلى القيمرية، طلبتُ من الحوذيّ أن يتوقف قدّام منزل صديقي الراحل، ربيب الأحاجي. غبَّ إدخال الخزانة إلى الدار، عدتُ ونقلت إليها أسرتي بنفس العربة. المنزلُ البديل، كان كما علمنا في غاية الرثاثة والاهمال. ما استدعى قيام امرأتي بحملة تنظيف شاملة، هدفت قبل كل شيء لطرد الرائحة المقيتة، المقيمة. حقّ لها التطيّر أيضاً، عندما رأت قبرَ صاحب البيت في الحديقة. فكّرتُ عندئذٍ في نفسي، عما سيكونه شعورها لو علمت بوجود جثة ميّتٍ آخر بالقرب من ذلك القبر. في خلال الأيام التالية، وبينما كنتُ أسعى هنا وهناك لتقصّي خبرَ ابنتنا المسكينة، كان عددٌ من العمال يقومون بصبغ جدران الدار بالجير ورصف أرضيته بالأحجار النحّيتة. بما أنّ داري الجديدة تقع على مقربة من دار الزعيم، صارت زياراتي له متواترة، وذلك أساساً بهدف معرفة ما انتهى إليه مسعاه بشأن إختفاء أثر كَوليزار. لكن ما جدّ من أحداث، في الأيام التالية، عليه كان أن يرخي ظلاله على مصير الفتاة. بقائي على صلة بقيّم القصر، جعلني أحد مصادر الأخبار لجماعة مجلس الأشراف. وإنه غالب آغا، مَن أمدّني بمعلومة أثارت بلبلة الجماعة برغم أنها لم تكن مفاجئة تماماً: أن والياً جديداً، كان في طريقه إلى الشام مع جيش كبير لصد هجوم القائد المملوكي، المدعو بأبي الذهب. هذا الأخير، كانت طلائع عسكره قد وصلت إلى مشارف حوران عندما أوقف زحفه على حين غرّة وما لبث أن عاد بأدراجه باتجاه حدود الولاية المصرية. أقاويل كثيرة، انتشرت في الشام لتفسير هذا المنقلب للأحداث. وهاهمُ جماعة النصارى، يشيعون أنّ السيّدة مريم العذراء ظهرت في طريق أبي الذهب، لترميه عن ظهر جواده صريعاً. قيل في تفسير ذلك، أنه جزاء تدنيسه لإيقونة السيّدة العذراء عندما إقتحمَ كنيسة القيامة وهوَ على ظهر جواده. الحكاية، أدّت لوقوف طابور طويل من المؤمنين ( كان بينهم مسلمون أيضاً ) عند باب تلك الكنيسة، لكي يحصلوا على الشفاء من لمس الإيقونة أو الطلب إليها تحقيق أمنية معيّنة. وقد ظلت الجموعُ تسعى إلى كنيسة القيامة من كل مكان، حتى عندما عُرفَ أنّ أبا الذهب آبَ سليماً معافى إلى مصر مع الجيش، ومن ثم قَتلَ حاكمَها وحلّ بمكانه. تلك الخيانة، جرت بالاتفاق مع ممثلي الباب العالي، الذين اتصلوا مع أبي الذهب سراً.
هوَ ذا والٍ جديدُ، يحل بدَوره في الشام مع موكبٍ كبير، كان جلّ عناصره من عسكر القابيقول. محمد باشا، كما ألمعنا من قبل، كان ابن أخي الوالي الأسبق، الذي دعاه الإنكشارية ب " سعدية باشا ". كما كان متوقّعاً، عليه كان أن يتواجه مع هؤلاء الأخيرين، الذين استبقوا ذلك بإغلاق القلعة في وجه فرقة القابيقول. ردّة فعل الباشا، أنه سعى أولاً إلى جمع قادة الأصناف والاتفاق معهم على مداهمة العصاة. لتستيقظ المدينة، في الصباح التالي، على أصوات قصف المدافع ونار البارود وجلبة المتحاربين. من ناحيتي، حُبست في البيت يومئذٍ ولم أتمكن من الذهاب إلى المدرسة. لم تصل نيرانُ النزاع إلى حي القيمرية، أينَ أقيمُ، وما أن خيّمَ الظلام إلا وكنتُ في دار زعيمه. إذاك، كانت الاشتباكات قد هدأت نوعاً، كما أن مدافعَ الخصوم لم تعُد تتبادلُ القنابرَ. رأيتُ هنالك عدداً من الأعيان سيقوني في الحضور، كان بينهم المفتي وبعض الأشراف. انضممتُ إلى مجلسهم في الإيوان، وكان النسيمُ العذب يلعب فيه خلال هذا الوقت المتأخّر من الصيف، المتّسم بالحر الشديد نهاراً. كمألوف العادة، تبادلنا الحديثَ عن الوضع المستجدّ فيما الخادم يقدّم لنا القهوة والحلوى. عليّ كان أن أستعيد ذكرى أمسية مماثلة، قبل سنوات عديدة، عندما حصل نزاعٌ مماثل بين الوالي السابق والإنكشارية واتفقَ أعيانُ المدينة، المجتمعون آنئذٍ في نفس المكان، على إرسالَ عريضة إلى الدولة تطالب بإعادة سلفه لمنصبه. 5 جازَ لي أن أتذكّر أيضاً، أنني في ذلك الزمن خسرتُ أصدقائي الواحد بأثر الآخر. وها أنا ذا أخسرُ الآن كَوليزار ومنزلي، الذي ورثته عن والدي. تلقيتُ كلمات العزاء من بعض الحضور، ممن كانوا يرونني لأول مرة عقبَ ثورة الجياع. في الأثناء، وصل عددٌ من آمري الأصناف والقابيقول. هيئةُ كلّ منهم، كانت تشي بانشغاله في هذا النهار بالحرب مع جماعة القلعة. وكنتُ أعلمُ، أن أكثر الأعيان قلوبهم مع تلك الجماعة؛ وهذا كان أيضاً حال معظم العامّة. تفسيرُ الأمر، أنّ الأعيان والعامّة يجدون في الإنكشارية خصماً للوالي ولقوى الأصناف، وفي التالي، عوناً لرد مظالم كلا الطرفين. " لا نريدُ غريباً في الشام؛ لا الأكراد ولا التركمان ولا المغاربة "، كذلك هتفَ بعضُ الحضور في وجه آمري الأصناف الحاضرين. وقد ردّ أحدُ قادة اللاوند، بالقول ساخراً: " وهل الإنكشارية أصبحوا من أهل البلد، هم مَن يكيدون كلّ مرةٍ لممثل سلطان الكون؟ ". استمرّ اللغطُ مطولاً، برغم دعوات المضيف للجميع أن يعودوا للرشد كي يتم الاتفاق على أمر تجنيب الولاية المزيد من الخراب والفوضى. كان واضحاً، أن غالبية الحضور يريدون مجدداً إرسالَ عريضة للباب العالي، يشكونه فيها من سوء تدبير الوالي الجديد. لما هدأ الجدلُ، بدأ بعضُ الأعيانُ فعلاً بالتكلم عن العريضة. بعدئذٍ التفتَ هؤلاء إلى ناحية المفتي، يطلبون رأيه في الأمر. فنهض من مكانه، قائلاً بدعابة: " سأذهبُ الآنَ لأبول، وعند عودتي أعطيكم رأيي ". كلمته قوبلت بالقهقهة، فيما المضيف كانت سحنته تزداد عبوساً. من ناحيتي، وبرغم نظرات البعض التي كانت تستحثني على الكلام، فإنني آثرتُ النأي بنفسي عما يجري: فكرةٌ أكثر جدّة، راحت إذاك تداعبُ ذهني؛ فكرة، كان على الأيام التالية أن تجعلني أراهن عليها في حمأة الوضع المضطرب للحاضرة. قال كبيرُ مجلس الأشراف، مختتماً الجدلَ: " لا إجماع إذاً على موضوع العريضة، وفي هذه الحالة، ليسَ لي سوى الدعاء للرب أن يُرشد أولي الأمر للتعقّل والحكمة في هذا النزاع الجديد. لكننا سنعود للاجتماع في قادم الأيام، كلما تطلبَ الأمرُ ذلك ". عادةً، كنتُ أبقى في دار الزعيم إثرَ ذهاب الآخرين. غيرَ أنني كنتُ ما أفتأ متعكّر المزاج، راغباً في خلوةٍ بين جدران داري. مسافة قليلة، كانت تفصل كلا الدارين، سرتُ فيها وتلك الفكرة تحلّق فوق رأسي مثل خفّاش العتمة.
مع ذلك، لم أنقطع عن زيارة كبير الحي، معوّضاً في شخصه فقداني لأصدقائي. ومن خلال الرجل، دخلتُ في دائرة معارفه المقربين، الذين لم أكن ألتقي بهم فيما مضى سوى في اجتماعات مجلس الأشراف أو في حضور الأعيان الآخرين. عدا عن موضوع الوحدة والسأم، كنتُ أحاول الافادة من أولئك الأشخاص في موضوع تقصّي مصير ابنتنا المفقودة. ما لم أكن أحسبُ له حساباً، أنّ عيون الوالي الجديد كانت من الممكن أن تترصّدني باعتباري من المقربين إلى أحد أبرز خصومه في المدينة. لم أعُد أمتلكُ صديقاً مثل " النبي كيكي "، يستجلب معرفته للمستقبل، إن كان قريباً أو بعيداً، بإشارات يستمدّها من دائرة الكون؛ مما يُدعى ب " علم الفلك " عند الفرنجة ومواطنينا الدهريين على حدّ سواء. ذلكَ كانَ بعد أسابيع ثلاثة من واقعة الجياع، وكان السلامُ قد عاد أيضاً إلى المدينة بتراجع الباشا عن إقتحام القلعة وإخضاع الإنكشارية. كان الوقتُ عند الأصيل، لما طرقَ أحدهم بشكلٍ لجوج على باب البيت. دخل ابني الكبير على الأثر، ليخبرني أنّ رجالاً من طرف القصر حضروا ويطلبون رؤيتي. لم أشك عندئذٍ أنهم مبعوثون من لدُن غالب آغا، وأنّ الأمرَ متعلّقٌ بموضوع كَوليزار. بادرتُ بالخروج إلى باب البيت، لأجد ثلاثة من الجندرمة؛ ومَن خاطبني لاحَ أنه آمرهم: " لدينا أمرٌ بمرافقتك إلى القصر، فالرجاء أن تتبعنا في الحال أيها السيّد "، قالها مومئاً إلى عربة مشدودة بالخيل. استأذنتُ منه لكي أكتسي بملابس الخروج، فلم يمانع. هنيهة أخرى، وكانت العربة تمضي بنا في إتجاه القصر. لهجة الآمر الخشنة وتجهّم وجهه، استدعيا قلقي وعدم اطمئناني. لكنني لم أخاطر بأيّ سؤال، خشيَة سماع ما لا أحبّ سماعه. لدى وصولنا إلى مدخل القصر، كانت الظلالُ تتكاثف ولن تلبث العتمةُ أن تحلّ بمحلّها. كنتُ أظنّ أنني في الطريق إلى السلاملك، لأقابل غالب آغا أو أيّ شخصٍ آخر من أصحاب الحل والعقد. لكن إذا بالمرافقين يسلمونني لحارسين، مضيا بي إلى أحد أقبية القصر، المستعملة كسجن. هنالك تُركت في زنزانةٍ رطبة، مضاءة بمشاعل الردهة، وأُغلق عليّ بابها الحديديّ، المزوّد بنافذة صغيرة مربّعة. أيامٌ ثلاثة، ظللتُ حبيسَ المكان وكان الحارس لا يظهر سوى لمدّي بالطعام والماء. في خلال تلك الآونة، كانت الهواجسُ تتناهبني وفكري يذهبُ في كلّ مذهب. لكنني كنتُ على يقين، بأنّ حبسي له علاقة بالاجتماع الأخير في منزل كبير مجلس الأشراف وما تم تداوله بشأن العريضة. في صباح اليوم الثالث، وما أن أنهيتُ تناول فطوري البسيط، إلا وثلة من الحرس تأتي لتقتادني. هذه المرة أُخرجت من تحت الأرض، وكنتُ في الطريق إلى رواق الديوان، الذي أعتاد على حضوري في مثل هذه الساعة ولعدة أعوام. في آخر الرواق، استطعتُ تمييزَ هيئة قيّم القصر مع أنّ ظهره في اتجاهي. ما عتمَ الرجلُ العجوز أن طالعني بوجهه البشوش، المتخدد بتجاعيد العُمر، مع ابتسامة مشفقة على فمه المغطى بشارب زهيد وأشيب. قال لي بعدما أشارَ للحراس بالذهاب، مستخدماً نبرته الودودة المألوفة: " أنتَ هنا نتيجة سوء فهم، يا صاحبي. سعادة الوالي، كان قد دققَ بأسماء أركان المجلس السابقين ممَن كانوا على صلة بشكل أو بآخر بموضوع مصادرة أملاك عمّه، المرحوم أسعد باشا، وما تخلل ذلك من انتهاك لحريمه وتعريضهن للتعذيب وإلى ما هنالك من أشياء معلومة. لكن لحُسن حظك، أن سعادته سألني عنك ولم أكن على معرفة عندئذٍ بحبسك لدينا في سجن القصر. الآن، في وسعك العودة إلى أسرتك وأنت مطمئنٌ " " أنا مدينٌ لك بالشكر والامتنان، يا سيّدي "، قلتها فيما أكبّ على يده لتقبيلها. لكنه سحبَ يده بسرعة، ثم ربت بها على كتفي. وكنتُ من الاضطراب في تلك الوهلة، أنني مضيتُ باتجاه الحجرة الملحقة بالديوان، التي قضيتُ فيها ردحاً من الزمن عقبَ واقعتَيّ الزلزلة والوباء. إلى أن انتبهتُ لنفسي، وما أسرعَ أن مشيتُ إلى ناحية مدخل القصر الخارجيّ. هذه التجربةُ القاسية، برغم قِصَرها، غذّت تلك الفكرة، المنشغل بها ذهني مذ ليلة الاجتماع الأخير في دار كبير حي القيمرية.
* الكتاب الثاني من رواية " الأولى والآخرة "، المنشورة في الموقع عام 2010
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدخل إلى عصر الرعب: البرج الحادي عشر
-
مدخل إلى عصر الرعب: البرج العاشر
-
مدخل إلى عصر الرعب: البرج التاسع
-
مدخل إلى عصر الرعب: البرج الثامن
-
مدخل إلى عصر الرعب: البرج السابع
-
مدخل إلى عصر الرعب: البرج السادس
-
مدخل إلى عصر الرعب: البرج الخامس
-
مدخل إلى عصر الرعب: البرج الرابع
-
مدخل إلى عصر الرعب: البرج الثالث
-
مدخل إلى عصر الرعب: البرج الثاني
-
مدخل إلى عصر الرعب: البرج الأول
-
مدخل إلى عصر الرعب: توطئة
-
مدخل إلى عصر الرعب: تنويه من المحقق
-
زمن موناليزا الحزينة: الخاتمة
-
زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 5
-
زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 4
-
زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 3
-
زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 2
-
زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 1
-
زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع عشر/ 5
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|