|
فيلم -عن العشق والهوى-
غادة عبد المنعم
مفكرة
الحوار المتمدن-العدد: 1624 - 2006 / 7 / 27 - 00:10
المحور:
الادب والفن
فيلم "عن العشق والهوى" أحداث عميقة.. لأنها عادية وتتكرر كل يوم
الحــــــب، الـــــــزواج والخـــــــــيانة
غادة عبد المنعم
هناك دائما فرصة لنبدأ حياتنا من جديد، لنتخلص من قيودنا ونجرب أن نعيش.. أنها حياة واحدة تلك التى نحياها فلماذا لا ننهى سريعا الجزء الكئيب المزعج منها، لننال فرصتنا فى معيشة الجزء الآخر المبهج والسعيد ؟ هذا ببساطة هو السؤال الذى يطرحه فيلم "عن العشق والهوى" وهو التساؤل الذى يعود ويجيب عليه بشكل واقعى مصرى ومعاصر، بلا تغريب ولا ميلودراما أو لت وعجن..
زوجة تخون زوجها ، أخ يحب زوجة أخيه ، ورجل يخون زوجته الوفية ، عاهرة تتزوج زيجة محترمة ، وحبيب يتخلى عن حبيبته ، انها مجرد نماذج من شخصيات فيلم "عن العشق والهوى" شخصيات قد يجرمها المجتمع لكنها تبقى فى النهاية شخصيات عادية موجودة ومتكررة .. ليست مستوردة ولا غريبة عنا كما أنها ليست غريبة عن أى مجتمع آخر، وهى فى الحقيقة ليست شخصيات شريرة كما تبدو لكنها كأنها متورطة فى قدرها الخاص تحاول جاهدة ألا تؤذى نفسها أو غيرها.. لكنها تتورط فى الأذى تؤذى نفسها .. تؤذى غيرها.. ثم تسرق لحظات لكى تتوقف وتختار.. لكى تنحاز لجانب سعادتها وتعيد كتابة قدرها من جديد.
الأحداث والشخصيات الواقعية هى أول ما يلفت الإنتباه فى سيناريو "تامر حبيب" حيث تضفى الواقعية على الفيلم الكثير من العمق فشخصيات الفيلم تختلف وتتنوع لكنها تتفق كلها فى واقعيتها فجميعها شخصيات مأزومة تضيع الكثير من الوقت والجهد فى سلك طرق ملتوية والاستمرار فى حياة لا ترغبها، لكنها مع ذلك لا تترك نفسها لتضيع تماما.. حيث تقبض فى النهاية على زمام قدرها.. تضع المفتاح فى قفل الحياة لتفتح بابا جديدا لنفسها وهذا التأرجح بين الحسم والتراخى هو تحديدا ما يجعلها واقعية فهى ليست حاسمة بالشكل الكافى لتكون مثالية ولا مضحية تماما لتكون مأساوية هى شخصيات واقعية تقف من حياتها فى موقع النصف نصف ..تتقبل قدرها أحيانا وتتحكم فيه فى أحيان أخرى.
نلاحظ هذه السمة فى كل الشخصيات تقريبا بداية من الشخصية الرئيسية (عمر) أحمد السقا فهو شاب ثرى الذى يحب (عاليا ) منى ذكى الفتاة الفقيرة لكنه رغم هذا الحب يختار فى أول أزمة أن يترك حبيبته ليستمر فى سلسلة من الاختيارات العشوائية حيث يترك نفسه " مسيرا " وراء قدره فيختار بعد ذلك أن يتزوج بلا حب.. لكنه يعود فيحاول الإمساك بزمام الأمور فيقرر أن يقيم علاقة جديدة مع شابة أخرى عندما يعثر على الحب من جديد.. ثم يعود ويشعر بالذنب تجاه زوجته.. لكنه فى النهاية يعود لحبيبته.. إنها شخصية واقعية لشخص لا يدعى البطولة يبحث عن السعادة ويرغب ألا تأتى سعادته على حساب الآخرين شخص ليس مثاليا تماما ليختار التضحيةطوال الوقت ولا تتحكم فيه عواطفه طوال الوقت.. إنه أنسان عادى يقاوم مجرى الأحداث أحيانا لكنه يترك نفسه لها غالب الوقت متنقلا من قدر لآخر.
نفس التركيب الواقعى نجده فى الشخصيات النسائية الرئيسية الثلاث بداية من "عاليا" الفتاة الفقيرة التى تحب شاب ثرى فيمثل لها طموحها ومستقبلها كله ، ثم تتقوض احلامها فجأة عند نهاية قصتها معه، فتستسلم لإبتذاذ جارها العاطفى الذى يقنعها أنه يحبها فتقيم علاقة معه اشفاقا عليه، وهكذا ولأنها تعانى من مشكلة دونية تستسلم لظروفها حتى تكاد تسقط فى بئر من المآسى ولكن لأن الفيلم واقعى فهو ينتشر بطلته سريعا من جحيم الميلودراما الصارخة فيقدم لها وكما يحدث فى الحياة فرصة لبداية جديدة .. فرصة ضئيلة التى تتاح لها، لتتشببث بها وتعيد من جديد كتابة واقعها وقدرها ، لذا يكون من الطبيعى ألا تنهار عندما تكتشف أن حبيبها الأول لم يعد يحبها تقابل لكنها فى هذه اللحظة بالذات تختار أن تنتقل لمرحلة جديدة مع شخص مناسب.
التركيب الوقعى نجده أيضا فى شخصية ( سلمى زوجة أحمد السقا الثانية ) منة شلبى فرغم أن هذه الشخصية تمثل فى الفيلم النموذج للجرأة والشخص القادر على تحديد رغباته والسعى دون خوف ورائها إلا أن السيناريست لم يستسلم لغواية أنه يحولها لشخص ميثالى أحادى الأبعاد شخصية فلم يجعل منها شخص صاحب حلول نهائية وقاطعة لكنه رسم ماضيها بحيث أظهر فيه قدرا من الاستسلام مثلها فى ذلك مثل غيرها من الشخصيات.
شخصية (قسمت) هى أكثر شخصيات هذا الفيلم تكرارا فى الواقع ، شخصية الزوجة التى تعانى من شعور مزمن أن بينها وبين زوجها جدار لا يمكنها رؤيته لذا فهى لا تستطيع هدمه أو التغلب عليه ، هذه السيدة التى كان من المفروض أن تتخذ قرارها فى اللحظة الأولى التى أدركت فيها مدى الهوة التى تفصل بينها وبين زوجها ، السيدة التى استمرت فى بعثرة حياتها أملا فى تستطيع يوما تحقيق ما لا يمكن أن تحققه ن هذه الشخصية هى الأكثر مأساوية حيث تتوالى عليها الفرص لإعادة ابتكار وتوجيه حياتها لكنها تهملها عن قصد وهى شخصية كان من الممكن أن تحول الفيلم لفيلما مملا لو تم التركيز عليها ، لكن الفيلم أعطاها المساحة الدرامية المناسبة فدفع الجماهير للتعاطف معها بحساب فهى من جانب قد أضاعت جزء كبير من حياتها لكنها على الجانب الآخر فعلت ذلك عمدا وبناء على رغبتها.
وبعيدا عن الشخصيات الأربع الرئيسية (السقا وحبيباته الثلاث) جاءت الشخصيات الثانوية مكتوبة أيضا بشكل جيد واقعى ومتوازن خاصة شخصية جارسونة بار الدرجة الثالثة (بطة بطاطس ) غادة عبد الرازق والتى كتبت بدقة أضاف لها أداء غادة عبد الرازق الممتاز الكثير، وكذلك كانت شخصيتى الأخ الذى يكتم حبه لزوجة أخية ويحاول الإصلاح بينهما (طارق لطفى ) والمدمن ( مجدى كامل) الذى يدمن الخداع والكذب مع إدمانه للمخدرات.
وقد أعجبنى بشكل خاص أن السيناريست عندما قرر أن يكون قصة فيلمه من قطاع طولى فى حياة عدد من الأشخاص يضم فترة زمنية تقترب من عشرة أعوام كان على إدراك بضرورة أن يظهر التطورات التى أحدثها الزمن بشخصيات فيلمه وكيف تغير القطاع الطولى كل منهم من داخله . وهذه سمة ينساها الكثير من كتاب السيناريو لدينا حيث يعتقدون أن مرور الزمن يعنى حدوث عدد من التغيرات الشكلية من الخارج على الأبطال بينما يهملون التغير الأهم وهو تغيير الشخص من الداخل.
منى زكى وعدت جمهورها بأن يكون أدائها فى ( عن العشق والهوى ) مفاجأة وقد وفت منى بوعدها الذى وعدت به كان أداء منى زكى مفاجأة لأنها استطاعت اقناعنا بأنها البنت الغلبانة التى تشعر بالدونية والتى تتكلم وتتصرف كأبنة لحى فقير وتعليم فوق المتوسط ، لكن المفاجأة الأكبر فى تصورى كانت غادة عبد الرازق ، غادة عبد الرازق التى أدت دور الجارسونة التى تبيع نفسها للحصول على لقمة العيش والتى رغم ما يعتريها من لحظات ضعف لا تفقد نفسها كسيدة قوية علمتها الوحدة والحياة الصعبة ألا تستسلم او تشعر بالمهانة ، وقد وصل غادة عبد الرازق فى أدائها التمثيلى لحد عالى من الطبيعية والصدق. وقد ساعد الديكور والملابس والماكياج على خلق بيئة مناسبة لتألق أداء كل من منى زكى وغادة عبد الرازق. وعموما فكون الشخصيات مكتوبة جيدا ولدينا فى هذا الفيلم مخرجة تستطيع السيطرة على أداء ممثليها فقد كان لابد أن يأتى الأداء التمثيلى جيدا لمعظم الأبطال ومع ذلك فقد سقطت المشاهد الأولى من أحمد السقا وكان كأنه قد فقد الكمياء التى تتحقق فى مشاهده مع منى زكى أو كأنه فى داخله يشعر أنه قد كبر على مشاهد حب شباب العشرينات ويبدو أن كاملة ابو زكرى قد تحرجت من إعادة توجيه السقا وهو بهذا الحجم من النجومية، ولكن عموما فإن أحمد السقا قد استعاد جودة أدائه واقناعه فى باقى الفيلم وكان يبدو طبيعا فى دور الزوج الذى يفتقد التحقق فى علاقته الزوجية ويبحث عن نفسه فى علاقة بديلة أما منة شلبى فقد كانت بمثابة قطعة البونبون فى هذا الفيلم ملأت الفيلم بهجة حيوية وأناقة ولم يشوب أدائها سوى جحوظ ( تبريئة ) كان يظهر أحيانا فى عينيها وهو ما قد يكون تعبير غير مقصود ناتج ربما من أثر النحافة الشديدة . أما محمد كامل وطارق لطفى وبشرى كانوا فى أماكنهم الطبيعية يؤدون أدوار مناسبة لهم.
الخلاصة أنه فيما يخص الأداء التمثيلى فقد نجحت كاملة أبو ذكرى تماما أولا فى اختيار طاقم الممثلين المناسبين كل منهم للدور الذى يؤديه وثانيا فى أن تقوم بتوجيههم بشكل جيد لنوعية الأداء ودرجته وثالثا فى أن تضعهم فى بيئة مناسبة (من ديكور وملابس وماكياج وإضاءة) للشخصية والحدث وهو ما يعنى أن كاملة تثبت هنا أنها مخرجة جيدة، لم تدعى أنها تصنع المستحيل أو أنها تقدم فيلم طليعى لكنها أيضا لم تستسهل فقد ركزت وهى تسعى لتقديم فيلم تجارى ناجح أن تقرأ مشاهد من الواقع.. تقدمها بصدق دون افتعال.. تكشف بها النقاب عن جوانب فينا وفى مجتمعنا..
إذن خلاصة الأمر أن فيلم (عن العشق والهوى) هو بمثابة درس فى كيفية عمل فيلم مسلى مبهج ممتلأ بالأحداث لا يفقد واقعيته أو يعتمد على شخصيات مستغربة وغريبة عنا .. فيلم تنبع خصوصيته من أنه يتبع مشاهد واقعية من الحياة اليومية بعمق دون تغريب ولا لطلطة يصل لجوهرها الأصلى، الجوهر الذى يصعب على أفلام أخرى الوصول له، وربما لهذا لم تكن مفاجأة أن يحقق الفيلم نصف مليون جنيه فى أول يومين لعرضه وأتصور أنهسيكون واحدا من أنجح أفلام الموسم وأكثرها استمرارا فى دور العرض.
#غادة_عبد_المنعم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-جماهير السينما- تستحق اللى يحصل لها..!!
-
فاتن حمامة ..العفريته التى خرجت من القمقم..!!
-
إحنا فين ..؟! وإيران فين..؟! بلا سينما بلا ظواهر..
-
هل يفجر مزيدا من المشاعر العدائية ضد العرب..؟
-
..?هل كان بن لادن من أحرق دهب
-
أمريكا ووصفة الديمقراطية فى الشرق الأوسط
-
لا يلزمك أكثر من شائعة أو عود كبريت..إزاي تعمل فتنة..!!
-
أقباط المهجر والمناخ المفتوح..الصراع يبدأ في مصر وينتعش في ا
...
-
-موراى- ساحر وهو لا يفعل شيئا!!
-
لحظات ما قبل الموت ..عن الإنتحار، المخدرات والوهم !!
-
بولانسكي يقلب رواية ديكنز إلى ملحمة يهودية
-
الصحف الخاصة تلعن الحكومة وتغازل كفاية والإخوان
-
فى مصر..الصحف الخاصة تلعن الحكومة وتغازل كفاية والإخوان.
-
بريطانيا قتلت جده وبلير عينه مستشاراً.. طارق رمضان المثير لل
...
-
ما رأى فضيلته فى مأساة فلسطين ومحنة العراق..؟!
-
أمم تعشق السادية وتستمتع بالكهنوت..!
-
سيد قطب ورامسفيلد تخرجا من مدرسة -يهودية- واحدة..
المزيد.....
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|