|
في بلادنا أزمات متراكمة تدفع ثمنها الطبقة الوسطى
فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي
(Fuad Alsalahi)
الحوار المتمدن-العدد: 6798 - 2021 / 1 / 25 - 02:03
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
تتعرض مجتمعاتنا العالمثالثية -اليمن احداها - لمخاطر مركبة ومعقدة وفق الجائحة كورونا التي لايزال غالبية الناس تجهل سببها ومصدرها الحقيقي ناهيك عن جهلهم بكيفية حصولهم على اللقاح ومتى سيكون ذلك .. وعليه فان الاحتياطات الصحية من التباعد واحيانا الاغلاق لبعض الوقت تقلل من فرص الاعمال الصغيرة والمتوسطة وتحول التعليم الى المنصات الالكترونية الامر الذي تضاعفت معه الازمات مرات عدة ، ضف الى ذلك الصراعات السياسية وما نجم عنها من فوضى وعبث سياسي انهارت معه الدولة احيانا او غاب دورها وحضورها أحيانا كثيرة .. من هنا تراكمت المعاناة اقتصاديا وانسانيا لتضم في اطارها جموع غفيرة من السكان الامر الذي حطم مرتكزات الطبقة الوسطى لتنزل غالبية مكوناتها الى طبقة محدودي الدخل والمخاوف هنا ان تختفي هذه الطبقة ليسود في المجتمع طبقتان كما كان الحال في العصر الاقطاعي من يملك ومن لا يملك وفق هيمنة الطرف الاول ليمسك بيده مقاليد السلطة الاقتصادية -الثروة- والسلطة السياسية .وهذا نهج رئيسي للطبقة الرأسمالية المعولمة التي ما فتئت تراكم الارباح بطرق شرعية وغير شرعية وتتوسع في مختلف ارجاء المعمورة .. ومن يتأمل حال المجتمعات الاوربية وامريكا ومثلها تجارب ناجحة في اسيا يكتشف ما نذهب اليه من انكماش كبير في حضور الطبقة الوسطى وهبوط قسم كبير منها نحو طلب الاعانات الاجتماعية لتزداد معها معدلا البطالة والفقر .. ومع استمرار الجائحة كورونا تتراكم الازمات الاقتصادية والاجتماعية بل وحتى الازمات النفسية ومنها الصحة العقلية .. وبلادنا اليمن تتراكم فيها ازمات عدة سياسية تتمثل في اختطاف الدولة وفشل ما تبقى من مؤسساتها مع ازمات اقتصادية لا حدود لها تزامن معها ضعف مؤسسات الصحة العامة وغياب بدائل في المعالجات تخفف الازمات او تتجاوزها الى بر الامان ..ومن ثم فاليمن ومعها دول أخرى في المنطقة منها سوريا وليبيا والعراق ولبنان والسودان وغيرها من دول الربيع تعاني الطبقة المتوسطة فيها من مركب ازمات تهدد وجودها الاجتماعي والاقتصادي دون قدرة واضحة للدولة او مؤسسات الامر الواقع بمعالجات تمكن المواطن من تسيير معيشته وفتح افاق لأمل قادم بالتجديد والنهوض .. انه زمن العولمة والاحتكارات الرأسمالية التي اكملت سيطرتها على الفضاء الجغرافي العالمي ، وتفننت في صناعة الازمات وبؤر النزاع في اكثر من منطقة خارج المركز الاوربي والغربي عموما .. في هذا السياق تبرز الازدواجية الكبيرة بين تراكم الارباح للكثير من الشركات والمصارف العالمية وبين انتشار الجائحة بأرقام مخيفة داخل امريكا واوربا ذاتها والاتجاه البطيء في الانتاج الصناعي للقاحات اعلن انها مفيدة لكن انتشارها ووصولها للعامة لايزال محدودا في المجتمع الرأسمالي ذاته وغائبة خارجه خاصة الدول التي تعاني ازمات سياسية كبيرة .. خلال عقود خمسة منذ منتصف القرن الماضي تصاعد حضور الطبقة الوسطى كما وكيفا في بلادنا العربية واصبح لها ادوار مميزة في الادارة والخدمات والمهن العلمية ومعها ادوار للمرأة ونشاطها الحداثي مع حضور ناشئ للمجتمع المدني وتنظيماته الجمعوية ..وفي اليمن تبلورت طبقة وسطى منذ خمسينات القرن العشرين وفق متغيرات التعليم والمهن الحديثة في مدينة عدن -المستعمرة البريطانية آنذاك- ثم جاءت الدولة الحديثة بنظامها الجمهوري وتبنت برامج تنموية استفاد منها غالبية سكان المجتمع ومعها تعزز حضور الطبقة الوسطى كما لعبت الهجرة دورا كبيرا في ذلك .. واليوم تدخل البلد نفق ازمات متراكمة مع انهيار الدولة وفوضى امنية ومالية افرزت معاناة لامحدودة تكسرت معها مرتكزات الطبقة الوسطى اقتصاديا ومؤسسيا وتهتز مرتكزاتها الاجتماعية والثقافية وساد فيها اهتزاز قيمي واخلاقي .. مع العلم ان كل ادبيات التنمية كانت ولاتزال تنظر لحضور الطبقة الوسطى دليل نجاح للدولة وبرامجها التنموية ..وغياب هذا الأخيرة يؤذن بغياب الطبقة الوسطى الامر الذي مكن اطراف الصراع من تعويم الازمات والفوضى ليكون اللانظام هو النظام مع اختلال اجتماعي وطبقي لا حدود له .. واليمن مثل كل دول العالم الثالث تعيش في طرف النظام العولمي ورأسماليته المتوحشة ولهذا الأخير ترجع احد واهم اسباب الازمات العالمية نظرا لتوحش ادواته الطبقية والمؤسسية مع التأكيد على اسباب اخرى محلية متعددة لا تخفى على المتابع والراصد للأحداث . في هذا السياق تغيب النخب السياسية الوطنية في بلادنا ومعها البدائل اللازمة للخروج من الازمات وإعادة بناء الدولة وهو المشروع الوحيد القادر على تعميم الاستقرار وتعزيز تنمية المجتمع حتى تستعيد الطبقة الوسطى ومعها كل افراد المجتمع عافيتهم ونشاطاتهم الإبداعية والإنتاجية ومعها يستعيد المجتمع حضوره الإنساني وتعزيز ممكناته الحضارية في سياق إقليمي ودلي سريع التغير والتحول . كل مؤسسات التعليم والمهن الصغيرة والمتوسطة والهجرة تعزز من إعادة تشكل الطبقة الوسطى ومعها طموحها في بناء الدولة والممارسة الديمقراطية مستفيدة من متغيرات عالمية كثيرة لكنها تصطدم بجماعات محلية تقليدية الثقافة لا تستوعب مسارات التغير بسرعة كافية الامر الذي يولد معه توجهان اثنان ومعهما اصطفاف طبقي نحو الدولة بصورتها المدنية ونحو الدولة بقاعدتها القبلية والمذهبية . الأول ينزع نحو المستقبل والأخر ماضوي يعزز من دورات العنف والصراع في المجتمع . المستقبل كله مرتكز على متغيرات الثقافة والتعليم والإنتاج ومعه تأسيس حداثة سياسية تتمظهر في دولة مدنية ذات مشروع وطني وهنا يكون الاصطفاف المجتمعي افقيا وعموديا لتعزيز مشروع إعادة بناء الوطن بنظامه الجمهوري ودولة المواطنة و هنا فقط نخرج من نفق الازمات ليكون للبلد والشعب مكان في فضاء واسع من كوكبنا ومكتسباته الحضارية .
#فؤاد_الصلاحي (هاشتاغ)
Fuad__Alsalahi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كورونا بين السياسة والعلم والدين ..!
-
ملاحظة في مفهوم المثقف ..!
-
ايران والخليج ..(مواجهة ام تخفيف التوتر ) :
-
ظاهرة العنف بين السياسي والديني
-
سيناريوهات المشهد الانتخابي الأمريكي ونتائجه
-
السودان بين مطرقة الخارج وسندان الداخل
-
كلمة عن القضية الفلسطينية
-
اعادة بناء النظام الدولي وهيكلته -الضرورة والحاجة -
-
انفجار بيروت ..المعنى والدلالات
-
بؤس النخب السياسية والحزبية في دول الربيع العربي
-
كلمة قصيرة عن الجامعة العربية
-
نظرية الصدمة وازمات المنطقة العربية
-
كورونا ووعي المشتغلين بالعلوم الاجتماعية
-
فشل السياسي والحزبي والمثقف
-
رئيس من العالم الثالث في البيت الأبيض
-
الاقتصاد السياسي مدخل لفهم وتحليل الازمات الراهنة
-
العالم غدا ...!
-
العولمة اعلى مراحل الرأسمالية
-
ما بعد الجائحة كورونا
-
خمس ملاحظات في ازمة كورونا وتداعياتها في الواقع العربي
المزيد.....
-
-جزيرة إنستغرام-.. أكثر من 200 زلزال يضرب سانتوريني في اليون
...
-
-لم أتوقف عن البكاء-.. رصاصة تخترق جدار منزل وتصيب طفلًا نائ
...
-
تشييع جثمان حسن نصرالله وهاشم صفي الدين في 23 فبراير.. وهذا
...
-
-9 آلاف مجزرة وأكثر من 60 ألف قتيل- في غزة.. أرقام مرعبة يكش
...
-
الرئيس الكولومبي يصعّد انتقاداته لسياسات الهجرة الأمريكية وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يفجر 23 مبنى سكنيا في مخيم جنين
-
كيف نطق الإنسان؟ أهم الفرضيات حول أصل لغة البشر
-
ملك الأردن يلتقي ترامب بواشنطن في 11 فبراير
-
نائبة أيرلندية: إسرائيل دولة فصل عنصري والعالم بدأ يدرك ذلك
...
-
دفعة ثانية من الجرحى والمرضى تغادر قطاع غزة عبر معبر رفح
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|