|
انتحار رتبة الجنرال بموريتانيا
محمد ولد الطالب
الحوار المتمدن-العدد: 6797 - 2021 / 1 / 24 - 20:34
المحور:
كتابات ساخرة
( في إحدى أيام شهر يناير 2008، وجد بالبلاد السائبة نص لم يكتبه احد. و لكي يتم التعرف على الكاتب بدأت الناس تقرأ بتلهف تلك العبارات الغاضبة التي تقول " لقد قررت أن انتحر في هذا التوقيت بعد أن أصبحت أمنح للجبان و الدنيء و اللقيط ... صحيح أن الانتحار خيار مر لكن بما أنني قيمة محترمة فقد أملى علي كبريائي أن أنتحر في بلدكم هذا في يومكم هذا ، و أن نكتب حروفي لحظة احتضاري . رتبة الجنرال نواكشوط يناير 2008 ) . قد تفاجئ هذه العبارات – بمقدمتها المجازية – أي قارئ يبحث عن نص يجمع بين معطيات الواقع و تحليله. مع ذلك سيتبين أن تلك العبارات تنطق بلسان الحال من خلال تبني سؤل خطير ، سؤل يقدم نفسه بصيغة : كيف حصل ضباط ( المرابطين ) على رتبة جنرال ؟ لن نكلف اليوم نفسي، إذن ، كثيرا لأنني اخترت أسهل سؤال في الوجود . فكلنا يعرف كيف حصل ، مثلا ، ولد عبد العزيز و و لد الغزاني على رتبة جنرال. أجل ما منا إلا و يعرف كيف منح ولد عبد العزيز لنفسه صفة جنرال ، على يد مخلوق لا يملك من أمره شيئا. و تحقق بذلك عطاء من لا يملك لمن لا يستحق . هناك بالطبع عدد قليل من الضباط ( الحقيقيين) الذين يمثلون خيطا رفيعا يتصل بالضباط الذين شهد لهم ماضي البلاد هنا بامتلاك شجاعة القتال في ساحات الشرف من أمثال: مولاي ولد بوخريص وفياه ولد معيوف وولد انجيان وولد الطايع ..، هؤلاء الذين حاربوا في حرب الصحراء ، و استنفروا و اندفعوا ، في يوم مشهود ، نحو الحدود الموريتانية المغربية على الفور من اتجاه المغرب نحو بناء جدار يلامس حدوده مع موريتانيا، ورفعوا التحدي في وجه السنغال، هؤلاء الذين ما كانوا ليقبلوا أن يساقوا ككلاب بوليسية تبحث عن رهائن فرنسية، و لم يكن للقذافي أن يحلم ، في عهدهم، بأن ( يصلي الشفع ولوتر فينا ، أو علينا). باختصار نشير إلى أن هذا الصنف من الرجال هو الذي يجسد الضباط الموريتانيين الذين حملوا قيم الفروسية و السمو ، و أتقنوا ، على الأقل لغة عالمية ، و لم يخونوا أمانتهم، و مع ذلك لم تتجاوز رتبة الواحد منهم درجة عقيد كحد أعلى. لهذا لا نستطيع ، و نحن نشاهد ما حل بالرتب و المناصب العسكرية من تميع هنا، إلا أن نقول أن ذلك الجيل يمثل أخر دفعة من الضبط الموريتانيين المستحقين للزى الذي يرتدونه .اجل فقد حمل هؤلاء رتبا عادية بعد ما أثبتوا جدارتهم القتالية . و بكل أسف نشير إلى أنه لم يبق من هؤلاء إلا عناصر قليلة أحيل أغلبها ، خلال السنوات الثلاث الأخيرة ، إلى التقاعد خوفا من باسها ووطنيتها. من هنا، إذن، نلتمس الفرق بين ما هو أصيل و ما هو زائف. و للأمانة، نشير إلى أن منح الرتب العسكرية بدون استحقاق قد بدأ في نهاية حكم ولد الطايع. لكن التزوير الكارثي لهذه الرتب لم يحدث إلا بعد زوال حكم هذا الرجل. حيث لم تشهد الرتب العسكرية تزويرا في كل بقاع العالم مثل ما شهده تزويرها في عهد ولد الشيخ عبد الله و محمد و لد عبد العزيز. ففي عهد هذا السيد/ سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله منح ولد عبد العزيز درجة جنرال و كأنه احد الذين لازموا خطوط النار، بينما تكمن الحقيقة هنا في أن السبب الرئيسي في جعل هذا ( الجنرال) ينقلب على سيده ، بعد أن دب الوهن في جسمه/ ولد الطايع ، هو الرعب من إرساله لمواجهة القاعدة ، و في نفس الوقت رزق ولد القزواني بنفس اللقب / جنرال ، وهو الذي لم يخدم يوما واحدا في المجال الحربي. يبدو جليا، إذن، أننا أمام انتحار مكثف للمعنى و عجائب تمنح بموجبها رتبة جنرال لعناصر لم تشتهر إلا بشراهتها في التهام ( لحم الفلك ) و شرب ( الزريك ) ونهب المال العام و النميمة و الحقد و المكر...على وجه التمثيل بالمعني تتبعنا كيف ينتقل شخص من وضع ( ارمود) إلى صفة ضابط قبل أن ينتقل إلى جنرال ، ثم إلى رئيس دولة. و مما هو معروف أن فخامة / السيد الرئيس ( محمد ولد عبد العزيز ) قد واصل نهج الغش في منح الرتب العسكرية ، الذي بدئه في عهد وصايته على ولد الشيخ ولد عبد الله ، من خلال التوزيع الماجن لرتبتي فريق و جنرال لأشخاص ذو تكوين مدني محض . و كما يطفح مجال التعليم و الإدارة... بالعجائب و المبقات ، نجد اليوم أن درجة اللواء و الجنرال، قد غدت توزع كما توزع الجنسية الموريتانية على المغاربة ، أو كما توزع المليارات و الوظائف على أقارب عزيز و غزوانيه، أو كما توزع الغازات السامة على المظلومين المنافحين عن حقوق الناس. أجل فمن يشاهد مدى التلاعب بالرتب العسكرية و صرفها للمخنثين.. ، يدرك أن السيد الرئيس يعمل على إبطال مقولة أن الرتبة العسكرية تنال بالاستحقاق في المجال الحربي.. من خلال منح رتب عسكرية لأشخاص يفهم من درجتها أنهم شاركوا في حروب عالمية أو أنهم قادوا – بنجاح – حروبا للتحرير.. من هنا نشير إلى أنه ، لم يكن لأحد ، في ماضي موريتانيا ، أن يتخيل بأن هذا البلد سيصل سدة المنتهى في تميع الرتب العسكرية بهذه السرعة . لكن عندما تكون السلطة بيد المزورين يمكن أن يحدث كل شيء. و على الرغم مما لهذه الإكراميات ..من أبعاد كارثية و فضائحية، إلا أنني أجد فيها متعة شخصية تتجلى في ما تستبطنه من طرافة مبعثها انتفاء كل أصول الاستحقاق عن الحاملين لها، إلا إذا كانت هذه الترقيات ترتفع طرديا مع ما يضيفه هؤلاء إلى أرصدتهم من مليارات المال العام ، أو أنها تمنح للواحد منهم كلما صوتت نهاية بطنه بأصوات رعدية ( أكرمكم الله ). أقول هذا بعد أن تبين لي أن قوة ابرز ضباط البلاد السائبة ، في هذا التوقيت ، تكمن في قدرتهم على سرقة المال العام و توزيع المنافع على أقاربهم و التنكر لذلك أحيانا. وعليه لن يعد من المبرر أن نصف هذه النماذج الشبحية بالجنرال، إلا إذا كان المقصود بها جنرال في سرقة المال العام ، وفي التلاعب بحقوق الناس . . أخيرا، أنبه السادة (!! الجنرالات ؟؟) إلى أننا لن نسى كيف حصلوا على تلك الأعطيات. وليعلم كل واحد منهم أنه مهما تفاخر ببطنه الملء بالحرام القريب من الأرض قرب الأقزام منها، إلا أن حقائق التاريخ ستبقى شاهدة على أن ما حمله من ألقاب غير مستحقة مجرد ألقاب مملكة في غير موضعها، و أن زيفه ليس إلا كالهر الذي يحاكي انتفاخا صولة الأسد، أو كما يقال ( عنزه ولو طارت ). مقابل هذا الاستعلاء الفارغ لذوي الأزياء العسكرية المرصعة بنياشين النميمة و الحقد و السرقة و المكر، يبقى الأمل معلقا على ضباط الصف الذين اثبتوا في دول الفساد بالمنطقة ( مالي ، مثلا ) أنهم الأجدر بالرتب العليا ممن أعطوها بغير حق رتبا من صنف جنرال. و عليه تغدو مبادرات العقداء المستحقين لرتبهم مطلبا قوميا، مطلبا ملحا في وقت عز فيه ما هو أصيل وجدير بصفته .
#محمد_ولد_الطالب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جامعاتنا تسير بروح العصور الوسطى
-
بيع السيادة ..بعد خمسين عاما من الاستقلال
-
الكتابة في زمن حكم الباعة الغشاشين
-
فريضة التحرك ..بحثا عن دواء جبن بعض المجتمعات
-
عويل وطن تنهشه غربان توهمها الناس سباعا
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|