|
شهداء الوطن فداءٌ لخاطفيه .
يوسف حمك
الحوار المتمدن-العدد: 6796 - 2021 / 1 / 23 - 18:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" في وطني يموت بائع الشاي و الخردة و البالة ، و يعيش بائع الوطن و الضمير و الشرف " أرقى تغريدةٍ عراقيةٍ راقتني ، كونها أروع تعبيرٍ يختزل ليس واقع العراق وحده ، بل كل بلدان الشرق و معظم دول العالم .
تجار الدم و الدين و الوطنية يصرخون ، للهاربين من جحيم حروبهم و شر جرائمهم : عودوا إلى وطنكم ! . و للباقين تحت سطوتهم و طغيانهم : لا تخرجوا من أوطانكم ! . أيُّ وطنٍ سيعودون إليه ؟! ، و أيُّ وطنٍ يعيشون فيه للأبد دون أن يفروا هاربين من لهيب ناره المتأجج المحترق ؟!
وطنٌ يسبح على بحرٍ من النفط الثمين ، و أحواض الغاز النفيس و أطفاله ينامون في العراء واضعين أيديهم على بطونهم الخاوية من ألم الجوع و الطوى . في مسألة الاكتفاء الذاتيِّ عاجزٌ ، و لتوفير الاحتياجات لشعبه من المواد الغذائية و الاستهلاكية عديم الامكانية ، أما الصناعية منها فخارج حدود اهتمامه .
وطنٌ في معاملة أبنائه عنيفٌ ، و لا خيار له في التفاعل مع المصلحين و المبدعين إلا بحد السيف . ليس من عادته الاعتذار عن الخطأ ! ، أما الاعتراف بالفشل فليس من طبعه ! ذهنه مشوشٌ ، و بالترهات محشوٌّ . عقله معطبٌ ، و بالأساطير و الخزعبلات مخترقٌ . تبعيته السياسية و الاقتصادية للدول الأخرى ، ولا استقلالية في قرارته الداخلية و الخارجية على السواء .
وطنٌ غريمه التطوير ، و تحديث الفكر من ألد خصومه ، أما تكييف العقل وفق مقتضيات العصر ، فيصيبه بالدوار ، و يقذفه في دوامة الأرق . حلمه الوحيد التشبه بالكهوف المظلمة و التقوقع في شرنقة الماضي . يعادي العقل بلا هوادةٍ ، فيخدره ببرمجة لعنة التقليد ، ليتقاعس عن وظيفته ، ثم ترويضه على ما يملى عليه فقط ، كما إقصاؤه عن الجدل الذهنيِّ ، و كل همه محاكاة الأسلاف و السير بهديهم .
وطنٌ مهترئٌ ، بداخله وُطَيْناتٌ عديدةٌ ، كلٌ منها تحتمي بأكذوبة الطائفية القاتلة ، للتحايل على المنطق و تحويل النزعة الإنسانية إلى التوحش . يحطُّ من قيمة المُجِدِّ الدؤوب ، و يذل العفيف المبدع . لكنه يرفع الرديء الفاسد ، و يكافئ البوق المصفق ، ثم يعلو شأن المتلون اللاعب على كل الأحبال . و هذه ليست سقطةً كبرى تضاف إلى سجله الحافل بالسيئات فحسب ، بل تعتبر أم الخطايا و الفجور ، كما العلة العظمى للفشل و الهزائم .
عجزه مستديمٌ ، و خيباته مدقعةٌ جداً ، و هزائمه المتكررة فاقت كل التوقعات . إرثه مسمومٌ فاسدٌ ، و حروبه عبثيةٌ . شهداؤه مغفلون ، أيقنوا أنهم شهداء الوطن ، لكنهم ضحوا بأرواحهم في سبيل تجار الدم . أما الجهاديون فهم مخدوعون بدورهم حينما توهموا أن الله ضعيفٌ و بحاجةٍ لعونهم ، فكانت شهادتهم لتجار الدين وحدهم و ليس لله .
لو علم الشهداء منذ البدء أن الوطن مخطوفٌ ، و بات مزرعةً لأصحاب المنافع و الإجرام و ليس ملكاً لكل أبنائه لما استشهدوا . و الجهاديون لو عرفوا أن دينهم حبيس أصحاب العمائم و اللحى لما جاهدوا .
نعم لفاتورة الغفلة ثمنٌ يدفعها المغفل ، غير أن فاتورة غفلة الوطن باهظة الثمن ، لا تقتصر خسارتها على عدة دراهم ، بل تتعدى إلى زهق الأرواح و تدمير البلدان و تمزيق ذاته .
نعم الخيبة مؤلمةٌ بكل صنوفها ، غير أن لخيبة الوطن أشد الألم . و أيُّ وجعٍ أعظم من أن يخذلك الوطن؟! وطنٌ كنت تعتبره أماً و أباً و حبيباً ، و سرعان ما يسقط قناعه ، فتكتشف أنه وطنٌ خذولٌ ، قام بتحطيم كل أحلامك و ترطيمها بصلابة الصخور . و رغم كل مهالك الوطن مازلنا نأمل أن يراجع حساباته ، و يصحح أخطاءه ، فينفض عنه غبار الفشل و الغفلة و الشذوذ و الترهات ، كي يتعافى من سقمه ، و يتخلص من عاهاته المستديمة ، فيحرر نفسه من خاطفيه .
#يوسف_حمك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلوكيات أباطرة المال ، مدعاةٌ للاحتجاجات .
-
حينما يتطوع المثقف برتبة بيدقٍ في إعلام السلطة .
-
لا تغيير على ملامح العام المقبل .
-
للمبادرين بالدخول إلى القفص الزوجيِّ .
-
و مازلنا نبحث عن ذواتنا التائهة
-
حينما يكذبون جهاراً و علانيةً .
-
العبرة بالخواتيم .
-
من تمنطق فقد تزندق !!!
-
نعمة مواقع التواصل مصدرٌ للإزعاج .
-
كانت راية الرسول سوداء ، و لواؤه أبيض .
-
مكر السياسيين و تجار الدين بات فاضحاً .
-
و يبقى الاشتياق للغائبين جارفاً .
-
الانغلاق المؤدلج آفة العقل .
-
شر بلية الغزاة و أذيالهم ، ما يضحك .
-
كونوا سنداً لصنع العباقرة .
-
المعرفة نتاج الخيال المترف .
-
هل الاستعمار أرحم من حكامنا ؟!!
-
أعيادكم ، و المآتم واحدةٌ .
-
السياسة و الدين وجهان للعملة ذاتها .
-
حروبٌ مدمرةٌ ، بدافع الحب اندلعت .
المزيد.....
-
بلينكن يزور مصر في أول زيارة إلى الشرق الأوسط لا تشمل إسرائي
...
-
الجيش الأمريكي يكمل انسحابه من النيجر بعد حوالي سنة من انسحا
...
-
لحظة واحدة أنقذت ترامب.. فوهة البندقية كشفت ريان ويسلي روث
-
الجيش الأميركي يعلن اكتمال انسحابه من النيجر
-
البيت الأبيض يعلق على منشور إيلون ماسك المحذوف عن بايدن وهار
...
-
-ديلي ميل-: بريطانيا غير جاهزة على الإطلاق لتصعيد الصراع مع
...
-
إصابات في حادث انقلاب حافلة سياحية عائدة من موقع -ماتشو بيتش
...
-
الكابينيت الإسرائيلي يعتمد إعادة سكان الشمال لمناطقهم أحد أه
...
-
هل عادت خطة تخفيف الأحمال في الكهرباء بمصر؟ -الإدارة المحلية
...
-
بايدن يجري محادثة هاتفية مع ترامب بعد محاولة الاغتيال
المزيد.....
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
المزيد.....
|