نائب ما قبل عصر البرلمانات

عادل صوما

الحوار المتمدن-العدد: 6796 - 2021 / 1 / 23 - 01:43
المحور: كتابات ساخرة
    

في الفيلم الأوسكاري "أرض الخوف" عالج مؤلفه ومخرجه داوود عبد السيد تجذّر خلل ارتباط كل شيء بالدين في المجتمع المصري، وبعبقرية يُحسد عليها جعل تاجر المخدرات هدهد (الممثل القدير جدا حمدي غيث*) يستشهد بمداخلات دينية وآيات قرآنية حتى لتبرير تجارة المخدرات وقتل أحد مساعديه.
تعمدتُ ذكر الفيلم كإفتتاحية للمقال لأن هلوسة غيبية انطلقت في جلسة مجلس النواب المصري أثناء مناقضة دعم صندوق ضحايا ومصابي العمليات الحربية والأمنية، حين تساءل النائب المصري رياض عبد الستار بأداء مسرحي: لماذا ينص القانون على خصم نسبة من موظفي الدولة؟ أين رجال الأعمال؟ وأين الفنانون؟ ثم أضاف مبررا الاشارة للفنانين: "ليس من المعقول أن يسقط كل يوم شهداء ونترك الفنانين يسعون في الأرض فساداً".
ثارت ضجة في مصر خصوصا في الاوساط الفنية، وبسببها برر نائب العصور الوسطى في برلمان مصر سنة 2021 ما قاله، واقتبس تقنية الترقيع التي يستعملها مشايخ "ساعات رولكس وسيارات بنتلي" الذين يشرحون في الفضائيات في أحيان كثيرة ما ليس لهم به علم.
قال النائب عبد الستار"أنه كان يقصد الفنانين الذين يقدمون أعمالا تحرّض على الفسق والفجور، وأنه يكنّ كل احترام وتقدير للفن الهادف والفنانين الذين يقدمون مسلسلات وأفلاماً هادفة"، ونفى تعمده إهانة الفن أو الإساءة إلى الفنانين، ثم اعتذر بشكل رسمي في جلسة المجلس التالية عن أي إساءة فُهمت من حديثه.
اعتذار النائب الذي يفكر بعقلية ما قبل النهضة عما يدور في لاوعيه واقحام الدين في كل شيء لا يفيد وغير مقبول، لأنه نازع داخلي صميم، تشخيصه العلمي مرض تقييم الناس دينيا عن أي عمل يقومون به في حياتهم، وهذا المرض يفسر بوضوح الزلازل غير المبررة التي تهز مصر (عشرة ألاف سنة حضارة مكتوبة) إذا ارتدت فنانة فستانا يظهر مفاتنها، أو قال أحدهم عبارة تستخف بالغيبيات.
هل المطلوب اصلاح الخطاب الديني في الدول ذات الأغلبية المسلمة أو نشر التوعية بخطورة سيطرة الاستشهاد بالدين على كل أمور الحياة، حتى خصم نسبة من معاشات الناس لدعم مصابي الحرب والعمليات الأمنية؟
لا يصلح كل ما قيل في كل الاديان لكل عصر. هذا بيت القصيد، ولو تعامل الناس مع ظاهرة المياه الملوثة، على سبيل المثال، بما ورد في الاحاديث الصحيحة فسوف تتفاقم وتصبح وباءاً.
عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يُقال له إنه يُستقى لك من بئر بضاعة وهي بئر يُلقى فيها لحوم الكلاب والمحايض وعذر الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الماء طهور لا ينجسه شيء. رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وأحمد.
هل يستطيع النائب رياض عبد الستار ومشايخ "رولكس وبنتلي" أن يشربوا من بئر بالمواصفات نفسها؟ أم أن النائب يشرب مياها معدنية معبأة في زجاجات معقمة اشتراها مجلس الشعب من أموال الحكومة وهي ضرائب الشعب وديون مصر؟
النائب المذكور لا يصلح عقليا لمنصبه في هذا القرن لأنه لا يتعامل بمفرداته، وهو لم ينضج أيضا لأنه يعتبر ما يراه على الشاشة حقيقة.
واضح جداً أنه لا يدرك أن الممثلة التي تلعب دور مومس هي ليست مومساً بل تجسّد شخصية مومس ومن ثمة لا تحرّض على الفسق والفجور، وأن الممثل الذي يلعب دور مثلي الجنس لا يحرّض على الفسق والفجور بل يمثِّل، وبهذه الادوار يريد المؤلفون علاج خلل ما في المجتمع، وهي أغراض هادفة.
حتى كلمة أفلام هادفة رددها النائب بدون أي معنى أو فهم، لأن الممثلة التي تؤدي دور مومس، فيلمها هادف وهو تحذير المرأة من هذا الطريق كوسيلة للعيش. وهكذا ممثل دور تاجر المخدرات والقاتل والجاسوس والشيخ الذي يعالج الفشل الكلوي بتعويذة وضابط الشرطة الفاسد والنائب الفاشل والوزير المرتشي والرئيس الذي يستخير الله بدلا من استشارة متخصصين في شؤون ما يريد تحسينه.
ليس مستبعداً أن يقول النائب نفسه يوماً أن محمود المليجي وفريد شوقي وتوفيق الدقن كان يجب أن يحاكموا لأنهم حرضوا على القتل حين قتلوا عددا كبيرا من الناس في الأفلام، وأن شادية تحجبت تكفيرا عن ذنب شخصية لها كفتاة ليل في احدى روايات نجيب محفوظ السينمائية، وأن أغنية "بين العصر والمغرب" يجب أن تُزال من أرشيف الاذاعات لأن اللاتي غنوها طلبن من الله أن يميت رجلهن حتى يصير شابا مليحا أعجبن به حلالاً لهن.

*حمدي غيث هو الممثل الوحيد الذي لم يقتبس بعض أو كل أداء مارلون براندو في فيلم "الأب الروحي"، ومثّل شخصية هدهد بطريقة هي أقرب ما يكون لتاجر مخدرات في الحياة، وبعيدا حتى عن كل أداء الممثلين النمطي قبله وبعده المقتبس مصريا من محمود المليجي.

#عادل_صوما (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات