|
سجن الأمومة
منال حميد غانم
الحوار المتمدن-العدد: 6795 - 2021 / 1 / 22 - 18:18
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
ان تكوني اما يعني ان ترتدي اساور غير قابلة للخلع مدى الحياة . ويستحسن ان تقولي ذلك همسا واذا فكرتي بأن تجهري به ولو لمرة فأنتي جاحدة بالنعمة الربانية، ولست ناقمة على تصنيفهم للأدوار في هذا المجتمع . لغز الامومة كان ومازال يشكل ازمة لدى نسويات العالم فأرجحته بين ان يكون غريزة او ان يكون وظيفة اجتماعية او الجمع بينهما شكل فارقا وانقسمت من اجله النسويات الى مدارس مختلفة. فاعتبار الامومة غريزة يعني ان المرأة وحدها او الأسرة بشكل عام مسؤولة عن الطفل فالدولة غير مضطرة لأن تهتم بغرائز البشر واليات اشباعها ،واعتبار الامومة وظيفة اجتماعية يعني ان الام كائن منتج لفرد اخر ويستحق الامتيازات ومن أهمها المشاركة المجتمعية بالعناية به وتوفير سبل التعاون معها في تنميته . او اعتبار انها غريزة لكن لاتعود بالنفع على صاحبها فقط بل على المجتمع من خلال انتاج فرد اخر سيكون اداة بناء للبلد الذي يتواجد فيه فهنا يتم منح امتيازات ولكن ليس كما النوع الثاني وانما بدرجة اقل . وبكل الأحوال فأن المرأة هنا لا يتم الحديث عنها الا في اطار انتاجيتها ومدى نفع هذه الانتاجية( الأطفال )و فيما اذا كانت ذات نفع خاص ام عام. ومحليا وفي العراق تحديدا هي مجبرة ان تعرف ان الامومة هبة ربانية لايمكن نقدها او التململ منها لانها إذا شكت اعباء امومتها فهي الجاحدة للنعم الملامة على عدم حمد الله وكأن مشكلتها مع الله وليس مع البشر ذوي السلطة حتى على جسدها فالمرأة هنا لاتملك حرية تناول حبوب منع الحمل او لا ،ولدى اكثر الاسر تقدما يتوجب مشاركة قرار الحمل او عدمه مع الزوج الذي لايفقه معنى ان يكون أما يلقى على عاتقه الم ولادة لا يحتمل ورضاعة مكبِلة لمدة سنتين فلا يجوز للمرأة أن تفطم صغيرها قبل ذلك فهي الانانية المنشغلة بنفسها وبراحة جسدها إذا فعلت ذلك ولا يفهم ان من تكون اما سوف تكون مسؤولة حرفيا عن هذا الطفل وكأنها ام عزباء فهي المسؤولة عن سلوكه ودراسته وعلاقاته وشخصيته ودينه وكل شيء يتعلق به بنسبة 90% من اجمالي الالتزمات . ولا اعرف كيف يشاركني القرار في حملي من عدمه من لايشاركني الألم او السهر او التعب او خسارة العمل والطموح والدراسة وحتى الجسد . فالقرارات القابلة للمشاركة هي التي تمس طرفين او اكثر لكن الامومة لا تمس الرجل بكل تداعياتها ولذلك لايملك حق التقرير . ومع ذلك هو من وضع قوانين تمنع الإجهاض حتى في حالة الاغتصاب وهو من جعل مسألة منع الحمل في الدين اشكالية عظيمة تدفع بصاحبتها الى الجحيم . تحت ظل تلك الامومة هي معرضة لخسارة وظيفتها او منحتها الدراسية او بعثتها او غيرها من الأعمال لمدة سنتين فما فوق ، وحتى ان قبل الزوج بقرار منع الحمل فسوف يجعلها تترنح كمتسابق خاسر في نزال بين مجموعة من الطرق مدمرة على المدى البعيد فيما يخص صحة العظام والمبايض او تخلق لها الاضطرابات النفسية او البدانة او النزيف الشهري او الالم الذي يصاحب الدورة الشهرية الذي يوصف على أنه مخاض يتجدد كل شهر كما وصفته احدى مستخدمات الابر الدورية الخاصة بمنع الحمل وكأن المرأة تملك غريزة جنسية لوحدها وهي من تتحمل لاجل الظفر بها كافة الآلام فلا يكلف الزوج عناء البحث عن طرق للذكور خاصة بمنع الحمل وهي متوفرة فهو من يحصل على حقه كامل بالاستمتاع بلا نقصان وبخلافه يستطيع ان يخون مع مجموعة من المبررات المجتمعية يذكرها اينما حل وارتحل . من يتتبع مفهوم الامومة الذي يسقيه المجتمع لأناثه ليعرفن دائما و ابدا ان واجبهن الأسمى هو الحمل والولادة ورعاية الطفل وملازمة المنزل لأجله، يجده اقرب للأساطير وبعيد عن الجانب العلمي تماما فالأم لديهم اشبه بالكائن الخارق الذي يقوم بكل المهام بدون ان يشكو ولايتصورون وجود امرأة ترفض فكرة الامومة بنفس درجة الاستغراب من وجود نساء غير جنسيات ويعشن بشكل طبيعي جدا .فلذلك يستغربون وجود الاطفال الحديثي الولادة ملقين في الازبال او في حمامات المستشفيات ، او عالقة بحالة الامومة ولاتستطيع الفكاك منها ، او قررت ان تنفك منها وهي من الاساس لم تكن تملك خيار ان تكون اما ام لا ، يلومها الجميع ويشككوا بتوازنها النفسي والحقيقة ان العلاقة الجارفة التي تنشأ بين الام وطفلها تنشأ بمرور الوقت وبفعل المحيط وتوجيههم فالكثير من النساء يشعرن بأن الطفل الذي تمت ولادته هو غريب عنها لكنها من باب حاجة الطفل الصغير لها تعتني به ثم تتطور العلاقة بينهما . وحشد الاخوات والامهات اللواتي يحطن بها هو من يقويها في بادئ الأمر لتحمل المصاعب والسهر وتقبل الحياة الجديدة بأكملها . الامومة سجن بالمعنى الذي نعيشه وليس كما هو متخيل او كما يجب ان يكون، يعشن النساء خلالها رحلة مفرغة من معنى ان تجد لنفسها وقتا لايتجاوز بضع دقائق للتفكير او المراجعة ، ولا تجد وقتا لجسدها الذي يبقى مهملا لأجل زيادة نسبة الحليب ووجهها الذي يرهقه النوم المتقطع او عدمه واحلامها التي سوف تبقى على الرف لما يقارب العشر سنوات من عمر الطفل فتضيع الفرص خلالها وينقص عقد من عمرها ولن يعلم الجميع ان غياب عقد من عمر أمرأة يعني لها الكثير فهي بعمر الخمسين تصير سلعة مكانها المستودعات ومن عمر الثلاثين تصبح سلعة منتهية الصلاحية سواء في العمل او الدراسة . اما الامومة بالمعنى المثالي الذي لن يتحقق عندنا فهو ان يتم معرفة ان للمرأة قرار يجب ان يحترم بالانجاب او عدمه وهي سيدة هذا القرار مادامت تتحمل غالبية اعبائه عندها فقط نستطيع ان نقول انها مسؤولة عن طفلها ويجب ان يلتزم الاب بمسؤولية هو خلقها لنفسه وهو ان يكون ابا وليس صراف آلي ولا متفضل بنطفة اعطاها بالمجان لهذا المجتمع ولتلك الزوجة بشكل خاص. الامومة كالأبوة تماما وليست الابوة اقل منها في شيء ولكن حصر المرأة بمهمة معينة هو من جعل الامومة تزداد ثقلا يوما عن يوم ويزداد بعد الاب عن مسؤولياته حتى ايقن انه متفضل كونه صراف آلي ومقتنع بتلك المهمة فلا يلوم نفسه عند وقوع تربية الطفل في غلط ما وانما يلوم زوجته . الامومة نتاج مجتمع اراد بطريقة غير شعورية بل من تقليد جاء من آلاف السنين ان تبقى المرأة تحت سلطة الرجل ولها وظيفة تسمى الامومة وادارة المنزل وتأخذ عنها أجرا وهو طعامها وشرابها وسكناها ويجب ان تقتنع هي أيضا بذلك. ودعمت الاديان هذا وبالغت بتعظيم دور الام بشكل لايظهر الشقاء الذي تعانيه بل يجعله لذيذا معسولا تتمناه كل انثى لتتقرب به الى الله . فالمؤسسة الدينية مؤسسة ابوية بالدرجة الاساس ووجدت لكي تسند النظام الابوي وليس العكس ولذلك مجدت صورة المرأة الام وجعلت تحت اقدامها الجنة حتى لو كانت عاهرة . فحبس النساء في البيوت ليست مهمة سهلة بل شاقة استغرقت مايقارب ستة الاف سنة لكي تنتقل المرأة من العصر الامومي الى العصر الابوي الذي استطاع تقييد النساء بهذا الشكل يساعده الدين كنصير وحليف لايمكن الاستغناء عنه . وبمرور الوقت وصلنا الى تنصل الاب التام عن رعاية الصغير وايكال تلك المهمة للأم مستهلكا بذلك كل وقتها وتفكيرها وصحتها وحتى تفرغها وقدرتها على ان تثور وتتمرد على الوضع القائم . ان تضخيم دور الامومة بهذا الشكل لايخدم سوى الرجال المبدعين في ايهام نصف المجتمع بأن مكانهن بالدرجة الأولى البيت ومهمتهن الجديرة بالاحترام والتقديس هي الامومة وتدبير المنزل وإنشاء جيل المستقبل اما هن وطموحاتهن واحلامهن فللجحيم. وشربن الكأس جميعا حتى صرن يرددنه من بعدهم .
#منال_حميد_غانم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجارة الصلاة تفضح فقر النساء
-
بترول العراق ونسائه
-
المؤتمر الدولي لمكافحة الاحزاب
-
بيننا طفل وليس غنيمة حرب
-
كورونا تفتح شهية الزواج
-
القانون المخيف
-
الخريجات تمرد نائم
-
البرلمانية المغتصبة
-
شعار الدولة مكتوب على اجساد النساء
-
النسوية والتعري ..
المزيد.....
-
ضحيتها -الطالبة لالة-.. واقعة اغتصاب تهز الرأي العام في موري
...
-
الاغتصاب: أداة حرب في السودان!
-
غوتيريش: غزة بات لديها الآن أكبر عدد في العالم من الاطفال ال
...
-
-المانوسفير- يصعّدون هجماتهم ضد النساء بعد الانتخابات الأمير
...
-
حجاب إلزامي وقمع.. النساء في إيران مقيدات منذ أكثر من 45 عام
...
-
أيهم السلايمة.. أصغر أسير فلسطيني
-
سابقة في تاريخ كرة القدم النسائية السعودية
-
سجل وأحصل على 800 دينار .. خطوات التقديم في منحة المرأة الما
...
-
سجل وأحصل على 800 دينار .. خطوات التقديم في منحة المرأة الما
...
-
بزشكيان: قبل فرض قوانين الحجاب الجديدة يجب إجراء محادثات
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|